مع ولادة عام جديد يلقي كثير من الناس نظرة إلى الوراء للتعلم من أخطاء الماضي، عبر مراجعة صفحات التاريخ والتمعن في قصص التغيير الغابرة، وفهم الأسباب التي تجعل الناس والقادة يتصرفون بالطريقة التي يتصرفون بها.
وعلى رغم تغير الظروف والتقنيات، فإن البشر لا يزالون يريدون الأشياء نفسها التي أرادوها في الحضارات السابقة، من الثروة والأمن والسعادة والقوة والانسجام الروحي والاجتماعي، ونتيجة لذلك يساعدنا فهم الأحداث على أن نصبح أكثر حيادية لدى صناعة قرار جديد.
مع اقتراب عام 2023 نلقي نظرة إلى بعض الذكريات والأحداث المهمة التي شكلت حياة البشرية، وربما تساعد على فهمنا للعالم الذي نعيش فيه بشكل أفضل.
نصف قرن على حرب أكتوبر
في السادس من أكتوبر (تشرين الأول) 1973، شنت مصر وسوريا هجوماً منسقاً ومفاجئاً على القوات الإسرائيلية في سيناء والجولان يوم عيد يوم الغفران اليهودي، بهدف استرداد الأراضي التي استولت عليها إسرائيل قبل ست سنوات في حرب 1967، حيث تمكنت القوات المصرية من عبور قناة السويس وتحطيم التحصينات الإسرائيلية القوية في خط بارليف وألحقت خسائر فادحة بالجيش الإسرائيلي في سيناء، بينما لم تتكبد القوات المصرية سوى جزء ضئيل من الخسائر المتوقعة، وفي الجولان نجحت القوات السورية في شن هجومها على المواقع الإسرائيلية واقتحام هضبة الجولان.
أدت الهجمات المصرية والسورية السريعة والكثيفة إلى استنفاد مخزون إسرائيل من الذخيرة، ما دفع رئيسة الوزراء الإسرائيلية غولدا مائير إلى طلب المساعدة من الولايات المتحدة، التي استجابت بسرعة ووفر الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون خط إمداد طارئ لإسرائيل، بالتزامن من استعادة الاتحاد السوفياتي جهوده لإعادة إمداد مصر وسوريا بالأسلحة، ما سمح للقوات الإسرائيلية بصد القوات السورية على جبهة الجولان بتكلفة باهظة، والعبور إلى الضفة الغربية لقناة السويس ومحاصرة الجيش الثالث المصري، في الوقت الذي وضع الرئيس نيكسون القوات الأميركية في جميع أنحاء العالم على درجة (ديفكون 3) وهي درجة استعداد قتالي تعني توترات إقليمية متزايدة مع مشاركة محتملة للقوات الأميركية، وذلك وفقاً لمجلس العلاقات الخارجية الأميركي.
وفي 22 أكتوبر تبنى مجلس الأمن الدولي القرار رقم 338 لوقف إطلاق النار، لكن الحرب استمرت يومين آخرين قبل أن يدخل القرار حيز التنفيذ.
كانت تداعيات حرب أكتوبر عميقة ودائمة، فقد أدى حظر تصدير البترول إلى الدول المساندة لإسرائيل والذي فرضته السعودية والدول العربية الأخرى إلى إعادة تشكيل أسواق الطاقة العالمية، وساعدت الدبلوماسية المكوكية لوزير الخارجية هنري كيسنجر على خفض التوترات في المنطقة، مستفيداً من نتائج الحرب التي أثبتت أنها مكلفة للجميع، وأن إسرائيل لا تستطيع أن تراهن على قوة تحصيناتها، وفي 1977 خاطب الرئيس المصري أنور السادات الكنيست الإسرائيلي في القدس داعياً إلى إحلال السلام.
