جوهر المقابلة التي خصنا بها رئيس الجامعة اللبنانية الوطنية بسام بدران، الكشف عن قائمة مطالب أرسلت إلى الحكومة، وتعتمد على تأمين مبالغ مالية بالدولار لمساعدة الأستاذ والموظف بالوصول إلى عمله كبقية القطاعات، وإصدار عقود المدربين والمتعاقدين لتقاضي البدلات شهرياً، وتأمين مبالغ لصيانة المجمعات والمباني الجامعية، وإدخال الأساتذة المتفرغين المتقاعدين إلى ملاك الجامعة لتأمين الاستقرار الوظيفي والحق بالاستشفاء والطبابة، وصرف الأجور وفق منصة صيرفة.
انطلق المتخصص بمشكلات الجهاز المناعي والسرطاني من تشخيص مشكلة الجامعة اللبنانية، باعتبارها مشكلة مركبة، تتألف من مجموعة مشكلات مترابطة، إن لناحية الكادر التعليمي والموظفين، أو مشكلة الأبنية والصيانة، وسوء التخطيط، فضلاً عن سوء الخدمات والكلفة العالية للوقود، وانعكاس الوضع العام والانهيار المالي في لبنان على التعليم الرسمي، بالتالي جعل مصير ما يزيد على 60 ألف طالب ويصلون أحياناً إلى 80 ألف عرضة للخطر، إضافة إلى 1700 أستاذ ملاك ومتفرغ، 3000 آلاف متعاقد، و2000 موظف ومدرب يسيِرون عمل الجامعة.
يوجد إذاً "خطر وجودي يتهدد الجامعة اللبنانية بسبب انهيار الليرة"، و"على الدولة أن تقرر هل تريد الحفاظ على الجامعة الوطنية أم لا؟". وعلى رغم ذلك يعبر بدران عن فخره بتصنيف الجامعة اللبنانية ضمن الأفضل على المستوى الدولي والعربي، فقد احتلت أخيراً ضمن QS Ranking في المرتبة 13 على 199 جامعة عربية، وحلت الثانية على مستوى لبنان متجاوزة الجامعات الخاصة باستثناء الجامعة الأميركية، كما تتمتع بالمرتبة الأولى للسمعة المهنية لخريجيها في لبنان، من هنا، يفترض التحرك السريع للحفاظ عليها، كمدخل للحفاظ على المستوى التعليمي في لبنان.
الموازنة تتآكل بسبب الدولار
ينطلق د. بسام بدران في حديثه من أثر ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الليرة اللبنانية على ميزانية الجامعة اللبنانية، فالموازنة هي بالليرة اللبنانية، بالتالي فإن أي ارتفاع في صرف الدولار سيؤدي إلى تقليصها، ومن ثم عدم القدرة على تأمين الاحتياجات الأساسية لتشغيل المنشآت التعليمية والمختبرات لأن جميع السلع باتت تسعر بالدولار" الفريش" في لبنان، ومن هنا تعاني الجامعة تأمين أبسط المقومات من الحبر أو الأوراق والأقلام والمحروقات، لافتاً إلى "تردد الموردين كافة من المشاركة بالمناقصات خوفاً من الفروق في الأسعار والخسائر".
يقارن بدران حجم ميزانية الجامعة اللبنانية بين حقبتين، ففي عام 2018 كانت تبلغ 250 مليون دولار، وكانت الجامعة تعاني من مشكلات كثيرة، أما اليوم باتت تساوي 14 مليون دولار تقريباً، وهو مبلغ ضئيل لا يكفي لتأمين نفقات تشغيلية، موضحاً أن "80 في المئة من الموازنة لتأمين الرواتب والأجور، وفقط 20 في المئة لتشغيل الجامعة وتطوير مرافقها، ولصيانة المباني ودفع الإيجارات وغيرها من الأنشطة كتأمين تجهيزات المختبرات والامتحانات".
الكادر البشري والغبن
يشعر الكادر البشري في الجامعة اللبنانية بالغبن، سواء الأساتذة أو الموظفون والمدربون، بسبب فقد الأجور قدرتها الشرائية، ويتأسف بدران لما آلت إليه الأوضاع، فمن كان يتقاضى 4000 دولار تراجع راتبه إلى 200 دولار، وهو فرق هائل، مشدداً على أن الانهيار قضى على سلسلة رتب ورواتب الجامعة اللبنانية التي أقرت في 2011، بالتالي لم تعد قادرة على تأمين الحاجات الأساسية، فعلى سبيل المثال يبلغ بدل فاتورة مولد الكهرباء 150 دولاراً في حده الأدنى.
