Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"المسؤولية الطبية"... مصر تواجه الاعتداءات بعقوبات مغلظة

موجود بأدراج البرلمان منذ 5 سنوات ويغلظ العقوبات للحفاظ على الطواقم والمنشآت وقد يرى النور قريباً

وزير الصحة المصري خالد عبد الغفار خلال تفقده مستشفى قويسنا بعد حادثة الاعتداء على الممرضات (وزارة الصحة المصرية)

تتكرر حالات الاعتداء على الأطقم الطبية في مصر، وتحتل من حين إلى آخر صدارة اهتمامات الشارع، مما يعيد التساؤل في شأن مشروع قانون يناقش في البرلمان منذ خمس سنوات.

القانون يشدد العقوبة على المعتدين على الأطباء، في ظل عدم وجود رادع في التشريع الحالي، الذي تقتصر فيه عقوبة الاعتداء على الأطقم الطبية على غرامة لا تتجاوز المئتي جنيه (ثمانية دولارات).

في مطلع ديسمبر (كانون الأول) أثارت واقعة الاعتداء على ممرضات وعاملات بمستشفى قويسنا المركزي بمحافظة المنوفية في مصر، التي أسفرت عن إصابة خمس ممرضات وإجهاض أخرى حامل، حالة من الغضب لدى الأطقم الطبية، وكذلك على مواقع التواصل الاجتماعي، وكان رد الفعل سريعاً بإحالة الطيار الحربي المتهم بالواقعة إلى النيابة العسكرية.

وبعد ذلك بأيام، حدثت واقعة أخرى بمستشفى إيتاي البارود بمحافظة البحيرة شمال شرقي العاصمة القاهرة، اعتدى خلالها ستة أشخاص على الطاقم الطبي بالكامل، لتأتي الواقعتان ضمن أكثر من 54 ألف قضية سنوياً يجري تحريرها بالاعتداء على العاملين بالقطاع الصحي أو إتلاف المنشآت، بحسب عضو مجلس إدارة نقابة الأطباء إبراهيم الزيات في تصريحات إلى صحف محلية.

ولم تعد وقائع الاشتباك مع العاملين بالمستشفيات والاعتداء على المنشآت الصحية مثيرة للانتباه من فرط تكرارها، وهو ما أثارته إحدى الممرضات ضحايا حادثة مستشفى قويسنا مها بشر، في شهادتها لـ"اندبندنت عربية"، حيث قالت "هناك كثير من الحالات خلال الآونة الأخيرة، والأمر ازداد بشكل مبالغ فيه، ويحتاج إلى وقفة، لأننا نمارس مهنتنا ومحاولة إرهابنا أو الاعتداء علينا سيجبرنا على تركها. في النهاية نحن بشر ولدينا طاقة للتحمل، وأيضاً لدينا كرامة وحقوق يجب أن تصان ولا تنتهك من الجميع".

تصالح ممزوج بالألم

في بيان رسمي، بالتزامن مع حادثة مستشفى قويسنا، عددت نقابة الأطباء وقائع الاعتداء على الأطقم الطبية، قائلة إن "الواقعة تمثل نقطة سوداء في حقبة قاتمة من تاريخ الطب بمصر، شملت اعتداءات مستشفى المطرية التعليمي في يناير (كانون الثاني) 2016، ومعهد القلب في مارس (آذار) 2019، ومستشفى البنك الأهلي في سبتمبر (أيلول) 2022".

رغم إشارة النقابة، في بيانها، إلى أن غالبية الحالات وقضايا الاعتداء تنتهي في النهاية إلى الحفظ في أقسام الشرطة أو النيابة، فإن الضرر النفسي الواقع على أطباء مصر وإهانة كرامتهم لا يمكن إزالته من الذاكرة، "تبقى ذاكرة الألم النفسي لدى أفراد الفريق الطبي، وذاكرة السماح بتصرف المعتدين بتهور إلى حد ارتكاب جرائم بوعي أو لا وعي من رواد المستشفيات".