الذكري 75 لنكبة فلسطين
كانت بريطانيا تحكم فلسطين منذ عام 1922 مع انهيار الإمبراطورية العثمانية وتقسيم أراضيها بين بريطانيا وفرنسا، ومنذ ذلك الوقت زادت الهجرة اليهودية إلى المنطقة، وتصاعدت بسببها التوترات بين العرب واليهود، وفي أبريل (نيسان) 1947، اعتزمت بريطانيا الانسحاب من فلسطين، وأحالت قضيتها إلى الأمم المتحدة التي أصدرت جمعيتها العامة في 29 نوفمبر(تشرين الثاني) 1947 القرار 181 بتقسيم فلسطين إلى دولتين عربية ويهودية، بحيث تكون مدينة القدس كياناً منفصلاً ويحكمها نظام دولي خاص، لكن القرار الذي اعتبرته الجالية اليهودية في فلسطين أساساً قانونياً لقيام دولة إسرائيل، رفضه العرب الفلسطينيون الذين اعتبروه موالياً لليهود وغير عادل للسكان العرب الذين سيبقون في الأراضي اليهودية تحت التقسيم، وتلا ذلك اندلاع الاقتتال بين مجموعات مسلحة غير نظامية من اليهود والعرب في فلسطين.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ومع استعداد القوات البريطانية للانسحاب من فلسطين استمرت الأعمال القتالية بين القوات اليهودية والعربية، وكان من بين الأحداث الأكثر شهرة الهجوم على قرية دير ياسين العربية في التاسع من أبريل 1948، حيث انتشرت أنباء المذبحة الوحشية التي ارتكبتها ميليشيات "إرغون" و"شتيرن" ضد الفلسطينيين وسببت الذعر وأثارت الرغبة في الانتقام، وبعد أيام هاجمت القوات العربية قافلة يهودية كانت متوجهة إلى مستشفى هداسا، مما أسفر عن مقتل العشرات، وعشية انسحاب القوات البريطانية في 15 مايو (أيار) 1948، أعلنت إسرائيل استقلالها، وفي اليوم التالي دخلت القوات العسكرية العربية من مصر والسعودية والأردن والعراق وسوريا ولبنان مناطق في جنوب وشرق فلسطين غير مقسمة لليهود من قبل الأمم المتحدة، ثم دخل بعضها القدس الشرقية، وكان الهدف المعلن لها هو استعادة القانون والنظام في ضوء الانسحاب البريطاني والأحداث الدموية مثل تلك التي وقعت في دير ياسين، وأزمة اللاجئين المتزايدة في الدول العربية المجاورة.
بعد قتال متوتر ومكاسب وخسائر من الطرفين، تمكنت القوات التي خضعت آنذاك لقيادة إسرائيلية مشتركة، من كسب الهجوم وسيطرت على طريق رئيس مؤد إلى القدس، كما نجحوا في صد الهجمات العربية المتكررة، وبحلول أوائل عام 1949، تمكن الإسرائيليون من السيطرة على كل النقب حتى الحدود المصرية - الفلسطينية السابقة، باستثناء قطاع غزة، وعلى رغم أن الأمم المتحدة توسطت لوقف إطلاق النار خلال النزاع، لم تتوصل إسرائيل والدول العربية إلى أية اتفاقيات هدنة رسمية حتى فبراير (شباط) 1949، حين انتهت إسرائيل والدول المجاورة مثل مصر ولبنان والأردن وسوريا إلى اتفاقيات منفصلة على خطوط الهدنة الرسمية.
حصلت إسرائيل على بعض الأراضي الممنوحة سابقاً للعرب الفلسطينيين بموجب قرار الأمم المتحدة عام 1947، واحتفظت مصر والأردن بالسيطرة على قطاع غزة والضفة الغربية على التوالي، واستمرت خطوط الهدنة هذه حتى حرب 1967 التي عرفت في العالم العربي بالنكبة، وكانت نقطة البداية في سلسلة من الحروب التالية بين إسرائيل والدول العربية قبل التوصل إلى اتفاقات سلام ثنائية بدأتها مصر عام 1979 وتلتها الأردن، بينما لا تزال المفاوضات متعثرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين لقيام دولتين متجاورتين.
نصف قرن على حرب فيتنام
تتفاوض القوى العظمى في بعض الأحيان للخروج من الحرب وتندم على القتال، ولم تكن "اتفاقيات باريس" للسلام التي وقعت في 27 يناير (كانون الثاني) 1973 سوى مثال على ذلك، فقد بدأت مفاوضات المتحاربين في فيتنام عام 1968 عقب هجوم تيت، الذي أقنع كلاً من فيتنام الشمالية والولايات المتحدة بأن النصر في ساحة المعركة لم يكن وشيكاً، لكن المحادثات تعثرت في البداية حول المكان الذي ستعقد فيه قبل أن تصبح باريس الخيار النهائي، وحول ما إذا كانت فيتنام الجنوبية حليفة أميركا وجبهة التحرير الوطنية الشيوعية المعروفة باسم "فيت كونغ" ستشارك في المفاوضات من عدمه، وحتى مع تسوية هذه القضايا طال أمد التفاوض.
