عام 1991 أدى فيلم وثائقي صريح عن مادونا إلى إطلاق نوع جديد من الوثائقيات. فالفيلم الذي حمل عنوان "الصراحة أو الجرأة" Truth or Dare الذي صدر في المملكة المتحدة بعنوان أكثر جذباً هو "في السرير مع مادونا" In Bed with Madonna، غالباً ما وصف بأنه حجر الأساس الذي ارتكزت عليه عشرات وثائقيات نجوم البوب التي استتبعته من وثائقي "وان دايركشن: ذيس إيز أس" One Direction: This Is Us لفرقة وان دايركشن إلى "ميس أميريكانا" Miss Americana لتايلور سويفت. ولكن هذا غير صحيح، فذلك الوثائقي بغالبيته، يغرد خارج السرب لأنه يشكل الفيلم الوثائقي الوحيد الذي يجسد نجمة بوب معترف بها الذي بوسعه أن يشعر ناشريه الإعلاميين بالقلق الشديد. ففي نهاية المطاف، لم ينجح أي وثائقي حاول استنساخ "الصراحة أو الجرأة" في تصوير النجوم الذين ضمهم يلعقون زجاجات المياه المعدنية أو يتناولون أوبرا وينفري بطريقة مشاكسة وحقيرة. أو كما لو كانوا في صلب تراجيديا كوميدية لمايك لي يخبرون بلطف أحد أصدقاء الطفولة لذي مر وقت طويل لم يرونه فيه بأنهم لن يكونوا عرابين لطفله الذي لم يولد بعد.
تم تصوير الوثائقي خلال الجولة العالمية التي قامت بها مادونا عام 1990 بعدسة مخرج يبلغ 24 سنة من العمر يدعى أليك كيشيشيان، ويرصد بكاميرته النجمة وهي في أوجها وذروة نجاحها، مثيرة للحماسة والحيرة وتسيء التصرف بشكل لا متناه. فهي مثال الشخص الذي تعني له إشارة "سياج كهربائي" بأنها دعوة إلى لمسه عوضاً عن الحذر منه. بعبارات أخرى، إنها النقيض التام لسيلينا غوميز، ابنة 30 سنة المتحدرة من تكساس التي بدأت مسيرتها كمغنية بوب منذ نعومة أظافرها. وغوميز، الممثلة والموجودة على قائمة أفضل 40 مغني بوب، وطفلة أفلام ديزني السابقة وأكثر امرأة لديها متابعين على "إنستغرام"، علماً أنها ليست من عائلة كارداشيان، هي محور الفيلم الجديد الذي طرحه كيشيشيان وأول وثائقي له منذ فيلم مادونا. يعرض "ماي مايند أند مي" My Mind & Me على "آبل تي في بلاس" Apple TV+ حالياً ويدور أيضاً حول نجمة بوب عظيمة ولكنها في أعماق نفسها، لا يبدو أنها تتحمل ذلك.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
عندما قابلت كيشيشيان على كوب ماء مثلج وسيجارة إلكترونية في نوتينغ هيل في لندن، أخبرني قائلاً: "سيلينا هي أكثر نجمة ممانعة التقيت بها في حياتي". اختفت عيناه خلف نظارات دائرية وكان شعره كثيفاً ورمادي اللون. وتابع قائلاً: "لا ترتكز نجومتها على عامل الفرادة. إنها نجمة بوب الجماهير. ما لفتني في الأمر أنها لا تملك خصال التبجح. كانت مادونا على عكسها تماماً، وكانت غير مبالية بالانتقادات" عندما التقى كيشيشيان بغوميز للمرة الأولى من خلال أخته ألين، وهي مديرة أعمالها، شعر بالإرباك والحيرة. "قلت في نفسي، هذه الفتاة لديها عود طري".
في وثائقي "ماي مايند أند مي"، تظهر غوميز وكأنها في حلقة مفرغة وجدت نفسها فيها. نراها أولاً بعمر 24، تجري تمارين الأداء لما تشعر أنها جولة عالمية حاسمة، مع أغنيات على غرار "غود فور يو" Good For You و"هاندز تو مايسيلف" Hands to Myself التي صممت لإخراجها من صورة نجمة البوب المراهقة نحو إحساس موسيقى أكثر نضجاً. ولكن القلق يتملكها، فهي تكره هيئتها، وأداءها على المسرح. يبدو أنها تشعر بالاشمئزاز بسبب حفنة من المواضيع: ديزني وصورتها كالحبيبة السابقة المشهورة لجاستن بيبر والفكرة غير المنطقية بأنها خدعت شركة التسجيل وقاعدة جمهورها وبأنها ليست جيدة في عملها. تم شرح معظم هذا المشاهد من خلال ما حصل لاحقاً خارج إطار الكاميرا، مع دخول غوميز في مسيرة علاجية للتعامل مع نوبات الذعر والكآبة وتم تشخيص إصابتها باضطراب ثنائي القطب bipolar. ولكن، مع مرور السنوات وتمكن غوميز من تولي أمر صحتها النفسية على الكاميرا، تبدو سعيدة ومفعمة بالحياة، حصراً عندما لا تكون نجمة بوب. في وثائقي "الصراحة أو الجرأة"، كانت علاقة مادونا بالاهتمام كمن ركب أنبوباً وريدياً لمده بذلك. فقد أزهرت بسببه. أما كآبة غوميز في المقابل فهي أمر بغاية الوضوح.
ويقول كيشيشيان "في كثير من الأحيان كنت أسأل نفسي ’لماذا لا تتوقف [عن العمل] فحسب‘؟ ولكن هناك شعور داخلي ينتابها بالحاجة إلى القيام بذلك. أعتقد أنها تكون أسعد عندما تمثل. [لقد أخبرتني بأن] أحد الأسباب التي تجعلها تحب التمثيل – وخصوصاً ضمن مجموعة – هي بأن الأضواء ليست مسلطة عليها وحدها. فهي تجد أن التركيز عليها يشعرها بالإحراج الشديد". فلماذا ما زالت تقوم بذلك؟ "أعتقد أنها في حال لم تفعل، ستشعر بالضياع. فهي بدأت بالعمل تحت الأضواء منذ أن كانت في السابعة. تلعب إدارتها وشركة التسجيل دور الحامي لها بشكل كبير. ولكنني أعتقد بأنها مشرذمة ومحتارة، لأنها تشعر بالواجب تجاه معجبيها. فهي تحب التعبير الذاتي للموسيقى ولكنها لا تحب الجانب الدعائي والترويجي لذلك".
لم يكن كيشيشيان يرغب بتوثيق سيرة نجم بوب آخر خلال حياته إذ وجد ملاذاً آمناً في العمل في الترويج الدعائي وكتابة السيناريوهات، ولكن غوميز كانت متحمسة للتعاون معه. فهي، على غرار أي تلميذ مجتهد لموسيقى البوب، أغرمت بوثائقي "الصراحة أو الجرأة" وأقنعته بإخراج إحدى أغنياتها على طريقة الفيديو كليب وتصوير لقطات لحفلاتها. فلعل ذلك يتحول إلى شيء ما، وربما لا. ولكن، عندما بدأ كيشيشيان مشاهدتها أثناء العمل، أدرك بأنها ليست بخير. واستذكر قائلاً "استشعرت بأن الأمور ستخرج عن السيطرة وتتفاقم. رأيت بأن تلك الفتاة تعاني ألماً كبيراً. شعرت أنني سأكون استغلالياً بوجود الكاميرات هناك فيما هي ليست بخير".
وبعد تلك الأسابيع القليلة في عام 2016، توقف عن التصوير. عام 2019، بعدما تماثلت للشفاء وتم تشخيصها، كما خضعت لجراحة زرع كلية لإصابتها بمرض "الذئبة الحمامية" lupus، تابعا هي وكيشيشيان من المكان الذي توقفا فيه، ووضعا هدفاً واضحاً نصب عينيهما هذه المرة. في نهاية المطاف، يدور وثائقي "ماي مايند أند مي" حول شخصية مشهورة للغاية تحاول توجيه شهرتها في سبيل الخير. كما أنه، بحسب كلمات كيشيشيان، "بمثابة لائحة اتهام بالشهرة نفسها".
ومر وقت، ليس بطويل بعد "الصراحة أو الجرأة"، عندما كان كيشيشيان نفسه مشهوراً بشكل من الأشكال. فقد أخرجته مادونا من الظلمة النسبية التي كان يوجد فيها بعد أن شاهدت فيلم أطروحته في هارفرد الذي يتمحور حول موسيقى الروك - أوبرا بعنوان "ووثرينغ هايتس" Wuthering Heights، وطلبت منه تصوير جولتها. وسألها إن كان بوسعه تصوير الحالات الدرامية والحركية والرومنسية التي تحصل خلف الكواليس أيضاً. كان وارن بياتي، حبيب مادونا آنذاك، يحوم على هامش "الصراحة أو الجرأة" بمثابة قطعة من الحلوى الجميلة المتنقلة. وافقت مادونا على ذلك. وبدا الثنائي مادونا والمخرج مترابطين وتسكعا معاً خلال فترة كبيرة من التسعينيات. "كنت الصديق المقرب لمادونا على مدى ستة أو سبعة أعوام"، قال كيشيشيان. "كنا لا نفترق، ولكن الأمر زاد عن حده. كان من الممتع للغاية الوجود برفقتها في ذلك الوقت. ولكن، عندما تكبر في السن وتصبح أكثر نضجاً، تبدأ في رؤية الفراغ الكبير في ذلك. لم يعجبني رؤية اسمي في مقالات الثرثرة والإشاعات، فأنا لست الشخص الذي يحب ذلك. أكره أن أكون تحت الأضواء، ولهذا غادرت هوليوود". انتقل المخرج من لوس أنجلوس، التي شكلت مقره في ذلك الوقت، إلى لندن. وضحك متابعاً: "ومن ثم انتقلت هي أيضاً إلى لندن! فقلت في نفسي، لا يمكنني الهرب من تلك المرأة!".
