ستكون الصين والهند أكبر اقتصادين في العالم بحلول 2030، وفقاً لتقرير صادر عن محلّلين في بنك ستاندرد تشارترد. وستحل الولايات المتحدة في المرتبة الثالثة، فيما لن تكون المملكة المتحدة حتى في المراكز العشرة الأولى.
كذلك ستكوندولٌ مثل إندونيسيا وتركيا ومصر والبرازيل في مراتب أعلى من بريطانيا في القائمة.
لكن ما مدى صحة هذه التوقّعات؟ وما هي الافتراضات التي تستند إليها؟ وما هي الأهمية الحقيقية لأي منها؟
ما الذي يُقاس هنا بالضبط؟
الجواب هو إجمالي الناتج المحلي، وسعر الصرف المستخدم هو شيء يُدعى تكافؤ القوة الشرائية (بي بي بي).
وتُشير توقّعات ستاندرد تشارترد إلى أن حجم الاقتصاد الصيني مع حلول عام 2030 وفق هذا المقياس سيكون 64.2 تريليون دولار، فيما ستصل الهند إلى 46.3 دولار، والولايات المتحدة ستكون فقط عند 31 تريليون دولار.
ما هو تكافؤ القوة الشرائية؟
عموماً، يذهب الدولار الأميركي إلى أبعد من قيمته في عدد كبير من البلدان الفقيرة منه في البلدان الأكثر ثراءً، وهو أمر يعرفه أي شخص، كان على سبيل المثال، قد تناول طعاماً في تايلاند أو اشترى شيئاً ما من كشك في السوق خلال عطلة في المغرب.
وعندما يقوم المرء بإجراء تعديل إحصائي لحقيقة القوة الشرائية المتباينة هذه، يرتفع الحجم المُقاس للاقتصاد الأقل نمواً. هذا هو إجمالي الناتج المحلي وفق تكافؤ القوة الشرائية (بي بي بي).
وباستخدام هذا القياس، أصبحت الصين بالفعل أكبر من الولايات المتحدة، بعد أن تجاوزت أميركا في 2015.
يُشار إلى ان إجمالي الناتج الهندي وفقاً لتكافؤ القوة الشرائية قد تجاوز في الواقع إجمالي الناتج للمملكة المتحدة وذلك في عام 1995.
هل هناك طريقة أخرى لقياس حجم الاقتصاد إذن؟
نعم، إذ انه من الممكن بكل بساطة استخدام أسعار صرف السوق.
بموجب هذا القياس، لا تزال الولايات المتحدة اليوم أكبر اقتصاد في العالم، حيث تتقدم بمقدار 7 تريليونات دولار على الصين.
وسيؤدي على الأرجح استخدام أسعار صرف السوق بدلاً من تكافؤ القوة الشرائية إلى تغيير الصورة عام 2030.
وليست هناك أي توقعات لصندوق النقد الدولي ما بعد سنة 2023، ولكن في ذاك التاريخ، يعتقد الصندوق أن الولايات المتحدة ستظل أكبر اقتصاد في العالم بأسعار صرف السوق، وأن المملكة المتحدة ستحتفظ بتقدم مريح على دول مثل إندونيسيا وتركيا والبرازيل وروسيا والدول الاخرى، مع توافر قليل من الأدلة على إمكان لحاق هذه الدول بها.
لكن الهند ستتفوق على المملكة المتحدة حتى بأسعار صرف السوق في السنوات القليلة المقبلة.
ما هو المقياس الأفضل؟
تنقسم الآراء، فيرى بعض الإقتصاديين أن أسعار صرف السوق تُعطي مؤشراً أفضل للأهمية النسبية للاقتصادات الوطنية في النظام التجاري والمالي العالمي. هذا بالتأكيد هو المقياس الذي يستخدمه عموماً المتداولون الماليون.
إن التعديل المُستند إلى تكافؤ القوة الشرائية (بي بي بي) يرتكز أيضاً إلى دراسات إستقصائية عالمية لقياس القوة الشرائية النسبية تتم فقط بشكل غير منتظم وغير متكرر وتكون حتماً سطحية.
