بدت المعاناة والضائقة في أحد أيام الشتاء البارد في بلدة أولدام، سمتين طاغيتين عند كل باب طرقه ستيفن فلاورز وفريقه. فقد التقى بأحد الأشخاص الذي أمضى نحو ثلاثة أشهر نائماً على أرضية منزله لأنه لا يستطيع شراء سرير آخر بعدما انكسر سريره، كما بأم يسيطر عليها قلق منذ مدة في شأن تأمين الطعام لأطفالها - ناهيك عن شراء هدايا العيد لهم خلال عطلة عيد الميلاد. وهناك متقاعدان فتحا باب المنزل وهما يعتمران قبعتين ووشاحين، لكن هل السبب هو تهيؤهما للخروج من المنزل؟ كلا، إنهما فقط يخشيان تشغيل جهاز التدفئة فيه.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
يواظب فلاورز وفريقه المؤلف من 13 فرداً والعازم على تقديم المساعدة، على الانتقال من منزل إلى آخر في البلدة، 5 أيام في الأسبوع. يطرقون الأبواب لسؤال السكان عن طريقة تدبرهم أمورهم، وعما إذا كانوا بحاجة إلى أية مساعدة. إنهم "الوحدة المكلفة زيارة المنازل" والتابعة لمجلس أولدام، ويشكلون فريق استجابة رائد لهذه الأزمة المالية المتفاقمة.
وتقضي مهمة هذه الوحدة بزيارة عشرات آلاف المساكن خلال فصل الشتاء، لإبلاغ الأهالي المحليين عن الخدمات وتقديم المشورة لهم، وكذلك إحالة الأشخاص الذين هم في أمس الحاجة إلى المساعدة إلى بنوك الطعام أو إلى مخططات وبرامج الدعم الحكومي لتوفير منازل أكثر دفئاً. وفي إحدى الحالات اليائسة التي التقوا بها، كانت هناك إحدى الأمهات التي لا تمتلك سوى نصف رغيف فقط من الخبز لتقتات منه وأسرتها خلال العطلة الرسمية في نهاية الأسبوع، مما حدا بأحد أعضاء الفريق إلى الذهاب إلى متجر لشراء بعض المواد الغذائية لها.
اتسم تاريخ بلدة أولدام، التي كانت في ما مضى معقلاً لصناعة القطن في البلاد، بابتكاراتها في مجال المنسوجات، وبعد ذلك بتميزها في مجال الهندسة. فخلال القرن الـ19، قيل إن عدد أنوال الغزل لديها يفوق أية مدينة أخرى في الإمبراطورية البريطانية حول العالم. وفي الحرب العالمية الثانية، أمضى عمال مصنع الطائرات "آفرو" Avro أيامهم في البلدة، وهم يبنون إحدى أكثر الطائرات شهرة في البلاد وهي "المدمرة لانكاستر" Lancaster Bomber.
مع أن الفقراء هم الأكثر تضرراً، إلا أن الأزمة ستطاول الجميع بطريقة أو بأخرى
القضاء على مصانع النسيج والصناعات الهندسية في البلدة تبعه منذ العام 2010 اعتماد إجراءات تقشف مدمرة للغاية لسكانها، التي تم فيها قطع أكثر من 40 في المئة من تمويل الحكومة المركزية لمجلسها المحلي في غضون عقد من الزمن. توجد في أولدام الآن سبعة أقسام تابعة لمجلسها هي من بين المناطق العشر في المئة الأكثر حرماناً في البلاد. ويصنف طفل من كل ثلاثة أطفال فيها بأنه يعيش في حال فقر. أما متوسط أجور أبنائها فهو أقل بكثير من المعدل الوطني، فيما البطالة فيها هي أعلى بكثير من المستوى الوطني.
ومع توقع سقوط أكثر من مليون بريطاني في براثن الفقر نتيجة ارتفاع أسعار المواد الغذائية والطاقة في الأشهر الستة المقبلة، من المنتظر أن تكون هذه البلدة الواقعة في نطاق "مانشستر الكبرى" التي يبلغ عدد سكانها 242,100 نسمة، على تماس مباشر مع أزمة ارتفاع تكاليف المعيشة. وقد تحققت "اندبندنت" خلال الأسبوع الذي أمضته فيها، من مدى فداحة أزمة غلاء المعيشة وتغلغلها في كل ناحية من أنحاء هذه البلدة، دافعة بأفراد يعانون أساساً مصاعب مادية، إلى حال من الفقر لا يمكن تصورها. وشاهدت كيف أن أفراداً من المجتمع أو من المدارس أو من الأطباء العامين أو القادة المحليين، يحاولون بجهد واضح مواجهة هذه الأزمة.