قانون المسؤولية الطبية

الاعتداءات المتكررة في الآونة الأخيرة دفعت وزارة الصحة المصرية إلى إصدار بيان أكدت فيه تحركها للحفاظ على الحقوق القانونية للعاملين بالقطاع الطبي عامة.

ويعد أبرز القوانين التي تنتظرها مصر في هذا الشأن مشروع قانون المسؤولية الطبية، الذي بدأ الحديث عنه منذ خمس سنوات، تحديداً عام 2017 ولم يصدر حتى الآن.

ويواجه مشروع القانون ظاهرة الاعتداء المتكرر على الأطقم الطبية بعقوبات رادعة من شأنها مواجهة تلك الحوادث والحد منها، فينظر له غالبية المنتمين للقطاع الطبي في مصر على أنه الحل الحاسم لإنهاء الأزمة.

وكشف مقدم مشروع القانون، عضو مجلس النواب المصري أيمن أبوالعلا، لـ"اندبندنت عربية"، عن أن قانون المسؤولية الطبية يناقش حالياً داخل لجنة الصحة بالمجلس، الذي شكل لجنة للاستماع لجميع الجهات المرتبطة بالقانون تمهيداً لإصداره خلال الأشهر المقبلة، مضيفاً "القانون في إطار التنفيذ وقد يصدر خلال دور الانعقاد الحالي".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وعن كيفية حماية القانون الأطباء في حالات الاعتداء، أوضح أبو العلا أنه يعاقب المعتدين على الأطقم الطبية بالحبس والغرامة بجانب تغليظ عقوبة الاعتداء على المنشأة الطبية، موضحاً أن نصوص قانون العقوبات المصري غير واضحة في هذا الشأن، وتعتبر كأنها مشاجرة بين مواطنين وليس اعتداءً على موظف أثناء أداء عمله ومؤسسة طبية.

وأكد أبو العلا أن الاعتداءات على الأطقم الطبية هي أحد أسباب هجرة الأطباء من مصر، لكن ليست السبب الوحيد، إذ يضاف إليه ضعف الكادر المالي وآلية التدريب الإلزامي. مشيراً إلى أن حوادث الاعتداء على الأطباء في مصر ليست ظاهرة، إنما تتضح فقط بسبب انتشار الوقائع عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

ونصّت المادة 24 من مشروع قانون المسؤولية الطبية، الذي لا يزال تحت الدراسة بمجلس النواب المصري، على أن يعاقب بالحبس وبغرامة لا تقل عن 50 ألف جنيه (2026 دولاراً)، ولا تزيد على 200 ألف جنيه (8106 دولارات)، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من تعدى على أحد مقدمي الخدمة أثناء تأديتها أو بسببها، وتكون العقوبة السجن الذي لا تقل مدته عن خمس سنوات، والغرامة التي لا تقل عن 200 ألف جنيه إذا ترتب على التعدي على مقدم الخدمة الإيذاء البدني بالنسبة إلى الشخص الطبيعي أو الإتلاف بالنسبة إلى الشخص الاعتباري.

ونصّت المادة 25 على أنه في الأحوال التي ترتكب فيها الجريمة بواسطة شخص اعتباري يعاقب المسؤول عن الإدارة الفعلية لهذا الشخص الاعتباري بالعقوبات ذاتها المقررة عن الأفعال التي ترتكب بالمخالفة لأحكام هذا القانون، إذا ثبت علمه بها، وكانت الجريمة قد وقعت بسبب إخلاله بواجبات وظيفته.

العقوبة الحالية

وفقاً لقانون العقوبات المصري تقتصر حالياً عقوبة الإهانة بالإشارة أو باللفظ أو التهديد، على الحبس مدة لا تزيد على ستة أشهر أو دفع غرامة لا تتجاوز مئتي جنيه (ثمانية دولارات)، بينما تشمل عقوبة الاعتداء على الأطباء بلا ضرب الحبس مدة لا تزيد على ستة أشهر أو دفع غرامة لا تتجاوز مئتي جنيه، وتقتصر عقوبة الاعتداء بالضرب على الأطباء على الحبس مدة لا تزيد على سنتين أو دفع غرامة لا تتجاوز مئتي جنيه أيضاً.

وإذا حصل الضرب أو الجرح باستعمال أسلحة أو عصا أو آلات أو أدوات أخرى، أو أفضى إلى جرح خطر، يعاقب مرتكبه بالسجن مدة لا تزيد على خمس سنوات، وإذا تسبب الجرح بعاهة دائمة تحدد العقوبة بالسجن مدة لا تزيد على عشر سنوات، أما إذا بلغ حد ارتكاب جريمة فتكون العقوبة السجن مع الأشغال الشاقة الموقتة.

وتشمل عقوبة احتجاز طبيب في القانون المصري الأشغال الشاقة المؤبدة إذا استخدم الجاني القوة أو العنف أو التهديد أو الإرهاب، والإعدام إذا نجم عن الفعل موت شخص، أما عقوبة تخريب مباني مؤسسات صحية أو أملاك عامة أو مخصصة لمصالح حكومية أو للمرافق العامة أو الجمعيات المصنفة قانوناً ذات نفع عام، فهي السجن مدة لا تزيد على خمس سنوات، والأشغال الشاقة المؤبدة أو الموقتة إذا ارتكبت الجريمة في زمن اضطراب أو فتنة أو بقصد إحداث الرعب بين الناس أو إشاعة الفوضى، وصولاً إلى الإعدام إذا نجم عن الجريمة موت شخص كان موجوداً في تلك الأماكن.

هجرة الأطباء

في ظل تأخر سن عقوبات رادعة لحوادث الاعتداءات على المنشآت والأطقم الطبية، ارتفعت نسب هجرة الأطباء المصريين إلى الدول الخليجية والأوروبية، خصوصاً بعد انتشار وباء كورونا، وصولاً إلى حد الحديث في الأوساط الرسمية عن معاناة مصر نقصاً حاداً في عدد الأطباء، في ظل تدهور أوضاع العاملين بالقطاع الصحي، سواء على ظروف العمل أو الرواتب الشهرية.

وفي أبريل (نيسان) الماضي أصدرت نقابة الأطباء المصريين تقريراً رصدت فيه الكم الهائل من استقالات الأطباء من القطاع الحكومي خلال السنوات الثلاث الماضية، الذي بلغ 11 ألف طبيب منذ مطلع 2019 حتى 20 مارس 2022.

وأكدت النقابة أن عدد الأطباء حتى آخر عام 2018 قدر بـ212 ألف طبيب، وبلغ عدد من عملوا وقتها في وزارة الصحة والمستشفيات الجامعية الحكومية والخاصة وجامعة الأزهر والمستشفيات الشرطية بنحو 82 ألفاً فقط، بنسبة 38 في المئة من القوة الأساسية المرخص لها مزاولة مهنة الطب.

وأشارت النقابة إلى أنه طبقاً لهذا العدد يكون معدل الأطباء في مصر 8.6 أطباء لكل 10 آلاف مواطن، بينما يبلغ المعدل العالمي 23 طبيباً لكل 10 آلاف مواطن.

وبحسب سجلات النقابة بلغ عدد الأطباء المسجلين بالنقابة والمرخص لهم بمزاولة المهنة حتى 20 مارس الماضي ما يقرب من 228 ألف طبيب، بعد ثلاث سنوات من دراسة الحاجات التي أصدرتها وزارة التعليم العالي، بزيادة قدرها 16 ألف طبيب استقال منهم 11 ألف طبيب، ليكون عدد الأطباء العاملين في القطاع الحكومي 93 ألف طبيب تقريباً.

وإجمالاً يعاني القطاع الطبي في مصر مشكلات عدة تتعلق بشكل رئيس بتدني الرواتب أمام ارتفاع كلف الحياة وقلة فرص التدريب، فضلاً عن تدهور الإمكانات، مما يدفع بشكل متزايد إلى هجرة الأطباء.

المزيد من العالم العربي