استقطبت الوجهة التونسية ستة ملايين و116 ألفاً و756 سائحاً في سنة 2022، محققة ارتفاعاً في عدد الوافدين، وزيادة في المداخيل ما مثل مؤشراً على بداية التعافي بعد سنوات عسيرة بسبب الأزمة الصحية والحرب الأوكرانية التي تسببت في فقدان تونس لأكثر من نصف مليون سائح روسي.
واسترجعت تونس عدداً من أسواقها التقليدية، وأتت السوق الجزائرية والفرنسية على رأس القائمة في السنة المنقضية التي زاد فيها إقبال الجيران على وجهتهم الأولى عن الأرقام القياسية السابقة المسجلة سنة 2019. لكن تظل مؤشرات 2019 هي الهدف الذي يصبو له أهل القطاع لتحديد درجة التعافي المرجوة.
هجرة العمالة المحترفة
يجمع الناشطون وممثلو الهياكل المهنية على استفحال الصعوبات التي أنهكت السياحة التونسية، بخاصة هجرة اليد العاملة إلى بلدان الاتحاد الأوروبي في حين دفعت أزمة "كوفيد- 19" النزر المتبقي إلى تغيير نشاطه بعد الأزمات المالية التي عانت منها المؤسسات والفنادق ووكالات الأسفار، ما أثر في مستوى الخدمات ويوشك أن ينعكس على عدد السائحين على المدى المتوسط والبعيد.
تحقيق المستهدف
قدرت الزيادة المسجلة في عدد الوافدين سنة 2022 بنسبة 159 في المئة، مقارنة مع سنة 2021 التي استقبلت فيها تونس مليونين و354 ألفاً و755 سائحاً، في حين تبلغ نسبة التراجع 32 في المئة مقارنة مع سنة 2019.
وحققت تونس بذلك التوقعات المحددة للسنة المنقضية، وقال لطفي ماني، المدير المركزي للتسويق في الديوان الوطني التونسي للسياحة (حكومي) أن تونس سعت إلى تحقيق ما بين 50 و60 في المئة من النتائج المسجلة خلال سنة 2019.
وتوزعت جنسيات الوافدين بين الجزائر وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وبولونيا وتشيكيا، وبلغ عدد السياح الجزائريين وحدهم مليوناً و88 ألفاً و457 سائحاً، على رغم أن السياحة الجزائرية عادت للسوق التونسية في منتصف يوليو (تموز) 2022، نظراً لقيود السفر المفروضة بسبب انتشار جائحة "كوفيد-19" حتى نهاية النصف الأول من 2022.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وارتفع عدد الليالي السياحية التي قضاها الأجانب في تونس إلى 18.5 مليون ليلة إلى غاية 10 ديسمبر (كانون الأول)، وهو معدل أعلى مقارنة مع سنتي 2020 و2021، لكن يظل عدد الليالي منخفضاً بنسبة 36 في المئة مقارنة مع سنة 2019.
وحققت عائدات القطاع السياحي انتعاشاً ببلوغها 4.279 مليار دينار (1.36 مليار دولار) سنة 2022، مقابل 2.337 مليار دينار (744 مليون دولار) سنة 2021، وعائدات قدرت بحوالى خمسة مليارات دينار (1.59 مليار دولار).
وتراجعت أهمية القطاع السياحي كممول لميزان المدفوعات التونسي، وحلت محله مداخيل تحويلات المغتربين التونسيين في السنتين الأخيرتين، التي بلغت 8.4 مليار دينار (2.67 مليار دولار) سنة 2022، و7.5 مليار دينار (2.38 مليار دولار) سنة 2021.
وتنفذ وزارة السياحة حملة ترويجية عبر المشاركة في 46 معرضاً وصالوناً في لندن وروما وباريس وبرلين والجزائر، علاوة على إجراء 37 حملة مع منظمي الرحلات من الشركاء الأجانب.
استرجاع النشاط، ولكن
عبر محمد المعز بلحسين، وزير السياحة التونسي، عن ارتياحه لتجاوز عام 2022 الأهداف الحكومية، لكنه عاد ليشير إلى ضرورة تنويع المنتوج السياحي لاستقطاب شرائح جديدة من الوافدين عبر دعم السياحة البديلة وتنويع المنتوج السياحي والتشجيع على إحداث الإقامات السياحية والفضاءات السياحية الفلاحية التي تمثل آفاقاً واعدة.
وتضمن قانون المالية لسنة 2023 إجراءات لدعم المؤسسات السياحية حتى تستعيد قدراتها التي أنهكتها جائحة "كوفيد- 19".
ويتفق أحمد بالطيب، رئيس الجامعة التونسية لوكالات الأسفار (هيئة نقابية)، مع وجهة النظر الحكومية، في تصريحه لـ"اندبندنت عربية".
أبرز بالطيب أن الطلب على الوجهة التونسية يتنامى، لكنه يحتاج إلى تطوير القطاع وإعادة هيكلة المؤسسات، وتحسين الفضاءات السياحية وخدمات النقل الجوي وتسريع الرقمنة الشاملة.
تشكو الوجهة التونسية من هجرة الكفاءات إلى بلدان الاتحاد الأوروبي، ما نتج منه تراجعاً في مستوى الخدمات الفندقية، الذي يضاف إلى اهتراء البنية التحتية للفنادق والمطاعم وأسطول النقل السياحي.
ويشترط تحسين أوضاع السياحة التونسية التأسيس لعمل قاعدي، وفق بالطيب، يشمل نظافة المدن وتأهيل طرقاتها، بينما يظل نقص رحلات الطيران من وإلى تونس هو الدابة السوداء للسياحة التونسية، وإن مثلت اتفاقية "السماء المفتوحة Open sky" حلاً جوهرياً لحل إشكالية نقص الرحلات غير المنتظمة، فإنها تواجه رفضا من قبل السلطات التونسية.
بالطيب كشف أيضاً عن تململ في صفوف مهنيي السياحة على خلفية الإجراءات الضريبية التي شملها قانون المالية لسنة 2023، والتي ستضعف القطاع الخارج لتوه من أزمة عالمية.
الخبير الناشط في المجال السياحي، محمد علي العنابي، اعتبر أن السوق التونسية تشهد بداية العودة إلى نسقها المعتاد قبل الجائحة، ومن المتوقع أن يشهد القطاع زيادة في الاستثمارات من قبل سلاسل سياحية عالمية، لكن يظل القطاع حساساً لتغيرات المناخ العام في تونس، الذي ما فتئ يشهد تقلبات، بينما يشترط إعادة إقلاع القطاع تحقيق الاستقرار الاجتماعي والسياسي.