"ماذا يمكن أن تفعلي لي؟ هل تسرقين بنكاً من أجلي؟"
يقول أحد أعضاء فريق ستيفن فلاورز الذي يقود إحدى ثلاث عمليات إغاثة مختصة بزيارة المنازل، إن "كثيراً من الأشخاص الذين التقيناهم يعيشون منذ بضعة أعوام وهم يسدون فقط حاجاتهم الأساسية. لكن أجورهم أو معاشاتهم التقاعدية أو حتى المساعدات الحكومية التي يتلقونها لم تعد تغطي حتى الأساسيات، وهم لا يعرفون ماذا يفعلون". ويضيف: "هم ما كانوا ليرفعوا سماعة الهاتف ويطلبوا الحصول على المساعدة أو يذهبوا إلى بنك طعام لو لم يكونوا بحاجة إلى ذلك. لكن في اللحظة التي يدق فيها شخص ما باب منزلهم ويسألهم عما إذا كان وضعهم على يرام، تسقط حينها الحواجز". ويقول متنهداً من الصقيع: "لقد شاهدنا كثيراً من الدموع تذرف".
اليوم، يعمل الفريق في ناحية "ليتلمور لاين" من البلدة، مع تركيز أفراده على سلسلة من الشوارع التي تضم أعداداً كبيرةً من السكان المسنين ومن قاطني المساكن التابعة للمجلس البلدي.
وفيما كثيرون لم يكونوا موجودين في المنزل، في حين قال كثر آخرون إنهم بخير ولا يحتاجون إلى مساعدة، فإن هناك عدداً كبيراً من الأفراد الذين ينفتحون على هؤلاء الغرباء في ستراتهم الفاقعة عند أعتاب منازلهم. وقد أوضح أعضاء الفريق لأحد الآباء المتفرغين للعناية بأسرتهم، مجموعة المساعدات التي يحق له المطالبة بها، في حين ساعدوا امرأة متقاعدة - بالكاد يغطي دخلها فواتير الغذاء المتزايدة - على التسجل لدى أحد بنوك الطعام، ولم تكن تدري أن في إمكانها الحصول على المساعدة من خلاله.
تحال نحو 600 عائلة جديدة كل شهر على مساعدات الخدمات الاجتماعية في أولدام
ثم كان هناك أم لثلاثة أطفال أخذت تجهش بالبكاء في خلال دقيقتين من طرح آن كوينلان العضو في فريق المساعدة السؤال عن أحوالها. لتجيب: "إنها ليست جيدة". فقد تركها زوجها، وهي عاطلة عن العمل، وعداد الكهرباء ينفد بسرعة من الرصيد على رغم زيادته بنحو 50 جنيهاً استرلينياً (62 دولاراً) الأسبوع الماضي. لكن آن رأت ابتسامة ترتسم على وجهها الدامع عندما قالت لها إنها موجودة هنا لمساعدتها.
وتسألها: "ما الذي بإمكانك فعله لي؟ هل ستسرقين بنكاً من أجلي؟" لتقر آن لها بأنه لا يمكنها طبعاً القيام بذلك. لكنها تستطيع المساعدة بطريقة أخرى. كان يبدو أن المرأة تعاني آلاماً في الأسنان ولم تتمكن من حجز موعد لدى الطبيب. قامت آن بتوجيهها إلى عيادة المواعيد الطارئة التي لم تكن على علم بها.
وتقول إيما شارب وهي عضو آخر في فريق المساعدة: "عندما تتمكن من إحداث فارق، يغمرك شعور حقيقي بالسعادة. فلا شيء أكثر من ذلك يمكن أن يمنحك شعوراً بالرضا".
إلا أن الصعوبة تكمن في أن مزيداً ومزيداً من الناس يحتاجون إلى مثل هذه المساعدة مع مرور كل أسبوع. وقد زار أعضاء الفريق نحو سبعة آلاف منزل شهرياً خلال فصل الخريف، وكان نحو 30 في المئة من السكان يفتحون الباب لهم. لكن الآن، ومع اقتراب فصل الشتاء، لوحظ ارتفاع بارز في عدد الأشخاص الذين باتوا يقرون بمعاناتهم من مصاعب نتيجة ارتفاع تكاليف المعيشة.
وتقول ماكسين بيلسينيرجين، وهي مسؤولة أخرى عن قيادة عمليات المساعدة: "حتى عندما نكون في ما نعتقد أنها مناطق أكثر ثراء بقليل، فإن هناك أناساً يعبرون لنا عن مدى قلقهم وبأن الأزمة أثرت في الجميع، كما فيروس ’كورونا‘. فهذا مرض لا يميز بين فرد وآخر، ويمكن أن يطاول أي شخص، بحيث إن الكل يصبحون سواسية. ومع أن الفقراء هم الأكثر تضرراً، إلا أن الأزمة ستطاول الجميع بطريقة أو بأخرى".
تم تشكيل فريق المساعدة المجتمعية في شهر سبتمبر (أيلول) من عام 2020 لتقديم الدعم لأهالي بلدة أولدام خلال مواجهتهم مفاعيل الجائحة. كان الهدف منه في تلك المرحلة معرفة ما إذا كان سكانها قادرين على التعامل مع عمليات الإغلاق والإجازات غير المدفوعة وارتفاع المعدل المحلي للوفيات. وفي وقت لاحق، تردد أن دوره كان أساسياً في نشر أخبار إيجابية تتعلق بحملة تلقيح سكان أولدام. بعد ذلك، ومع تحول الأزمة الصحية إلى أزمة اقتصادية أوسع، قرر رؤساء المجلس المحلي الإبقاء على هذا الفريق.
وتؤكد بيلسينرجين أن "الأمر الآن بات أكثر صعوبة. فمع ’كوفيد - 19‘، كان لدينا دائماً جواب على أسئلة الناس المتعلقة به. إذ كان يمكن إبلاغهم بموعد حصولهم على رسالة التطعيم، أو طريقة ترتيب إيصال الطعام إليهم. لكن الآن، ماذا يمكنك أن تقول لشخص ليس لديه أي نقود لتشغيل عداد الطاقة الخاص بمنزله؟ صحيح أننا نقدم بعض المساعدة لكنها تظل محدودة".
صنفت نحو 6.6 في المئة من البيوت في أولدام على أنها مكتظة، مقارنة بأقل من 4.5 في المئة على المستوى الوطني
وتسترسل في التفكير لتستنتج أن "الوضع الآن ليس بالسوء الذي سيكون عليه لاحقاً. وليست هذه سوى البداية". لكن على رغم ذلك، فإن هذا الفريق يشكل نفحة أمل على الأقل بالنسبة إلى الناس. وفيما قد لا يلاقي أعضاؤه ترحيباً لائقاً من جانب بعض سكان البلدة الذين قد يبدون انزعاجاً من وقوف موظفين تابعين للمجلس المحلي أمام عتبة منازلهم، إلا أنه في المقابل تتم ملاقاه أعضائه بشكل عام بابتسامة وامتنان، إذ يسود شعور لدى بعض بأن هؤلاء الأشخاص يهتمون لأمرهم. وعلى نطاق أوسع، يأمل الناس في أنه من خلال العمل على تحديد مزيد من الأشخاص المحتاجين، سيتمكن المجلس البلدي من تخصيص الموارد المتاحة لديه وتوجيهها بشكل أفضل.
ويقول ستيفن فلاورز إن "الجانب الذي يميز بلدة أولدام هو أنها تزخر بسكان رائعين لا يستسلمون بسهولة. سيكون فصل الشتاء هذا بلا شك طويلاً وقاسياً - وربما الفترة التي تليه أيضاً - لكنني متأكد من أن في إمكاننا تجاوز الوضع معاً".
"أطفال يتقاسمون سريراً واحداً"
تحتفظ كاتي غريفز في الدرج السفلي لخزانة ملفات مكتبها في "مدرسة بيفر الابتدائية" Beever Primary School، بمجموعة من الأشياء غير العادية: كالفانيلات والصابون ومعجون الأسنان وفرش الأسنان وحبوب الإفطار. ففي كل يوم، يصل عدد قليل من التلاميذ إلى هذه المدرسة - في منطقة سانت ماري في البلدة، وهي أحد أكثر الأحياء حرماناً في إنجلترا – وهم إما لم يغتسلوا أو لم يتناولوا فطورهم.
وبما أن غريفز مسؤولة عن العمل الرعوي في المدرسة، فإن جزءاً من مهمتها يقضي بتحديد هؤلاء الصغار على نحو متكتم، والسعي إلى رفع معنوياتهم وتشجيعهم. وفي بعض الأحيان، تقوم بتغيير زيهم المدرسي المتسخ بآخر نظيف.
هذه العملية لطالما كانت روتينية في السابق لمنطقة حيث أكثر من ثلاثة أرباع التلاميذ فيها ينتمون إلى أشد الأسر فقراً في المملكة المتحدة. ومع ذلك، فإن في هذا الفصل الدراسي لم يعد يقتصر على حفنة من هؤلاء التلاميذ، لأن الأعداد آخذة في التزايد. والجدير بالملاحظة، أن الأطفال المنتمين إلى عائلات يعمل فيها كل من الوالدين، هم من بين أولئك الذين يأتون إلى المدرسة جائعين ومرتدين زياً مدرسياً غير مغسول.
وتقول غريفز: "هم لا يبوحون بأنهم لم يتناولوا وجبة الفطور. لكن تكون هناك أدلة على ذلك، فعندما يسألون يأتي جوابهم: ’لقد نفدت الحبوب في المنزل هذا الصباح، يا آنسة‘. إن لدينا أطفالاً رائعين، ورؤية ما يصيبهم إنما تفطر القلب".
الواقع أن المدارس - التي تواجه نقصاً حاداً في موازناتها - تقف إلى حد كبير على خط المواجهة مع هذه الكارثة التي تتكشف في البلدة. ففي "مدرسة بيفر الابتدائية"، حيث اثنان من كل ثلاثة طلاب هناك مؤهلان للحصول على وجبات مدرسية مجانية، ينبه مدير المدرسة غريغ أوتس إلى أن جيلاً من الشباب قد لا يتمكن أبداً من إثبات إمكاناته الكاملة وإظهارها في المدرسة بسبب الأزمة الاقتصادية.
ويقول: "نحن من بين المجتمعات المدرسية الأكثر حرماناً في البلاد، لذا كان علينا دائماً التعامل مع التحديات الناتجة من ذلك. لكن ما نراه الآن هو تزايد مريع لعدد لأشخاص الذين يعانون من ضائقة شديدة، وهو أسوأ حتى مما كان الوضع عليه خلال فترة تفشي فيروس ’كوفيد‘".
