Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

وقائع وتداعيات ما جرى على متن طائرة "تي دبليو إي"

صنفت وزارة الخارجية الأميركية حسن عز الدين "إرهابياً عالمياً بموجب الأمر التنفيذي رقم 13224 بصيغته المعدلة"

خطف طائرة " تي دبليو إيه" (موقع ميديوم)

أعاد اختفاء الضابط السابق في الاستخبارات الليبية أيام عهد العقيد معمر القذافي في ليبيا أبو عجيلة محمد مسعود رفع الستار عن عملية تفجير طائرة "لوكربي" في 21 ديسمبر (كانون الأول) 1988، خصوصاً بعد أن كانت الولايات المتحدة قد طالبت بتسليمه إليها، وبعد أن ظهر أنه أصبح فيها موقوفاً من دون الكشف عن طريقة نقله إليها، ومع إعلان وزارة العدل الأميركية أنه سيخضع للمحاكمة. وقد سبق لواشنطن أن خطفت أو حاولت خطف متهمين بخطف الطائرات والإرهاب لمحاكمتهم، وكان حسن عز الدين من "حزب الله" واحداً منهم.

في 14 يونيو (حزيران) 1985، الساعة العاشرة و40 دقيقة، بدأت عملية خطف طائرة "بوينغ-727"، التابعة لشركة "تي دبليو أي" الأميركية التي كانت تقوم برحلة عادية من مطار أثينا إلى مطار روما وعلى متنها 145 راكباً، إضافة إلى الطاقم المؤلف من ثمانية أشخاص، وتم تحويل الرحلة إلى مطار بيروت بعد أن سيطر على الطائرة مسلحون تابعون لـ"حزب الله". تلك العملية استغرقت 16 يوماً، وتخللها قتل راكب أميركي قبل أن تنتهي بإطلاق الركاب والطاقم الذين كان قد تم توزيعهم في أماكن مختلفة في الضاحية الجنوبية لبيروت. واعتبر بعدها "حزب الله" وإيران أنهما أذلا أميركا ومرغا أنفها في التراب، وقد تم نتيجتها التعهد بإطلاق سراح معتقلين لبنانيين وفلسطينيين من السجون الإسرائيلية، ولكن لم يكن هذا هو الفصل الأخير لها بفعل ملاحقة الذين قاموا بخطفها عبر العالم. وإذا كانت صورة محمد علي حمادة قد ظهرت بوضوح خلال عملية الخطف، فإن صورة حسن عز الدين لم تكن قد ظهرت، ولكن تم التأكد من أنه كان أحد الذين تولوا العملية من البداية قبل أن ينضم إليهم آخرون في مطار بيروت المفتوح على الفوضى في ذلك التاريخ والمستباح من حركة "أمل" و"حزب الله" اللذين يسيطران على الضاحية الجنوبية من بيروت، حيث يقع المطار، وكان شهد قبل ثلاثة أيام فقط عملية خطف الطائرة الأردنية التي تم تفجيرها.

خاطف في ألمانيا ومخطوفون في بيروت

في 13 يناير (كانون الثاني) 1987 هبط في مطار فرانكفورت الألماني محمد علي حمادة، وكان يسافر على متن طائرة تابعة لشركة طيران الشرق الأوسط اللبنانية ويحمل جواز سفر مزوراً باسم يوسف رضا، وبعد تفتيشه عثر معه على متفجرات وتم التأكد من هويته الحقيقية، وبأنه كان أحد الذين خطفوا طائرة "تي دبليو أي" فتم توقيفه. عندما انتشر الخبر، طالبت الولايات المتحدة بتسليمها الرجل المتهم بخطف طائرتها وقتل أحد مواطنيها.

