يعجّ الفضاء الرقمي لمجموعات يمينية متطرفة تنشط على شبكة الانترنت بأنباء اعتداء مزعوم تعرض له آندي نغو، الصحافي ورئيس تحرير مجلة "كوبليت" الالكترونية اليمينية، على يد ناشطين من حركة "أنتيفا" المعادية للفاشية، وذلك خلال احتجاج في بورتلاند، بولاية أوريغون الأميركية، مما أسفر عن إصابات اشتبه في أن إحداها قد تسببت بنزف دماغي.
في الواقع، سرعان ما وصلت أنباء الحادثة إلى شاشات القنوات التلفزيونية لشبكات "الكابل"، فانتشر الخبر على نطاق واسع، حتى أن شخصيات بريطانية، مثل توبي يونغ، بادرت إلى انتقاد عودة حركة "أنتيفا" الى النشاط من جديد مع أنها تُعتبر مجموعة متطرفة وعنيفة لاتتردد بمهاجمة من يختلفون معها في الرأي.
اسمحوا لي أن أكون واضحاً تماماً ، فأنا لا أعتقد أن هناك من يستحق التعرض للاعتداء الجسدي أثناء قيامه بعمله المشروع، أياً كان هذا الشخص، وحتى لو كان استفزازياً مثل نغو.
لكن عندما تصغي إلى بعض الرسائل الصادرة عن مجموعات اليمين المتطرف، قد تتخيل أن الاعتداء على نغو قدم على طبق من ذهب لهذه المجموعات فرصة نفيسة، تُشبه مقتل النازي هورست فيسل، وقد بدأوا باستغلال هذه الفرصة.
و فيسل ، 22 عاماً، كان قائد "قوات شتورمابيلتونغ" (أو قوات الصاعقة) النازية في إحدى مناطق برلين الذي توفي في المستشفى إثر تعرضه لرصاص أعضاء في الحزب الشيوعي الديمقراطي الألماني قرعوا بابه ليلة 14 يناير(كانون الثاني) عام 1930.
مثّل موت فيسيل فرصة دعائية لامثيل لها بالنسبة للنازيين الذين استغلوها كل الاستغلال. لم يكن موت قائد، شاب ووسيم، في قوات الصاعقة أداة استقطاب عظيمة لهم فحسب، بل بثّ الرعب أيضاً في قلوب الكثيرين من أبناء الطبقة المتوسطة التي كانت ستحمل النازيين لاحقاً إلى السلطة.
في حقيقة الأمر، كانت المناوشات العنيفة المستمرة بين قوات الصاعقة والحزب الشيوعي الديمقراطي، خصوصاً في برلين، موضع استغلال شديد من جانب الحزب النازي المتنامي وقتذاك. ودأبت وسائل إعلامهم، وكذلك معظم الصحف الرئيسية، على تسليط الضوء بقوة على تهديد العنف "البلشفي" وتضخيمه لإظهاره كتهديد وجودي لجمهورية فايمار.
والواقع أن اليمين المتطرف يبدواليوم وكأنه يدرك أهمية لعبة التضخيم وثمارها الدعائية. ففي أعقاب الاعتداء على نغو، ردّد مؤثرون وناشطون يمينيون بارزون ، مثل مايك سيرنوفيتش و إيان مايلز شونغ و جاك بوسوبيك قصصاً تزعم أن يساريين يستخدمون شراباً من مخفوق الحليب الذي يحتوي على اسمنت سريع الجفاف وأسلحة أخرى.
سرعان ما التقطت وسائل الإعلام الرئيسية هذه الحكايات، واعادت بث المزاعم التي اشتملت عليها. لكن لم يظهر حتى الآن أي دليل قوي على صحة هذه الروايات.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
هنا يبرز السؤال، ما السبب في كل هذا؟ والجواب بسيط.
تدرك المجموعات الصغيرة والكبيرة التي تقف في أقصى اليمين أن الشيء الوحيد الذي يمكن أن ينجح في إعاقة تمدّد الفاشية هو حجم الأعداد التي تتصدى له بشكل مباشر.
فإذا تردد الناس في الخروج لمعارضة اليمين المتطرف على الارض، خشية أن يقعوا ضحية العنف الذي يمارسه البعض، أو ربما تجنباً لوصفهم بأنهم من جماعة أنتيفا " الخطرة"، فإن اليمين المتطرف يعلم حق العلم أن بوسعه حينذاك أن يسرح ويمرح لأن الميدان سيخلو له.
حذاري من الاعتقاد الخاطئ بأن سفاحي أنتيفا الملثمين التي تُفرد قنوات "الكابل" التلفزيونية لصورهم حيزاً بارزاً في نشراتها الإخبارية هم من يقتلون الناس ويشوهونهم.
في هذا السياق، ذكرت "رابطة مكافحة التشهير" أن 50 شخصاً قُتلوا العام الماضي في الولايات المتحدة، على ايدي افراد لهم صلات باليمين المتطرف، وهذا الرقم يمثل تقريباً جميع ضحايا الإرهاب المحلي الذي شهدته البلاد في ذلك العام.
لم يكن أي من هؤلاء القتلة على صلة من قريب أو بجماعة أنتيفا.
يتخطى العداء للفاشية حدود الصورة النمطية لملثمين يلوحون بأعلام و لافتات تحمل عبارات التنديد، فهو في الواقع سلوك يدافع فيه المجتمع عن نفسه من خلال أشخاص من الخلفيات الدينية والعرقية كافة، ممن يوحدون صفوفهم لحماية أنفسهم والآخرين بطريقة سلمية ومباشرة.
هل تتذكرون مسيرة "وحدّوا اليمين 2" التي شهدتها واشنطن دي سي العام الماضي؟ نظّم تلك المسيرة بعض الوجوه نفسها التي كانت تقف وراء احتجاج شارلوتسفيل الدامي ، وكانت فيها مجموعة صغيرة إلى حد يثير الشفقة من المتظاهرين الذين بدوا وكأنهم نقطة في بحر آلاف الناشطين الذين جاؤوا معاً لوضع حد للصمت حيال الفاشية. كان هناك غناء ورقص، وجلبة وصلت إلى السماء مما غطى على خطابات المسيرة اليمينية المتطرفة التي باتت غير مسموعة . ورفض موظفو السكك الحديدية في العاصمة تشغيل القطارات ونقل اليمينيين تضاماً مع الجمهور الحاشد.
باختصار، فشلت تلك المسيرة فشلاً ذريعاً.
لا تشعروا بالقلق على نغو. لقد غادر المستشفى، بجيوب مليئة بحوالي 160 الف دولار جاءته من موقع "غو فاند مي" لجمع التبرعات، كما أن عدداً من الجماعات اليمينية المسلحة عرضت أن تقدم له "الحراسة الشخصية".
بدلاً من ذلك، ابدؤوا بالقلق من القوة المتزايدة لشخصيات في أقصى اليمين يتنامي نفوذها وتستغل الدعاية والجدال الذي يدور بنية سيئة لتشويه سمعة أي شخص يعارضها.
وإذا كنتم تعتقدون أن أفضل طريقة لمكافحة ظهور الفاشية من جديد هي العمل السلمي المباشر، لا تدعوا قصة نغو تحبطكم، بل اخرجوا إلى الميدان وكونوا في طليعة المكافحين.
© The Independent