ويضيف: "هناك مزيد من الأطفال الذين يأتون جائعين، أو يرتدون ملابس غير مغسولة، أو لا يشعرون بالراحة لأنهم يعيشون في منازل باردة ورطبة. والنتيجة هي أن لدينا مجموعة من اليافعين الذين لا يستطيعون التركيز بشكل صحيح على تعليمهم، ولا يتمتعون بصحة جيدة كالآخرين. من هنا، يصبح لدينا أطفال لا يستطيعون تحقيق ما كان بإمكانهم فعله، لو كانت تلك العوامل الخارجية مختلفة. فإن مستقبلهم سيتأثر بها منذ الآن".
أما من أصعب الأمور التي شاهدها أوتس هذا الفصل، فكان جلب التلامذة لوجبة الغداء، أو امتلاكهم مجرد كسرة من الخبز الرطب أو الفاكهة. وقد أصبح من الواضح كما يقول، أن بعض العائلات لم تعد قادرة ببساطة على تشغيل غسالاتها. ويصف كيف أنه يسمع صوت خطوات تصفع الأرض بينما كان الأطفال يتنقلون في المدرسة ونعالهم تتساقط من أحذيتهم. وقد أخبرته إحدى الأمهات بأن أطفالها الثلاثة سيضطرون إلى تحمل القمل في رأسهم لأنهم لا يستطيعون دفع تكاليف علاجه.
ويضيف أوتس الذي يترأس منذ عام 2001 المدرسة التي تضم 245 تلميذاً: "نشهد أيضاً مزيداً من الأطفال الذين يصلون إلى المدرسة متعبين. ولدى محاولتنا لمعرفة الأسباب، تبين لنا أنهم يتقاسمون سريراً واحداً مع أشقائهم لأنهم يعيشون في منازل مزدحمة. ويؤكد لنا الأطفال أنهم لم يتمكنوا من النوم جيداً أثناء الليل، لأن أخاً كان يتحرك في السرير، أو ربما لأن أحد أشقائه الصغار تبول في الفراش الذي يتشاركه معهم. هل هذا حقاً ما أصبحت عليه المملكة المتحدة في عام 2022"؟
ويشير إلى أن أحد أكبر مخاوفه، هو أن محيط منطقة كولدهيرست - حيث أكثر من 60 في المئة من الناس هم عاطلون عن العمل - قد يشهد تنامي ظاهرة الجريمة بشكل متزايد. وينبه إلى أن "هناك عصابات تحاول استغلال هذا الشعور باليأس السائد في تلك المجتمعات. وقد ينتهي الأمر باليافعين إلى الانحراف باتجاه هذا المنحى".
أوتس، كما المعلمون في كل مكان، يبذل وأفراد طاقمه قصارى جهدهم للتعامل مع الوضع. فقد تم تصنيف المدرسة في شهر أبريل (نيسان) بأنها "جيدة"، من جانب "مكتب المعايير في التربية والتعليم" Ofsted. وفي العام الماضي قبل الوباء، حقق نحو 66 في المئة من تلامذتها المستوى المتوقع لهم في القراءة والكتابة والرياضيات، مقارنة بالمعدل الوطني الذي هو في حدود 65 في المئة.
إلا أن هذه الضغوط تؤثر أيضاً في فاعلية أداء المدارس لمهماتها بشكل ملائم. واستناداً إلى "الاتحاد الوطني لمديري المدارس" National Association of Head Teachers (NAHT) (يضم نحو 45 ألف عضو في إنجلترا وويلز وإيرلندا الشمالية) فإن ارتفاع الفواتير يجعل قرابة 90 في المئة من المؤسسات تخشى نفاد أموالها العام المقبل. وقد أكدت سلسلة أكاديميات "أويزيس" Oasis التي تضم أكثر من 50 مدرسة، أن تكاليف الطاقة تضاعفت أربع مرات تقريباً العام الماضي، بينما ترددت أقاويل عن أن موظفين قاموا بفك مصابيح الإنارة بقصد التوفير.
ومع تراجع الخدمات العامة الأخرى، تضطر المدارس نفسها إلى التعامل مع المشكلات التي لا تستطيع الأسر حلها في مكان آخر. فقد طلبت أم لستة أطفال أخيراً مساعدة أوتس، لأن شقتها المؤلفة من غرفتي نوم، تعيش فيها جرذان، ولأن مالكي المساكن الاجتماعية أخروا اتخاذ تدابير في هذا الصدد على نحو متكرر.
ويقول في هذا الإطار: "بالنسبة إلى كثيرين في مجتمع كهذا، فإننا نظل المؤسسة الوحيدة الثابتة التي يتعاملون معها، لذا أصبحنا نقطة محورية لكل شيء. ففي هذا البلد، هناك ميسورون وفقراء، و... سيكون التأثير الأكبر بالتأكيد على مجتمعات كمجتمعاتنا. أما الفئات الأكثر فقراً فهي التي ستعاني بشكل غير متناسب، وسيشهد معظم أفرادها انعكاس هذا الوضع على فرص حياتهم".