وفي عام 1969، بدأ الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون سحب القوات الأميركية من جنوب فيتنام كجزء من سياسة الفتنمة، كما صعد قصف الولايات المتحدة لفيتنام الشمالية لإجبار الفيتناميين الشماليين على التنازل على طاولة المفاوضات، كما أمر بغزو كمبوديا المجاورة في مايو (أيار) 1970، لكن هذه الخطوة ولدت فوائد عسكرية قليلة واستنزفت الدعم الشعبي للحرب وزادت من الضغط للتفاوض على إنهائها، وفي الفترة التي سبقت الانتخابات الرئاسية الأميركية عام 1972، اقترب نيكسون من التوصل إلى اتفاق سلام. ومع ذلك رفض الفيتناميون الجنوبيون حلفاء أميركا الشروط، لكنهم استسلموا لعملية لي الذراع الأميركية في يناير 1973.
أنهت "اتفاقيات باريس" للسلام التدخل العسكري الأميركي المباشر في فيتنام وطالبت فيتنام الشمالية بالإفراج عن جميع أسرى الحرب الأميركيين، ومع ذلك لم تضمن الاتفاقيات السلامة السياسية لفيتنام الجنوبية، على رغم أن هذا هو السبب الذي قاتلت الولايات المتحدة من أجله، وفي أبريل 1975، اجتاح الجيش الفيتنامي الشمالي جنوب فيتنام، منهياً بذلك حرب فيتنام التي استمرت نحو 20 عاماً.
الذكرى 75 لتنفيذ اتفاقية "الغات"
منذ نهاية الحرب العالمية الثانية احتلت التجارة العالمية مكاناً بارزاً في طفرة الازدهار العالمي على مدى الخمسة والسبعين عاماً الماضية، فقد نمت التجارة العالمية بشكل أسرع بكثير من النمو الاقتصادي العالمي الإجمالي، ولم يكن هذا من قبيل الصدفة، بل نتيجة لسياسة أميركية تشكلت من خلال الدروس المتصورة للحرب العالمية الثانية، حيث اعتقد المسؤولون في إدارتي الرئيسين روزفلت وترومان أن الحرب كانت جزئياً نتيجة للسياسات التجارية التي اتبعتها البلدان في الثلاثينيات والتي تضر بالشركاء التجاريين، مثل الحواجز الحمائية كالتعريفات والحصص والعقوبات، وجادلوا بأن تعزيز السلام والازدهار يتطلب إنشاء ترتيب متعدد الجنسيات يحد من سياسات الحماية التجارية من خلال تبني مبدأ الدولة الأولى بالرعاية أو الأكثر تفضيلاً على جميع الأعضاء في اتفاقية عامة للتجارة والتعريفات الجمركية (الغات).
لم يكن قبول الدول الأخرى بمبدأ الدولة الأولى بالرعاية أمراً سهلاً، فقد كانت بريطانيا العظمى، وهي القوة التجارية المهيمنة في العالم قبل الحرب، مترددة في التخلي عن نظام الأفضليات الإمبريالية الذي يميزها عن دول مثل الولايات المتحدة التي كانت خارج فلك الكومنولث التجاري، لكن في النهاية تم حل الخلافات بين الحلفاء بعد مفاوضات مطولة، وعندما دخلت الاتفاقية العامة للتجارة والتعريفات الجمركية (الغات) حيز التنفيذ في الأول من يناير عام 1948، كان عدد الموقعين عليها 23 فقط، لكن هذا الرقم تضاعف مع مرور الوقت حيث أدركت البلدان أن اتفاقية "الغات" توفر أفضل منتدى لخفض التعريفات ومناقشة القضايا التجارية الرئيسة، وفي عام 1995 أفسحت الاتفاقية الطريق أمام منظمة التجارة العالمية.
