ربما كان من الممكن ردّ سبب الكلام المفاجئ الذي قاله دونالد ترمب عن سيطرة قوات جورج واشنطن الثورية على المطارات خلال "حرب الاستقلال"، إلى طريقته المألوفة في تصحيح نفسه حين يخطئ في قراءة نصه المكتوب، وذلك عن طريق مضاعفة الخطأ والسعي إلى دمجه في خطابه.
يُشار إلى أن عباراته المرتجلة الغريبة تلك عن وجود مطارات حتى قبل 100 سنة على نجاح أول تجربة طيران، جاءت بُعيد لحظات من تعثره أمام جملة أخرى في الكلمة التي كان يلقيها.
في سياق وصف قوات واشنطن التي هزمت البريطانيين بين عامي 1775 و1783، قال الرئيس لجمهور احتشد لسماع خطابه بمناسبة الرابع من يوليو(تموز) إن "جيشنا تحكّم في الجو". وفي تلك اللحظة، توقف قليلا، ويبدو أنه أدرك زلة لسانه، قبل أن يمضي في الخطأ إلى نقطة أبعد من تلك التي بلغها في الجملة السابقة، موضحاً "واصطدم بالأسوار، واستولى على المطارات، إنه قام بكل شيء كان عليه أن يقوم به...".
وإذ لاحت على ترمب علائم التأثر بأخطائه، فهو استرسل في خطابه مشيرا إلى "قلعة ماك هنري"، وهو الحصن المعروف جيدا لدوره في نزاع آخر مختلف كليا عن "حرب الاستقلال"، مع بريطانيا ووقع عام 1812.
ليس واضحا تماما ماهي العبارات الصحيحة التي اشتمل عليها الخطاب الاصلي وأورد الرئيس كلمات أخرى بدلاً منها.
غير أن تلك لم تكن المرة الأولى التي يتعثر ترمب فيها خلال قراءته لنص مكتوب فيسعى إلى الخروج من المأزق بالتحايل عن طريق ارتجال عبارات بديلة تجعل الخطأ يبدو وكأنه جزء لا يتجزأ من النص الأصلي. ومن المعروف عن الرئيس أنه يشعر براحة أكبر حين يرتجل خطابه بدلاً من أن يتلو نصاً مكتوباً سلفاً.
والأسلوب المفضل الذي يلجأ إليه غالباً لمعالجة خطأ ارتكبه أثناء قراءة خطاب ما، يتمثل بالتوقف قليلا، ثم إضافة الكلمة الصحيحة، في محاولة لإعطاء انطباع أن الكلمتين صحيحتان، ولعله بذلك يأمل أن يظهر بمظهر الواثق من سلامة تصرفه.
لكن يمكن لهذا الأسلوب أن يؤدي به إلى إطلاق تصريحات غريبة كل الغرابة.
ففي "قمة ناخبي القيم" الخاص بالجماعات السياسية المحافظة، عام 2017، اختلط الأمر على ترمب فاستبدل في خطابه كلمة "أثاث" بـ"مستقبل" اول الأمر قبل أن ينطق بالكلمة الصحيحة، لكنه بالتأكيد تمنى ألا ينتبه أحد إلى زلة اللسان تلك.
وفي إطار إطراء الأميركيين الذين يعملون بجد واجتهاد، قال الرئيس في الخطاب المذكور "ونحن نرى في الأمهات والآباء الذي يستيقظون فجرا؛ فيعملون في وظيفتين، وأحيانا في ثلاث وظائف. إنهم يضحون بكل نهار من أجل أثاث(furniture)... ومستقبل (future).. أبنائهم".
كذلك أثار خطاب ألقاه من على منبر الأمم المتحدة، إشكالات عدة، عالجها الرئيس الأميركي بالأسلوب المذكور آنفاً نفسه. فأمام مندوبي حوالي 200 دولة، تكلم عن "السلطة (authority) ... والاستبدادي (authoritarian)... والقوى"، وأعلن أن "الأمل هو كلمة (word).. وعالم (world)... أمم مستقلة فخورة".
وأشار ترمب في الخطاب ذاته إلى أولئك الذين "يناضلون لاسترجاع مصيرهم ... الديني (religious)... المستقيم (righteous)" وتحدث عن "تحذيرات... منقولة (reported)... ومتكررة(repeated)"؛ وصرح بأن "التساهل مع صراع البشر (human struggling) ... وتهريب البشر... وتهريب المخدرات غير إنساني (trafficking is not humane)".
الواضح أنه استبدل في كلمته تلك بالأمم المتحدة كلمات ذات تهجئة مشابهة بالكلمات الصحيحة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
على صعيد متصل، يسعى ترمب أحيانا إلى اتباع أسلوب مختلف، يتمثل في ارتجال كلمات تربط بين المفردة الخطأ والصحيحة. ففي حفل تخرج حرس السواحل الأميركيين عام 2017، استخدم كلمة "معيار" بدلا من " تقطعت به السبل"، لكنه عمد إلى الإمعان بالإستطراد ماساعده في محاولته تغطية زلة لسانه، إذ قال مصححا " ما هو معيار (standard)... وحقا، إذا فكرتم فيه، حين تتكلمون عن البحارة العظام وبحارة العالم العظام، الذين في حوزتنا... لكن ما لا يشعر به بحار تقطعت به السبل (stranded) من ارتياح، حين تظهر أشرطة السباق الحمراء في الأفق؟".
وفي خطاب "حال الأمة" السنوي لعام 2018، أثنى الرئيس الأميركي على سلستينو مارتينيز عنصر الأمن الداخلي الخاص، الذي كان كما يبدو قد اقترح تسميته بغير اسمه الشخصي. وأعلن الرئيس الأميركي في الخطاب الذي ألقاه كالعادة في جلسة مشتركة للكونغرس الأميركي إنه "يستخدم اسم "دي جَي"... واسم "سي جَي"... وقال لي بإمكانك أن تدعوني بأي منهما، لذلك سندعوك سي جَي".
أما في أبريل(نيسان) الماضي، وخلال حديثه عن تقرير مولر، أخطأ ترمب ثلاث مرات في لفظ كلمة "أصول" (origins) واستخدم كلمة "برتقال" (oranges) بدلاً عن تلك. وكأنه أدرك أنه أخطأ حين حاول إيضاح ما يعنيه بذلك "كنت آمل لو أن تقرير غطى البرتقال- كيف بدأ، بدايات التحقيق".
يجدر القول، إن من المعروف عن مُقاول العقارات ونجم تلفزيون الواقع السابق، أنه يكره الإقرار بأي أخطاء يرتكبها، وهذا ما يفسر سعيه الدائب للتستر على زلات لسانه، وكشخص متهم باطلاق ما يزيد على 10 آلاف تصريح زائف أو مضلِّل منذ بداية ولايته الرئاسية، فقد صارت له سمعة واسعة كشخص لايولي التفاصيل اهتماماً كافياً.
غير أن السخرية التي واجهها ترمب بسبب زلات لسانه الأخيرة، التي كانت محرجة خصوصاً، لأنها وقعت في مناسبة خطّط لها منذ يوم الباستيل في عام 2017، كي توفر له فرصة الزهو بنفسه. ولعل ذلك يدل أن من الأفضل له لو اقرّ بالخطأ العارض وفتح صفحة جديدة.
© The Independent