Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مصير العقوبات الدولية على سوريا بعد سقوط الأسد

تحتاج الحكومة الجديدة في دمشق إلى تعليق ولو جزئياً لقوانين "قيصر" و"كبتاغون 1 و2"

صورة للأسد ملقاة من نافذة أحد مقار الاستخبارات العسكرية السورية في دمشق (أ ف ب)

ملخص

أبرز العقوبات التي فرضت على نظام الأسد كانت "قانون قيصر لحماية المدنيين السوريين" الذي أقرته واشنطن وأضيف رسمياً إلى موازنة وزارة الدفاع في 2020، ثم جرى فرض قانون "كبتاغون 1" وتلاه "كبتاغون 2"، بهدف مكافحة تهريب المخدرات.

بعد يوم واحد من سيطرة قوات المعارضة السورية على حلب تداول ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي تسجيلاً مصوراً يظهر استمرار بيع أجهزة الجوال القديمة التي توصف بـ"المنقرضة"، والتي كان الناس يستخدمونها في بداية هذه الألفية، إذ لا تنتشر في محال بيع الأجهزة الإلكترونية وسائل التكنولوجيا الحديثة، فوفق ما يقوله أحد سكان المدينة إلى "اندبندنت عربية" إنهم "متخلفون عن العالم بما يزيد على 20 عاماً تكنولوجياً".

العقوبات الأميركية والأوروبية على الحكومة السابقة والفساد الذي بدا مستشرياً في نظام بشار الأسد كانا من أهم الأسباب التي منعت سوريا من اللحاق بركب الحداثة، واليوم أصبحت البلاد بلا أسد، وتوقف الخوف من العودة إلى سجن صيدنايا، أو القلق من سقوط البراميل المتفجرة، أو استنشاق غاز السارين بدلاً من هواء دمشق العليل ليبقى السؤال الآن، هل ستقوم الدول الغربية برفع العقوبات عن سوريا ومساعدتها في بناء "الدولة" من جديد؟

في عام 1979 فرضت أولى العقوبات على النظام السوري السابق، الذي كان يترأسه آنذاك حافظ الأسد، وذلك بتهمة "رعاية الإرهاب"، تلا ذلك عقوبات خفيفة لم تتسبب في "خنق" النظام طوال عقود، لكن بعد 2011 تغيرت المعادلة كلياً، وتحول نظام الأسد الابن من "ديكتاتوري بوليسي داعم للإرهاب" إلى "ممارس للإرهاب جهاراً نهاراً في حق شعبه"، لذلك سلكت الدول الغربية والولايات المتحدة طريقاً جديداً أكثر حزماً، ففرضت عدداً من العقوبات استهدفت بشار الأسد شخصياً وزوجته أسماء الأخرس وشقيقه ماهر وعدداً من كبار رموز النظام والشركات التابعة له. وعلى رغم أن العقوبات أسهمت كثيراً في تقييد النظام تسببت في الوقت نفسه في تردي الوضع المعيشي للمدنيين الذين يعيشون بمناطق سيطرة النظام قبل سقوطه.

"قيصر"... البداية والنهاية

لعل أبرز العقوبات التي فرضت على نظام الأسد كانت "قانون قيصر لحماية المدنيين السوريين" الذي أقرته الولايات المتحدة، وأضيف رسمياً إلى موازنة وزارة الدفاع في 2020"، ثم جرى فرض قانون "كبتاغون 1"، وتلاه "كبتاغون 2"، بهدف مكافحة تهريب المخدرات التي تنتجها الميليشيات الإيرانية في سوريا بالتعاون مع جيش النظام السابق.

 

 

وفي نهاية عام 2013، انشق "قيصر"، وهذا اسم مستعار لم يظهر حينها باسمه الحقيقي، عن جهاز الشرطة العسكرية حاملاً معه 55 ألف صوراً لـ11 ألف معتقل قتلوا تحت التعذيب في أفرع الاستخبارات السورية والأفرع الأمنية التابعة لنظام الأسد.

كانت مهمة "قيصر" توثيق الضحايا الذين يقتلون في المعتقلات السورية. وأثارت الصور التي هربها "قيصر" هلع المنظمات الحقوقية، مما دفع الولايات المتحدة للاهتمام بالقضية. وعلى رغم فظاعة الصور التي هربها "قيصر"، اقتصرت مدتها الزمنية على العامين الأولين للثورة السورية، ولم تشمل صوره ما جرى في سجون الأسد بعد 2013.

