كان عام 2022 مليئاً بالتطورات التي شهدتها إيران وأثرت فيها، ليس على المستوى الداخلي فقط بل والإقليمي والدولي. فقد بدأ العام بمفاوضات فيينا والعودة لإحياء خطة العمل الشاملة المشتركة والمعروفة إعلامياً بالاتفاق النووي، ثم دخول طهران في جولات من المحادثات الإقليمية مع جيرانها من دول الخليج كالسعودية والتقارب مع الإمارات، ثم جاءت الحرب الأوكرانية - الروسية وتورط إيران بتقديم الطائرات المسيرة لروسيا. وكان آخر التطورات التي شهدتها إيران هو التظاهرات التي اندلعت منذ شهر سبتمبر (أيلول) الماضي، وتستمر إلى الآن منددة بسلوك شرطة الأخلاق والتعسف في معاملة النساء، وذلك على خلفية مقتل الشابة مهسا أميني.
على مستوى التحديات الداخلية
فقد تعرض الاقتصاد الإيراني لضغوط شديدة بسبب العقوبات الأميركية في السنوات الأخيرة، مما أدى إلى ارتفاع حاد في التضخم وانخفاض قيمة العملة وتكاليف الإسكان الباهظة والبطالة والسخط على نطاق واسع. على رغم أن إدارة إبراهيم رئيسي وعدت بخلق ظروف مواتية للنمو الاقتصادي من خلال الاستثمارات المحلية والأجنبية، والإنتاج المحلي، وطفرة في الصادرات غير النفطية. ومن ثم يمكن القول إن حكومة رئيسي فشلت في تحسين الأوضاع الاقتصادية، فضلاً عن اتباع سياسات أكثر محافظة أدت إلى الاحتجاجات المشتعلة بسبب الحجاب.
ربما كانت تلك التظاهرات الممتدة لأكثر من ثلاثة أشهر، أهم ما تمر به إيران، ليس لأن تمركزها نحو المرأة كقوة دافعة لمناهضة النظام، بل لامتداد الاحتجاجات لتشمل أطرافاً أخرى كالتجار وعمال مصانع تكرير النفط، بل الأكثر من ذلك هو تركيز الاحتجاجات الضوء على جيل جديد، وهو ما يعرف بالجيل زد، الذي كان عاملاً مساعداً لاستمرار التظاهرات إلى جانب المرأة.
وللمرة الأولى تلقى الاحتجاجات الداخلية في إيران زخماً دولياً واسعاً على المستويين الرسمي والشعبي، أدى إلى فرض مزيد من العقوبات على بعض الشخصيات المرتبطة بسلطات مواجهة التظاهرات. كما لم يكن مكافحة وباء كوفيد 19 بعيداً من التحديات التي واجهت إيران لاسيما مع فشل الحكومة في مواجهته. واستمرت إيران خلال عام 2022 تعاني الظروف الاقتصادية المتدهورة.
ومن ثم فقد اختبر عام 2022 إدارة الرئيس إبراهيم رئيسي على الصعيد المحلي والقدرة على احتواء متغير omicron لفيروس كورونا وخفض التضخم، واستعادة الاستقرار في سوق الصرف الأجنبي، وتخفيف تأثير العقوبات الأميركية. لذا فقد كان عام 2022 بمثابة اختبار حقيقي لحكومة رئيسي وسياساتها الاقتصادية.
أما خارجياً فقد جلب عام 2022 معه عديداً من التحديات للحكومة الإيرانية الجديدة، فضلاً عن الفرص، بما في ذلك إحياء المحادثات النووية في فيينا، والجهود المبذولة لتجنب تصعيد التوترات مع الغرب بشأن برنامج طهران النووي، وإنهاء الحرب التي طال أمدها في اليمن.
ذلك حينما انخرطت طهران والقوى العالمية في محادثات ماراثونية منذ أبريل (نيسان) من العام الماضي مع فترات توقف بينهما، لإنهاء المواجهة المستمرة بشأن برنامج إيران النووي، لم يصل الأمر إلى شيء، مما أثبت غياب الإرادة الإيرانية لإنجاح الاتفاق النووي في وقت تتسبب فيه العقوبات في خسائر فادحة، لتتوقف المحادثات عند محطة المطالبة الإيرانية بإغلاق ملف المواقع النووية غير المعلنة.