وكانت ألمانيا على وشك قبول الطلب الأميركي عندما طلبت ضمانات بعدم إعدامه، ولكن فجأة حصل ما لم يكن في الحسبان. على رغم أنها طلبت من مواطنيها عدم السفر إلى لبنان، فقد وصل إلى مطار بيروت، مساء السبت 17 يناير، المهندس الألماني رودولف كوروس ممثل شركة "هوكست" للأدوية، وبعد خروجه من المطار تعرض للخطف، وتم إبلاغ السفارة الألمانية في لبنان بالعملية، وكانت تلك رسالة لمنع ألمانيا من تسليم محمد علي حمادة إلى واشنطن. وفي اليوم التالي، تم خطف مهندس ألماني آخر هو ألفرد شميت، كما تم خطف القس البريطاني تيري وايت الذي كان في بيروت موفداً من الكنيسة الأنغليكانية البريطانية يحاول التوسط لإطلاق الرهائن الغربيين فصار واحداً منهم. وتوسعت دائرة الخطف لتشمل أربعة أساتذة أميركيين كانوا يعملون في كلية بيروت الجامعية، فاكتمل عقد حماية محمد علي حمادة في ألمانيا التي امتنعت عن تسليمه إلى واشنطن، بينما أعلنت الدولتان عن إقفال سفارتيهما في بيروت الغربية والانتقال إلى مقرين جديدين في بيروت الشرقية.

لم تكن تلك نهاية حكاية الخطف، ففي 26 يناير، وصل إلى ألمانيا عباس علي حمادة شقيق محمد، وكانت زوجته ألمانية، وذلك بحجة الوقوف إلى جانب شقيقه فتم توقيفه أيضاً. وبعد التحقيق معه، تم العثور على متفجرات من نوع "نيترات الميثيل" في مخبأ سري، وهي من النوع نفسه الذي كان ينقله معه محمد.

وفي 19 أبريل (نيسان)، صدر الحكم على عباس علي حمادة بالسجن 13 عاماً بتهمة نقل متفجرات وخطف رعايا ألمان في بيروت، وفي 17 مايو (أيار) من عام 1989، تم الحكم على محمد بالسجن مدى الحياة بتهمة خطف الطائرة وقتل الراكب الأميركي.

وفي يونيو 1992، تم إقفال ملف الرهائن الغربيين في لبنان بإطلاق آخر الرهائن الأميركيين والألمان. وفي وقت أكدت ألمانيا أن لا صفقة في هذه العملية، أطلقت في الثامن من أغسطس (آب) 1993، اللبناني عباس علي حمادة، بينما بقي محمد في السجن حتى تم إطلاق سراحه وعودته إلى لبنان في 20 ديسمبر 2005. وقد طالبت واشنطن لبنان بتسليمه إليها، فكان رد الحكومة رافضاً باعتبار أن واشنطن كانت طلبت من ألمانيا أن تسلمه إليها ولم تلب ألمانيا طلبها، فلماذا على لبنان أن يفعل؟

محاولة خطف عز الدين

كانت تلك نهاية قصة محمد علي حمادة، ولكن كانت هناك قصة أخرى مع المتهم الآخر بالخطف حسن عز الدين، وقد تكشفت وقائعها أمام القضاء اللبناني ومعها فصول تدخل الاستخبارات الأميركية فيها.

كما جندت واشنطن جمال حمدان للإيقاع بفواز يونس، وجندت علي طالب من حركة "أمل" أيضاً لخطف حسن عز الدين، ولكن العملية أجهضت، وتم اكتشافها وتوقيف الضالعين فيها، بينما تمكن علي طالب من الهرب. وقائع تلك المحاولة تكشفت في القرار الظني الذي صدر بحق المتهمين الذين تم توقيفهم والفارين، والذي صدر في 17 أكتوبر (تشرين الأول) عام 1994، وتضمن رواية مقتضبة لعملية خطف طائرة "تي دبليو أي" ودور عز الدين فيها وتأكيد قتله عنصر المارينز الأميركي ورمي جثته في المطار، وأنه "خلال عام 1992، تحركت أجهزة الاستخبارات الأميركية لمعرفة ماذا حصل على الطائرة والتأكد من هوية الشخص الذي أقدم على قتل أحد عناصر البحرية لديها، فأوعزت إلى عميلها الفار علي فرج طالب، وهو أحد مسؤولي "أمل" بهذه المهمة، وبالفعل اجتمع هذا الأخير مع ابن خاله المدعى عليه هيثم قازان المنتمي إلى الحزب ذاته، والذي تولى مع غيره حراسة الطائرة المخطوفة آنذاك، وطلب منه جمع المعلومات المذكورة لقاء حصوله على مبالغ مالية، فتوجه هيثم إلى منزل زميله علي سيف الدين الذي كان يقوم بحراسة الطائرة من الداخل وعرض عليه المطلوب، فوعده خيراً، وفي اليوم التالي سلمه ورقة دون عليها بخط يده ما جرى على متن الطائرة وفيها أن حسن عز الدين هو الذي أقدم على قتل عنصر المارينز فحمل هيثم الورقة وسلمها إلى علي طالب الذي كافأه بـ100 ألف ليرة، ثم غادر بعدها إلى أميركا، وبعد أسبوع اتصل بقريبه هيثم قازان وأعطاه رقم هاتفه وعنوانه في أميركا، وطلب منه العمل على التقاط صور لحسن عز الدين وإرسالها إليه".