العقوبات وانهيار نظام الأسد

بعد رحلة طويلة لـ"قيصر" وبجهود مكثفة من جمعيات سورية وأميركية فتح الكونغرس أبوابه للاستماع لشهادة الضابط السابق في يوليو (تموز) 2014، وعلى رغم الأدلة الملموسة التي كانت بحوزته كانت لإدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما وجهة نظر مختلفة، فعرقلت إصدار قانون لحماية المدنيين السوريين. وفي يونيو (حزيران) 2020 وافق الرئيس الأميركي دونالد ترمب قبل نهاية فترة رئاسته الأولى على القانون الذي كان أحد أهم أقسى العقوبات على النظام السوري، فأغلق الباب أمام إعادة الإعمار، وتعامل الشركات الأجنبية مع حكومة الأسد قبل حل القضية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

قانون "قيصر" تلاه سلسلة من العقوبات الأميركية والكندية والأسترالية والبريطانية على النظام السوري السابق، وغالب العقوبات كانت تستهدف النظام تزامناً مع إيران، للارتباط الوثيق بين دمشق وطهران كما هو معروف. واستطاعت العقوبات بالفعل تشكيل عزلة اقتصادية واجتماعية للأسد، ولم يكن من الممكن أن يستعيد قوته في ظل وجود العقوبات، والتي قد يكون لها دور جزئي في سرعة انهياره بعد إطلاق عملية (ردع العدوان) من قبل المعارضة المسلحة.

مطالبات برفع العقوبات

بعد إطاحة الأسد دعا أعضاء في الكونغرس الأميركي من خلال رسالة مشتركة لإدارة الرئيس جو بايدن إلى تعليق العقوبات المفروضة على سوريا بهدف دعم العملية الانتقالية. وبعث النائبان جو ويلسون وبريندان بويل برسالة مشتركة إلى البيت الأبيض ووزارتي الخارجية والخزانة في شأن سوريا، إذ أكدا ضرورة تعليق العقوبات مع الأخذ في الاعتبار الأوضاع الراهنة في البلاد.

وأضاف النائبان الأميركيان أن سقوط النظام "يعد فرصة مهمة للغاية لتخفيف العقوبات ضد سوريا، لكن يجب الحفاظ على العقوبات المفروضة على مسؤولي نظام الأسد وغيرهم من المتورطين في جرائم ضد الشعب".

إعفاء عاجل

عضو مجلس إدارة تحالف المنظمات السورية - الأميركية الدكتور زكي لبابيدي قال في تصريح خاص إن العقوبات المفروضة على الدولة والنظام، "لا تزال حتى اللحظة كما هي، والسبب الرئيس هو عدم وجود حكومة جديدة رسمية معترف بها، كما أن الدول الغربية والولايات المتحدة تنتظر الخطوات التي تتخذها القيادة الحالية في دمشق لتعرف كيف ستتعامل الحكومة الانتقالية مع المدنيين".

وأضاف لبابيدي، "بالنسبة لنا حالياً نعمل للحصول على استثناء وزارة الخزانة الأميركية عن كل العقوبات المفروضة على سوريا، وفي حال تم ذلك سيتم رفع العقوبات، وهذا سيحدث عاجلاً أو آجلاً، لكن نحن نعمل على حصوله في أسرع وقت ممكن". وتابع، "بالنسبة إلى الحكومة الأميركية يبدو أنها حالياً تتريث لتتأكد من أن الحكومة الحالية لن تفرض أموراً في شأنها تقييد الحريات العامة أو حقوق الأقليات أو فرض نوع معين من الألبسة، ونحن على تواصل مع الحكومة الحالية في دمشق للعمل على تفادي إبقاء العقوبات".

عقوبات قديمة وأخرى حديثة

رئيس المجلس السوري - الأميركي فاروق بلال أكد بدوره أن العقوبات المفروضة على سوريا "لم تفرض كلها بعد ثورة 2011، وإنما كانت هناك عقوبات مفروضة قبلها. العقوبات القديمة كانت مفروضة على حكومة بشار لتورطها في دعم تنظيم القاعدة بالعراق".