ربما خلص العام الحالي إلى توصل الإدارة الأميركية الحالية إلى أنه من الممكن عدم إحياء الاتفاق النووي مرة أخرى، وتصريحات من المسؤولين أكثر انتقاداً لإيران على العكس من السابق. فقد قال المبعوث الأميركي الخاص لإيران روبرت مالي، "لقد رأينا البرنامج النووي الإيراني يتوسع، ورأينا طهران أصبحت أكثر عدوانية في أنشطتها الإقليمية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
"النظر إلى الشرق"
ربما كانت سياسة "النظر إلى الشرق" هي أحد العوامل المساعدة في التعنت الإيراني والتوجه أكثر نحو روسيا والصين. إذ سعت إيران، كجزء من سياسة "الجوار أولاً"، إلى تعزيز العلاقات مع الحليفين الصين وروسيا من خلال اتفاقات استراتيجية طويلة الأجل، بينما سعت في الوقت نفسه إلى التقارب مع السعودية والإمارات العربية المتحدة.
ومن ثم كان العام حاسماً في كيفية تشكيل هذه العلاقات، بخاصة في ظل محادثات تخفيف التوتر الجارية بين طهران والرياض، بوساطة الحكومة العراقية.
كما كان العام مهماً في سياق علاقات طهران المتنامية مع موسكو والصين، فبينما وقعت طهران بالفعل على "اتفاق شامل" بقيمة 400 مليار دولار مع بكين، كان من المفترض أن يقوم الجانبان في تنفيذه هذا العام بشرط تخفيف العقوبات الأميركية، كان من المقرر أيضاً الانتهاء من اتفاق مدته 20 عاماً مع موسكو.
وبنهاية عام 2022 يمكن القول إنه لم تتغير السياسة الخارجية والأمنية الإيرانية تجاه المسارح الإقليمية إلا قليلاً.
أما على مستوى البرنامج النووي والبرنامج الصاروخي ومساعدة الجهات المسلحة غير الحكومية مثل "حماس" و"حزب الله"، فما زالت إيران مستمرة في سياستها تجهاهها.
أما العراق، فقد عملت إيران على إعادة ضبط الاستراتيجية لاسيما بعد فوز "حركة الفتح" المدعومة من إيران بـ17 مقعداً، بينما فازت الكتلة المنافسة الرئيسة بزعامة مقتدى الصدر بـ 73 مقعداً، مما يشير إلى أن النفوذ الإيراني في حكومة العراق قد انخفض بشكل كبير. بالتالي قررت طهران إعادة ضبط استراتيجيتها مع بغداد من خلال عملية التعاون والصراع يظهر ذلك، من ناحية كيف ترفض إيران التوقف عن رؤية العراق كسوق محتملة لـ "اقتصاد المقاومة"، ومن ناحية أخرى كيف دفعت الجغرافيا السياسية للمنطقة إيران إلى استخدام الأراضي العراقية كمسرح لعمليات شن حرب سرية مع لاعبين مثل إسرائيل.
وتشكل التجارة مع العراق 40 في المئة من الصادرات الإيرانية، مما يجعلها الشريك التجاري الأهم لطهران بعد الصين، مما يوضح حجم التأثير الاقتصادي الهائل الذي تمارسه طهران على جارتها العربية.
أما على مستوى السياق الدولي للصراع الروسي - الأوكراني، فعملت إيران على استغلاله لصالحها من جهة بيع الطائرات المسيرة لروسيا، أما من جهة صناعة النفط الإيرانية فتتوقع إيران أن تكون حاجة السوق الأوروبية إلى الطاقة سبباً لاستمرار التفاوض معها، ومن ثم لم تعد إيران في عجلة من أمرها لإحياء الاتفاق النووي ورفع العقوبات.
في المجمل من المرجح أن تحافظ إيران على استراتيجيات التعاون والصراع مع روسيا والصين، وتستمر في محاولتها التقرب من السعودية والإمارات، مع استمرار التعنت في مواجهة واشنطن، التي باتت تتشكل لديها قناعة أن الاتفاق النووي لم يعد مرجحاً بدرجة كبيرة، ولكن من المؤكد أن عام 2023 سيشهد عودة الحروب السرية والمعلنة بين إسرائيل وإيران.