أعادت أزمة الطاقة العالمية المتفاقمة دول الخليج العربي، الغنية بالنفط والغاز، إلى واجهة الاهتمام الدولي، نظراً إلى الدور الذي تلعبه في المحافظة على توازن السوق واستقراره في مواجهة المتغيرات على الساحة الاقتصادية العالمية، بما في ذلك تداعيات الحرب الروسية – الأوكرانية على الاقتصاد العالمي، بحسب ما أكده متخصصون ومحللون نفطيون لـ"اندبندنت عربية".
وعلى مدى العقود الماضية، لعبت دول مجلس التعاون الخليجي الست (السعودية والبحرين وقطر وسلطنة عمان والإمارات والكويت) دوراً محورياً في ضمان استقرار وتحقيق أمن الطاقة عالمياً.
ويتجاوز إجمالي احتياطات الدول الست النفطية 510 مليارات برميل تشكل 32.7 في المئة من إجمالي الاحتياط العالمي المؤكد البالغ 1.55 تريليون برميل، بينما يبلغ إجمالي إنتاجها قرابة 18 مليون برميل يومياً، تلبي 19 في المئة من إجمالي الطلب العالمي البالغ قرابة 99 مليون برميل يومياً.
وعلى هذا النحو تبرز أهمية دول الخليج في صناعة الطاقة التقليدية، بخاصة في وقت الحروب والأزمات الجيوسياسية، كالجارية حالياً.
هذا عن أهمية دول الخليج للنفط، أما أهمية النفط لدول الخليج فجميع دول الخليج هي في المقام الأول من الدول المصدرة للنفط. يشكل النفط ما يصل إلى 80 في المئة من ميزانياتها الوطنية، وتتخذ دول المنطقة، ولا سيما السعودية والإمارات، إجراءات لتنويع مصادر تمويل الاقتصاد استعداداً لمرحلة ما بعد النفط.
المصدر الرئيس للدخل
بحسب وكالة "موديز"، يظل إنتاج النفط والغاز في دول مجلس التعاون الخليجي المصدر الرئيس لقوة المالية العامة وتوافر السيولة الجيدة، وكذلك مصدر الحماية من التعرض للأخطار الخارجية لسنوات مقبلة، مضيفة في أحدث تقاريرها أنه إذا كان متوسط أسعار النفط 55 دولاراً للبرميل، فإنها تتوقع أن يظل إنتاج النفط والغاز أكبر مسهم منفرد في الناتج المحلي الإجمالي لدول مجلس التعاون".
قوة في الداخل والخارج
وبحسب تقرير صندوق النقد الدولي فإن ارتفاع أسعار النفط يزيد القوة المالية لدول الخليج في الداخل والخارج، ويؤدي إلى زيادة الإنفاق العام وتوجيه الأموال والاستثمارات إلى جميع أنحاء العالم.
وذكر التقرير أن مصدري الطاقة في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى جنوا 320 مليار دولار إضافية من عائدات النفط أكثر مما كان يتوقع في السابق على مدى السنوات الخمس المقبلة، وهو رقم يعادل نحو سبعة في المئة من إجمالي الناتج المحلي لديها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتسبب الحظر الأوروبي على النفط الروسي والذي أعلن عنه في 31 مايو (أيار) الماضي، بهدف خفض الصادرات الروسية بنسبة 90 في المئة مع حلول 2023، في تسريع وتيرة ارتفاع أسعار الطاقة، والتي كانت تشهد في الأصل ارتفاعاً كبيراً ناجماً عن الاضطرابات المرتبطة بجائحة كورونا.
وقال وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان إن "قرار تحالف (أوبك+) في أعقاب أزمة أوكرانيا تبين أنه القرار الصحيح"، مؤكداً أن "التحالف لا يسيس قراراته إنما يعتمد على أساسات السوق فقط".
وأوضح الأمير عبد العزيز بن سلمان أن "التحالف يبقي الشؤون السياسية خارج تحليلاته وتوقعاته لأوضاع السوق"، مضيفاً "نركز فقط على أساسات السوق، وهذا يمكننا من تقييم الأوضاع بموضوعية أكثر، وبشكل أكثر وضوحاً، وهذا بدوره يعزز مصداقيتنا".
وأضاف الوزير وفق ما جاء في مقابلة مع وكالة الأنباء السعودية الرسمية "واس"، "في بداية الأزمة الأوكرانية، توقع البعض فقدان كميات كبيرة من الإمدادات، تفوق ثلاثة ملايين برميل يومياً، مما أثار المخاوف وأسهم في حدوث تقلبات حادة في الأسواق في تلك الظروف، اتهم (أوبك+) بعدم الاستجابة للأزمة في الوقت المناسب، لكن النقص المتوقع في الإمدادات لم يتحقق".