ويطالب بدران باعتماد المشاهرة مع المتعاقدين لأنهم يتقاضون بدلاتهم سنوياً، متحدثاً عن محاولة لتحسين أوضاعهم من خلال مضاعفة أجر الساعة من خلال ضربها بثلاثة، ولكنه أمر لا يزيل الغبن عنهم، فالمعيد يتقاضى 200 ألف، أما الأستاذ المساعد 250 ألفاً، و300 ألف للأستاذ أي ما يوازي خمسة دولارات عند سعر الصرف الحالي، وهو ما دفع حوالى 30 في المئة من المتعاقدين إلى التخلي عن عقودهم، وانسحب الأمر على المتفرغين، ولجأ كثير منهم إلى تقديم استيداع أو إجازة دون راتب من أجل السفر، ويكشف أن "رئاسة الجامعة وحرصاً على الكفاءات، سمحت بتجميد العقود لمدة سنة، من أجل المحافظة على المتعاقدين وفتح باب العودة أمامهم".
رداً على سؤال لجوء الأستاذ اللبناني للتعليم في جامعات خاصة، يرد بدران "القانون لا يسمح، ولكن الظرف يسمح، ولا يمكن التضييق عليهم في ظل الوضع الاقتصادي لأنه لا خيار إلا الوقوف إلى جانبهم، حيث فتح باب تنظيمه للحفاظ على كرامة الأستاذ من خلال طلب رئيس الجامعة الخاصة إلى رئاسة الجامعة اللبنانية من أجل التعاون العلمي والبحثي".
التعليم عن بعد مرفوض
مع ارتفاع كلفة النقليات وعدم تأمين مقومات التعليم الحضوري عادت المطالبة لدى شريحة من الموارد التعليمية للعودة إلى التعليم "أونلاين"، ولا يلقى المطلب حماسة لدى رئاسة الجامعة اللبنانية، ويؤكد بدران على الاستمرار في التعليم الحضوري حصراً لأن التعليم عن بعد أثبت فشله، فهو لا يتمتع بالإطار التشريعي، كما أن العوائد التعليمية كانت سيئة، ناهيك عن عدم توافر البنى التحتية الداعمة للتعليم عن بعد في لبنان، و"لا يمكن للجامعة اللبنانية العودة إلى التعليم عن بعد فيما كل القطاع التربوي الرسمي والخاص عاد إلى التعليم الحضوري، وهو أمر سيضرب سمعة الجامعة اللبنانية ومستواها"، كذلك لا يمكن الدمج بين الحضور والتعليم عن بعد، لأن الطلاب الفقراء ومتوسطي الحال لا تتوافر لهم غرف خاصة، وحاسوب شخصي، وكهرباء مستقرة، أو إنترنت في آن واحد في مختلف المناطق اللبنانية.
رئيس الجامعة اللبنانية يطالب بتحسين أوضاع الكادر الإداري والمدربين، وإصدار عقود المدربين البالغ عددهم 1700 لقبضها مشاهرة، ولا بد من مبلغ بالدولار من أجل تأمين نقلياتهم، وتضمنت اللائحة التي تقدمت بها إلى الحكومة بنداً خاصاً بهم، "ما نطالب به ليس من أجل البذخ وإنما هو أقل من الحد الأدنى، فقط من أجل الوصول للقيام بوظيفتهم في خدمة الجامعة".
مباني الجامعة من دون حراسة
تعد أوضاع المباني إحدى المشكلات المتفاقمة في الجامعة اللبنانية سواء أكانت ملكاً عاماً أو مستأجرة، وينفي بدران ما يردده طلاب الجامعة اللبنانية عن الدراسة على ضوء الهاتف في بعض الكليات، ويقر بوجود مشكلة في الصيانة والتشغيل، ففي "مجمع المون ميشال" البالغة كلفته 90 مليون دولار، لا يوجد في الميزانية أي اعتماد للصيانة أو التشغيل، و"مجمع الرئيس رفيق الحريري الجامعي" في الحدث، كان مجلس الإنماء والإعمار يديره، ويجري مناقصات تشغيله، واستمر طوال عقدين من الزمن، ولكن أخيراً تخلى عنه وبدأ بمطالبة الجامعة بالاعتناء به لأنه لم يعد هناك من يشارك في المناقصات".