"ليس هذا ما يجب أن تؤول إليه أي بلاد"
تشبه غرفة الانتظار في "مركز رويتون الطبي" Royton Medical Centre أية غرفة مماثلة موجودة في العيادات العامة أخرى. فهناك كراس ومنشورات إعلامية ومجلة واحدة أو اثنتان لا يأبه لهما أحد. ومع ذلك، تظهر في إحدى الزوايا لافتة متناقضة تعكس مرارة الواقع الراهن: "بنك طعام". فالطاولة هنا مليئة بعلب الحبوب والمعكرونة والأرز وأكياس الحساء والبسكويت وغيرها من المواد المجففة.
ويقول الدكتور زاهد تشوهان: "يأتينا أفراد كثيرون لحل مشكلات يواجهونها، وجزء كبير منها يتمثل في أنهم لا يحصلون على ما يكفي من الغذاء. لذا وضعنا بنك طعام هنا. نقول لهم: "خذوا ما تحتاجون إليه، ولا داعي للتوقيع على أي شيء، فقط خذوا ما هو ضروري لكم". لكن هذا ليس ما يجب أن تكون عليه البلاد في عام 2022. ينبغي ألا يكون هناك أشخاص يعانون الجوع إلى درجة أنهم يضطرون إلى أخذ المعكرونة من عيادة طبيب عام".
لقد أصبحت العيادة خطاً أمامياً إضافياً في مواجهة كارثة ارتفاع تكاليف المعيشة، وينبه الدكتور تشوهان إلى أن الناس قد يموتون في بلدة أولدام كنتيجة مباشرة لتلك الضغوط. ويقر بذلك قائلاً: "هذا ما يشكل أكبر مخاوفي. أعتقد أن الفئات الضعيفة ستعاني أضراراً وخيمة. وهذا أكثر ما يجب أن نخشاه".
تشهد العيادات الطبية في أولدام مزيداً من مشكلات التنفس الناجمة عن الرطوبة في المساكن، ومزيداً من الأوجاع والآلام الناجمة عن التعرض طويل الأمد للبرد. وقد سجل ارتفاع في مشكلات الصحة العقلية المرتبطة بتزايد المخاوف المالية، وتعدد حالات النقص في جهاز المناعة الناجم عن قلة التغذية. ومن المتوقع أن ترتفع حالات تلف الكلى وأمراض الكبد ومشكلات القلب، مع عجز السكان المحليين عن تأمين تكاليف الضروريات.
ويشير الدكتور تشوهان، وهو أيضاً عضو في حزب "العمال" في المجلس المحلي لأولدام، إلى أن "جميع هذه المشكلات التي يعانيها المجتمع ككل، ينتهي بها المطاف في عيادة الطبيب العام. بالتالي، يتعين علينا معالجتها طبياً في وقت نعلم فيه أن جذور مشكلاتهم الصحية هي اجتماعية. إن النظام يتهاوى إلى قعر القعر، وهذه الأزمة تؤثر في الجميع بطرق مختلفة، إلا أن الشكل النهائي الذي دائماً ما تتخذه يتمثل في مشكلة صحية. لأن الظروف التي يمر بها الفرد تنعكس دائماً على صحته".
في استطلاع أجرته في وقت سابق من هذا العام "الكلية الملكية للأطباء" Royal College of Physicians، أفاد أكثر من نصف عدد الأشخاص المشاركين فيه، بأن سلامتهم الصحية قد تأثرت سلباً بسبب ارتفاع تكاليف المعيشة. ووصفت "مؤسسة الصحة" Health Foundation (جمعية خيرية مستقلة تعنى بحصول الأفراد في المملكة المتحدة على رعاية صحية أفضل) هذا الوضع بأنه "طارئ".
وفي أماكن مثل أولدام، تصبح هذه المشكلات أكثر حدة. فالناس هنا هم معرضون بشكل أكبر للإصابة بالسمنة والسكري والربو، أكثر من معظم أنحاء البلاد. وقد انخفض متوسط الأعمار المتوقع لكل من الذكور والإناث هنا خلال العقد الماضي، وهو الآن أقل بنحو عامين ونصف العام من المتوسط الوطني.
وفي هذا الإطار أقدم "مجلس أولدام للصحة والسلامة" Oldham Health and Wellbeing Board على خطوة إصدار أول طلب مناشدة رسمية للحكومة باتخاذ إجراءات، منذ عام 2017. وقال المجلس الشهر الماضي إن "الأرقام الراهنة التي تشير إلى أن معدلات الأسر التي تعاني فقر الوقود (14 ألف أسرة) والغذاء (11 ألف و500 أسرة) ستشهد مزيداً من الارتفاع مع انعدام قدرة الناس على تلبية احتياجاتهم الأساسية، وستكون لذلك تداعيات خطرة في صحة سكاننا".
