أصدرت دول غربية عدة، بينها الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وإيطاليا، بيانات متزامنة دعت فيها مجلسي النواب والدولة الليبيين إلى الإسراع في إنجاز القاعدة الدستورية الخاصة بالانتخابات العامة المؤجلة منذ عام كامل.
وحملت البيانات تهديداً صريحاً بالبحث عن مسارات بديلة إذا تواصل فشل المجلسين في الترتيب لانتقال سلس للسلطة لأجسام جديدة منتخبة.
وأبدى المجلسان تجاوباً ملحوظاً مع الضغط الدولي عليهما، بعد أن تنازل رئيس البرلمان عقيلة صالح عن قراره الخاص بإنشاء محكمة دستورية في بنغازي، الذي تسبب في تجميد المفاوضات التي كانت وصلت إلى مرحلة متقدمة بقرار من غريمه رئيس مجلس الدولة خالد المشري، احتجاجاً على الخطوة الجدلية التي اتخذت من طرف واحد.
توافق غربي
كان لافتاً في البيانات الغربية، التي نشرت لمناسبة ذكرى استقلال ليبيا الـ71 في 24 ديسمبر (كانون الأول)، أنها صدرت بالمضمون نفسه، حتى إن بعضها جاء متطابقاً بشكل كامل، حتى في الكلمات المستخدمة.
ولوحت الولايات المتحدة باستخدام آليات بديلة لاعتماد قاعدة دستورية للانتخابات، إذا لم يتمكن مجلسا النواب والأعلى للدولة من الاتفاق بشكل سريع في شأنها.
وقالت الخارجية الأميركية في بيان إن "الشعب الليبي يستحق حكومة موحدة ومنتخبة ديمقراطياً يمكنها أن تحكم من أجل مصلحة كل البلد وشعبه، فضلاً عن هيئة تشريعية بتفويض مجدد".
وأكدت "أهمية إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية حرة ونزيهة وشفافة وشاملة في أقرب وقت ممكن في جميع أنحاء البلاد، باعتباره المطلب الواضح للشعب الليبي ومبتغاه".
كما دعا البيان "جميع الجهات الفاعلة، بما في ذلك مجلسا النواب والأعلى للدولة، للالتقاء تحت رعاية الأمم المتحدة للاتفاق بسرعة على قاعدة دستورية"، محذراً من أنه "إذا لم تتمكن المؤسستان من التوصل إلى اتفاق سريع في شأن خريطة طريق انتخابية نزيهة، فيمكن، بل ينبغي، استخدام آليات بديلة لاعتماد قاعدة دستورية للانتخابات".
وتشابه بيان الخارجية البريطانية مع نظيره الأميركي، ودعت فيه "جميع الفاعلين الليبيين والأطراف الأساسية المعنية إلى التعاون مع الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة عبدالله باثيلي، عن طريق التواصل البناء وتقديم التنازلات، والاضطلاع بمسؤولياتهم تجاه الشعب الليبي على المسارات السياسية والأمنية والاقتصادية وفي ما يتعلق بحقوق الإنسان، وذلك لتحقيق الأمن والازدهار والاستقرار على المدى الطويل".
وعبرت الخارجية البريطانية عن "استعداد المملكة المتحدة للعمل مع جميع الأطراف دعماً لهذه الأهداف، ودعم جهود الممثل الخاص للأمين العام باثيلي لتحقيقها".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
كما طالبت "جميع الفاعلين بمن فيهم رئيس مجلس النواب ورئيس المجلس الأعلى للدولة، للاتفاق عاجلاً على أساس دستوري يمهد الطريق لإجراء الانتخابات، وفي حالة عدم توصل الطرفين إلى اتفاق سريع على خريطة طريق ذات صدقية لإجراء الانتخابات، فإنه يمكن، بل يجب، الاستعانة بآليات بديلة لتخفيف المعاناة التي تسببها الترتيبات السياسية الانتقالية المفتوحة التي عفا عليها الزمن".
بينما حث البيان الألماني جميع الجهات الفاعلة، بما في ذلك رئيس مجلس النواب ورئيس مجلس الدولة، على الاجتماع تحت إشراف الأمم المتحدة لرعاية الاتفاق بسرعة على أساس دستوري.
وحمل بيان برلين تحذيراً متطابقاً مع التحذير الوارد في باقي البيانات، والذي يشير إلى أنه "إذا لم يتمكن المجلسان الليبيان من التوصل إلى اتفاق سريع حول خريطة طريق انتخابية ذات صدقية، فيمكن ويجب، استخدام الآليات البديلة لتخفيف المعاناة التي تسببها الترتيبات السياسية الموقتة التي عفا عليها الزمن والمفتوحة".
وانفرد بيان برلين بـ"دعوة جميع الأطراف إلى تسريع التنفيذ الكامل لاتفاق 23 أكتوبر (تشرين الأول) 2020 لوقف إطلاق النار، من أجل الحفاظ على استقرار ليبيا ووحدتها ودعم اللجنة العسكرية المشتركة 5+5 بشكل كامل في هذا الصدد".