عمل الثنائي منذ ذلك الحين معاً، ليس على تكملة لوثائقي "الصراحة أو الجرأة" وهو أمر لطالما عبر كيشيشيان عدم اهتمامه به، وبقيا على ود، إن لم يكونا صديقين مقربين، واحتفلا أخيراً بعيد رأس السنة العبرية روش هشانا في الحفل نفسه في نيويورك في سبتمبر (أيلول) الماضي. في معظم الأحيان اليوم، هو معجب بها من بعيد، فهي لم تسهل على الناس إبعادها عن أذهانهم. ويضيف مبتسماً، "أقول دائماً أنها تشبه التلميذة المدرسية النجمة التي تركب في المقعد الخلفي من الحافلة وتسيطر على كل المقاعد من حولها. لو لم تكن نجمة بوب، فستبقى تلك الفتاة التي تبهر الجميع عندما تدخل إلى الغرفة. تتمتع بذلك الحضور القوي والآسر، وتلك الكاريزما. أظن بأن المعايير أصبحت متدنية أكثر اليوم".
لم تكن مادونا وحدها من أبعدته عن المشاهير. فقد تم إرساء الخطوط بدءاً من "ماي مايند أند مي" إلى "تروث أور دير"، بيد أن الحلقة المفقودة هو فيلم غير معروف تماماً أخرجه كيشيشيان عام 2006. كان فيلم "الحب والكوارث الأخرى" Love and Other Disasters كوميديا رومنسية صور في لندن من بطولة ماثيو ريس وكاثرين تايت والراحلة بريتاني مورفي. وما زال آخر أفلام كيشيشيان الطويلة حتى صدور وثائقي "ماي مايند أند مي" الذي شكل آخر أفلامه. لم يتحدث عنه مطولاً. ولكنني أقول له إنني دهشت بالروابط الروحية الموجودة فيه مع الفيلمين الوثائقيين عن موسيقى البوب. بسبب النساء اللاتي يقدن بطولة هذه الأفلام، فإنها تبدو انعكاساً للشهرة، سواء كان ذلك مقصوداً أم لا. فلطالما جعلت مادونا من نجوميتها خادمة لها، فيما تعلمت غوميز كيف تنجو عبرها، أما مورفي، تلك الممثلة اللامعة والمذهلة التي واجهت تقلبات مهنية وشخصية في حياتها قبل أن تتوفى عن عمر 32 سنة في عام 2009، فقتلت فعلياً على يد تلك الشهرة.
وقال كيشيشيان بحزن واضح "كانت بريتاني بمثابة الضوء المذهل، ولكنها كانت مسكونة بالكآبة والمشكلات". ووصف "لوف أند آذر ديزاسترز" بأسوأ تجاربه في صناعة الأفلام. "كنت أصوره في المدينة التي أحب، مع طاقم عمل رائع ومنتج مذهل، ولكنه كان مضطرباً بسبب وجود ممثلة في دور البطولة تعاني الاضطرابات". كان بوسعه أن يرى بوضوح في موقع التصوير بأن مورفي تعاني. "كنت أحميها وفكرت في إيقاف الفيلم، ولكن كان هذا الأمر سيتسبب ببطالة 70 فرداً من طاقم العمل. ولهذا استمررنا في التصوير". وهز برأسه متابعاً: "أعتقد أن هذا الأمر أثر في".
وسألته إن كان رفضه الاستمرار في تصوير فيلم غوميز عام 2016 مرتبط بما رآه يحصل لمورفي فأجاب: "أعتقد ذلك. تبدأ بالإدراك أن الأفلام هي الأمر الذي تقوم به، ليست الأمر المحوري ونهاية كل شيء. لهذا شعرت في عام 2016 أن ما أقوم به ليس صحيحاً، فأنا لا أود تصوير هذا. كانت سيلينا تحتاج إلى تخطي ذلك وأن تتحسن حالتها والتفكير في كل الأمور. لو كنت ما أزال في سن الـ24، لما توقفت على الأرجح. كنت سأقول بأن هذا الأمر يجذبني، دعونا نستمر في التصوير. ولكنني آمل بأنني أصبحت أكثر حكمة مع تقدم العمر، وأتمنى أنني أصبحت أكثر تعاطفاً وتفهماً".
ربما جعله الوقت أكثر لطفاً، ولكنه لم يجعل الشهرة أقل جاذبية. ويقول في هذا الإطار، "حظيت في فترة من الفترات بكل تلك المظاهر. وكان لدي مساعد يتولى النفقات ويقوم بشراء حاجياتي، ولكن لم يكن ذلك حقيقياً. لم أشعر مطلقاً بأن ذلك هو الأمر الصحيح. لن أقايض حياتي في مقابل حياة شخص مشهور". عوضاً عن ذلك، اختار الدوران حولهم، حاملاً كاميرا في بعض الأحيان.
يعرض وثائقي "سيلينا غوميز: ماي مايند أند مي" على "آبل تي في بلاس"
© The Independent