ومن بين الإجراءات التي يرى المجلس أنه يجب اتخاذها، إعادة تفعيل زيادة 20 جنيهاً استرلينياً (24 دولاراً أميركياً) على المساعدات المعيشية المعروفة بـ "الدعم الشامل" Universal Credit (معونة تمنح شهرياً لأصحاب الدخل المنخفض أو للعاطلين عن العمل لمساعدتهم في تحمل تكاليف معيشتهم)، التي تم إقرارها خلال فترة تفشي الوباء، وتوسيع نطاق أهلية الطلاب وأحقيتهم في الحصول على وجبات مدرسية مجانية.
لكن بالنسبة إلى الدكتور تشوهان، فإنه يرى استناداً إلى خبراته العيادية، أنه في حين أن مثل هذه الإجراءات يمكن أن تكون مفيدة، إلا أنها تظل أشبه بوضع ضمادة على جروح عميقة.
ويضيف: "كما تعلم، الحل لا يكون بإنشاء بنوك طعام أو بتأمين أماكن دافئة (للأفراد غير القادرين على تحمل كلفة فواتير الطاقة في مساكنهم) أو بإعطاء الأطباء وصفات طبية. إذا كنا نريد فعلاً القضاء على المشكلات أو العقبات القائمة، فنحن بحاجة لإجراء حوار وطني حول الطريقة التي نريد أن تعمل بها خدماتنا العامة، لأنها في الوقت الراهن لا تعمل كما ينبغي. والدليل واضح وموجود في كل مكان من حولنا، ويتمثل في بنك طعامنا هذا. يتعين علينا وضع سياسة رعاية صحية واجتماعية تمتد على مدى 10 سنوات، توقع عليها جميع الأطراف في البلاد، وتضمن الحصول على نظام متماسك وفاعل".
"فواتيرنا تضاعفت 4 مرات"
إنه مساء الثلاثاء داخل مبنى يفتقر إلى ما يثير الاهتمام كما المنطقة الصناعية التي يقع فيها في ضواحي أولدام، لكن يوجد فيه ملعبان أخضران لكرة القدم يغصان بالناس. وعندما يفتح مركز "كيك سونيك" Kick Sonic أبوابه لكرة القدم الخماسية (5 لاعبين من كل فريق) من الساعة التاسعة صباحاً إلى الثانية من بعد الظهر، يتوجه نحو 800 لاعب إلى مساحاته العشبية كل يوم. ويتوافد عليه الأصدقاء وأفراد الأسر والزملاء - من مختلف الأعمار والقدرات - للتنافس ضد بعضهم بعضاً. إنه أحد الأمكنة التي لا يمكن للمرء فيها أبداً تفادي سماع صيحات من قبيل: "خذ الكرة أو سجل في المرمى"!
إلا أنه في الوقت الراهن، فإن هذه الشركة - التي افتتحها ثمانية أشقاء قبل نحو ثلاثة أعوام فقط، تعد إحدى مئات الشركات المحلية التي تواجه المجهول. فأسعار الطاقة المتصاعدة ومعدلات التضخم الآخذة في الارتفاع، تعني أن كلفة الإبقاء على التدفئة والإضاءة العلوية الشاملة في المنشأة، قد حولت ما كان يعتبر قصة نجاح إلى مشروع تجاري خاسر.
ويقول بلال رحمن أحد الأشقاء المؤسسين للشركة: "لقد ازدادت فواتيرنا أربعة أضعاف. بلغنا حداً لم تعد فيه مداخيلنا تغطي حتى كلفة الطاقة. إن ما نحاول القيام به هو التنويع، ونبحث في إمكانية تنظيم الفعاليات في الردهة الكائنة في الطابق العلوي؟ إن المسألة ليست بالأمر السهل. فالأرقام تظهر - وهي الدليل - أننا نقدم خدمات تلبي تطلعات الناس. لكن هنا تكمن المسألة الأساسية، فحتى عندما تقوم بأشياء يرغب بها الناس في الوقت الراهن، يطرح السؤال: هل هذا يعد سبباً كافياً لمواصلة العمل؟
قد يكون رحمن هو وعائلته محصنين إلى حد ما أكثر من غيرهم، من مفاعيل أزمة الغلاء. فهم يمتلكون 13 مؤسسة - بما فيها شركة تصنع سجائر إلكترونية وأخرى تدير مشاريع عقارية - تضم 45 موظفاً ولديها عائدات مبيعات تزيد على خمسة ملايين جنيه استرليني في السنة. هذا يعني أن بعض الأعمال يمكن أن يتم دعمها من أخرى. إلا أن بلال البالغ من العمر 33 سنة يرى أن "هذا الوضع لن يكون مستداماً على المدى الطويل، عندما تتعرض جميع أعماله لنكسة".
يشار في هذا السياق إلى أن استطلاعاً أجرته "غرفة تجارة مانشستر الكبرى" Greater Manchester Chamber of Commerce الشهر الماضي، أكد أن نحو 40 في المئة من شركات بلدة أولدام شهدت تراجعاً في الربع الثالث من هذا العام.
أما كاشف أشرف رئيس "غرفة تجارة أولدام" Oldham Chamber of Commerce فقال إن "العمود الفقري الاقتصادي الذي أبقى المشاريع قائمة هنا، هو أن السكان المحليين يشمرون عن سواعدهم، ويطلقون العنان لابتكاراتهم، ويعملون بلا كلل. وهذا بالضبط هو نوع الشركات - التي تعمل بهوامش ربح ضيقة حقاً - التي لم يعد بإمكانها استيعاب هذه الارتفاعات الهائلة في التكاليف".