ويتابع القرار الظني سرد الوقائع، "سعى هيثم إلى تنفيذ ما طلبه منه علي، لكنه لم يستطع ذلك بسبب إحاطة عز الدين نفسه بصورة دائمة بالمرافقين. وبعد شهرين عاد علي من أميركا وأحضر معه كاميرا مجهزة بشاشة كومبيوتر مع (زوم) لهذه الغاية وألح على هيثم لالتقاط الصور، وأعطاه مبلغ 400 دولار أميركي. وفي اليوم التالي، اجتمع هيثم مع ابن عمته حسن همدر في منزل علي طالب، وأطلعه، بناءً على طلب الأخير، على المهمة وتفاصيلها وقبض كل منهما مبلغاً من المال لقاء الإسراع في تنفيذ المهمة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وبعد ثلاثة أيام، تمكن هيثم من تعقب عز الدين والتقاط صور له قرب مدرسة ابنته في تحويطة الغدير (جنوب بيروت)، لكن الصور لم تكن واضحة. فطلب منهما علي تكرار المحاولة، وقد استأجر لهما سيارة "فان"، ثم اشترى لهما أخرى لهذه الغاية، كما اشترك معهما علي مرة في أخذ الصورة، لكنها لم تكن واضحة، وبعد محاولات عدة، تمكنا من التقاط الصور المطلوبة وسلماها إلى علي الذي أعطاهما مبلغاً من المال، ثم أخذها معه إلى أميركا. وبعد عودته كلفهما مهمة أخرى نفذاها له لقاء مبلغ من المال، كما كلفهما مرة الحصول له على بصمات عز الدين وتسجيل صوته على شريط كاسيت فأنجزا له هذه المهمة وسافر إلى أميركا، وبعد نحو شهر طلب منهما التوقف عن مراقبة عز الدين بسبب افتضاح أمرهما.

وتبين أن موضوع مراقبة عز الدين توقف عند هذا الحد، إذ إن علي كلف هيثم وحسن مهام أخرى نفذاها، وفي أوائل شهر أغسطس، عاد علي طالب إلى لبنان واجتمع مع قريبيه هيثم وحسن من دون أن يخبرهما أو يطلب منهما شيئاً في ما خص حسن عز الدين. وفي السابع من أغسطس 1994، اتصل علي بأميركا وطلب منه التوجه إلى قبرص. وبعد أسبوع من عودته، اجتمع مع هيثم وحسن وأبلغهما أن الاستخبارات الأميركية طلبت منه خطف عز الدين وتسليمه إلى بارجة أميركية عسكرية موجودة في عرض البحر وإعلامهم بكلفة العملية، وأن الخطة تقضي بشراء سيارات سريعة وزورق بحري وثياب عسكرية تابعة للجيش اللبناني أو بزات أمن دولة لاستعمالها في عملية الخطف ونقل المخطوف إلى عرض البحر، وأنه ينتظر وصول الأموال للمباشرة بهذه المهمة.

