فتحت مراكز الاقتراع في تونس أبوابها، اليوم الأحد، في جولة ثانية لانتخابات برلمانية جرت الشهر الماضي، ولم تتعد نسبة الإقبال فيها 11 في المئة، وهي نسبة قال معارضون للرئيس قيس سعيد إنها تقوض حديثه عن الدعم الشعبي لتغييراته السياسية واسعة النطاق.
مقاطعة وإهمال
وتقاطع الأحزاب السياسية التصويت، ومن ثم فإن معظم المرشحين مستقلون، ومن المرجح أن تتجه الأنظار إلى نسبة الإقبال، وما إذا كانت ستتجاوز نسبة الجولة الأولى.
وقال نجيب الساحلي (40 سنة) وهو يمر بجوار مركز اقتراع خاو في حي التحرير بتونس قبل وقت قصير من موعد بدء التصويت، "لا أنا لست مهتماً، سأذهب لأبحث عن الخبز، وأعود لأقضي هذا اليوم البارد في البيت".
وقال صحافي من "رويترز" إنه لم يظهر أي ناخبين خلال الدقائق العشرين التي قضاها داخل مركز اقتراع بعد بدء التصويت رسمياً.
وأصدر سعيد مرسوماً بالبرلمان الجديد، الذي سيكون بلا سلطة في الأغلب، في إطار نظام رئاسي طبقه الرئيس بعد أن حل البرلمان السابق في 2021، وتولى سلطات واسعة في الدولة.
ويتهم منتقدو سعيد إياه بالسعي لتفكيك النظام الديمقراطي المعمول به في تونس منذ ثورة 2011، التي أشعلت فتيل احتجاجات الربيع العربي، ويصف المنتقدون ضعف الإقبال على التصويت في الجولة الأولى من الانتخابات البرلمانية في ديسمبر (كانون الأول) بأنه دليل على أن تغييرات سعيد لا تحظى بتأييد شعبي.
وتجمع بعض الرجال لشرب القهوة في مقهى، ولم يبد سوى واحد من بين سبعة في الأقل تحدثت معهم "رويترز" اهتماماً قليلاً بالانتخاب، وقال منجي العيوني "لا أدري ربما أذهب لاحقاً، لست متأكداً أنه سيتغير شيء".
وقال رجل آخر يدعى عماد "لا لن أقترع، الرئيس يقرر كل شيء لوحده ولا يهتم بنا، أنا أيضاً لا أهتم به ولا بانتخاباته".
يقول الرئيس إن إجراءاته قانونية وضرورية لإنقاذ تونس من كساد اقتصادي وأزمة سياسية استمرت سنوات، واتهم منتقديه بالخيانة، وحث على اتخاذ إجراءات ضدهم.
أزمة اقتصادية
زاد الشعور بالإحباط من السياسة في تونس بسبب الأزمة الاقتصادية الآخذة في التفاقم، التي أفضت إلى نقص في بعض الأغذية والأدوية، ودفعت بالحكومة إلى السعي لإنقاذ مالي دولي.
وخفضت وكالة "موديز" للتصنيفات الائتمانية تصنيف الدين التونسي، يوم الجمعة، قائلة إن البلاد ستتخلف على الأرجح عن سداد قروض سيادية.
وكان النظام السابق يقضي بأن تكون للبرلمان القيادة في اختيار الحكومات التي تضع سياسة الدولة وتدير شؤون البلاد اليومية، ولم يكن الرئيس مسؤولاً بشكل مباشر إلا عن الشؤون الخارجية والدفاع.
لكن قواعد سعيد الجديدة تجعل البرلمان خاضعاً للرئيس الذي يضطلع الآن بمسؤولية تشكيل الحكومة وإقالتها، وتحد القواعد أيضاً من دور الأحزاب السياسية، حيث يجري إدراج أسماء المرشحين للبرلمان بأسمائهم فحسب من دون الإشارة إلى انتمائهم الحزبي.
ومنذ جولة ديسمبر، زاد التلفزيون الرسمي من تركيزه على انتخابات اليوم، الأحد، بما في ذلك عبر مناظرات بين المرشحين، وقالت المعارضة إن هذا يأتي في إطار جهود الدولة لزيادة الإقبال على التصويت.
وتشمل جولة الإعادة 131 منطقة لم يفز أي مرشح فيها بأكثر من نصف الأصوات في الجولة الأولى من بين 161 منطقة انتخابية في المجمل، ويوجد مرشح واحد فقط في عدد من المناطق، وانتخبوا جميعاً لدخول البرلمان الجديد.
ويستمر التصويت من الساعة الثامنة صباحاً إلى السادسة مساء (من 0700 إلى 1700 بتوقيت غرينتش).
ودعي نحو 7,8 مليون ناخب تونسي إلى التصويت، اليوم الأحد، في الدورة الثانية من الانتخابات التشريعية لاختيار أعضاء برلمان محدود الصلاحيات، وتعد نسبة المشاركة المقياس الأساسي لنجاح الاستحقاق الذي تقاطعه المعارضة في ظل أزمة سياسية واقتصادية تعصف بالبلاد.
ويتنافس 262 مرشحاً على 131 مقعداً في البرلمان الجديد (من أصل 161)، خلال انتخابات تمثل المرحلة الأخيرة من خريطة طريق فرضها الرئيس التونسي قيس سعيد، وأبرز ملامحها إرساء نظام رئاسي معزز على شاكلة ما قبل الثورة التونسية.
صلاحيات محدودة
وانفرد سعيد بالسلطة في 25 يوليو (تموز) 2021 عبر تجميد أعمال البرلمان، وحله لاحقاً، وإقرار دستور جديد إثر استفتاء في الصيف الماضي أنهى النظام السياسي القائم منذ 2014.
وبرر الرئيس التونسي قراره آنذاك بتعطل عجلة الدولة على خلفية صراعات حادة بين الكتل السياسية في البرلمان.
وسيكون للمجلس النيابي الجديد عدد قليل جداً من الصلاحيات، إذ لا يمكنه على سبيل المثال عزل الرئيس، ولا مساءلته. ويتمتع الرئيس بالأولوية في اقتراح مشاريع القوانين. ولا يشترط الدستور الجديد أن تنال الحكومة التي يعينها الرئيس ثقة البرلمان.
وتتجه الأنظار أساساً في هذه الانتخابات إلى نسبة المشاركة بعد أن سجلت الدورة الأولى إخفاقاً تاماً مع نسبة إقبال ناهزت 11,2 في المئة فقط من الناخبين. وهي أضعف نسبة تصويت منذ بداية الانتقال الديمقراطي عام 2011 بعد انهيار نظام الرئيس الراحل زين العابدين بن علي.
ويقدر الخبراء أن تكون نسبة الامتناع عن التصويت مرتفعة، ويعبرون عن مخاوف من أن تنحرف البلاد عن مسار الانتقال الديمقراطي بعد أن كانت مهداً لتجربة فريدة في المنطقة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
مقاطعة الانتخابات
من جهتها، دعت الأحزاب السياسية المعارضة، وأبرزها حزب النهضة الإسلامي الذي كانت له أكبر الكتل في البرلمان منذ ثورة 2011، إلى مقاطعة الانتخابات، معتبراً ما يقوم به سعيد "انقلاباً".
وبدت الحملة الانتخابية باهتة، إذ وضع عدد محدود من اللافتات والمعلقات الانتخابية في الشوارع وعلى الطرق لتقديم مرشحين غالبيتهم غير معروفين لدى الرأي العام التونسي.
وفي محاولة للتعريف بهم في شكل أفضل، سعت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات إلى تنظيم مناظرات بينهم بثها التلفزيون الحكومي خلال ساعات ارتفاع نسب المشاهدة ليلاً.
ويرى الباحث في "مركز كولومبيا" يوسف الشريف أنه "بالنظر إلى عدم الاهتمام التام للتونسيين" بالحياة السياسة، فإن "هذا البرلمان لن يتمتع بشرعية كبيرة. وبفضل دستور 2022 سيتمكن الرئيس القوي من الهيمنة عليه كما يشاء".
انقسام المعارضة
أما المعارضة التي دعت الرئيس إلى الاستقالة بعد نسبة الامتناع الكبيرة عن التصويت خلال الجولة الأولى من الانتخابات، فلا تزال منقسمة بدورها إلى ثلاث كتل مختلفة التوجهات، هي "جبهة الخلاص الوطني" التي يتزعمها حزب النهضة، والحزب الدستوري الحر بقيادة عبير موسي التي تدافع عن خيارات نظام بن علي، والأحزاب اليسارية.
ودأبت أحزاب المعارضة على تنظيم تظاهرات للتنديد بقرارات سعيد منذ أن أقرها، ويلاحق القضاء عديداً من نشطائها.
ويترافق الغليان السياسي في تونس مع مأزق اقتصادي فاقمه تعثر المفاوضات الحاسمة مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض بنحو ملياري دولار.
ويبدو أن هناك عوامل عدة تؤدي إلى إبطاء الحصول على هذا القرض، أهمها، وفق الشريف، "دور الولايات المتحدة" الفاعل الأبرز في صندوق النقد الدولي، وخشيتها من انجراف تونس نحو الاستبداد.
وضع اقتصادي مأسوي
وفي هذا السياق أعلنت وكالة التصنيف الائتماني الأميركية "موديز"، أمس السبت، خفض تقييم ديون تونس طويلة الأجل درجة أخرى إلى "سي أ أ 2" مع نظرة مستقبلية "سلبية"، مشيرة إلى وجود "مخاطر أكبر" في ما يتعلق بقدرتها على سداد مستحقاتها.
ويرسم المتخصص السياسي حمادي الرديسي في تصريح لوكالة الصحافة الفرنسية صورة قاتمة عن حال تونس، قائلا إن "الوضع الاقتصادي مأسوي، والبلاد على وشك الانهيار".
ومن مظاهر الأزمة الاقتصادية تباطؤ النمو إلى أقل من ثلاثة في المئة، وارتفاع البطالة إلى أكثر من 15 في المئة، فيما تزداد مستويات الفقر الذي دفع 32 ألف تونسي إلى الهجرة بحراً نحو إيطاليا بشكل غير قانوني عام 2022.
ويرى مراقبون أن بصيص الأمل الوحيد لهذه الأزمة يتمثل في "مبادرة الإنقاذ" التي أطلقها "الاتحاد العام التونسي للشغل" و"الرابطة التونسية لحقوق الإنسان" و"الهيئة الوطنية للمحامين" و"المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية" من أجل تقديم مقترحات سيعرضونها على سعيد للخروج من الأزمة.