بين الدولرة والمضاربات العنيفة التي تشهدها السوق الموازية في مصر، يظل الجنيه المصري في حال حرب على رغم التحركات المكثفة التي يجريها البنك المركزي المصري لتقليص أزمة حدة شح العملة الصعبة في البلاد. وفي إطار تعزيز الحصيلة الدولارية تواصل البنوك العاملة في السوق المصرية بقيادة البنك المركزي رفع سعر صرف الدولار الأميركي، ليجري تداوله في الوقت الحالي عند مستوى 24.60 جنيه، مقابل نحو 15.74 جنيه في بداية العام الحالي.
وفيما يربط محللون بين بدء انفراج أزمة الدولار ووصول أول حزمة تمويل من صندوق النقد الدولي، والتي تم الإعلان عنها في نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، في إطار حصول مصر على حزمة تمويل بقيمة تسعة مليارات دولار، لكن حتى الآن لم يدرج اسم مصر على جدول أعمال المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي الذي يبدأ اجتماعاته في السابع من ديسمبر (كانون الأول) الحالي.
في السوق الرسمية، وعلى رغم حال الهدوء والحذر، فقد استقر سعر صرف الدولار في البنوك والبنك المركزي المصري عند مستويات لا تتجاوز 24.62 جنيه، لكن في المقابل تشهد الصفحات التي تتابع سوق الصرف على منصات التواصل الاجتماعي ارتباكاً شديداً بسبب الأسعار المعروضة التي وصلت في بعض المنشورات إلى 30 جنيهاً للدولار.
الأوضاع لن تتغير
وكشف أحد التجار، طلب عدم ذكر اسمه، أن الحل الوحيد في أزمة المضاربات التي تشهدها سوق الصرف الموازية، هو أن تقوم البنوك بتوفير الدولار بشكل سلس وميسر للمستوردين، مشيراً إلى أن غالبية المستوردين الذين لديهم بضائع محتجزة في الموانئ المصرية بسبب عدم وجود الدولار، يلجأون إلى السوق الموازية لتوفير التمويلات الدولارية اللازمة للإفراج عن بضائعهم حتى لا تفسد هذه المنتجات وهي مكدسة في الموانئ المصرية. وأشار إلى أنه يمكن للبنك المركزي المصري أن يقوم بوقف تسلم أي دولارات من أي مستورد من دون معرفة مصدرها بشكل رسمي، وفي حال عدم وجود مصدر معروف لهذه الدولارات، فيجب ألا تتسلمها البنوك لإقرار الاعتمادات المستندية أو صدور أي خطابات للإفراج عن البضائع، بالتالي ستهدأ وتيرة المضاربات التي تشهدها السوق الموازية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وكان المحلل الاقتصادي هاني جنينة قد كشف، في تصريحات سابقة، أن وصول أول شريحة تمويلية من صندوق النقد الدولي سيدفع إلى تماسك الجنيه المصري مقابل الدولار، لكن في الوقت الحالي لا يمكن الحديث عن استقرار سوق الصرف في مصر. وأشار إلى أن عودة الحكومة المصرية إلى تنفيذ برنامج الطروحات يعد الحل السريع للأزمة التي تشهدها مصر في الوقت الحالي.
لكن حتى الآن، ما زالت التوقعات السلبية تحاصر الجنيه المصري. وكشف بنك "نومورا" الياباني، في مذكرة بحثية حديثة، عن أن مصر هي الدولة الأكثر عرضة لأزمة عملة بين الأسواق الناشئة خلال الأشهر الـ12 المقبلة. وتصدرت مصر القائمة بين 32 سوقاً ناشئة مدرجة على مؤشر "داموكليس" التابع لبنك "نومورا"، مما يعد مؤشراً على فرصة قوية بأن البلاد ستتعرض لأزمة في سعر الصرف خلال الأشهر المقبلة.