يضيف القرار الظني، "تبين أنه بعد دراسة الخطة بثلاثة أيام، ألقت الأجهزة الأمنية اللبنانية القبض على هيثم قازان وحسن همدر أثناء خروجهما من منزل علي طالب في وقت تمكن فيه هذا الأخير من التواري عن الأنظار. وتبين أن حسن عز الدين تقدم أمامنا بواسطة وكيله المحامي إبراهيم الحريري بادعاء شخصي بحق المدعى عليهم طلب فيه ملاحقتهم بجرم محاولة خطفه"، ولكن بعد إيراد كل هذه الوقائع انتهى القرار الظني إلى طلب منع المحاكمة عن المدعى عليهم علي طالب وهيثم قازان وحسن همدر واسترداد مذكرات التوقيف الغيابية الصادرة في حق علي طالب.

مصير المتهمين

ما زال محمد علي حمادة مطلوباً من قبل مكتب التحقيقات الفيدرالي، ولم يتم العثور على عز الدين، وقد خصص برنامج "مكافآت من أجل العدالة" الأميركي مكافأة تصل إلى خمسة ملايين دولار مقابل معلومات عن حسن عز الدين الذي اتهمته وزارة العدل الأميركية في 14 نوفمبر (تشرين الثاني) من عام 1985، "بالتخطيط للاختطاف والمشاركة فيه".

وفي يوم 12 أكتوبر عام 2001، صنفت وزارة الخارجية الأميركية عز الدين بشكل خاص "إرهابياً عالمياً بموجب الأمر التنفيذي رقم 13224 بصيغته المعدلة. ونتيجة هذا التصنيف، ومن بين العواقب الأخرى، تم حظر جميع ممتلكاته، والفوائد العائدة عليها التي تخضع للولاية القضائية الأميركية، وتم منع الأميركيين بوجه عام من إجراء أي معاملات معه. إضافة إلى ذلك، يدخل في إطار الجريمة كل من الدعم المتعمد، أو محاولة توفير الدعم المادي، أو الإمكانات المادية، أو التآمر لتوفيرهم لـ(حزب الله)، المصنف منظمة إرهابية أجنبية من قبل الولايات المتحدة. وعز الدين ضمن قائمة مكتب التحقيقات الفيدرالي للإرهابيين الأكثر مطلوباً. ويعتقد أنه في لبنان".

وفي التاسع من أكتوبر 2021، أفادت وكالة الصحافة الفرنسية بأن عنصر "حزب الله" اللبناني علي عطوي المتهم بالضلوع في اختطاف الرحلة "847" التابعة لشركة "تي دبليو أي" الأميركية، وهي العملية التي أودت بحياة جندي أميركي، توفي متأثراً بإصابته بالسرطان، من دون أن يفصح عن المكان الذي توارى فيه طيلة السنوات الماضية أو أي تفاصيل أخرى، في وقت نعى "حزب الله" عطوي ووصفه بأنه أحد "الرجال الأوفياء"، و"فقيد الجهاد والمقاومة".

وسبق للولايات المتحدة أن عرضت مكافأة تصل قيمتها إلى خمسة ملايين دولار مقابل تزويدها بمعلومات عنه، بعد أن وجهت إليه اتهامات بـ"التآمر لارتكاب قرصنة جوية وخطف رهائن، والتدخل في عمل طاقم جوي أثناء الطيران، ووضع عبوة ناسفة على متن طائرة".

وكان عطوي العنصر الثالث في عملية الخطف، ولكنه تأخر في اللحاق برفيقيه وفاتته رحلة الطائرة وتم توقيفه في مطار أثينا، وكشف في التحقيق معه عن عملية الخطف وعن اسمي محمد علي حمادة وحسن عز الدين.

وقد طالب الخاطفون في بيروت، إضافة إلى مطالبهم الأساسية المتمثلة بالإفراج عن مئات المعتقلين اللبنانيين في سجون إسرائيل التي كانت تحتل لبنان، بالإفراج عن عطوي مقابل الإفراج عن ثمانية مسافرين يونانيين، فتم ذلك وعاد عطوي، وانضم إلى رفيقيه في بيروت.

المزيد من تقارير