يقول الروائي التشيلي إيرنان ريبيرا لتيلير في روايته الشهيرة "رواية الأفلام"، "كانت قاعة السينما تبعث فيَّ الافتتان، تبدو لي أشبه بمغارة غامضة، سرية وغير مكتشفة على الدوام، فما إن أجتاز ستائر الباب المخملية السميكة حتى يخامرني الوهم بالانتقال من عالم الواقع الفظ إلى عالم سحري"، هذه العبارة جاءت على لسان الفتاة اليافعة "ماريا مارغريتا" التي تدور حولها الرواية، وكانت قد اشتهرت في قرية "أتاكاما" التشيلية بقدرتها الخارقة على إعادة سرد الأفلام السينمائية ببراعة. وهي التي يجمع لها فقراء القرية، من شدة فقرهم وشغفهم بالسينما، النقود كي تحضر الأفلام وتعود لهم بروايتها.
في "رواية الأفلام" التي ترجمها للعربية المتيم بالأدب اللاتيني صالح علماني يسرد لنا إيرنان ريبيرا لتيلير المولود عام 1950 بأسلوبه السحري الرقيق والمؤثر قصة يسترجع فيها ذكريات دور السينما في أوج مجدها بأميركا اللاتينية.
يقول إيرنان "لقد قرأت في أحد الأيام جملة -لا بد أنها لكاتب مشهور- تقول شيئاً بمعنى أن (الحياة مصنوعة من مادة الأحلام نفسها)، أما أنا فأقول إن الحياة يمكن لها أن تكون مصنوعة بالضبط من مادة الأفلام نفسها. ورواية حياة هي مثل رواية حلم أو فيلم. إن رواية فيلم هي مثل رواية حلم" (ص59).
كانت تلك لمحة عن افتتان روائي عتيق بالسينما والأفلام وعالمها السحري، ولو أن بطلة روايته ماريا لم يكن شقاؤها الوحيد وراء دخول التلفاز لقريتها حين قضى على مهنتها، فثمة أقدار موجعة بددت نشوة سعادتها كانتحار أمها ووفاة والدها المقعد وسجن وشتات بقية إخوتها. كانت نهاية مؤلمة وقاسية للفتاة التي ذبلت في صبا العمر، لكنها لم تكن كذلك للسينما التي على رغم أنها شاخت فإنها لا تزال متجددة في صباها.
مضى اليوم نحو 126 عاماً منذ ظهور الشاشة البيضاء العملاقة التي صورها التشيلي إيرنان كما لو أنها "المذبح الأكبر في الكنيسة"، وعلى رغم أن العالم اليوم قد قطع شوطاً كبيراً في عصر ما بعد التلفاز والإنترنت فإنها لا تزال محافظة على استقلاليتها كفن سابع جاء خاتماً للفنون الستة، العمارة والموسيقى والرسم والنحت والشعر والرقص، وهي التي صارت حاضنة ومنبراً لها.
تلك "المغارة الغامضة أو العالم السحري" باتت شاشتها مغرية لروائيين كثر بجانب صاحب "رواية الأفلام"، كما أن الاقتباس من الأدب والأدباء بات ورقة رابحة للمخرجين وللسينما وأربابها منذ عشرات السنين.
السجادة الحمراء
وللمصادفة، فإنه على ما يبدو أن الارتباط الوثيق بين الروائي والسينما قد بدأ من "السجادة الحمراء" المؤدية إلى "شاشات العرض"، فثمة مصادر تاريخية تقول إن أول ذكر للسجادة الحمراء جاء على لسان روائي قديم. والروائي هو اليوناني إسخيلوس صاحب "ثلاثية أوريستيا" التي كتبها سنة 458 ق.م. وجاءت في سياق لحديث كليتيمنيسترا زوجة أجاممنون الذي اشتهر بعصره "حصان طروادة"، فالزوجة حين اكتشفت خيانة زوجها الملك وعدته أن يسير على سجادة حمراء حتى يصل إلى موته ذلك بعد أن خططت لقتله. وهذا مصدر ضمن مصادر أخرى مقاربة ورد فيها ذكر أجاممنون، ومنها أن البابليين هم أول من استخدم السجاد الأحمر في المناسبات خلال استقبالهم الملك الإغريقي أجاممنون واختير لغلاء ثمنه وتميزه وجاذبيته.
ذلك السجاد الباهظ الثمن لم تعد الخطى العابرة فوقه مقتصرة على نجوم هوليوود والأوسكاريين منهم، ولم تعد أيضاً مقتصرة على شارون ستون وشاروخان وجاكي شان وبقية النجوم الذين عبروا سجاد "البحر الأحمر السينمائي"، فحتى الروائيون أيضاً باتوا يعبرون وتتلقفهم عدسات التلفزة والإعجاب والمصورين، لأنهم خلقوا للسينما "العراب" و"هاري بوتر" و"شيفرة دافينشي" وكثيراً من الروايات التي أصبحت خالدة في أعراف السينما.
ترمي بشرر
لن نذهب بعيداً، أمس وقبل أن تطوي السعودية سجاد عرسها السينمائي (مهرجان البحر الأحمر السينمائي) بمدينة جدة غرب البلاد عبر بين الحشود الروائي السعودي "البوكري" عبده خال، الذي ما إن تخطى السجادة الحمراء المفروشة بموازاة البحر الأحمر حتى قال لـ"اندبندنت عربية": "روايتي ترمي بشرر سيمضي أبطالها من هنا"، كان هذا تأكيداً من الروائي الشهير لأنباء سبقت عن تجسيدها عبر سلسلة من حلقات. وأضاف "نحن في مراحل كتابة السيناريو"، ومن المنتظر أن تعرض الرواية التي فازت عام 2010 بالجائزة العالمية للرواية العالمية عبر "منصة عالمية" على حد قوله.
و"ترمي بشرر" رواية ليس المثير فيها ما بين دفتي الـ416 صفحة وحسب، بل ما دار حولها وما دعا إلى منعها لفترة من الزمن بمعرض الكتاب بالسعودية. وهي راوية تحكي عن الحياة البائسة في الأحياء الفقيرة وبين رجال القصور ومجتمع الثراء.
للروائيين وللأدب فضل على السينما، وللسينما والأفلام فضل على الأدباء والروايات، قد تكون تلك ما استخلصته تجارب كثيرة. أحياناً تنتعش سوق الورق والكتب بعد مشاهدة فيلم مقتبس من رواية، وأحياناً قراءة كتاب تقود شغف القارئ وخطاه نحو ابتياع تذكرة لمشاهدة الرواية عبر الشاشة البيضاء. تلك معادلة على ما يبدو عادلة نوعاً ما، لكنها غير مرضية لغرور الأدباء.
غواصو الأحقاف
تقول المخرجة السعودية هناء العمير التي وصفتها كبيرة المنصات العالمية للأفلام "نتفليكس" خلال مهرجان البحر الأحمر أنها من "النساء العربيات الرائدات اللاتي أسهمن في نهضة الأفلام" إنها محبة للرواية والأدب، كما كشفت لـ"اندبندنت عربية" عن عمل قادم مقتبس من رواية "غواصو الأحقاف" للروائية السعودية أمل الفرمان، وهي الرواية الصادرة عام 2016 عن "جداول للنشر"، وهي من أدب الصحراء وجاءت في 264 صفحة من الحجم المتوسط، وتحكي عن حقبة تاريخية من تاريخ الجزيرة العربية في بدايات القرن الـ20، وتكشف عن الجوانب الاجتماعية والاقتصادية في ذلك الزمن، كما جسدت التحديات التي واجهتها المرأة السعودية الصامدة المجابهة أمام كل الظروف التي وقفت في طريقها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وترشحت الرواية التي ستتناولها العمير لجوائز عدة، ووصلت إلى القائمة القصيرة في "جائزة الشيخ زايد للكتاب" في دورتها الـ13.
حوجن
في المهرجان ذاته مضى نجوم فيلم "حوجن" على السجادة المثيرة لشهية النجوم، وهو الآخر مقتبس من رواية مثيرة للجدل كان قد مضى على صدورها عقد من الزمان. وهي من تأليف الروائي السعودي إبراهيم عباس، وكانت قد حققت مبيعات فاقت الـ40 ألف نسخة وترجمت إلى الإنجليزية والإسبانية.
