هل يحق لإيران أن ترتاح بعد قرار وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي عدم الأخذ بتوصية البرلمان الأوروبي إدراج حرس الثورة على لائحة المنظمات الإرهابية، وربط أي موقف للاتحاد بقرار قضائي يدين هذه القوة بانتهاك حقوق الإنسان والقيام بأعمال إرهابية؟
وهل يمكن اعتبار التهديدات الإيرانية بإمكان تصنيف الجيوش الأوروبية كمنظمات إرهابية، والتلويح بإمكان الانسحاب من معاهدة الحد من انتشار أسلحة الدمار الشامل سبباً في تراجع المسار التصعيدي الذي بدأ في الاتحاد الأوروبي، والاكتفاء بفرض سلسلة من العقوبات على الحرس ومسؤولين وقيادات ومؤسسات في النظام أو تابعة له؟
الأمن الجماعي
التحول الأساس والجوهري الذي أفرزه موقف البرلمان الأوروبي أنه كسر الخط الأحمر الذي يشكل حائط الصد الأول للنظام الإيراني، وأسقط الحرمة عن أحد "مقدساته الأمنية والسياسية والعسكرية" التي تشكل الذراع الضارب داخلياً وإقليمياً على المستويين السياسي والعسكري، باعتبارها درة الرؤية الاستراتيجية للنظام والحامل لمشروعه السياسي والعقائدي والأيديولوجي.
الخطر في موقف البرلمان الأوروبي الذي يعبر عن رغبة غير معلنة لدى المستوى السياسي والقيادات الأوروبية، أنه وعلى خلاف الإجراءات الأحادية التي لجأت إليها بعض الدول في تصنيف الحرس على لوائح المنظمات الإرهابية، كموقف الولايات المتحدة الأميركية، انطلق قرار تصنيف الحرس كمنظمة إرهابية من موقف جماعي وعلى خلفية تتعلق بالأمن الأوروبي نتيجة الدور والمشاركة بدعم الحرب الروسية على أوكرانيا، وهي أسباب ومعطيات ذات طابع جيوسياسي وجيواستراتيجي لأوروبا، تختلف في جوهرها عن الخلفية التي حكمت الموقف الأميركي الذي يرتبط بحال العداء المعلن بين واشنطن وطهران، إضافة إلى حجم التأثير السلبي الناتج من تمدد الحرس بما يمثله من ذراع للنظام في طهران على خريطة الشرق الأوسط تحديداً ومنطقة غرب آسيا عامة.
إذاً فالموقف التصعيدي لم يكن ترجمة لتوجه بعض أو جزء من هذه الدول، إنما تعبيراً عن موقف جماعي يتعلق بالأمن الجماعي للقارة الأوروبية والذي شكل العامل أو الدفاع لعواصم القرار فيها للخروج من منطقة الحياد في التعامل مع إيران إلى منطقة الانحياز إلى المصالح الخاصة والاستراتيجية التي تعني منظومة الاتحاد الأوروبي، وبالتالي فلن تعود مسألة الوساطة التي تقوم بها الـ "ترويكا" الأوروبية في تدوير زوايا أزمة المفاوضات النووية مع إيران، بالأهمية القصوى أمام ما يمكن أن يتعرض له أمنها ومستقبلها الجيوسياسي والجيواستراتيجي من تهديد نتيجة خرق إيران لخطوط التعامل وحدود التدخل في الشأن الداخلي الأوروبي كطرف في الحرب ضد أوكرانيا إلى جانب موسكو.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
نافذة الحوار الأخيرة
وعلى رغم هذه الحساسية العالية فإن المستوى السياسي في الاتحاد الأوروبي لم يسارع إلى سد الباب أو إقفاله، وفضل التمسك بالقناة الأخيرة الباقية للتواصل مع إيران من أجل تدوير الزوايا في إطار الجهود الدولية لاستمرار المفاوضات حول الأزمة النووية، والتوصل إلى اتفاق جديد إذا ما وجدت صعوبة في إحياء الاتفاق القديم، ومن هنا جاء الموقف الذي عبر عنه منسق العلاقات الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل الذي تولى مهمة التهدئة من رد الفعل الإيراني والتخفيف من الاندفاعة الأوروبية التي لو استمرت على طريق التصعيد لكانت ستؤدي إلى الإطاحة بالنافذة الأخيرة للحوار الضروري للمجتمع الدولي المتوجس من غياب الرقابة الدولية على الأنشطة النووية الإيرانية، وما يمكن أن تذهب إليه في حال حصول القطيعة النهائية بينه وبين إيران.
ما أعطاه بوريل لإيران بيد أخذه باليد الأخرى، فكلامه عن عدم تبني المستوى السياسي للاتحاد الأوروبي بتوصية، أو التصنيف الذي اعتمده برلمان هذه الدول حول الحرس الثوري، أخذه أو أعاد سحبه من يد إيران من خلال إشارته إلى ضرورة وجود قرار قضائي من إحدى الدول الأعضاء يدين هذه المنظمة أو المؤسسة، مما يسمح للاتحاد باعتماد هذا التصنيف.
الرسالة التي وجهها بوريل لقيادة النظام الإيراني هي أن الفرصة باتت ضيقة أمامه للتوصل إلى آليات جدية تسمح بإنهاء أزمة التفاوض حول الملف النووي، وأن التراجع الأوروبي عن خطوة التصنيف الإرهابي للحرس لن تبقى قائمة في حال الوصول إلى طريق مسدود، متعمّداً الكشف عن الآلية الممكنة أو التي ستعتمد لتحقيق هذا الهدف وقد تجد كثيراً من المسوغات القانونية لاتخاذ قرار قضائي يدين الحرس، بخاصة إذا ما ذهبت طهران بعيداً في الوقوف إلى جانب روسيا في حربها على أوكرانيا، والتي ستكون مدفوعة بغريزة البقاء الأوروبية التي تفضل التضحية بالمصالح البعيدة في مقابل الدفاع عن أساس وجودها وبقائها وأمنها الاستراتيجي الجماعي في مواجهة التهديد الروسي.
ومن الناحية الإيرانية يبدو أن طهران بقيادتها ونظامها قد التقطت أبعاد الرسالة الأوروبية وحجم التداعيات السلبية عليها وعلى مصالحها الاستراتيجية والجيو-اقتصادية من خلال الإصرار والتأكيد على تمسكها بالحوار لإعادة إحياء المفاوضات النووية، وقد برز ذلك في المواقف الصادرة عن وزير الخارجية حسين أمير عبداللهيان الذي أجرى حوارات مكثفة ودقيقة مع بوريل جعلته يقلل من تأثير العقوبات الأوروبية الأخيرة ضد بلاده، والكشف عن قنوات تواصل مع الإدارة الأميركية بوساطة أوروبية وغير أوروبية قد تنجح في تحقيق خرق وتساعد في التوصل إلى اتفاق مرحلي يمهد الطريق لاتفاق شامل وأوسع.