بتلقائية وعفوية، يتكرر احتفال البشر على هذا الكوكب سنوياً ببداية العام الميلادي الجديد، يعدون الثواني مودعين العام الذي انصرم، ويستقبلون العام الجديد بإطلاق الألعاب النارية والتهادي والقبل والتهاني، كلها سلوكيات بشرية تعكس تمسك الإنسان في كل مكان بالأمل بأن "القادم أجمل". هكذا هي الطبيعة البشرية، لا تخلو من الأماني والتمني، صحيح أن الاحتفال بالأمل لا يحقق الأماني، لكن الروح الإيجابية المتفائلة تقود غالباً لأجواء إيجابية هي شرط أساسي للنجاح بتحقيق أهداف الحياة. لسان حال المتفائلين كقول الطغرائي بقصيدته الشهيرة "لامية العجم":
أعلل النفس بالآمال أرقبها... ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل
لم أرتض العيش والأيام مقبلة... فكيف أرضى وقد ولت على عجل
والطغرائي كان مبدعاً متعدد المواهب، فقد كان شاعراً وأديباً وعالم كيمياء وتولى الوزارة في عهد السلاجقة، فراح ضحية الصراع بينهم. اتهمته مؤامرات القصور بالإلحاد، فحكم عليه بالموت بتلك الفرية وقد تجاوز الـ60.
المنجمون وضاربو الودع يبيعون بضاعتهم البائرة مع بداية كل عام، وقد "كذب المنجمون ولو صدقوا"، فهذا يرسم أحداثاً للكويت في هذا العام بكذا وكذا، وذاك يتوقع للبنان حكومة ورئيساً، وآخر يرى موت زعيم إقليمي، وهكذا.
لكن الأماني تختلف عن التوقعات، فقد تصاحب الأماني التوقعات، لكن التوقعات لا تتلو الأماني، تبنى التوقعات على قراءة واستقراءات، وترسم بناء على متابعة ومعرفة وإلمام بالأحداث التي يجري توقع مساراتها وتطوراتها. بينما يبقى باب الأماني والتمني مفتوحاً على مصراعيه بلا حدود أو قيود، فليس هناك قانون أو محذور أو قيد على سقف الأماني ونوعها. تقوم التوقعات على المنطق والقراءات، لكن العاطفة هي بوصلة الأماني والتطلعات.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
التوقع بأن تنتهي الحرب الروسية - الأوكرانية هذا العام هو توقع لا يخلو من الأماني، فالمتابع لهذه الحرب يدرك أن الولايات المتحدة الأميركية تريد لهذه الحرب الاستمرار لأطول مدة ممكنة تنهك القيادة الروسية وتهوي بالروبل الروسي وتمحق اقتصاد البلاد ولو كان على حساب الإنسان الأوكراني المنكوب، التوقعات تقول إن الأوروبيين لن يطيقوا استمرار الحرب لشتاء آخر، وبأنهم سيضغطون على الطرف الأوكراني لتقديم التنازلات لبوتين من أجل إنهاء الحرب التي أضرت باقتصاداتهم وتسببت بنقص حاد في أسعار الطاقة وارتفاع أسعارها والسلع الاستهلاكية والمواد الغذائية، وهي أضرار لا تشعر بها الولايات المتحدة كما يشعر بها الأوروبيون. يتمنى الأوروبيون، ويشحن الأميركيون، ويحارب الروس ويموت الأوكرانيون.
من التوقعات التي أتمنى ألا تتحقق، أن يخمد النظام في إيران ثورة الاحتجاجات الشعبية التي انطلقت في سبتمبر (أيلول) الماضي، وأن يقمعها بوحشية دموية شبيهة بتلك التي ارتكبها ونظام الأسد ضد الشعب السوري على مدى العقد الماضي، وسيصدر المجتمع الدولي -وبالذات الغربي منه - بيانات إدانة هي ذر للرماد في العيون، وتخمد نار الاحتجاجات، لكن جمرها سيظل مستعراً تحت الرماد ولن ينطفئ إلا بزوال الأسباب التي أشعلت الاحتجاجات أول مرة.
يشهد الخليج العربي أزمات صامتة، هي أقرب إلى "وقفات نفوس" أكثر من كونها جذرية الأسباب، والأماني هنا تخالف التوقعات كذلك، فالتوقع أن تظهر خلافات داخل البيت الخليجي - ولا أتشاءم بالقول إنها ستنفجر كما عام 2017.
ما هي إلا تباينات: أمان.
بل هي خلافات: توقعات.
كفى تشاؤماً، فالوحدة الخليجية الكونفدرالية على الأبواب. أمان!
سيفوز المنتخب الكويتي بكأس الخليج الذي تنطلق بطولته بالبصرة اليوم، هذه من أمنيات العام الجديد، لكن التوقع أنه لن يفوز، تدفع العاطفة مشجعي المنتخب الكويتي لتمني الفوز ورفض التوقعات المبنية على الحقائق والأرقام، لكن الواقع يخالف التمني. وهنا يحضر البيت الشهير لأمير الشعراء أحمد شوقي:
وما نيل المطالب بالتمني... ولكن تؤخذ الدنيا غلابا
بين الأماني والتوقعات، يعيش الإنسان من عام لعام، وتغني أم كلثوم لبيرم التونسي:
"بالأمل أسهر ليالي بالخيال وابني علالي".