وهي الرواية المصنفة أحداثها تحت مسمى "الخيال العلمي"، إذ تتحدث عن "حوجن" بطل الرواية الذي يتميز بوسامته وهو من عالم الجن وأحب فتاة تدعى سوسن من عالم الإنس. والفيلم المقرر عرضه في 2023 من إخراج ياسر الياسري، وبطولة كوكبة لامعة من النجوم، من بينهم براء عالم ونور الخضراء ونايف الظفيري والعنود سعود ومحسن منصور.
صف لنا شعورك عند قراءة هذه الكلمات لأول مرة من #حوجن!
حوجن - قريبًا في دور السينما.
الفيلم من إنتاج #إيمج_نيشن_أبوظبي، استوديوهات "MBC" وفوكس سينما.@YBahjatt @ibraheem_abbas @yasiryasiri @voxcinemas#إيمج_نيشن_أبوظبي pic.twitter.com/Wp6pdRdfov
— ImageNation AbuDhabi (@ImageNationAD) December 9, 2022
يقول المخرج الفرنسي ذائع الصيت ألكسندر استروك "يكتب المخرج بالكاميرا مثلما يفعل الكاتب بقلمه"، فالروايات الناجحة في عين مخرج حاذق ستنتج أفلاماً خالدة. في السنوات الأخيرة بجانب "هاري بوتر" هناك "العراب" و"دافنشي كود" و"لورد أوف ثي رينجز" و"هانجر جامس" و"جاتسبي العظيم" مثال لذلك، فكلها مقتبسة من كتب وروايات ناجحة.
عمارة يعقوبيان
عربياً، يعرف الشغوفون بالسينما والرواية "عمارة يعقوبيان" للروائي المصري علاء الأسواني الذي ترجمت رواياته لأكثر من 37 لغة ونشرت في أكثر من 100 دولة. الرواية المثيرة للجدل تحولت إلى فيلم كلاسيكي أدرج ضمن قائمة أهم مئة فيلم عربي، بحسب مهرجان دبي السينمائي الدولي في دورته العاشرة. وهي تحكي عن عمارة سكنية شهيرة تقع بشارع طلعت حرب بوسط القاهرة، أسسها المليونير هاغوب يعقوبيان عام 1937 وكانت تضم سكاناً من ديانات وأعراق مختلفة، لكن بعد ثورة يوليو (تموز) 1952 تحولت ملكية الشقق إلى ضباط الجيش وتحول سطحها إلى مساكن للفقراء ولتربية الطيور.
وكتبت "عمارة يعقوبيان" الرواية سنة 1991 وجسدت كفيلم سنة 2006 والفيلم المقتبس عنها يحمل الاسم نفسه، وهو من إخراج مروان حامد، وأعاد كتابة السيناريو وحيد حامد. من بطولة كبار الممثلين المصريين، منهم عادل إمام ونور الشريف ويسرا وسمية الخشاب وهند صبري وإسعاد يونس وخالد صالح وخالد الصاوي وأحمد بدير وأحمد راتب.
هاري بوتر
روايات كثيرة عبر التاريخ كتب لها النجاح الباهر عبر شباك التذاكر حين صارت أفلاماً سينمائية، مثال على ذلك، سلسلة "هاري بوتر" للروائية البريطانية جي كي رولينغ، وعلى رغم بيع الملايين من النسخ المكتوبة وهي التي اعتبرت كأكثر الكتب مبيعاً في التاريخ، فإن تجسيدها عبر أفلام السينما حقق نجاحاً باهراً وموازياً لنسخها المقروءة، فقد حققت رواية الصبي الساحر هاري إيرادات باهظة تفوق المليار دولار. كان هذا في فيلم "هاري بوتر وحجر الفلاسفة" الذي صدر في نوفمبر (تشرين الثاني) 2001، وجاء تجسيداً للجزء الأول وحده. والحال لبقية الأجزاء التي حققت أرقاماً مقاربة للمليار دولار. ألا يجعلنا هذا نقول إن غنائم السينما من وراء الأدب، بخاصة الروائي، مسيلة للعاب والملايين؟