لكن خبراء اقتصاديين آخرين يُجادلون بأن تكافؤ القوة الشرائية يُعطي مؤشّراً أفضل على التحولات في الطلب المحلي للمُستهلك في أي دولة نامية.
ويُشير صندوق النقد الدولي إلى انه "يُنظر إلى تكافؤ القوة الشرائية بشكل عام على أنه مقياس أفضل للرفاهية العامة."
ومع ذلك، وبغض النظر عن هذه النقاش، فإن الشيء المهم الذي ينبغي إدراكه هو أن المقياسين لا يعطيان إشارة إلى متوسط مستويات المعيشة في كل بلد، ومستوى الرخاء العام لبلد ما.
والسبب في أن الصين هي أكبر من الولايات المتحدة وفقاً لأسعار الصرف حسب تكافؤ القوة الشرائية، هو أن لديها عدد سكان أكبر بأربعة أضعاف.
وإذا تم قياس إجمالي الناتج المحلي وفق الـ بي بي بي لكل شخص، فستظهر صورة مختلفة تماماً، حيث تُسجل الصين 18000 دولار والولايات المتحددة 63000 دولار.
كما أن أداء المملكة المتحدة يكون أفضل بكثير من الهند حيث يبلغ إجمالي الناتج المحلي لكل فرد وفق الـ بي بي بي نحو 46000 دولار مقابل 7800 دولار فقط.
علاوة على ذلك، وفي توقّعات صندوق النقد الدولي على مدى السنوات الخمس المقبلة، هناك إشارات قليلة إلى إمكان اللحاق، وفق هذا المقياس، بين الولايات المتحدة والمملكة المتحدة ودول العالم النامي تلك. حتى الصين لا يبدو انها تقترب منهما.
ويمكننا أن نتنبأ بشكل آمن أن الناس في العالم المتقدم سيظلون، في المتوسط، أفضل حالاً من أولئك في البلدان النامية في 2030.
ما مدى صحة هذه التوقّعات؟
يؤكّد ستاندرد تشارترد أن توقّعاته مدعومة بمبدأ رئيسي واحد: حصة الدول من إجمالي الناتج المحلي العالمي يجب أن تلتقي في نهاية المطاف مع حصتها من سكان العالم، مدفوعة بتلاقي إجمالي الناتج المحلي للفرد بين الاقتصادات المتقدمة والناشئة.
وهذا ليس بغير المعقول، ففيما تنشر البلدان النامية تقنيات تعزيز الإنتاجية المُعتمدة في العالم الغني، ينبغي لها، من الناحية النظرية، أن تصبح أكثر إنتاجية وأن تكون معدلات نموها أسرع.
ولهذا السبب حقّقت الصين معدل نمو سنوي مزدوج الأرقام لإجمالي الناتج المحلي في السنوات العشرين الماضية. لكن معدلات النمو في أوروبا والولايات المتحدة كانت أقل من 3 في المئة.
وفي نهاية المطاف، ينبغي أن يكون لدى البلدان ذات التعداد السكاني الأكبر اقتصادات وطنية أكبر، سواء تم قياسها من خلال أسعار صرف السوق أو تكافؤ القوة الشرائية.
ومع ذلك، بافتراض أن مسار اللحاق من دون انقطاع للبلدان الفقيرة هو أمر مشكوك فيه، فإن الأزمات لا مفر منها. فقبل بضع سنوات، كان العديد من الاقتصاديين يتوقّعون نمواً سريعاً في البرازيل، ولكن بدلاً من ذلك سقطت البلاد في ركود كبير. ولا يمكن للمرء أن يستبعد مثل هذا الارتداد الموقت للصين أو الهند.
كما كان هناك اتجاهٌ واضحٌ للدول النامية كي تبقى عالقة في "مصيدة الدخل المتوسط"، حيث يبدو أنها، وبعد نمو سريع إلى مستوى معيّن، لا تستطيع أن تحقّق قفزة نحو نصيب الفرد من الدخل في العالم المتقدم.
وفي الواقع، أصبح تجنب هذا الفخ هاجساً لصانعي السياسة الصينيين في الأعوام الأخيرة. فهم لا يفترضون خطاً مباشراً يؤدي نحو الازدهار، حتى لو كان بعض المحللين المصرفيين الغربيين يفترضون ذلك.
© The Independent