الذكرى 75 لاغتيال غاندي
مهانداس غاندي أو "المهاتما" هو لفظ تكريم يعني "الروح العظيمة"، فقد أصبح غاندي أحد أكثر الشخصيات أهمية في القرن العشرين، كونه كان رائداً في ممارسة "ساتياغراها"، أو المقاومة اللاعنفية التي استخدمها لتحقيق شيء اعتقد كثير من الناس أنه مستحيل وهو استقلال الهند عام 1947 عن بريطانيا العظمى، لكن انتصار غاندي بتحقيق الاستقلال جاء بثمن باهظ، فقد اختارت بريطانيا على رغم اعتراضات غاندي تقسيم مستعمرتها إلى دولتين، الهند ذات الغالبية الهندوسية وباكستان ذات الغالبية المسلمة، وكانت النتيجة هجرة داخلية واسعة النطاق واندلاع أعمال عنف طائفي مروعة.
وفي يناير 1948، بدأ غاندي صياماً كان يأمل في أن يضفي طابعاً درامياً على دعوته للهندوس والمسلمين إلى العيش معاً بسلام في الهند الجديدة العلمانية، لكن بالنسبة للقوميين الهندوس المتطرفين كانت هذه الرؤية بمثابة خيانة. وفي 30 يناير 1948، أطلق أحد هؤلاء المتطرفين وهو شخص يدعى ناثورام جودسي النار على غاندي البالغ من العمر آنذاك ثمانية وسبعين عاماً أثناء سيره لحضور اجتماع صلاة المساء فأرداه قتيلاً، ورافق ما يقدر بمليون شخص جثة غاندي في اليوم التالي حيث تم نقلها إلى نهر جومنا وحرقها وفقاً للطقوس الهندوسية.
لكن على رغم أن ممارسة غاندي للمقاومة اللاعنفية ألهمت حركات العصيان المدني في جميع أنحاء العالم، فإنه لم يمنح أبداً جائزة "نوبل" للسلام، فقد اختارت لجنة الجائزة عدم منحها له بعد وفاته عام 1948، حيث تم حجبها هذا العام على أساس عدم وجود مرشح حي مناسب، ومع ذلك فقد أرجع كل من مارتن لوثر كينغ والدالاي لاما الفضل إلى تأثير غاندي على عملهم خلال إلقائهما خطابات قبول جائزة "نوبل".
ربع قرن على صراع إيرلندا الشمالية
في 10 أبريل 1998 تأكد للجميع من خلال توقيع اتفاق "الجمعة العظيمة" أنه يمكن للدبلوماسية الحازمة أن تحدث فرقاً وتنهي واحداً من أسوأ الصراعات الطائفية في العالم، بعد أن مزق إيرلندا الشمالية لمدة ثلاثين عاماً في نزاع تعود جذوره إلى إرث غزو إنجلترا لإيرلندا، ونضال إيرلندا من أجل الاستقلال الذي انتهى بها كدولة مستقلة باستثناء ست مقاطعات في شمالها ظلت جزءاً من المملكة المتحدة، واستمر فيها الصراع على السلطة بين الغالبية البروتستانتية والأقلية الكاثوليكية.
تعود الاضطرابات في إيرلندا الشمالية إلى الخامس من أكتوبر 1968، عندما هاجم رجال الشرطة البروتستانت محتجين كاثوليكاً كانوا يتظاهرون ضد سياسات الإسكان التمييزية، وردت الحكومة البريطانية على الاضطرابات المتزايدة بإرسال قوات عسكرية إلى إيرلندا الشمالية لقمع العنف والقبض على أعضاء من الجيش الجمهوري الإيرلندي الذي بدأ حملة إرهابية لإعادة توحيد إيرلندا بالكامل، لكن هذه الخطوة جاءت بنتائج عكسية بخاصة في 30 يناير 1972، عندما قتل مظليون بريطانيون ثلاثة عشر محتجاً في ما يعرف باسم "الأحد الدامي"، لتتصاعد بعد ذلك الهجمات والهجمات المضادة التي تضمنت محاولة الجيش الجمهوري الإيرلندي عام 1984 قتل رئيسة الوزراء البريطانية مارغريت تاتشر.
وطوال الصراع المرير قتل ما يقرب من 4000 شخص، ما دفع جميع الأطراف في النهاية إلى البحث عن حل تفاوضي، فقد أعلن الجيش الجمهوري الإيرلندي عام 1994 وقف إطلاق النار وحذت حذوه المجموعات شبه العسكرية البروتستانتية لتبدأ محادثات السلام التي قادها زعيم الغالبية السابق في مجلس الشيوخ الأميركي جورج ميتشل وأسفرت في نهاية المطاف عن اتفاق "الجمعة العظيمة" الذي أنهى الاضطرابات، وإن لم يزح كل المرارة الطائفية.
قرن على انقلاب هتلر الفاشل
كان الزعيم النازي أدولف هتلر في عجلة من أمره، راغباً في الوصول إلى السلطة بأسرع وسيلة ممكنة، لكن محاولته الأولى منيت بفشل ذريع، ومع ذلك فقد ساعد هذا الفشل بشكل غريب في تأجيج صعوده بعد ذلك، ففي عام 1923 كان المتسرب من المدرسة الثانوية الذي خاض غمار الحرب العالمية الأولى قد نصب نفسه زعيماً للحزب النازي في ميونيخ، وباعتباره خطيباً مفوهاً استغل الاضطرابات التي لحقت بالاقتصاد الألماني بعد هزيمة الحرب، وكذلك الإذلال القومي الناجم عن الاحتلال البلجيكي والفرنسي لمنطقة الرور الألمانية في يناير 1923، من أجل تعزيز أجندته القومية المتطرفة، وبتشجيع من الحشود الكبيرة التي تجمعت لسماع خطاباته واستلهاماً من مسيرة بينيتو موسوليني في روما قبل عام، قرر هتلر الاستيلاء على حكومة ولاية بافاريا كنقطة انطلاق لمسيرة أخرى إلى برلين للإطاحة بجمهورية فايمار.
وفي ليلة 8 نوفمبر (تشرين الثاني) 1923، اقتحم هتلر وأتباعه النازيين اجتماعاً عاماً في قاعة كان زعيم ولاية بافاريا يتحدث داخلها، وبعد أن بدا في البداية كما لو أن خطة هتلر قد نجحت، فإنه بحلول الصباح انهار الانقلاب وهرب هتلر حفاظاً على حياته بعد أن أطلقت الشرطة الألمانية النار على النازيين، وبعد يومين تم القبض عليه وحوكم بتهمة الخيانة العظمى وحكم عليه بالسجن خمس سنوات، غير أن خطابات هتلر الشعبوية الملتهبة في قاعة المحكمة أكسبته معجبين جدداً كانوا سبباً في العفو عنه بعد عشرة أشهر، إضافة إلى تأليفه كتاباً داخل السجن بعنوان "كفاحي"، جادل فيه باستخدام النظام السياسي بدلاً من الثورة للوصول إلى السلطة، وبالفعل بعد ثماني سنوات تقريباً، فاز حزبه بالانتخابات وتم تعيين هتلر مستشاراً لألمانيا وهي الخطوة التي كانت بداية الكارثة لكل أوروبا والعالم.
25 عاماً على تفجير سفارتي أميركا في كينيا وتنزانيا
في 7 أغسطس (آب) عام 1998 انفجرت شاحنة مفخخة خارج السفارة الأميركية في العاصمة الكينية نيروبي، وبعد دقائق، انفجرت شاحنة مفخخة أخرى خارج السفارة الأميركية في دار السلام عاصمة تنزانيا المجاورة، ما أدى إلى مقتل 224 شخصاً بينهم 12 أميركياً وإصابة أكثر من 4500، في عملية هزت الولايات المتحدة ودفعتها سريعاً إلى الانتقام بعد توجيه الاتهامات إلى تنظيم "القاعدة" الذي يقوده أسامة بن لادن.
وفي 20 أغسطس، أمر الرئيس الأميركي آنذاك بيل كلينتون بإطلاق صواريخ "كروز" ضد معسكرات تدريب بن لادن الإرهابية في أفغانستان وضد مصنع للأدوية في السودان اعتقدت الاستخبارات الأميركية أن بن لادن صنع أو وزع أسلحة كيماوية داخله، وهو ما تبين لاحقاً أنه غير صحيح.
وألقت الولايات المتحدة القبض على عدد من مساعدي بن لادن ووجهت ضدهم تهم الضلوع في الهجمات وكذلك ضد بن لادن و21 آخرين، غير أن التفجيرين أحييا معركة أميركا ضد الإرهاب والمستمرة حتى اليوم على رغم انخفاض أولويتها في السياسة الأميركية بسبب الصراع الجيوسياسي ضد الصين وروسيا.
