هددت حكومة الاستقرار الوطني الليبية المعينة من قبل البرلمان بوقف تدفق إيرادات النفط على المؤسسة الوطنية للنفط ما يمثل سلاحاً قوياً ضدّ حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة في تطور بدا لافتاً في توقيته إذ يأتي وسط ترقب استئناف المحادثات بين فرقاء النزاع الليبي للتوصل إلى تفاهمات بشأن الانتخابات المتعثرة.
ويعتمد تمويل الموازنة العامة في ليبيا على إيرادات النفط التي لطالما راهن عليها الفرقاء للضغط على بعضهم البعض على إثر غرق البلاد في فوضى أمنية وسياسية بعد عهد معمر القذافي في 2011 على إثر انتفاضة ضد حكمه.
سند قانوني
وفي رسالة وجهها إلى كل من النائب العام ورئيس هيئة الرقابة الإدارية ورئيس ديوان المحاسبة ورئيس هيئة مكافحة الفساد، قال وزير التخطيط والمالية بحكومة الاستقرار الوطني أسامة حماد "نخطركم بالمخالفات المالية التي ارتكبها رئيس حكومة الوحدة الوطنية منتهية الولاية والتي تضاف لغيرها من المخالفات في حق قوت الليبيين"، ولفت حمادة إلى أن "الدبيبة قام بترحيل مبلغ يزيد على 16 ملياراً و500 مليون دينار (نحو 3.2 مليار دولار) من مخصصات الباب الثالث من دون سند قانوني"، مشدداً على أن "ما قام به الدبيبة هدفه التهرب من إرجاع المبلغ لحساب الاحتياطي العام في نهاية السنة كما تقضي التشريعات". وتابع أن "المؤسسة الوطنية للنفط لعبت دوراً محورياً مخالفاً للقانون بتغذية حسابات وزارة المالية بحكومة الوحدة الوطنية بالتغطية المالية من الإيرادات النفطية المودعة بحساب المؤسسة لدى المصرف الليبي الخارجي". وأكد حمادة أن "الحكومة ستلجأ لاتخاذ جملة من الإجراءات التصعيدية لإيقاف تدفق إيرادات مبيعات النفط والغاز للحساب المصرفي للمؤسسة للحفاظ على تلك الأموال من الهدر".
ورقة غير مجدية
والتهديد باللجوء إلى وقف إيرادات النفط أو إنتاجه ليست وليدة اللحظة في ليبيا، وهو سلاح تم اللجوء إليه في العديد من جولات الاشتباك السياسي أو العسكري، ما جعل أوساطاً سياسية تقلل من أهمية إعلان حكومة الاستقرار الوطني برئاسة فتحي باشاغا التي لم تنجح في دخول العاصمة طرابلس.
ومنذ العام الماضي، يدور صراع سياسي قوي بين حكومتي باشاغا والدبيبة حول الشرعية، انتهى بفشل دخول الأولى إلى طرابلس بعد جولات من الاشتباكات المسلحة بين الميليشيات الموالية لكلا الحكومتين.
وقال رئيس مجموعة العمل الوطني الليبية خالد الترجمان إن "التلويح بورقة النفط غير مجدية لأن الصراع اتخذ أشكالاً أخرى. ربما الصراع السياسي ومحاولة استقطاب الدول، كل إلى جانبه، هي المعارك المهمة بدليل أن الأخ المشير خليفة حفتر في خطابه الأخير قد أعطى مهلة لكل الأجسام من أجل التوصل إلى حلول في الفترة المقبلة التي قد لا تتعدى الأشهر الثلاثة، وبعدها سيكون للقوات المسلحة رأي باستشارة الشعب الليبي". وتابع الترجمان أن "هذا عبارة عن تلويح لا أرى له أي مردود إيجابي ولا أعتقد أنه يمكن الضغط بورقة النفط مرة أخرى بخاصة أنها استعملت في أكثر من مرة ولم تؤتي ثمارها، ما زال الإخوان والميليشيات يسيطرون على مصرف ليبيا المركزي".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أضاف أن "هناك حلولاً أخرى مثل حلّ الانفكاك عن طرابلس والقيام بانتخابات بلدية في المناطق المحررة تعقبها انتخابات رئاسية وبرلمانية لم لا؟ وتبدأ الدولة الليبية كما بدأت في الخمسينيات والأربعينيات عندما أعلن قيام إمارة برقة ثم انضمت طرابلس"، وخلص الترجمان إلى أنه "قد يتم اللجوء لهذا الحل كبديل عن تفاهمات أو الذهاب نحو انتخابات برلمانية أو رئاسية في الفترة التي حددها حفتر". وإلى حين كتابة هذه السطور لم تعلق حكومة الوحدة الوطنية على التهديدات التي أطلقتها حكومة الاستقرار الوطني.
لن يقفل النفط
وهناك شبه إجماع في ليبيا على صعوبة غلق حقول النفط أو منع تدفق إيرادات النفط عن حكومة الوحدة الوطنية التي تتخذ من طرابلس مقراً لها لا سيما في ظل تشابك المسارات السياسية والدستورية والاقتصادية في البلاد. ويُعد النفط من ركائز الاقتصاد الليبي ويساهم بالحصة الكبرى (حوالى 90 في المئة) في تمويل الموازنة العامة.
واعتبر رئيس حزب المؤتمر الوطني الحرّ الليبي فتح الله بشير السعداوي أن "تلويح حكومة الاستقرار الوطني ليس له أي شأن بخاصة أنه لم يعد لها أي وجود تقريباً، وتصريح حفتر الأخير يدل إلى تواصل المجتمع الدولي معه''. وتابع أن "تواصل المجتمع الدولي مع حفتر جعله يمتنع عن التلويح بوقف تدفق إيرادات النفط عن حكومة الدبيبة ومنح فرصة للفرقاء، لذلك لن يكون هناك قفل للنفط إلا بعد نهاية الفرصة التي منحها المجتمع الدولي وهي تتمثل في ستة أشهر"، وقال أيضاً "أعتقد أنه سيكون هناك حوار، ولن يكون هناك قفل للنفط في هذه الفترة وربما نرى حواراً جديداً في حال فشل مجلسي النواب والدولة في حسم القاعدة الدستورية"، وشدد السعداوي على أن "المبعوث الأممي عبدالله باتيلي سيتولى وقتها إدارة حوار جديد يتم فيه استبعاد المجلس الأعلى للدولة والبرلمان نهائياً، وأعتقد أن رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي لن ينجح في لم الفرقاء على طاولة واحدة، هذا صعب جداً".
لا تأثير في المحادثات
وتثير عودة السجالات بين باشاغا والدبيبة تساؤلات بشأن ما إذا كانت ستلقي بظلالها على المحادثات التي من المرتقب أن يتم استئنافها بين البرلمان والمجلس الأعلى للدولة. وفي مسعى لتحريك الجمود الذي يخيم على المسار الدستوري، دعا رئيس المجلس الرئاسي في ليبيا محمد المنفي رئيس البرلمان عقيلة صالح ورئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري إلى اجتماع في مدينة غدامس غرب البلاد في 11 يناير (كانون الثاني) الجاري. وهناك خلاف قوي بين البرلمان ومجلس الدولة بشأن المسار الدستوري الذي سيعني استكماله تعبيد الطريق أمام إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية قد تنهي الأزمة الليبية التي طال أمدها.
والخلاف بين المجلسين حول شروط الترشح إلى رئاسة ليبيا، ففيما صوت المجلس الأعلى للدولة على منع العسكريين ومزدوجي الجنسية من الترشح، رفض البرلمان ذلك. واستبعد الباحث الليبي أحمد المهدوي أن يؤثر السجال بين باشاغا والدبيبة في المحادثات المرتقبة بين البرلمان والمجلس الأعلى للدولة. وقال "أعتقد أن تقرير وزير المالية والتخطيط بالحكومة الليبية يشير إلى تجاوز للقانون المالي للدولة الذي ينص على أن يكون الترحيل فقط لحساب الدين العام والترحيل في نهاية العام مخالف لأن الترحيل بهذا الشكل يكون لغرض هدر المال العام". وشدد على أن "هذا ليس هو الخطاب الأول من نوعه من قبل وزير المالية أسامة حماد الذي يرصد فيه وجود تجاوزات جسيمة من قبل حكومة الدبيبة، وما زال الصمت سيد الموقف من الجهات الرسمية الرقابية".
وأشار المهدوي إلى أن "تجاوزات الدبيبة وحكومته قد يكون لها تأثير سلبي في الاقتصاد الوطني" مؤكداً أنه "في ما يخص المسار التفاوضي بين مجلسي النواب والدولة، أعتقد أن هناك توافقاً دولياً حول التقارب والإسراع لإنجاز القاعدة الدستورية، ولا اعتقد أن السجال بين الحكومتين قد يؤثر في نتائج المحادثات بين المجلسين".
ولا يزال الغموض يكتنف مصير الانتخابات التي تمّ تقويضها في موعدها المحدد في 24 ديسمبر (كانون الأول) 2021 بعد خلافات بين البرلمان والمجلس الأعلى للدولة حول شروط الترشح للرئاسة، ما زاد من حدة التجاذبات السياسية في البلاد.
واعتبر المهدوي أن "باشاغا سيسعى إلى غلق النفط وقطع الإمدادات المالية لمحاصرة حكومة الدبيبة". لكن فرص نجاح باشاغا في الضغط على الدبيبة تبقى ضئيلة على الأرجح في ظل استمرار الاعتراف الدولي بحكومة الوحدة الوطنية على رغم اتهامات خصومها بأنها باتت منتهية الولاية بحلول موعد الانتخابات.