ويسأل الاستشاري المستقل: ما مدى سوء الوضع الذي نحن فيه؟ ثم يتوقف لبرهة ليجيب: "لا أعتقد أنه ستكون هناك شركة في البلد لا يعتريها قلق مما سيحدث هذا الشتاء".
إحدى تلك الشركات تسمى "بيتر سويت" Bitter Sweet، التي تعد وجهة رائدة للحلويات ومطعماً أقيم في مبنى Old Town Hall القديم للبلدية من الدرجة الثانية بعدما تم تحويله. وتقول روفزان بيبي وهي محامية عائلية، لكنها افتتحت هذا المطعم في فبراير (شباط) عام 2020، في محاولة للمساهمة في إحياء ودعم مجتمعها: "أردت ابتكار شيء مميز هنا، يشكل وجهة حقيقية تمنح وسط بلدة أولدام شيئاً من السحر والجاذبية".
ومع ذلك - وكما هي الحال بالنسبة إلى سائر وجهات الضيافة في كل مكان - فإن مؤسسة "بيتر سويت"، بجميع أرضياتها الرخامية وسقوفها المقوسة، تتعرض للضرر مرتين: ارتفاع التكاليف من جهة - فقد تضاعف سعر وجبة الدجاج لديها كما تقول - وانخفاض عدد العملاء من جهة أخرى. وتضيف: "لا يمكن إيجاد حل مناسب. فإذا لم نقم برفع الأسعار، نخسر المال. وإذا قمنا بذلك، فسنفقد مزيداً من الزبائن. إنه وضع لا يمكن تحقيق أي فوز فيه".
ما قامت به هو خفض ساعات عمل الموظفين وتقليص أوقات فتح المطعم. وتقول الأم البالغة من العمر 47 سنة: "لكن لهذه الحلول تأثيراً أوسع أيضاً، فقد اعتدنا أن نفتح أبوابنا حتى الساعة العاشرة مساء وأود مواصلة ذلك. وأود أن أرى وسط أولدام ينبض بالحياة في المساء. لكن لا يمكننا تبرير بقائنا في العمل حتى ذلك الوقت في هذه المرحلة، مما يعني مجيء عدد أقل من الناس إلى البلدة".
هل هي حلقة مفرغة؟ نعم، بحسب اعتقادها، فالخروج من هذا الوضع يزداد صعوبة. لكنها تقول بحزم: "سأبذل قصارى جهدي للإبقاء على أبواب مؤسستنا مفتوحة وسأبذل كل ما في وسعي كي أجعلها تستمر في البقاء. لكن ستكون هناك أماكن مغلقة بسبب هذه الأزمة. ومن يدري كيف سيكون وسط البلدة في نهاية كل هذه المسألة"؟
"هل سيفقد الناس صوابهم في مرحلة ما"؟
تحدثت مع أماندا تشادرتون - وهي رئيسة المجلس المحلي في أولدام - عن بنوك الطعام، فأبدت رأيها بصراحة من دون تنميق لكلماتها. قالت: "قبل 15 عاماً، لم تكن بنوك الطعام تمثل شيئاً. أما الآن فترى السياسيين يقطعون شرائط لافتتاحها، كما لو أن تضور الناس جوعاً يعد قصة إخبارية مثيرة. الأمر نفسه ينسحب على توفير مراكز ومساحات دافئة. لكن أي نوع من البلاد تكون تلك التي لا يستطيع الناس فيها تدفئة منازلهم"؟
هذا السؤال يطرحه كثيرون في فصل الشتاء - لكن قد يكون قليلون منهم في وضع أفضل لفهم الوضع الراهن أكثر من تشادرتون، التي تتولى إدارة إحدى أكثر مدن المملكة المتحدة حرماناً. وتقول: "إن هذه الأزمة تفوق بآثارها ما حدث خلال الجائحة، كما أن تأثيرها في المدى البعيد سيكون أعمق وأطول".
أماندا هي امرأة محلية وأم لطفل، وقد أصبحت في شهر مايو (أيار) الماضي رئيسة للمجلس المحلي الذي يتولاه حزب "العمال" المعارض، وهي لا تتردد في التحدث مع "اندبندنت" في مكتبها في المركز المدني لأولدام المؤلف من 15 طابقاً.
وتتوقع لهذه الأزمة، كما تقول، أن تتسبب بصعوبات تدوم سنوات لمناطق مثل أولدام، في الوقت الذي كانت فيه هذه البلدة تحاول التعافي من أزمتي التقشف وفيروس "كورونا".
وتضيف: "اعتقدت أن حياة الناس تتحسن مع الزمن وأن هذا المجتمع يجب أن تكون حياتي فيه أفضل من تلك التي عاشتها والدتي، تماماً كما يجب أن يكون الأمر نفسه بالنسبة إلى حياة ابنتي. لكن ما نراه هو أن مزيداً من الأطفال يدفعون إلى الفقر... وأخشى القول إنني في مرحلة يتبادر إلى ذهني السؤال التالي: هل سيفقد الناس صوابهم؟ نأمل في ألا نصل إلى مرحلة نشهد فيها اضطرابات مدنية لكن ... هذا الفقر هو نتيجة خيارات سياسية".