ربع قرن على تأسيس "غوغل"
لا توجد شركة تكنولوجيا مسؤولة عن تشكيل الإنترنت والحياة الحديثة للبشرية أكثر من شركة "غوغل" التي بدأت كأول محرك بحث على شبكة الإنترنت في الرابع من سبتمبر (أيلول) عام 1998، وهي تدير الآن عديداً من منتجات الشركة التي يستعملها أكثر من مليار مستخدم كمستودع للمعرفة البشرية، وللتواصل، وأداء العمل، واستخدام الخرائط والسيارات ذاتية القيادة وأنظمة تشغيل الهواتف الذكية، وهو ما يمثل أحد أكثر عمليات التشغيل تأثيراً لأية شركة في التاريخ، الأمر الذي حولها إلى مركز قوة في "وادي السيليكون".
بدأت "غوغل" كمشروع بحثي من لاري بيدج، الذي التحق ببرنامج الدراسات العليا لعلوم الكمبيوتر بجامعة ستانفورد عام 1995، وهناك التقى زميله طالب علوم الكمبيوتر سيرجي برين، وظل الاثنان على اتصال عندما بدأ بيج يبحث في سلوك الارتباط على شبكة "الويب" العالمية، حيث ابتكر بيج نظاماً لتحديد الصفحات التي ترتبط بصفحات أخرى على الشبكة، بافتراض أنه قد يؤدي إلى إنشاء نوع جديد من محركات البحث، ومع خبرة برين في الرياضيات أنشأ الثنائي خوارزمية "بيجرانك"، التي سميت باسم لاري لترتيب نتائج البحث استناداً إلى سلوك الربط، وشكلت التقنيتان أساس أقوى محرك بحث في العالم، والذي تم إطلاقه على شبكة جامعة ستانفورد الخاصة في أغسطس 1996.
وفي سبتمبر 1998 أعاد بيج وبرين تسمية شركتهما على اسم المصطلح الرياضي "غوغل" وهو واحد متبوعاً بـ100 صفر، وأسسا شركتهما باستثمارات قدرها 100 ألف دولار من المؤسس المشارك لشركة "صن مايكروسيستم" آندي بيكتولشيم، ليصبح محرك البحث الخاص بهم أكثر دقة وفائدة والأقوى في العالم.
200 عام على "عقيدة مونرو"
تعد "عقيدة مونرو" أحد مواقف السياسة الخارجية للولايات المتحدة التي عارضت الاستعمار الأوروبي في نصف الكرة الغربي. ورأت أن أي تدخل في الشؤون السياسية للأميركيتين من قبل قوى أجنبية هو عمل عدائي محتمل ضد الولايات المتحدة، لكن الحقيقة أن الأمر بدأ بشكل مختلف، فبعد انتهاء الحروب النابوليونية في أوروبا كانت بريطانيا تخشى من أن تستعيد إسبانيا مستعمراتها في أميركا اللاتينية وتقطع طرق التجارة البريطانية المربحة، لذا اقترحت بريطانيا في أوائل عام 1823 أن تنضم إليها الولايات المتحدة في تحذير القوى الأوروبية من التدخل في أميركا اللاتينية، واتجه الرئيس الأميركي جيمس مونرو إلى الموافقة.
غير أن وزير الخارجية الأميركي جون كوينسي آدامز اعترض، ورفض أن تكون الولايات المتحدة الناشئة حديثاً تابعة لدعاة الحرب البريطانيين، لأنه لا يمكن لأية دولة أوروبية إعادة تأسيس الحكم الاستعماري في حضور بريطانيا القوي، وبعد ذلك كتب مونرو في 2 ديسمبر 1823 رسالته السنوية السابعة إلى الكونغرس، ومفادها أن الولايات المتحدة تعتبر نصف الكرة الغربي مغلقاً أمام مزيد من الاستعمار، وتعتبر أية جهود لإعادة تأسيس الحكم الاستعماري عملاً عدائياً.
ندد الزعماء الأوروبيون بالإعلان ووصفوه بأنه وقح بالنظر إلى عجز واشنطن الواضح عن دعم تهديدها، لكن آدامز كان على حق، حيث لم تتدخل أية قوة أوروبية في أميركا اللاتينية، ومع ذلك لم يعتبر سوى قليل من الناس في ذلك الوقت أن مونرو يؤسس لمبدأ أساس للسياسة الخارجية للولايات المتحدة، ولم يكتسب إعلانه لقب "العقيدة" حتى عام 1852.