Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ما أشبه اليوم في تونس بزمن "أحداث الخبز" الدامية

يحذر مراقبون من تفجر الغضب الشعبي بسبب سياسة رفع الدعم في مقابل جنون الأسعار

شملت مواجهات عام 1984 بين الأمن والجيش من جهة والمحتجين من جهة أخرى مختلف المناطق التونسية (مركز التوثيق الوطني)

شهدت تونس على مر تاريخها المعاصر تحركات اجتماعية أربكت أركان السلطة، ودفعتها إلى استعمال القوة تزامناً مع إعلان الموازنة التي تتضمن إجراءات جبائية أو زيادات في الأسعار أو رفعاً للدعم مما يثقل كاهل المواطن.

ويحفظ تاريخ تونس المعاصر جولات عدة من المواجهات بين السلطة والمواطنين المحتجين على أوضاعهم الاجتماعية، بداية بثورة 1864 احتجاجاً على الزيادة في الضرائب (الجباية)، وصولاً إلى ما يعرف بـ"أحداث الخبز" في عام 1984، فأحداث الحوض المنجمي في 2008، ثم انتفاضة عام 2011، التي أطاحت بنظام الرئيس الراحل زين العابدين بن علي. والقاسم المشترك بين مختلف هذه الانتفاضات هو الاحتجاج على الأوضاع الاجتماعية التي تتزامن مع صراعات سياسية وضعف مؤسسات الدولة.

أحداث الخبز

واندلعت أحداث الخبز في 29 ديسمبر (كانون الأول) 1983، عندما أعلنت حكومة محمد مزالي وقتها، بضغط من صندوق النقد الدولي الذي طالب تونس بتطبيق خطة تقشف خفض الدعم، الذي يشكل 10 في المئة من الموازنة العامة للدولة، على منتجات الحبوب. وعلى إثر ذلك ارتفعت أسعار منتجات الحبوب والدقيق بنسبة 110 في المئة وتضاعف ​​سعر الخبز، واجتاحت الاحتجاجات التي انطلقت من مدينة دوز في الجنوب لتصل إلى العاصمة، إذ تم إعلان حال الطوارئ ثم حظر التجول في الثالث من (يناير) 1984. وبعد أن تواصلت الاحتجاجات أسبوعاً وكادت الأوضاع تخرج عن السيطرة، تراجع الزعيم الحبيب بورقيبة في السادس من يناير 1984 عن هذا الإجراء، وأمر بإعداد موازنة تكميلية لا تتضمن رفع الدعم وتحافظ على أسعار الخبز والمواد الأساسية.

حينها أسفرت المواجهات بين الشرطة وقوات الجيش من جهة، والمحتجين العزل من جهة أخرى، عن عشرات القتلى (نحو 100)، وعدد كبير من المعتقلين بينهم طلبة وتلاميذ، لكن خطاب الدقائق القليلة لبورقيبة (81 سنة) أحال الاحتجاجات إلى فرحة عارمة عمت مختلف المدن التونسية.

وسادت مؤسسة الحكم حينها صراعات محمومة حول خليفة الزعيم الثمانيني الذي بات عاجزاً عن إدارة شؤون الدولة مما أثر في أداء مؤسسة الحكم.

ما أشبه اليوم بالبارحة

يشبه هذا الوضع الذي عاشته تونس في الثمانينيات إلى حد بعيد ما تعيشه البلاد اليوم في ظل أزمة اجتماعية واقتصادية وسياسية غير مسبوقة، إذ تسود الساحة السياسية في تونس اليوم انقسامات حادة وصراعات تنذر بالأسوأ، كما يتسم الوضع الاجتماعي بحال من الاحتقان بسبب غلاء المعيشة وإثقال كاهل التونسي بالجباية وارتفاع التضخم، مما أدى إلى اضمحلال الطبقة الوسطى التي كانت صمام أمان المجتمع التونسي لعقود.

اقتصادياً تعطلت آلة الإنتاج، وتراجع النمو الاقتصادي مما دفع الدولة إلى الالتجاء لصندوق النقد الدولي الذي اشترط إجراء إصلاحات اقتصادية تمس الجانب الاجتماعي والمقدرة الشرائية.

فهل يؤدي وضع تونس اليوم اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً إلى ما آلت إليه الأوضاع في فترة الثمانينيات من احتقان اجتماعي ومواجهات عنيفة بين السلطة والمحتجين؟

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يؤكد المتابعون للشأن العام في تونس أن حال الانقسام السياسي وتدهور الوضع الاقتصادي والاجتماعي تحتم ضرورة البحث عن أرضية مشتركة بين مكونات المجتمع التونسي من أحزاب ومنظمات للحيلولة دون مزيد من تأزم الوضع. ويتخوف التونسيون من احتكام كل جهة إلى الشارع لفرض أمر واقع جديد بديلاً للمسار الحالي.

يقول أستاذ التاريخ المعاصر في الجامعة التونسية عبدالجليل بوقرة لـ"اندبندنت عربية" إن "أوجه الشبه بين ما حصل في تونس عام 1984 واليوم هو تدهور الوضع الاقتصادي والاجتماعي، وعدم تغير المنوال التنموي الذي بدأه المرحوم الهادي نويرة في بداية سبعينيات القرن الماضي.

ويضيف بوقرة أن "تضخم حجم الدعم وتقلص مداخيل الدولة في الثمانينيات دفع إلى التفكير في التخلي عن صندوق الدعم وسط انقسام سياسي في منظومة حكم بورقيبة وقتها، مما فجر ثورة اجتماعية شملت مختلف مناطق الجمهورية، واستمرت الحال كما هي عليه، ولم يتم التفكير في حلول بديلة لملف الدعم وباتت الدولة عاجزة عن مجابهة طلبات التنمية والاستثمار والمحافظة على موازنة الدعم لمجابهة احتمال تفجر الاحتجاجات الاجتماعية".

تضاعف موازنة الدولة

بعد نحو 40 عاماً تضاعفت موازنة الدولة ست مرات لتبلغ هذا العام 70 مليار دينار (23 مليار دولار) بعد أن كانت 14 مليار دينار (نحو خمسة مليارات دولار) عام 2010، مما دفع الدولة إلى الاقتراض الخارجي.

 

يؤكد أستاذ التاريخ المعاصر أن "الدولة التونسية اليوم غير متماسكة، وفي وضع أكثر تأزماً عما كانت عليه في 1984، ولم تنجح في الحفاظ على الطبقة المتوسطة وهي عماد التوازن السياسي الاقتصادي والاجتماعي، في ظل طول المرحلة الانتقالية وغياب الحلول لمعالجة الاحتقان الاجتماعي"، محذراً من "احتمال انفجار الأوضاع والاكتفاء بالمعالجة الأمنية للمطالب الاجتماعية".

في المقابل، أكدت وزيرة المالية سهام البوغديري نمصية، في لقاء صحافي أنه "لن يتم رفع الدعم بل سيجري توجيهه إلى مستحقيه"، مضيفة أن "تحويلات مالية سيتم صرفها قبل الشروع في إصلاح منظومة الدعم".

وشددت الوزيرة على أن "الطبقة المتوسطة ستكون مشمولة بتحويلات الدعم، إلى جانب الفئات المتمتعة بمساعدات اجتماعية من الدولة، وهو ما يعادل 70 بالمئة من العائلات التونسية، أي نحو ثمانية ملايين تونسي" من دون أن تكشف عن قيمة هذه التحويلات.

من جهة أخرى، أعلنت وزيرة المالية أنه سيتم "رفع الدعم على المحروقات بصفة نهائية بحلول 2026 لتبلغ أسعارها الحقيقية، وذلك تطبيقاً للإصلاحات التي انطلقت فيها تونس بخصوص التعديل الآلي لأسعار المحروقات".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير