بعد أن سجلت اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي أداء جيداً العام الماضي على رغم تقلبات الاقتصاد العالمي مع تسجيلها نمواً قوياً وفائضاً مالياً وتضخماً معتدلاً، تتجه الأنظار إلى أداء اقتصادات المنطقة في عام 2023 مع إثارة تساؤلات حول إمكانية مواصلة النمو الاقتصادي أو حدوث تباطؤ اقتصادي بفعل التحديات العالمية. ومما يبدو أن اقتصادات دول المنطقة ينتظرها عام جديد من النمو ليخالف موجة الركود المرتقبة عالمياً وسط دول تتزايد عليها وتزامناً مع استمرار تداعيات الحرب الروسية- الأوكرانية.
نقطة تحول
في وقت يرى محللون ومتخصصون لـ"اندبندنت عربية" أن عام 2023 سيشكل نقطة تحول في تنفيذ الاستراتيجيات الاقتصادية لدول مجلس التعاون الخليجي لعصر ما بعد النفط لتحدث تنوعاً قوياً وسط وفرة الطاقة وسهولة الحصول عليها وأسعارها والمشاريع التنموية الضخمة التي احتوتها الرؤى الاقتصادية للدول الأعضاء وقربها من مصادر العمالة الرخيصة المدربة عالية الإنتاجية.ويبقى التضخم وتداعيات أخطار تباطؤ النمو من أهم التحديات التي سوف تواجه دول المنطقة فعلى رغم تسجيله في يوليو (تموز) الماضي أعلى مستوى منذ 11 عاماً عند 4.8 في المئة، إلا أن المعدل انخفض إلى 4 في المئة في نوفمبر (تشرين الثاني)، كما أنه من المتوقع أن يواصل تراجعه إلى 2.7 في المئة في 2023، بحسب ما ذكرته "بلومبيرغ " في تقرير لها حديثاً، وعلى رغم زخم العمل والإنتاج في قطاعات اقتصادية "غير نفطية"، لكن تبقى الضغوط على السيولة ماثلة دائماً وقد تحتاج الأنظمة المالية إلى عملية تصحيح مقبلة.ويؤكد المحللون أن تدخلات السياسة النقدية الخليجية كانت نافعة مع تقلبات سعر الدولار وصعوده مع مواكبة دول الخليج لقرارات رفع أسعار الفائدة الأميركية. ويشير عدد من المحللين إلى أن "التحول الجديد في دول الخليج والقدرة على ضبط استقرار الأسواق يرجعان إلى سياسة ضبط الإنفاق والمرونة الاقتصادية".
وفرات النفط
وقال عضو المجلس الاستشاري الوطني في معهد "تشارترد للأوراق المالية والاستثمار" وضاح الطه، "ربما نرى تسارعاً في اتجاه مشاريع رأسمالية بسبب الوفرات التي تولدت من ارتفاع أسعار النفط وارتفاع الدولار الذي انعكس على العملات المحلية الخليجية، الأمر الذي قد يؤدي إلى التفكير في توسيع نطاق الخطط الاقتصادية، ففي السعودية كانت هناك مبادرة لإنشاء هيئة فضاء، وفي الإمارات كان هناك تركيز على الاقتصاد الرقمي". وأعرب الطه عن تفاؤله بأداء الاقتصادات الخليجية عام 2023، متوقعاً أن يكون النمو الاقتصادي مرتفعاً بقيادة الاقتصاد السعودي، الأكبر في المنطقة، بسبب استمرار صعود أسعار النفط وتحسن القطاعات غير النفطية.
نظرة إيجابية
جاءت النظرة المستقبلية للاقتصادات الخليجية إيجابية لعام 2023 بحسب تقرير صادر عن مجموعة "أتش أس بي سي إيكونوميست رود شو" التي توقعت أن تحقق البلدان الخليجية أعلى معدل نمو في العالم . ووفقاً لتحليل حديث للمجموعة، من المرجح أن تنمو اقتصادات المنطقة الخليجية بنسبة 6.5 في المئة عام 2022، مما يجعلها واحدة من أفضل المناطق أداء على مستوى العالم، بتحقيقها أكبر نمو لها منذ عقد في الأقل، مع توقعات بنمو اقتصادي بنسبة 5 في المئة عام 2023.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقالت وكالة التصنيف الائتماني "موديز" أخيراً إن نمو اقتصادات دول الخليج سيتباطأ خلال عام 2023 إلى 2.3 في المئة من 5.7 في المئة العام الماضي وسط هبوط القطاع النفطي. وأوضحت "موديز" في تقرير أن اقتصادات المنطقة ستشهد تباطؤاً في النمو إذا ما ظلت سياسة "أوبك+" الخاصة بخفض الإنتاج سارية. واستجاب تحالف "أوبك+" الذي يضم معظم دول الخليج لتوقعات النمو العالمي الضعيفة، بخفض إنتاجه بمليوني برميل يومياً بدءاً من نوفمبر 2022. وقالت الوكالة "بافتراض عدم وجود مزيد من الخفوضات في الإنتاج حتى نهاية عام 2023، من المرجح أن ينكمش إنتاج القطاع النفطي في دول الخليج بحوالى 1 في المئة هذا العام". وذكرت أن انخفاض المعروض من نفط "أوبك+" سيحد من تراجع الأسعار، بالتالي ستؤثر خفوض إنتاج النفط الخام بشكل كبير في نمو الناتج المحلي الإجمالي. وتأتي توقعات "موديز" لنمو اقتصادات الخليج دون تقديرات صندوق النقد الدولي الذي رجح في أكتوبر (تشرين الأول) 2022 أن تسجل دول المنطقة نمواً نسبته 3.6 في المئة في 2023. وترى "موديز" أن الجدارة الائتمانية لدول الخليج لا تزال إيجابية عام 2023. وذكرت أن عائدات النفط المرتفعة، على رغم خفض الإنتاج، سوف تسمح للحكومات بخفض أعباء الديون وإعادة بناء الهوامش المالية الوقائية. وكشفت عن أن عائدات النفط والغاز المرتفعة ستوفر موارد مالية أكثر وفرة لدعم مشاريع التنويع الاقتصادي.
داعم رئيس لاستكمال النمو
ومن جانبه، قال المستشار المالي السعودي علي الجعفري إن الخطط التطويرية مثل رؤية السعودية 2030 وبقية منطقة الخليج ستكون داعماً رئيساً لاستكمال النمو المتدفق من قوة ارتفاع أسعار النفط وعدم مواجهتها التحديات التي يواجهها الاقتصاد العالمي بسبب التضخم ورفع أسعار الفائدة والتداعيات الممتدة للأزمة الروسية- الأوكرانية، متوقعاً أن يكون الانتعاش الاقتصادي في دول المنطقة طفيف.
أسعار النفط
وتوقع المحلل الاقتصادي محمود عطا بقاء أسعار النفط خلال الأشهر الخمسة إلى الستة المقبلة في حدود 80 إلى 100 دولار للبرميل، مما سيولد مزيداً من العائدات النفطية لدول الخليج. وأشار إلى أن الحرب الروسية - الأوكرانية عززت الطلب العالمي على الطاقة. وأشار عطا إلى أن هناك عاملين عالميين قد يؤثران في توجهات النمو في المنطقة العام الحالي، الأول، أسعار الفائدة المرتفعة، والثاني، المخاوف من تراجع النمو، لافتاً إلى أن المخاوف من حصول ركود في العالم لن تكون قبل عام 2025-2024. وأكد أن المشكلة القائمة اليوم تتمثل في التضخم الجامح على مستوى العالم ومن أجل السيطرة عليه يتم رفع الفائدة. وأوضح إن إيرادات الخليج لعام 2022 جذابة للغاية بقيادة السعودية والإمارات والكويت، كما عزز تزايد الطلب على الغاز من قطر الإيرادات الحكومية، ونمت عائدات الدول الخليجية الأخرى. وبفضل الأداء القوي عموماً الذي تميزت به اقتصادات الدول المصدرة للنفط، تمكنت دول الخليج خلال عام 2022 من النأي بنفسها عن الاضطرابات العالمية التي سببتها التوترات الجيوسياسية والحرب الأوكرانية وأزمة الطاقة وتفاقم معدلات التضخم وتقلبات الأسواق، بحسب تقرير حديث أصدرته مؤسسة "بي دبليو سي" الشرق الأوسط.
وأرجع التقرير ذلك إلى استضافة دول المنطقة لفعاليات دولية ناجحة خلال العام الماضي مثل النصف الثاني من "إكسبو دبي" في دولة الإمارات وكأس العالم لكرة القدم في قطر ومؤتمر الأطراف (COP27) في مصر، مشيراً إلى أن هناك خمسة محاور وتوجهات رئيسة، لا بد من مراقبتها في 2023 وفي مقدمتها احتمال تباطؤ النمو مع دخول ثلث اقتصادات العالم في حال ركود، على رغم أن التوقعات بنمو الناتج المحلي الإجمالي لمجلس التعاون بنسبة 3.6 في المئة خلال العام الحالي.
وأفاد التقرير بأنه مع محافظة مؤشر مديري المشتريات في القطاعات غير النفطية على مستويات جيدة خلال الجزء الأكبر من عام 2022، يتوقع أن يستمر الزخم بوتيرة سريعة، لا سيما في ظل مواصلة الاقتصادات الخليجية تنوعها.
من جهة أخرى، أشار التقرير إلى أن الوتيرة السريعة لرفع أسعار الفائدة من قبل الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، انعكست ضغوطاً كبيرة على سيولة السوق في منطقة الخليج، إلا أن ذلك سيتغير نتيجة إجراءات تصحيحية في 2023.
وتوقع البنك الدولي في تقريره الذي صدر أخيراً أن تنمو اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي بنسبة 6.9 في المئة هذا العام، قبل أن تنخفض إلى 3.7 في المئة و2.4 في المئة في 2023 و2024 على التوالي، مشيراً إلى أن تخفيف القيود المفروضة بسبب جائحة كورونا والتطورات الإيجابية في سوق الهيدروكربونات (النفط والغاز)، أديا إلى تحقيق تعاف قوي خلال العامين الماضي والحالي في دول الخليج كافة.
تقرير البنك يتوقع أن تسجل منطقة دول مجلس التعاون الخليجي فائضاً قوياً مزدوجاً هذا العام، وأيضاً على المدى المتوسط، مدفوعاً بارتفاع أسعار النفط والغاز، بحيث يقدر أن يسجل رصيد المالية العامة لدول المجلس فائضاً بنسبة 5.3 في المئة من إجمالي الناتج المحلي، وهو أول فائض يسجل منذ عام 2014، فيما يتوقع أن يصل فائض الميزان الخارجي إلى 17.2 في المئة من إجمالي الناتج المحلي.
تشديد السياسة النقدية
وحذر البنك الدولي من احتمال حدوث مزيد من حالات الانكماش الاقتصادي وزيادة معدلات الفقر في البلدان النامية نتيجة تشديد السياسة النقدية وتزايد الأخطار المرتبطة بتغير المناخ وتفاقم التوترات الاجتماعية وعدم الاستقرار السياسي، متوقعاً أن يبلغ متوسط نمو نصيب الفرد من الدخل في اقتصادات الأسواق الصاعدة والبلدان النامية 2.8 في المئة على مدى العامين المقبلين، وهو ما يقل بنقطة مئوية كاملة عن المتوسط المسجل للأعوام 2010-2019.
نظرة محايدة
من جانبها، أعطت وكالة "فيتش" للتصنيف الائتماني نظرة محايدة للشركات الخليجية في العام الحالي، وهو ما يعكس النشاط الاقتصادي الداعم وأسعار النفط المرتفعة. وقالت الوكالة "تحسنت موازنات البلدان المصدرة للنفط، ومن المتوقع أن تحفز المشاريع التي ترعاها الحكومة نشاط القطاع الخاص". وبدورها، رجحت شركة الاستشارات الاقتصادية المستقلة "أكسفورد إيكونوميكس" في تقرير لها أن تسجل اقتصادات دول الخليج نمواً بأكثر من ضعف وتيرة الاقتصاد العالمي في العام المقبل، على رغم تباطؤ الاقتصاد الإقليمي بعد عامين من النمو القوي بشكل استثنائي. وذكرت أن منطقة الخليج ستظل نقطة جذب للمستثمرين في 2023 مع بقاء الطلب على العقارات جيداً، متوقعة أن يتحول النمو إلى وتيرة أقل في 2023، على رغم أنه يظل إيجابياً للغاية على عكس عدد من الأسواق المتقدمة والناشئة. وبحسب تقديرات الشركة، سيرتفع الناتج المحلي الإجمالي للمنطقة بأكثر من 2.9 في المئة خلال العام الحالي، وسط انزلاق كثير من الاقتصادات المتقدمة والناشئة إلى ركود معتدل.