اليوم ما زال ممكناً رؤية التراث الصناعي لأولدام عبر الأنوال ومصانع النسيج الكبرى وهندسة المباني المدنية المهيبة فيها. لكن في غضون ذلك، ينفق المجلس المحلي نحو 42 مليون جنيه استرليني على إعادة تطوير مركز "سبيندلز" Spindles للتسوق، ليشمل محال للبيع بالتجزئة وأماكن للترفيه ومكاتب. وستقوم كلية "إيتون كوليدج" ببناء وافتتاح فرع اختياري للنموذج الأكاديمي السادس في مركز البلدة [نموذج أكاديمي ذو متطلبات أكاديمية مختلفة]، في وقت لاحق من هذا العقد.
ومع ذلك، فإن المصاعب في أولدام اليوم باتت تشكل حتماً نمطاً حياتياً روتينياً. وكما أشار تقرير صدر في عام 2017، فقد أصبح اقتصاد البلدة "يعتمد بشكل مفرط على مشاريع متدنية المهارات ومنخفضة الأجور نسبياً". وبعد المجلس المحلي وهيئة "الخدمات الصحية الوطنية" (أن إتش أس) NHS، يعد أكبر أرباب العمل فيها: متاجر "تيسكو" و"آزدا" و"شوب دايريكت".
وما يزيد في الطين بلة، أن الإسكان يعد من بين الأسوأ في البلاد. فخمسا مختلف العقارات في البلدة يتألف من منازل متجاورة، بني كثير منها لعمال النسيج في القرن الـ19. وجرى تصنيف نحو 6.6 في المئة منها رسمياً على أنها مكتظة، مقارنة بأقل من 4.5 في المئة على المستوى الوطني. وتقول رئيسة المجلس المحلي تشادرتون: "إن تلك المساكن لا تفي بالغرض، وينبغي ألا يعيش الناس فيها. ما نريده حقاً هو برنامج إخلاء، لكن ذلك غير قابل للطرح على طاولة النقاش في الوقت الراهن".
ومن المتوقع أن تفاقم أزمة ارتفاع كلفة المعيشة هذه المسائل المتراكمة. وتقول تشادرتون إن "الاستثمار سيكون أقل، لذا، فإنه على المدى الطويل، سيظل الوضع الراهن في نطاق المهارات المتدنية والأجور المنخفضة. من هنا، سيكون من الصعب على سكان بلدتنا في المستقبل الحصول على فرص عمل، الأمر الذي من شأنه أن يرسخ واقع الفقر".
تجدر الإشارة إلى أن نحو 600 عائلة جديدة تحال كل شهر على مساعدات الخدمات الاجتماعية، في وقت تلقى فيه خط المساعدة الذي أنشىء حديثاً - تم اعتماده لتقديم المشورة للأفراد الذين يعانون مشكلات مالية - 1,700 مكالمة في الأسابيع الأربعة الأولى. ويتم إنفاق مبلغ ثلاثة ملايين جنيه استرليني (ثلاثة ملايين و660 ألف دولار) في حالات الطوارئ على حزمة ارتفاع كلفة المعيشة التي تشمل إنشاء مساحات دافئة في المكتبات، وإنشاء نظام لتقديم منح للتدفئة المنزلية، وتوسيع الفريق المخصص لتقديم المساعدة المجتمعية الذي يزور الناس في منازلهم.
وترى تشادرتون أن "هذا المبلغ من المال قد يعتبر كبيراً بالنسبة إلى منطقة أولدام. لكن الحقيقة هي أنه لن يساعد في انتشال سكان بلدتنا من الفقر. وحدها الحكومة الوطنية يمكنها تحقيق ذلك. إن كل ما سيفعله في الواقع هذا الإنفاق من جانب المجلس البلدي الآن، هو تخفيف بعض المعاناة عن الناس".
وإذا كانت هذه المنطقة على عتبة أسوأ فصول الشتاء التي مرت بها، فهي أيضاً مكان يلتف فيه الناس للوقوف جنباً إلى جنب في مواجهة التحديات القائمة، ومكان ما زالت تسود فيه أجواء المرح - غالباً ما تطغى عليها روح الدعابة السوداء - على رغم كل شيء.
أحد المقيمين في أولدام قال لـ "اندبندنت" في وقت ما هذا الأسبوع في معرض تساؤله حول أزمة ارتفاع كلفة المعيشة، إن "هذه البلدة تتخبط في هذه الأزمة منذ سبعينيات القرن الماضي".
وتختم أماندا تشاديرتون بالجزم: "إنني على ثقة في أننا سنتمكن من تخطي هذا المأزق. فلو كنت أعتقد أن أولدام لن يكون لها مستقبل مشرق، لما كنت أقوم بما أقوم به. ما علينا أن نفعله هو فقط أن نحاول التخفيف من حدة الأعباء المتوقعة في السنوات القليلة المقبلة".
© The Independent