استجابة سريعة
وجدت الدعوات والتهديدات الدولية استجابة مبدئية سريعة من البرلمان ومجلس الدولة في ليبيا، إذ سارعا إلى إرسال إشارات متطابقة عن قرب عودتهما إلى طاولة المفاوضات لحسم الملفات المعلقة، خصوصاً توحيد السلطة التنفيذية وإصدار التشريعات الخاصة بالعملية الانتخابية.
وفي أول رد فعل إيجابي على البيانات الغربية، أعلن رئيس مجلس النواب عقيلة صالح تعليق قراره الخاص بإنشاء أول محكمة دستورية ليبية في بنغازي، وهو القرار الذي أغضب مجلس الدولة وتسبب في تجميد المفاوضات بين الطرفين.
وقال المجلسان، في بيان مشترك، إن "اتفاقهما جاء تعاطياً مع رفض المجلس الأعلى للدولة تصويت مجلس النواب على مشروع قانون استحداث المحكمة الدستورية، واستشعاراً منا للمسؤولية الوطنية، وتقديراً للظروف الحالية التي يمر بها الوطن، ورغبة في إنجاز الاستحقاق الدستوري كأساس للعملية الانتخابية".
وأشارا إلى أنهما "اتفقا على عدم إصدار القانون الخاص باستحداث المحكمة الدستورية حتى لا يتعارض هذا القانون مع مخرجات القاعدة الدستورية، وأن هذا البيان يأتي لطمأنة كل الأطراف السياسية في شأن الجدل حول القانون المشار إليه".
وأكد المستشار الإعلامي لرئاسة مجلس النواب فتحي المريمي أن "تجميد قانون إنشاء المحكمة الدستورية وعودة الحوار بين مجلسي النواب والدولة جاء للتسريع بالعملية الانتخابية في ليبيا".
وقال المريمي إن "الأيام المقبلة ستشهد تطوراً ملحوظاً باستئناف الحوار في شأن المسار الدستوري بين مجلسي النواب والدولة، لإنهاء القضايا والمشكلات المتعلقة بإجراء الانتخابات".
وعود من المشري
لم يكتف رئيس مجلس الدولة الاستشاري خالد المشري بطمأنة الداخل والخارج في شأن المسار التفاوضي الذي يخوضه مجلسه مع البرلمان، بل أعطى أيضاً موعداً محتملاً للعملية الانتخابية في تصريحات قال فيها إنه "تم قطع شوط كبير في المفاوضات مع مجلس النواب في ما يتعلق بإعداد القاعدة الدستورية".
وتوقع المشري أن "يتم إجراء الانتخابات الليبية قبل شهر أكتوبر 2023، إذا تم إقرار القاعدة الدستورية في أجل قريب". أضاف أنه "لا توجد خلافات بينه وبين رئيس مجلس النواب المستشار عقيلة صالح، وإنما الخلافات الموجودة هي خلافات بين كتلتين سياسيتين كبيرتين في ليبيا".
وأوضح أن "المسارات الثلاثة في الملف الدستوري وملف السلطة التنفيذية والمناصب السيادية منفصلة عن بعضها بعضاً، وما يهم المواطنين الآن هو المسار الدستوري لارتباطه بالانتخابات".
استجابة من الحكومتين
التفاعل الإيجابي مع الدعوات الدولية إلى ضرورة طي صفحة المرحلة الانتقالية في ليبيا، والتعجيل بالانتخابات العامة الرئاسية والبرلمانية في الذكرى الأولى لتعثرها نهاية العام الماضي، لم يقتصر على الأجسام التشريعية، بل صدرت مواقف مشابهة لها من الحكومتين المتنازعتين في طرابلس وبنغازي.
في السياق ذاته، قال رئيس حكومة الوحدة عبدالحميد الدبيبة إنه "يشعر بالأسى، مع الاحتفال بالذكرى الـ71 لاستقلال ليبيا، مع استمرار حرمان 2.5 مليون ليبي من حقهم في الانتخابات".
وأضاف الدبيبة أن "هذا الجرم يتحمل مسؤوليته المعرقلون المستفيدون من اختطاف قرار الليبيين منذ ما يقارب 10 سنوات، ونتفق مع شركاء ليبيا الدوليين على ضرورة التعجيل بالانتخابات".
من جانبه، دعا رئيس الحكومة المكلفة من مجلس النواب فتحي باشاغا مجلسي النواب والدولة الاستشاري إلى "تسريع وتيرة الحوار للوصول إلى قاعدة دستورية وحكومة موحدة تقود البلاد لانتخابات رئاسية وبرلمانية واستعادة السيادة الوطنية للبلاد".
ودعا باشاغا كل الأطراف إلى أن "يحذوا حذو الآباء المؤسسين في إعلاء المصلحة الوطنية فوق المصالح الضيقة، وتجاوز الخلافات والانطلاق نحو المصالحة الوطنية الشاملة وبناء الدولة المدنية الحديثة".