وأوضح بلال أنه "بعد اندلاع الثورة السورية تم فرض عقوبات بعدة أنواع، منها على أسماء شخصيات معينة في النظام، وأخرى على مؤسسات النظام مثل المؤسسة العسكرية (الجيش) ومؤسسات قطاع البتروكيماويات". ولفت الانتباه إلى أنه "بالنسبة لكيفية التعامل مع هذه العقوبات، فإن قانون قيصر ستنتهي صلاحيته هذا العام، وقبل سقوط النظام كنا نعمل على تمديد هذا القانون وأضافته إلى موازنة وزارة الدفاع الأميركية، وتم الإقرار بالفعل بتمديد قانون قيصر حتى عام 2032، وحصل ذلك قبل ثلاثة أيام فقط من سقوط نظام الأسد، والآن نعمل على سحب نص القانون من موازنة وزارة الدفاع، لكن الأهم الحصول على إعفاء ولو موقت من هذه العقوبات". وقال، "الإعفاء الموقت الذي نعمل الآن للحصول عليه هو مشابه للإعفاءات التي تحصل في حال وقوع كارثة إنسانية، كما حصل ذلك عند وقوع زلزال تركيا وسوريا المدمر، إذ تمكن النظام من الحصول على إعفاء من العقوبات مدته ستة أشهر، والآن نطالب الحكومة الأميركية بإعفاء مدته عام كامل، وخلال هذا العام ستتم معالجة الأمور التي فرضت بسببها العقوبات كي يتم رفعها بصورة كاملة".

رفع جزئي ثم تدريجي

الصحافي السوري فراس القاضي بدوره تحدث عن أن رفع العقوبات عن سوريا "هو قرار سياسي بامتياز، وأعتقد أن الموضوع يتعلق بمرور فترة محددة لمراقبة تصرفات الحكومة الجديدة، وربما يتم البدء حالياً برفع العقوبات الصغيرة لمساعدة النظام الجديد لبناء الدولة اقتصادياً، كون سوريا منهكة ومنهارة، وهنا تحتاج دمشق رفع الإجراءات المفروضة على التحويلات المصرفية والحوالات الخارجية بصورة عاجلة، وربما يتم مبدئياً رفع العقوبات المتعلقة باستيراد الطاقة التي تسبب فرضها بوقف الصناعة أو تراجعها بصورة كبيرة".

 

 

وأكد القاضي أنه "في حال شهدت سوريا حكومة مدنية مثلت كل أطياف الشعب، أعتقد أن مصير جميع أنواع العقوبات سيكون الرفع، لأن سبب وجود هذه العقوبات قد زال، بمعنى آخر موضوع العقوبات سينتهي إذا حصل هناك رضا دولي عن الحكومة السورية الجديدة، بل وسيحصل العكس تماماً، إذ سيتم تقديم محفزات ومساعدات أيضاً، والسماح للكثير من المنظمات من الدخول والعمل في البلاد، وستقوم عدة جهات بدعم المشاريع الشبابية أيضاً، ويمكنني القول إن موضوع العقوبات متوقف تماماً عن صورة الدولة الجديدة وهيكلية النظام الجديد".

مصير العقوبات

بحسب مراقبين للشأن السوري فإن العقوبات الدولية المفروضة على نظام الأسد تنقسم إلى جزءين، الأول مطبقة على شخصيات والثاني ضد كيانات. بالنسبة إلى العقوبات التي تستهدف شخصيات فهي لا تؤثر بشيء في الدولة السورية ورفعها من عدمه لا يقدم ولا يؤخر في مستقبل "سوريا الجديدة"، أما تلك المستهدفة لكيانات مثل مصرف سوريا المركزي أو مؤسسة الجيش أو الشركات الخاصة فمصيرها قد يكون مرهوناً بعوامل عدة.

ويرى المراقبون فإن هذه العوامل تتلخص في تشكيل حكومة وطنية شاملة تضم جميع أطياف الشعب السوري وحماية الحريات وحقوق الإنسان وضمان حقوق الأقليات العرقية والطائفية ونوع العلاقة مع إيران وروسيا وطبيعة علاقة دمشق مع إسرائيل.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير