وجه ملك الأردن عبدالله الثاني رسالة سياسية واقتصادية إلى الشارع الأردني مع بدء العام الجديد، تهدف إلى محاولة تخفيف الاحتقان الشعبي بعد أسابيع من الاحتجاجات الدامية على رفع أسعار الوقود، فقد طالب الحكومة بوقف استيفاء الضريبة على وقود "الكيروسين" الذي يعرف محلياً بوقود الفقراء أو "الكاز"، بعد نحو شهر من رفع كبير إلى مستويات تاريخية غير مسبوقة طرأت على أسعاره، وهو ما تسبب لاحقاً بأطول وأخطر إضراب نفذه قطاع النقل في البلاد.
وعلى الفور أعلن رئيس الوزراء الأردني بشر الخصاونة التزام حكومته علناً عدم رفع سعر مادة "الكاز" ضمن المحروقات حتى نهاية الشتاء الحالي، حتى لو ارتفعت أسعارها عالمياً. وقبل ذلك، خفضت الحكومة أسعار المحروقات الأساسية لشهر يناير (كانون الثاني) الحالي، بنسب تراوحت بين 2.1 و8.7 في المئة.
أجواء إيجابية
ويرى مراقبون أن من شأن هذا القرار أن يخلف أجواء إيجابية بين الأردنيين الذين لا يزالون يعانون تبعات الأسابيع الدامية التي خلفت عدة قتلى في صفوف قوات الأمن جنوب البلاد في أعقاب احتجاجات غير مسبوقة على رفع أسعار الوقود، كما يعول اقتصاديون على القرار في تحريك جمود سوق المحروقات، ونزع فتيل أي احتجاجات مقبلة، بخاصة بعد تصريحات للعاهل الأردني بأن عام 2023 سيكون عام تنفيذ المشاريع الكبيرة والمهمة في البلاد، لكن ثمة من يرى في القرار الملكي إحراجاً كبيراً للحكومة التي أصرت بقوة على ترديد مقولة إنها لا تملك ترف خفض أسعار المحروقات بوجه مطالب نيابية وشعبية طيلة أيام الاعتصامات والإضرابات التي نفذها سائقو الشاحنات والنقل العام.
تخفيف الاحتقان الشعبي
وتفسر مصادر حكومية تحدثت إلى "اندبندنت عربية" عن قرارات إيجابية أخرى في الطريق قد تسهم في تخفيف الاحتقان الشعبي من الإجراءات الاقتصادية المتلاحقة. وتضيف المصادر أن "العاهل الأردني أيقن أن ثمة معركة سياسية مصيرية سيخوض غمارها الأردنيون قريباً وربما خلال أسابيع مع حكومة اليمين الإسرائيلي المتشدد بزعامة بنيامين نتنياهو، وأن ذلك يتطلب توحيد الصفوف داخلياً".
ويربط مراقبون بين ذلك وتصريحات الملك الأخيرة لمحطة "سي أن أن" التلفزيونية الأميركية عن حكومة نتنياهو، التي قال فيها "إذا أرادوا المواجهة فنحن مستعدون".
وحذر الملك عبدالله الثاني من إقدام الحكومة الإسرائيلية الجديدة على تغيير الوضع القائم في مدينة القدس وانتهاك سلطة وصلاحيات إدارة أوقاف القدس وشؤون المسجد الأقصى، مشدداً على أن الأردن "مستعد للمواجهة" إذا ما أرادت الحكومة الإسرائيلية الجديدة ذلك.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
كلفة إضافية
وتقول الحكومة الأردنية إن قرار تجميد بند الضريبة على مادة "الكاز"، والمتوقع أن يستمر حتى نهاية شهر مارس (آذار) المقبل، سيكلف الخزانة نحو 22 مليون دولار.
ووفقاً لوزارة الطاقة والثروة المعدنية فإن سعر ليتر "الكاز" سيصبح 87 سنتاً بدلاً من 109 سنتات، إثر تجميد الضريبة البالغة 22 سنتاً على الليتر الواحد.
وتحدث خبير الطاقة عامر الشوبكي عن انخفاض بمقدار 21 في المئة على رغم الإصرار الحكومي الدائم على الضرائب وعدم القدرة على تخفيضها. وأضاف أن "تخفيض الحكومة الأخير أسعار الوقود لا يلامس التطلعات ولم يعكس انخفاض الأسعار العالمية".
وأكد الشوبكي انخفاض استهلاك الأردنيين من مادة "الكاز" خلال شهر ديسمبر (كانون الأول) لعام 2022 بنسبة 30 في المئة، مشيراً إلى أن "تخفيض وتجميد الضريبة سيعيد استهلاك هذا الوقود إلى وضعه الطبيعي وهو ما يقارب 180 مليون ليتر سنوياً".
فجوة ثقة
بدوره، رأى الكاتب ماهر أبوطير أن "أكبر خطأ ارتكبته الحكومات في الأردن هو عدم حماية الأردنيين وتركهم لتغييرات جارفة". ولفت أبوطير إلى أن "موازنات الأردن اليوم مستنزفة لدفع الرواتب، والقروض وفوائد القروض"، مطالباً بتوظيف المنح والقروض لتطوير التعليم والعلاج والخدمات العامة.
كذلك اعتبر الكاتب حسين الرواشدة أن "فجوة الثقة الكبيرة بين الأردنيين والحكومة هي التي دفعتهم إلى الخروج إلى الشارع، قبل أسابيع، احتجاجاً على تراجع أوضاعهم الاقتصادية". وتوقع الرواشدة ألا يشهد العام الجديد حلولاً جذرية لأزمات وأن "تتزايد الضغوط المعيشية بفعل تراجع الاقتصاد، كما أن الاحتجاجات ستتصاعد وستكون أكثر عمقاً".
يشار إلى أن الأردن يعد واحداً من بين 10 بلدان تسجل معدلات هي الأكثر ارتفاعاً لأسعار الوقود عالمياً، والأول عربياً. وتفرض الحكومة الأردنية ضريبة ثابتة مقطوعة على المشتقات النفطية منذ عام 2019 بنحو نصف دولار لليتر الواحد، سواء ارتفع سعر المحروقات عالمياً أو انخفض، وهو ما يجعلها بعيدة من متناول الفقراء ومحدودي الدخل.