فيما يعتزم المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر للشؤون السياسية والأمنية (الكابينيت) إجراء مداولات قريبة حول توقف تل أبيب عن الاعتراف بشهادات الجامعات الفلسطينية، يتخوف الطالب الجامعي محمد غيث (23 سنة) من ضياع حلمه بالتخرج وهو على بعد أسابيع فقط من الحصول على شهادة طب الأسنان من الجامعة العربية الأميركية في جنين (شمال الضفة الغربية).
وبحسب ما ذكرت الإذاعة العامة الإسرائيلية "كان" قبل أيام، ادعى وزير الزراعة آفي ديختر الذي بادر إلى المقترح بأن الطلاب العرب من داخل إسرائيل في الجامعات الفلسطينية يدرسون "مواد ورسائل معادية لإسرائيل وحتى تشجيع الإرهاب التي يعودون معها إلى تل أبيب وينقلونها إلى طلابهم".
وشدد ديختر الذي شغل سابقاً منصب رئيس جهاز الأمن العام (شاباك) على أن قراراً كهذا من شأنه "إضعاف العلاقة بين الفلسطينيين في الضفة الغربية والمواطنين العرب في إسرائيل".
في حين زعمت رئيسة لجنة التربية والتعليم السابقة شارين هاسكل من حزب "الليكود" أن أكثر من 20 في المئة من المعلمين بالمدارس العربية في إسرائيل تخرجوا في جامعات فلسطينية "بعدما امتصوا مضامين تصور إسرائيل كعدو".
أزمة نفسية
تقول نورا فرج وهي طالبة طب في السنة الخامسة بجامعة النجاح الوطنية إنه "لأمر محزن أن تذهب سنوات السهر والتعب والدراسة التي حلمنا بها هباء منثوراً بسبب أهواء ومعتقدات سياسيين إسرائيليين وتهديداتهم المخيفة بين الحين والآخر، يحاولون فيها ترهيبنا ومنعنا من التوجه إلى الدراسة داخل الجامعات الفلسطينية التي شعرنا فيها بالانتماء للغة العربية والتقاليد الفلسطينية التي نحرم بالتأكيد من ممارستها أو حتى إظهارها داخل الجامعات الإسرائيلية التي لطالما شعرنا فيها بالاغتراب والتمييز".
وشكلت التهديدات أزمة نفسية لنورا، كما تقول لـ"اندبندنت عربية" ويشاركها المعاناة ذاتها الطالب عمر يونس وهو طالب طب الأسنان في السنة الثالثة ويقول "الجامعات الإسرائيلية لا تقبل إلا أعداداً محددة من الطلبة العرب في بعض التخصصات، تحديداً الطبية، ومن يحالفه الحظ يواجه شروط قبول صعبة وصارمة في بعض الأقسام الأخرى التي تشكل عائقاً أمام الطلاب العرب مثل امتحان قبول ’البسيخومتري‘ الذي نعتبره تمييزاً واضحاً من ناحية الفرص المتاحة أمام العرب مقابل اليهود لأنه باللغة الإنجليزية التي تعتبر لغة ثالثة بالنسبة إلى الطلبة العرب".
ويضيف يونس "طالب واحد فقط من كل ست طلاب عرب هو من ينجح في هذا الامتحان الصعب الذي يفحص التفكير الكمي والتفكير الكلامي، إلى جانب أمور عدة غير متعلقة بشكل مباشر بالذكاء العام مثل اللغة الإنجليزية أو قدرات الكتابة والتعبير الإنشائي وغيرها".
تعزيز الهوية
ووفقاً لدراسة أعدها "معهد القدس للاستراتيجية والأمن"، هناك شعبية كبيرة حظيت بها الجامعات الفلسطينية عند الطلاب العرب بسبب تركيزها على مجالات الصحة والدراسات الطبية وطب الأسنان والصيدلة والتمريض والعلاج الطبيعي والتكنولوجيا الحيوية، وعرضها لشروط قبول أكثر ملاءمة من الجامعات الإسرائيلية، إلى جانب أن الدراسة فيها باللغتين العربية أو الإنجليزية، وهو مصدر ارتياح كبير لهم، إذ إنهم لطالما رفضوا التعلم باللغة العبرية، إضافة إلى عوامل أخرى تتعلق بالتقارب الاجتماعي والثقافي والرغبة في الحفاظ على الحياة التقليدية، خصوصاً لدى الفتيات.
من جهته أوضح رئيس الجامعة العربية الأميركية علي أبو زهري في تصريح خاص أن الجامعة تنفذ "عدداً كبيراً من النشاطات والفعاليات الوطنية التي تعزز الهوية الفلسطينية في كل المناسبات، والطلبة العرب يشعرون بقومتيهم العربية الفلسطينية بشكل تام بسبب انتظامهم في الحياة الجامعية ومشاركتهم في تلك الأنشطة والفعاليات كبقية الطلبة من أبناء الضفة الغربية".
آثار سلبية
خلال الأعوام الأخيرة، توجست المستويات الإسرائيلية بشكل متكرر من أن النمو الهائل في أعداد المتجهين إلى الدراسة بالجامعات الفلسطينية والعربية له آثار سلبية طويلة المدى على الاقتصاد والأمن القومي لإسرائيل.
ويوجد قرابة 15 ألفاً من الطلبة العرب، غالبيتهم يدرسون التخصصات الطبية داخل جامعات الضفة الغربية بنسبة بلغت 22 في المئة من جميع الطلاب الفلسطينيين في الجامعات الإسرائيلية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أكثر من نصف هؤلاء الطلاب يدرسون في الجامعة العربية الأميركية بمدينة جنين لقربها من الحدود مع إسرائيل، فيما يتوزع بقية الطلبة على جامعات أخرى في الضفة ويعود معظمهم لاحقاً للعمل في إسرائيل.
الكاتب الإسرائيلي عكيفا بيغمان قال لصحيفة "إسرائيل اليوم"، "كثير من هؤلاء الطلاب يتعرضون لدراسات سياسية عن الحياة الإسرائيلية، وأحياناً معادية لها، وفي النهاية يجتازون اختبارات ترخيص صارمة عند العودة لإسرائيل، وهنا يتولد لديهم شعور عميق بالظلم لأن نظام التعليم العالي، خصوصاً في المهن الطبية، يمثل عنق الزجاجة مع أنه على وجه التحديد بات واحداً من أكثر التخصصات المطلوبة لهم داخل إسرائيل".
من جهته اعتبر الضابط السابق في الجيش الإسرائيلي آفي شاليف أن "تزايد عمليات الشباب من فلسطينيي الداخل ربما يكون في بعض أسبابه مرتبطاً بظاهرة تزايد أعداد الطلبة العرب الإسرائيليين في الجامعات الفلسطينية، لا سيما طلاب النقب الدارسين في جامعة الخليل جنوب الضفة الغربية".
"نوميروس كلاوزوس"
أشارت مؤسسات حقوقية وتربوية عدة تعنى بشؤون الأقليات العربية داخل إسرائيل إلى أن "تقييدات السن التي يواجهها الطلاب العرب عند الالتحاق بالجامعات الإسرائيلية لدراسة بعض المجالات (كالطب والخدمة الاجتماعية والطب المساند) دفعت نسبة عالية منهم إلى الالتحاق بالجامعات خارج إسرائيل ابتغاء مواصلة الدراسة العالية، وأيضاً بسبب عدم قبولهم في الجامعات الإسرائيلية في الاختصاصات التي اختاروها".
وكشفت صحيفة "ذا ماركر" الاقتصادية الإسرائيلية قبل أيام قليلة عن أن الاتفاقات الائتلافية التي وقعها حزب "الليكود" مع حزب "القوة اليهودية" بزعامة إيتمار بن غفير وحزب "يهدوت هتوراه"، تقوم على ترسيخ نظام "الكوتا" في الجامعات الإسرائيلية، بحيث يتم تفضيل الطلاب اليهود على العرب في كليات مثل الطب والصيدلة والهندسة.
ستبدأ الحكومة الإسرائيلية، بحسب الصحيفة، تطبيق نظام "نوميروس كلاوزوس" (تعني باللاتينية عدداً محصوراً) الأوروبي بهدف تفضيل المرشحين اليهود على المرشحين العرب للدراسة في الجامعات الإسرائيلية بتلك التخصصات التي تشهد إقبالاً متزايداً عند الطلبة العرب.
كما ستعمل الحكومة الإسرائيلية على تعزيز التمييز لمصلحة الجنود المسرحين من الجيش بعد تأديتهم الخدمة العسكرية الإلزامية في كليات الطب والقانون وعلوم الحاسوب والحسابات والهندسة في الجامعات والكليات.
وتقول الصحيفة إنه في كليات الطب الإسرائيلية "ثمة تمثيل عربي أكثر من اللازم من وجهة نظر حزب القوة اليهودية على نحو يفسد نقاء العرق اليهودي بين الأطباء والصيادلة"، لذلك طالب إيتمار بن غفير عبر الاتفاق الائتلافي مع "الليكود" بتصحيح ذلك.
ووفقاً لـ"المعهد الإسرائيلي للديمقراطية"، ارتفعت نسبة الطلاب العرب الذين يدرسون الطب من 8.2 في المئة إلى أكثر من 12 في المئة، كما قفزت نسبتهم في المهن الطبية المساندة من 10.8 في المئة إلى 26.7 في المئة.
الصحافية الاقتصادية الإسرائيلية ميراف أرلزوروف أشارت إلى أن نظام "نوميروس كلاوزوس" الذي طبق في الماضي على اليهود بالجامعات الأوروبية والولايات المتحدة، لم يعد قائماً تقريباً إلا في إسرائيل.
وأضافت "القصد هنا ليس عن قبول اليهود للتعلم، إنما عن عدد المقاعد المخصصة أكاديمياً للعرب في تخصصات هي الأكثر رواجاً في صفوفهم وإقبالاً من جانبهم، لا سيما عند الطبقة الوسطى العربية التي كسرت حواجز الفقر والإقصاء الاجتماعي".
وأوضحت "من الآن فصاعداً ستنخفض فرصة قبول المرشح العربي في كلية الطب، فالمرشح اليهودي سيكون متفوقاً عليه، أي أن هذا قيد على قبول الطلاب العرب للدراسات الطبية، وهذه طريقة متطورة لتطبيق طريقة ’نوميروس كلاوزوس‘ على المواطنين العرب".
ارتفاع مستمر
حتى أعوام التسعينيات، كانت نسبة الطلاب الفلسطينيين في الجامعات الإسرائيلية متدنية جداً، وبدأ يزداد عددهم فقط عندما بدأت تل أبيب تطور نظام التعليم العالي وتشيد جامعات وكليات جديدة وتدمج داخلها سكان الأحياء المهمشة والأطراف المهملة، بمن في ذلك الفلسطينيون.
وأظهرت دراسة لمجلس التعليم العالي الإسرائيلي أن عدد الطلاب العرب في الجامعات الإسرائيلية ارتفع بنسبة 78.5 في المئة خلال الأعوام السبعة الأخيرة، والتحق في السنة التعليمية الجديدة لعام 2022/23 ما يزيد على 60 ألف طالب عربي من أصل 342 ألف طالب وطالبة جامعية، مما يعني بحسب مراقبين أن نسبة الطلاب الفلسطينيين داخل الجامعات الإسرائيلية تضاعفت خلال 10 سنوات وباتوا يشكلون جماعة لا يمكن الاستهانة بحجمها.
وبحسب معطيات رسمية لوزارة الصحة ودائرة الإحصاء المركزية الإسرائيلية، 17 في المئة من الأطباء بإسرائيل هم من العرب و24 في المئة من الممرضات والممرضين و47 في المئة من الصيادلة و33 في المئة من العاملين بالنظافة والصيانة في المستشفيات والعيادات الطبية هم من العرب.
كما أن هناك مديرين اثنين عربيين لمستشفيين حكوميين يهوديين في صفد ونهاريا داخل إسرائيل ونحو 30 مديراً عربياً لدوائر أساسية في المستشفيات اليهودية وعشرات الباحثين في الشؤون الطبية من العرب في معاهد الأبحاث بالجامعات بينهم عدد من كبار المخترعين.
يذكر أن وزارة الهجرة والاستيعاب الإسرائيلية تقدمت عام 2021 بطلب مستعجل لاستقدام 3 آلاف طبيب يهودي من جميع أنحاء العالم وذلك للجم الارتفاع المتواصل في نسبة الأطباء العرب بالجهاز الصحي الإسرائيلي.