ضغوط التمويل الخارجي
وفي السياق ذاته، كانت وكالة "فيتش" للتصنيف الائتماني، قد أعلنت تعديل نظرتها المستقبلية للاقتصاد المصري من "مستقرة" إلى "سلبية"، مرجعة ذلك إلى "تدهور" وضع السيولة الخارجية للبلاد. وأبقت الوكالة على التصنيف الائتماني للبلاد عند مستوى B+، وعزت ذلك إلى النمو الاقتصادي القوي و"الدعم الدولي القوي" من الحلفاء الخليجيين والشركاء الدوليين.
لكن في الوقت نفسه، حذرت الوكالة من أنها قد تخفض التصنيف خلال الأشهر المقبلة إذا استمرت ضغوط التمويل الخارجي أو لم تتمكن الحكومة من خفض العجز وتقليص نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي. في وقت يعكس التخفيض "تدهور وضع السيولة الخارجية وتراجع آفاق الوصول إلى سوق السندات، مما يجعل البلاد عرضة لظروف عالمية معاكسة في وقت ارتفاع عجز الحساب الحالي وآجال استحقاق الديون الخارجية".
كيف يتحرك الجنيه مقابل الدولار في البنوك؟
في سوق الصرف الرسمية، سجل أعلى سعر لصرف الدولار في بنوك الاستثمار العربي والمصري الخليجي ومصرف أبوظبي الإسلامي، عند مستوى 24.58 جنيه للشراء، مقابل 24.60 جنيه للبيع. وفي خمسة بنوك بقيادة بنك المشرق والكويت الوطني سجل سعر صرف الدولار مستوى 24.55 جنيه للشراء، مقابل 24.60 جنيه للبيع. وسجلت الورقة الأميركية الخضراء مستوى 24.54 جنيه للشراء مقارنة بنحو 24.62 جنيه للبيع لدى البنك المركزي المصري. وكان أقل سعر لصرف الدولار في 10 بنوك بقيادة بنك البركة وقناة السويس عند مستوى 24.50 جنيه للشراء، مقابل 24.60 جنيه للبيع. وفي أكبر بنكين حكوميين هما البنك الأهلي المصري وبنك مصر استقر سعر صرف الدولار عند مستوى 24.50 جنيه للشراء، مقابل 24.55 جنيه للبيع.
البيانات التي أعدتها "اندبندنت عربية" تشير إلى أن الدولار الأميركي شهد ارتفاعات بأكثر من 620 في المئة مقابل الجنيه المصري منذ بداية عام 2000 وحتى قرار البنك المركزي المصري بخفض قيمته خلال ثاني اجتماع استثنائي في 2022. وقفز سعر صرف الدولار الأميركي من مستوى 3.42 جنيه في عام 2000 إلى مستوى 24.62 جنيه في الوقت الحالي. وعلى خلفية هذه الارتفاعات يبلغ متوسط المكاسب السنوية للدولار مقابل الجنيه المصري نحو 28.20 في المئة خلال الـ22 عاماً الأخيرة.
ومنذ بداية العام الحالي تشهد سوق الصرف في مصر تحولات كبيرة بعد ظهور فجوة ضخمة في سعر صرف الدولار في السوق الرسمية والسوق الموازية. وعقب التعويم الأول الذي أعلن عنه البنك المركزي المصري في اجتماعه الاستثنائي خلال مارس (آذار) الماضي، تراجع سعر العملة المصرية بنحو 24 في المئة، بعد أن قفز سعر صرف الدولار من مستوى 15.74 جنيه إلى نحو 19.64 جنيه في نهاية أكتوبر الماضي.
لكن منذ التعويم الثاني في نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وحتى الآن، تراجع سعر الجنيه بنحو 25.25 في المئة، بعد أن ارتفع سعر صرف الدولار من مستوى 19.64 جنيه إلى نحو 24.60 جنيه في الوقت الحالي. وفي ما يتعلق بإجمالي خسائر الجنيه المصري منذ مارس الماضي وحتى تعاملات اليوم، فقد تراجعت العملة المصرية بنحو 56.28 في المئة من مقابل الدولار، بعد أن صعدت الورقة الأميركية الخضراء بنحو 8.86 جنيه.