في وسط صحراء نجد القاحلة تعيش الملايين من الأسماك ضمن مشروع الاستزراع السمكي الذي بدأت السعودية في العمل عليه منذ ثمانينيات القرن الماضي، في بادرة تعد فريدة من نوعها، فلم يكن أمراً سهلاً أن تعيش تلك الأسماك بعيداً من بيئتها الطبيعية (الأنهار والبحار والمحيطات) التي لم تتوفر لها هنالك.
وفي منطقة القصيم التي تتوسط صحراء نجد، بدأ مشروع الاستزراع المائي من خلال استغلال المياه الجوفية الموجودة في المنطقة والتي حرص مزارعوها على توظيفها في المشروع من خلال عمل برك مائية كبيئة مناسبة، ليصل إنتاجها السنوي إلى ألفي طن تلبي ثلث حاجات البلاد بحسب الإحصاءات الأخيرة.
ولا تقتصر مشاريع الاستزراع السمكي على منطقة القصيم وسط السعودية، بل تشمل مناطق أخرى مثل حائل والنواحي الشمالية من البلاد.
وكشفت وزارة البيئة والمياه والزراعة في تقريرها الأخير الذي حصلت "اندبندنت عربية" على نسخة منه، عن ارتفاع حجم الإنتاج السمكي في البلاد من 32 ألف طن في 2016 إلى 119 ألف طن حتى نهاية 2022، مؤكدة أنها تستهدف زيادة معدل استهلاك الفرد من المنتجات السمكية من (تسعة - 13) كيلوغراماً، مستهدفة تحقيق اكتفاء ذاتي بنسبة 59 في المئة من الثروة السمكية.
وأوضح التقرير أن قطاع الثروة السمكية شهد تطوراً كبيراً خلال الفترة الماضية أدى إلى تحقيق منجزات عدة في القطاع، إذ تم تطوير 20 مرفقاً للصيد على أن يتم الوصول إلى 82 مرفقاً خلال المرحلة المقبلة.
وأضاف التقرير أن حجم المشاريع زاد تبعاً لذلك من 67 مشروعاً للاستزراع السمكي إلى 235 مشروعاً في المياه البحرية والداخلية والأنظمة المغلقة.
ركائز أساسية
على رغم أن برامج الاستزراع السمكي تعود بداياتها إلى ثمانينيات القرن الماضي، فإن الحكومة أطلقت عدداً من المبادرات ضمن برنامج تطوير الصناعة الوطنية والخدمات اللوجيستية، كان لوزارة البيئة والمياه والزراعة خمس مبادرات رائدة متعلقة بقطاع الاستزراع المائي ستسهم في زيادة الناتج الوطني ودعم الاقتصاد المحلي وتحقيق الأمن الغذائي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتتمثل في مبادرة "الحملات التسويقية"، التي تهدف إلى التعريف بالفوائد الصحية والقيمة الغذائية للمأكولات البحرية، والحث على تناولها وزيادة استهلاك الفرد منها، من تسعة كيلوغرامات إلى 13 كيلوغراماً، كما تهدف إلى زيادة الوعي العام بأنواع الأسماك المنتجة محلياً، وإبراز جودتها مقارنة بالأسماك المستوردة.
وأما المبادرة الثانية فهي مبادرة "حملات جذب المستثمرين"، وتهدف إلى زيادة الاستثمار في قطاع الاستزراع المائي، من خلال جذب شركات استثمارية محلية وعالمية جديدة في السوق، وهو ما يساعد على تحسين الإنتاج المحلي وزيادة الصادرات وتخفيض نسبة الاستيراد، وكذلك تحقيق المنافسة الشاملة التي ستؤدي إلى خفض كلفة إنتاج الأسماك وزيادته.
وثالث هذه المبادرات مبادرة "تطوير البنية التحتية لدعم التجمعات البحرية"، التي تهدف إلى إيجاد بيئة استثمارية جاذبة، وتوفير خدمات لوجيستية متكاملة، إضافة إلى تطوير مرافئ الصيد والأرصفة العائمة ومصانع الثلج ومحطات الوقود والورش الخاصة بصيانة القوارب وغير ذلك، وجعلها مواقع تحتوي على الخدمات الأساسية التي تخدم المستفيدين المباشرين، إضافة إلى خلق بيئة جاذبة للسياحة.
وأما رابعها فهي مبادرة "تطوير البنية التحتية لدعم الاستزراع المائي"، التي تهدف إلى تهيئة البنية التحتية (المفارخ، ومصانع الأعلاف، ومصانع التجهيز) للوصول إلى إنتاج ٦٠٠ ألف طن من الأسماك بحلول عام 2030، كما تهدف إلى استدامة صناعة الاستزراع المائي، وتوفير فرص العمل للجنسين، إضافة إلى التشجيع على استقطاب الاستثمارات الأجنبية، والتقليل من واردات مدخلات صناعة الاستزراع المائي.
وأخيراً تأتي المبادرة الخامسة، وهي مبادرة "دعم البحث والتطوير لتحسين إنتاجية مصائد الأسماك"، وذلك بالتعاون مع المؤسسات البحثية الشهيرة محلياً ودولياً، بهدف إدخال أنواع جديدة من الأسماك ذات جدوى اقتصادية، وتطوير أنظمة الأعلاف وضمان جودتها، إضافة إلى الحد من نفوق الأسماك، وأيضاً العمل على تحسين صحتها، وإنشاء مراكز الأبحاث وتطويرها لتصبح مراكز عالية الكفاءة وقادرة على توفير الخبرة والمشورة والمساهمة في تقديم التقنيات الحديثة في عمليات الاستزراع المائي.