ويضيف "أنا مطالب بالقيام بعمليات الصيانة للمباني كافة بـمليوني أو ثلاثة ملايين دولار، فيما كان يرصد 18 مليون دولار لمجمع الحدث وحده لمدة ثلاث سنوات"، مؤكداً أن "المباني باتت تفتقر إلى عمال النظافة والحراسة بسبب عدم وجود الأموال الكافية للتعاقد مع شركات الـ"سيكيوريتي"، كما لا توجد الكهرباء المستقرة لتشغيل الكاميرات"، مقدراً حاجة الجامعة إلى 15 مليون دولار لتأمين الاستمرار.
يتطرق بدران إلى انتقال بعض الكليات إلى الطاقة الشمسية، كما قامت وزارة التربية بحجز مليوني دولار من خلال البنك الدولي، لتأمين تركيب نظام الطاقة الشمسية في مجمعات الشمال، والحدث، والإدارة المركزية، وقد قامت بتأمين كمية من المازوت تكفي لأشهر عدة لإضاءة 77 مبنى تابع للجامعة اللبنانية.
المباني المستأجرة والوضع السيئ
إلى جانب المشكلات السابقة، تعاني الجامعة اللبنانية من الحال السيئة للأبنية المستأجرة، ويضع بدران "الاستئجار" ضمن الأخطاء الكبيرة التي كانت تعتمد في السابق، مشيراً إلى أن القانون يلزم المالك الترميم، لأنه استفاد طوال عقود، أما في ما يتعلق بمبنى كلية الحقوق في طرابلس، فهو مبنى مملوك لنقابة المهندسين، وكان إيجاره 370 مليون ليرة، وقد تم الانتقال إليه بعد ارتفاع أعداد الطلاب في كليتي الآداب والحقوق، نافياً وجود أي خطر هندسي على المبنى وهو ما تم تأكيده بعد مسح الخبراء، وما يجري من ضغط إما لزيادة الأجرة أو استرداده من المالك، وصولاً إلى المطالبة بـسبعة مليارات ليرة لبنانية سنوياً، ويجزم أن البدائل التي عرضت على الجامعة سواء أكانت العودة إلى الآداب أو قاعات معرض رشيد كرامي الدولي غير مهيأة للتعليم.
يتمسك بدران بضرورة الحفاظ على المفهوم الجامع للمؤسسة التربوية ودورها في توسيع آفاق المتعلمين، وفكرهم، ونظرتهم إلى الآخر، مؤكداً أن الصحيح "كان المطلوب تأمين سكن جامعي"، و"تكرار تجربة كلية الطب التي تجمع الطلاب من المناطق كافة".
مستقبل الجامعة إلى أين؟
شهد العامان الماضيان نزوحاً نحو الجامعات الخاصة، يجزم بدران أننا أمام ظاهرة موقتة، فمن جهة قصد الطلاب الجامعات الخاصة بسبب الإضراب في اللبنانية، ومن أجل البحث عما هو أسهل دراسياً، فبعضهم يريد أن يتخرج بالحد الأدنى من الجهد، كما أن هناك تسرباً من الجامعة نحو سوق العمل أو الهجرة، منبهاً إلى أن "الجامعات الخاصة عادت لتطالب بالدولار الـ"فريش" في المراحل كافة، وقد يجد الطالب نفسه في منتصف الطريق بحاجة إلى من يحتضنه".
كما يتطرق إلى مواكبة الجامعة اللبنانية لتخصصات المستقبل والثورة الرقمية، فالجامعة اللبنانية هي أول من بدأ بتخصصات البيانات الضخمة BIG DATA، والأمن السيبراني CYBER SECURITY، والطاقة البديلة، وقد حققت إنجازات كبيرة في مجالات المعلوماتية والهندسة.
أما في ما يتعلق بالمبالغ التي تطالب بها الجامعة اللبنانية من فحوص كورونا للمسافرين في مطار رفيق الحريري الدولي، يوضح بدران أن النيابة العامة المالية تحركت، وطالب القاضي علي إبراهيم من شركة "LAT" وربما لاحقاً من "MEAG" بمطابقة الأرقام مع بيانات الجامعة اللبنانية لإعادة حصة الجامعة اللبنانية من العائدات بالـ"فريش" دولار، مؤكداً في حال تخلفت الشركات عن السداد ستدعي عليها رئاسة الجامعة اللبنانية أمام القضاء لأن "كل دولار ضروري للحفاظ على الجامعة اللبنانية".