رحلات مكوكية
وعلى وقع أزمة الطاقة العالمية التي قد تعيد تشكيل علاقات الخليج مع بقية العالم كما اتضح من عديد من الزيارات والرحلات المكوكية إلى المنطقة لا سيما إلى السعودية والإمارات خلال العام الحالي، من جانب رؤساء كبرى الدول، من بينها زيارات قادة الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا والصين.
وكان الرئيس الأميركي جو بايدن قد طلب من السعودية ودول الخليج الأخرى زيادة إنتاجها من النفط من أجل تخفيض أسعار البنزين المرتفعة في الولايات المتحدة، وصرح قائلاً في 15 يوليو (تموز): "أفعل ما بوسعي لزيادة الإنتاج لصالح الولايات المتحدة"، مؤكداً أنه أجرى مباحثات مثمرة مع القادة السعوديين. على رغم ذلك اختتمت زيارة بايدن من دون أي إعلان في هذا السياق.
قوى مؤثرة
من جهته، قال المتخصص في الشؤون النفطية، كامل الحرمي، إن تركز النفط في منطقة الخليج يجعل منها مكاناً أكثر أهمية لمصالح الولايات المتحدة المستهلك الرئيس للنفط، والدول الصناعية والعالم أجمع، مما يؤهلها إلى تعزيز مكانتها الدولية واقتناص فرصة تحقيق مراكز ومصالح متقدمة في ظل التحولات الكبيرة الراهنة على المستويين السياسي والاقتصادي.
وأوضح الحرمي أن دول المنطقة ومن خلال دولها الأعضاء في منظمة "أوبك" أصبحت إحدى أهم القوى المؤثرة في الاقتصاد الدولي والداعمة لاستقراره، حيث بدا دورها كأنه "رمانة الميزان" لأسواق النفط والاستقرار الاقتصادي العالمي برمته، لافتاً إلى أن عدم انخراط الدول الخليجية في حرب العقوبات النفطية على موسكو عزز موقعها ضامناً موثوقاً لإمدادات الطاقة عالمياً، نظراً إلى ارتباطها بمصالح راسخة مع موسكو، في ما يتعلق بضبط أسواق الطاقة وفق ما يقتضيه اتفاق "أوبك+".
سلاح سياسي
وأشار الحرمى إلى أن دول الخليج حرصت دائماً على استقرار سوق النفط وإبقاء ديناميكياتها متوازنة، وتصر دائماً سواء من خلال منظمة "أوبك" أو تحالف "أوبك+" على أن قراراتها اقتصادية فقط، بخاصة أن عوائد الخام لا تزال هي المصدر الأساسي لإيراداتها مع رفضها الدائم استخدام النفط سلاحاً سياسياً.
من جهته، يرى المحلل النفطي الكويتي خالد بودي أن تركز النفط في منطقة مجلس التعاون الخليجي يجعل منها مكاناً أكثر أهمية لمصالح الولايات المتحدة المستهلك الرئيس للنفط والدول الصناعية والعالم أجمع.
وأضاف بودي أن دول المنطقة لها دور رئيس في تحديد كمية الإنتاج حالياً، بالتالي لها دور في التأثير على أسعار النفط، ولا شك أن النفط كمصدر رئيس للطاقة يمنح الدول الرئيسة المنتجة له ثقلاً في الاقتصاد العالمي، إذ تؤثر أسعار النفط في معدلات التنمية الاقتصادية في العالم، وارتفاع أسعاره قد يبطئ عجلة التنمية في الدول المستهلكة له بينما هبوط أسعاره ينشط اقتصادات هذه الدول.
وأشار إلى أن أزمة الطاقة الحالية نجحت في إبراز دور دول الخليج كمصدر للغاز والنفط وبديل للدول التي خضعت لحظر التصدير، ولا شك أن قيام دول المنطقة ضمن دول أخرى بتغطية النقص في إمدادات النفط والغاز بخاصة للدول الأوروبية يزيد من ثقل هذه الدول في الساحة الدولية، ويزيد من تأثيرها في مجريات الأحداث عالمياً.
ويرى محلل أسواق النفط العالمية أحمد حسن كرم أن لولا تدخلات دول الخليج في ضبط إمدادات النفط لوصلت أسعار النفط إلى أسعار خيالية غير مرغوبة للدول الصناعية، وربما لتوقفت عجلة الاقتصاد العالمي، ولكن قادة دول الخليج يتصرفون بمسؤولية في ما يخص التعامل مع الوضع من منطلق حرصهم على استقرار الاقتصاد العالمي.
وذكر محلل أسواق النفط العالمية أن الدول الخليجية تعمل على استقرار أسعار النفط بما يتناسب مع ما ترجوه من إيرادات مالية تغطي موازناتها العامة وربما أكثر بقليل لجني الأرباح.
وأشار كرم إلى أن استقرار واستمرارية توافر مصادر الطاقة أصبح هو الشغل الشاغل لكثير من الدول الصناعية والمستهلكة للنفط.