يحتوي أحدث عمل للمخرجة الأسطورية نورمان بيرسي، السلسلة المكونة من ثلاثة أجزاء، "بوتين في مواجهة الغرب" Putin vs the West على كل ما يمكن توقعه من صانعة الأفلام الوثائقية المخضرمة، إذ يقدم توليفة جميلة من كشف الحقائق والنوادر والتاريخ والدراما والتحليل الاستقصائي ورواية القصة.
ويتناول العمل بوتين وحرب أوكرانيا والأخطاء التي ارتكبها الغرب بأسلوب يجعل هذه المواضيع منطقية، إنه إنتاج رائع ومشاهدته ضرورية لفهم كيف وصلنا إلى ما نحن عليه اليوم.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في الواقع إنه عمل بديع جداً لدرجة أنكم ستجدون أنفسكم في موقف غير متوقع، مشدوهين وفي قمة التوتر وأنتم تستمعون إلى شهادات من مغفلين أشباه منسيين أمثال الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا أولوند، والرئيس السابق للمفوضية الأوروبية خوسيه مانويل باروزو، وكاثي أشتون التي شغلت موقتاً ولمرة واحدة منصب وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي، إلى جانب عدد من الحزبيين والمستشارين والسياسيين والسفراء السابقين الذين جربوا التعامل المؤلم مع فلاديمير بوتين على مر السنين.
وبفضل الكمية الضخمة من المشاهد الأرشيفية المتوافرة عن رحلات الوزراء المكوكية في قمم الاتحاد الأوروبي والمؤتمرات في بروكسل ومينسك، تمكن صناع البرنامج من إضفاء إحساس بالتشويق بينما يكشفون ما كان يجري في الكواليس. تتناول الحلقة الأولى الأحداث التي أفضت إلى الغزو الأول عام 2014 عندما استولى الروس على القرم ومنطقة دونباس الشرقية مع أقل قدر من المقاومة والعقوبات، وأقصى قدر من الفوضى والانقسام لدى الغرب.
تمكن الروس حينها من الوصول إلى النصر بالخداع والكذب، [فعلى سبيل المثال] عندما كان بوتين يحضر مؤتمراً مهماً حيث واجهه الأوكرانيون وبأدلة دامغة على قيامهم بأسر عشرات الجنود الروس على أراضيهم، مثل بطاقات الهوية والأوامر الرسمية، راح الرئيس الروسي يقدم سلسلة من الأعذار المثيرة للسخرية من قبيل أن الأوكرانيين يختلقون ذلك أو أن الجنود الروس كانوا "يقضون عطلة" أو "ضلوا طريقهم" عبر الحدود.
ووفقاً لشاهد عيان فإن ميركل قالت لبوتين في مناسبة أخرى ألا يكون بهذه السخافة، وذلك عندما أنكر قيام قوات روسية لا تحمل أية علامات تحدد هويتها بالتسلل إلى شرق أوكرانيا واحتلاله، ومع ذلك لم تغامر ميركل في الضغط على الروس كثيراً خوفاً من التصعيد وخسارة إمدادات الغاز.
كان الاتحاد الأوروبي منقسماً تماماً كما هو حال الـ "ناتو"، وفي جزء آخر من الوثائقي نرى باراك أوباما وهو يصف روسيا عن عمد "بالقوة الإقليمية" مما أثار استياء بوتين بشكل خاص وعزز مواقفه.
تحدث أوباما بحزم عن العقوبات، لكن وكما هو الحال بالنسبة إلى ألمانيا لم يكن الأميركيون ليرسلوا مساعدات عسكرية ويخاطروا باندلاع حرب ببساطة، وهذه معلومات نعرفها من خلال مستشاري أوباما المقربين في ذلك الوقت، إذ رفض كل من أوباما وميركل إجراء مقابلات مع الوثائقي، وهذا أمر مفهوم لأنه يظهرهما بصورة سيئة للغاية.
خدعهم بوتين، و"الإنكار والكذب" كانا ولا يزالان النهج الذي تعتمده روسيا، ويبدو أن القائد الغربي الوحيد الذي كان قادراً على التعامل مع هذا النهج هو بوريس جونسون. وللمفارقة يحسب له أنه لم يأخذ على محمل الجد مزاح بوتين حينما هدد باستهدافه بصاروخ كروز.
في معظم الأحيان تم تصوير كاميرون وأولوند وباروزو وبقية المتحدثين الرئيسين السذج أمام رفوف جميلة مليئة بالكتب أو داخل ما يبدو قصوراً فارهة الأثاث في تناقض صارخ مع صور المدارس الأوكرانية المقصوفة والدبابات الزاحفة على طرقات القرم، مما جعل هؤلاء المسؤولين يبدون أكثر انفصالاً عن الواقع الدموي الذي تسببوا في حدوثه.
لكنهم على الأقل يظهرون شعوراً بالخجل تجاه طريقة التلاعب بهم، ونوعاً ما يبدو أنهم صدقوا فقط ما كان ممكناً من الناحية السياسية، ولم يأخذوا كلام بوتين على محمل الجد عندما تمادى مرة وقال إنه يريد استعادة السيطرة على أوكرانيا. يتحدث باروزو مثلاً عن مدى دهشته لما كان يستمع إلى بوتين وهو يقول إن أوكرانيا صنيعة المخابرات المركزية الأميركية والمفوضية الأوروبية، ويعترف أن الانقسامات الأوروبية شجعت بوتين على الضغط أكثر فأكثر.
كاد أولوند أن يقدم اعتذاره تقريباً إذ قال "لا تزال أوروبا تواجه هذا التهديد لوحدتها، وعندما لا نعاقب بقوة كافية في البداية فإننا مرغمون على المعاقبة بشكل أقسى لاحقاً، وهذا ما يحدث اليوم".
لا خلاف على ذلك ولا يسعنا إلا الأمل بألا نكون قد وصلنا متأخرين، وألا تكون السلسلة الوثائقية المقبلة لـ نورما بيرسي بعنوان "كيف هزم بوتين الغرب"!
© The Independent