يبدو أن تعقيدات المشهد السياسي الليبي تأبى الانفراج، فكلما لاح أفق للخروج من النفق المظلم يظهر حجر عثرة في طريق إنجاز اتفاق يقود إلى الانتخابات العامة، ويسد تماماً المسار التفاوضي بين مجلسي النواب والدولة في الشأن الدستوري ويقودهما إلى الفشل الذريع، وآخر تلك العثرات هي النقطة المتعلقة بترشح العسكريين ومزدوجي الجنسية للسباق الانتخابي التي يرفضها البرلمان ويصر على إقرارها مجلس الدولة.
ومع تعذر الوصول إلى أية صيغة توافقية تنهي الخلاف المزمن حول هذه النقطة، أعلن رئيس البرلمان منح فرصة أخيرة تنتهي بنهاية شهر مارس (آذار) المقبل لمجلس الدولة للتوقيع على القاعدة الدستورية التي أحالها إليه مجلسه، والتي لا تتضمن مطلبه الملح بإدراج هذا البند قبل البحث عن خيارات بديلة تسهل عملية الانتقال السياسي وتغلق ملف المراحل الانتقالية.
وقدم رئيس مجلس النواب الليبي عقيلة صالح إحاطة لمجلسه حول نتائج لقائه الأخير رئيس مجلس الدولة خالد المشري في القاهرة، وبينت كلمته أن حجم الخلافات بين الطرفين اتسع أكثر وأن مفاوضاتهما الدستورية تقف حالياً على حافة الفشل.
وقال المتحدث الرسمي باسم مجلس النواب عبد الله بليحق إن "المجلس استمع إلى إحاطة من رئيس مجلس النواب عقيلة صالح في شأن الانسداد السياسي الحاصل هذه الفترة في المفاوضات مع مجلس الدولة، وتطرق فيها إلى الحلول التي قدمها البرلمان من أجل إنهاء هذه الأزمة".
وكشف بليحق أن "البرلمان قرر تشكيل عدد من اللجان لمسارات الأزمة المختلفة بعد إعداد مقترحات لتقديمها إلى مجلس النواب للبحث عن حل جذري ينهي الأزمة السياسية المتفاقمة".
كلمة ساخنة
وكان رئيس مجلس النواب المستشار عقيلة صالح دعا في كلمة له خلال جلسة البرلمان الثلاثاء، 17 يناير (كانون الثاني الحالي، إلى "تحمل المسؤولية وحل الخلافات مع مجلس الدولة للوصول إلى حل قبل نهاية شهر مارس على أبعد تقدير في شأن القاعدة الدستورية للانتخابات".
وقال صالح إن "الوقت لا يسمح بتعطيل الإعلان الدستوري ومجلس النواب لن يبقى تحت رحمة أحد"، مؤكداً أنه "لم يتفق مع رئيس مجلس الدولة خالد المشري سوى على إحالة الوثيقة الدستورية إلى المجلسين لدرسها".
وأشار إلى أن "مجلس النواب أرسل 13 ملفاً خاصاً بقوائم المناصب السيادية منذ عام ونصف العام إلى مجلس الدولة، لكن الأخير لم يرد عليها سلباً أو إيجاباً"، واتهم أعضاء في مجلس الدولة بـ "استخدام ’فيتو‘ ضد قرارات البرلمان".
واعتبر أنه "بحسب الإعلان الدستوري فإن مجلس النواب هو الجسم التشريعي الوحيد ومجلس الدولة هو الجسم الاستشاري، ويفترض أن يحترمونا ويستجيبوا لنا بشكل أفضل".
وأمهل عقيلة صالح المجلس الأعلى للدولة "15 يوماً للرد على البرلمان في شأن ملف القاعدة الدستورية للانتخابات".
المشري يرد الهجوم
وعلق رئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري على رئيس البرلمان بتوجيه رسالة ضمنية، رداً على تصريحاته في جلسة مجلس النواب الليبي ببنغازي عبر حسابه بموقع "تويتر"، قال فيها إن "من أراد التوافق والاستقرار فأيدينا ممدودة لتحقيق ذلك بقدره وأكثر، ومن أراد غير ذلك فلن يحصد إلا سوء نياته".
ومع تأزم الموقف بين أطراف المفاوضات دعت شخصيات ليبية بارزة إلى فتح الباب لحوار ليبي شامل وبمشاركة أطراف جديدة، وإغلاق الملفات الشائكة المعلقة مثل المصالحة الوطنية وتوحيد المؤسسة العسكرية لضمان تنظيم انتخابات عامة في أجواء تسهل نجاحها، قبل أن تجر النزاعات الحالية البلاد إلى حرب جديدة.
