لعب بلعب

تسمى الساحرة والمستديرة، وهي حديث قريتنا الكونية حيث تجري بطولة كأس العالم في بلد عربي للمرة الأولى، التنظيم والمستوى جعلا من دورة كأس البطولة هذه السنة مميزة عن بقية الدورات السابقات بجميع المقاييس.
هي لعبة كرة القدم التي يتسمر لمتابعتها مئات الملايين من البشر، وهي مشتقة من لعب، واللعب هو المزاح، وهو الرياضة وهو نظم القصيد، فيقال "يلعب الشاعر"، أي يقول الشاعر. وهو الخديعة أيضاً، فيقال "لعب عليه"، أي خدعه وغشه، كأن يحاول النظام في إيران أن "يلعب" على الشعب بإعلان إلغاء "شرطة الأخلاق" التي كانت وراء مقتل الشابة مهسا أميني في سبتمبر (أيلول) الماضي، مما أشعل الاحتجاجات العارمة التي لا تزال مستمرة حتى اليوم. بعض المراقبين يرون أن محاولة "اللعب" على الشعب الإيراني وامتصاص غضبه قد تأخرت كثيراً، وأن هذا التنازل لا يكفي المحتجين الثائرين.
ويقال: "روح العب بعيد"، كناية عن أن المتحدث ليس بالصيد السهل لمن يحاول خديعته، و"لا تلعب بأعصابي"، أي لا تقل شيئاً يمنيني ثم لا أحصل عليه. أما المشاعر فيقال إن من لا يقدرها "يتلاعب" بها. والملعبة باللهجة الخليجية هي الميدان، وغالباً ما يكون ميدان لعب الصغار أو ميدان المطارحات الشعرية التي تسمى "قلطة"، وميدان الرقص، كأن يقال: "ثم طبت فلانة بالملعبة"، أي نزلت ترقص. وفي مصر اشتهرت أغنية شعبية مطلعها "العب يا لا"، أي ارقص يا ولد، والولد هنا ليس ذكراً بالضرورة.
واللعبة هي الدمية، وتسمى ببعض لهجات الخليج "لعبوبة"، وتجمع بكلمة "لعابيب". وأية مسابقة تنافسية ذهنية أو رياضية يمكن أن تسمى لعبة.

 واللاعب المحترف المهاري يسمى بمصر "لعيب"، ويسمى بالخليج "لاعوب"، واللعوب هي البنت "الدلوعة" التي تتغنج، وهي التي قال فيها الشاعر الأمير خالد الفيصل:

تراه من بد العذارى لعوب *** يضحك وفي ضحكه سلوب للألباب

 وفي قصيدة أخرى، قال الشاعر نفسه:

أشبهه باللي عسيف من الخيل *** تلعب وأنا حبل الرسن في يديا

وقد قال لي الشاعر الصديق حمود البغيلي إن في هذا البيت إيحاءات معينة، فاللعب هنا مختلف، قلت له: أنتم الشعراء أعرف بما في بطونكم من المعاني!
والملاعبة فخذ من قبيلة مطير المعروفة، ومن ينتسب لهم يسمى "ملعبي"، ولعلهم سموا بذلك لأنهم اشتهروا بقول – لعب - الشعر، وابن لعبون شاعر شعبي نبطي خليجي شهير عاش متنقلاً بين الكويت والمملكة العربية السعودية، وشاعت قصائده وغنيت كسامريات، ولعل أشهرها سامرية:

يا علي صوت بالصوت الرفيع *** يا مره لا تذبين القناع

 ويدخل اللعب بالسياسة، فيقال تلعب المملكة العربية السعودية دوراً محورياً في المنطقة العربية، وتلعب دوراً اقتصادياً مهماً في سوق الطاقة العالمية، ولعب هذا الدور هو الذي خولها لتنظيم ثلاث قمم هذا الأسبوع: القمة السعودية - الصينية والقمة الخليجية - الصينية والقمة العربية - الصينية. وإضافة إلى الدور الذي تلعبه المملكة، فإن رسائل هذه القمم تعلن أنه لا يوجد "لاعب" دولي واحد في منطقة الخليج والشرق الأوسط، وأن استقرارها يتطلب أكثر من لاعب دولي على مسرحها لهم جميعاً مصلحة في أمنها واستقرارها.

تتصاعد الاحتجاجات والإضرابات في إيران رافعة مطالب مختلفة، ولكنها تجمع في جوهرها على رحيل النظام، الإدارة الأميركية الحالية تعلن بمناسبة ومن دون مناسبة أنها تنشد تغيير سلوك النظام، وليس تغيير النظام نفسه، ولكنها في الوقت نفسه تسعى جاهدة وبسرية إلى إحياء الاتفاق النووي مع إيران، مما سيؤدي إلى رفع العقوبات عنه وتقويته على حساب الشعب الإيراني الثائر وعلى حساب استقرار المنطقة ووقف التدخلات التخريبية الإيرانية فيها. الموقف الأميركي - والغربي عموماً - من احتجاجات إيران يعزز من يفسر كل ما يجري على أنه "لعب بلعب".