وقال عضو المجلس الانتقالي السابق عبدالرزاق العرادي إن "أي حديث عن أية انتخابات قريبة في ليبيا هو وهم، وستؤدي إلى حرب ما لم يسبقها حوار جاد تنتج منه مصالحة ومسار للعدالة الانتقالية وميثاق وطني".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأضاف أن "الانتخابات يجب أن تسبقها إعادة صياغة مشروع الدستور وفق هذا الميثاق، إضافة إلى توحيد المؤسسات السياسية والعسكرية والاقتصادية في خط مواز".
وقال عضو مجلس النواب علي التكبالي إن "المناخ السياسي الحالي لا يسمح بالانتخابات لأنها تتطلب توفير مناخ أمني مناسب، وتحتاج إلى ناخبين يقدرون أهمية هذا الاستحقاق بعيداً من التزوير".
ورأى أن "معضلة الانتخابات لا يمكن أن تنتهي بمجرد لقاءات، إذ يجب إجراء مصالحة حقيقية وإطلاق المسجونين وتنقية المشهد".
وطالب التكبالي بأن "تقود مصر المفاوضات بين أطراف النزاع الليبي، لأنه إذا كانت هناك دولة مهتمة باستقرار ليبيا فإنها مصر، لأن ليبيا تمثل امتداداً لأمنها القومي".
من جهتها شددت عضو مجلس النواب سلطنة المسماري على "ضرورة تشكيل حكومة موحدة للإشراف على إجراء الانتخابات"، وقالت المسماري إنه "يجب الاتفاق مع القوى الفاعلة التي تسيطر بالسلاح على دمج حكومتي الدبيبة وباشاغا في حكومة جديدة برئاسة شخصية يجري التوافق عليها".
وأضافت أن "تلك الحكومة المقترحة ستكون مهمتها الإشراف على الانتخابات"، داعية إلى "انفراد مجلس النواب بقيادة العملية السياسية بعد احتدام الخلاف بين مجلسي النواب والدولة في شأن شروط الترشح للانتخابات، لأن الشارع يحمل البرلمان مسؤولية عرقلة إجراء الانتخابات، ولذلك فنحن فقط المعنيون بالحل بعيداً من مجلس الدولة".
تقدم في المسار العسكري
وعلى العكس من المسار السياسي فلار يزال التوافق سمة مميزة للمفاوضات العسكرية التي تجريها اللجنة العسكرية (5+5) والتي أنهت جولة جديدة منها في مدينة سرت برعاية البعثة الدولية في ليبيا.
وأكد رئيس البعثة الأممية لدى ليبيا عبدالله باتيلي أنه "سيتم اتخاذ قرارات مهمة بالاتفاق مع اللجنة العسكرية المشتركة في ما يتعلق بوجود القوات الأجنبية والمرتزقة داخل ليبيا"، وقال إن "الرجال الذين يرتدون الزي العسكري يقومون بعمل بطولي، وعلى الأطراف السياسية اتباع نهجهم".
وأضاف باتيلي أن "اجتماع اللجنة العسكرية في مدينة سرت ناقش القضايا المتعلقة بدول الجوار، وأخرى لها علاقة بالقوات الأجنبية والمقاتلين الأجانب والمرتزقة، وجرى اتخاذ قرارات مهمة في هذا الشأن للمضي قدماً والتحرك في هذا الملف، بخاصة مع دول الجوار مثل السودان وتشاد والنيجر".
وتابع، "التقينا أيضاً مجموعة الترتيبات الأمنية المعنية بحفظ الأوضاع الأمنية بالمدينة والتي ستوسع عملها ليشمل البلاد بأكملها، وكذلك المراقبين الدوليين والمحليين لعملية وقف إطلاق النار لترتيب عملهم واستكمال ما جرى عمله حتى الآن في هذا الجانب، والبحث في إمكان أن تعمل هذه المجموعة من سرت".
تشكيل قوة مشتركة
من جهته أعلن مقرر اللجنة العسكرية المشتركة اللواء مصطفى يحيى أن "اللجنة تسعى جاهدة إلى تنفيذ بنود وقف إطلاق النار الموقع عام 2020، وتم الاتفاق على تشكيل قوة عسكرية مشتركة لتحقيق هذه الغاية".
وأضاف أن "القوة العسكرية المشتركة التي اتفق على تشكيلها تختص بالعمل لتثبيت وقف إطلاق النار من خلال احتواء أي خرق ومساعدة لجنة الترتيبات الأمنية، إضافة إلى تأمين عمل المراقبين المحليين والدوليين".
وأكد أن "ما يثار من لغط حول تعيين قيادات عسكرية أو اتخاذ اللجنة خطوات في اتجاه توحيد المؤسسة العسكرية أو حماية الحقول والموانئ النفطية عار من الصحة، وهي مجرد إشاعات للتشويش على عمل اللجنة".
وأشار يحيى إلى أن "أعضاء اللجنة قادة عسكريون محترفون يعلمون جيداً حدود الاختصاصات الممنوحة لهم ويعملون بتفان لتنفيذها وفق خطة مدروسة بخطوات محددة".