ملخص
#المقاهي_والحانات في #المدن_العربية ليست لروادها فقط، هي لكل مكن يحيط بها من سكان... تمنح الزبائن طلباتهم، وتضخ في أذان المقيمين ضجيجها المؤذي
مما لا شك فيه أن الملاهي الليلة والمطاعم والمقاهي تنشط الحركةالسياحية بالدرجة الأولى وتعزز نشاط القطاع وتعطي مردوداً مالياً لعائلات كثيرة، لكن ما يرافقها من ضوضاء وضجيج وموسيقى صاخبة، خصوصاً تلك القريبة من أحياء و مناطق سكنية، تكسر أحياناً حاجز الهدوء التي يحاول المرء التمتع به بعد يوم عمل طويل وشاق.
الأردن... ورش وملاه ليلية تقلق راحة المواطنين
تعد عمان واحدة من العواصم العربية التي لا تحظى بكثير من التخطيط والتنظيم الذي يراعي خصوصية وضوابط الأحياء السكنية، فيختلط فيها التجاري والسكني على نحو ينتج تشوهات عمرانية ويسهم في إحداث صخب وإزعاج على مدار اليوم. فما إن تستيقظ عمان والمدن الأردنية، حتى تتعالى أصوات الضجيج وتنتشر الضوضاء في كل مكان، بسبب هذا التداخل غير المدروس.
قوانين قاصرة
قانونياً تنظم الحكومة الأردنية عمل المحلات التجارية وأماكن وجودها، لكن ذلك لم يمنع الانتشار العشوائي لقائمة طويلة من النوادي والملاهي الليلية ومراكز الترفيه والمطاعم والمقاهي بين الأحياء السكنية وعلى جوانبها ومداخلها.
يتم وفق القوانين تحديد ساعات عمل هذه المحلات والمرافق، إلا أن كثيراً منها لا يلتزم بذلك خصوصاً الملاهي الليلية التي تبقى مصدراً للإزعاج والصخب حتى ساعات الفجر على رغم وجود عقوبات مالية.
وتتزاحم القوانين التي تعنى بهذه الظاهرة، من قانون السير الأردني، وقانون حماية البيئة، وتعليمات الحد والوقاية من الضجيج، وتعليمات صالات الأفراح، وتعليمات تنظيم شركات الألعاب النارية، لكنها غير مفعلة، ولا تسهم بمنع كل مظاهر الضوضاء المنتشرة في الأردن والآخذة بالتزايد يوماً بعد آخر.
وعلى رغم الشكوى المستمرة لا يبدو أن ثمة استجابة من قبل السلطات التي تتهم دوماً من قبل المواطنين بأنها تسعى فقط للحصول على عوائد مالية سنوية وتراخيص تعود على خزينتها بملايين الدولارات، من دون أي اعتبار لما تشكله هذه المعضلة من قلق دائم.
ويشكو المواطنون الأردنيون خصوصاً في العاصمة، من عدم لمس أثر الضرائب المرتفعة التي يدفعونها سنوياً على جودة الحياة لديهم، ومن بينها توفير الراحة والأمان في الأحياء السكنية التي يقطنونها بعيداً من الصخب والفوضى.
ملاه بين الأحياء
في كثير من أحياء عمان الغربية تنتشر عديد من الملاهي الليلية على بعد أمتار من المنازل السكنية، فيما تتوسط فنادق أحياء مكتظة في مثال حي على غياب التخطيط السليم.
ويشكو مواطنون مراراً من الصخب الذي تشكله الملاهي الليلية والأسواق وحتى "المولات" التي يستمر ضجيجها حتى ساعات الصباح الباكر، لتحرم القاطنين قربها من أبسط حقوقهم.
بينما يقول آخرون، إن أصحاب هذه المحلات والملاهي غالباً ما يلجأون إلى أشخاص نافذين على علاقة بهم، لإبطال أو تأخير أي أمر قضائي في شأن مخالفاتهم.
ويطرح مراقبون حلولاً من قبيل توفير مواقف سيارات خاصة بهذه المرافق، وعدم ترخيصها إلا بشروط من بينها ابتعادها عن الأحياء السكنية، فضلاً عن منع استعمال المكبرات الصوتية بعد الساعة الـ10 مساء، ووقف أي ممارسات غير أخلاقية في الشارع العام.
أما في الأحياء الفقيرة بالعاصمة عمان والمدن الأخرى، فتنتشر ظاهرة بائعي الخضراوات المتجولين بين الأحياء السكنية، على رغم ما يسببه ذلك من إزعاج لسكان وإقلاق لراحتهم.
وعلى المنوال نفسه، تتجول عربات الخردة وبيع أسطوانات الغاز مع استخدام مكبرات الصوت طوال اليوم، لتضيف معاناة جديدة وازدحامات مرورية من دون أي ضوابط، بعد أن تحولت مناطق سكنية بأكملها إلى أسواق متنقلة للخضار.
ضوضاء في كل مكان
تصنف الضوضاء على أنها إحدى المشكلات البيئية للمجتمع المعاصر التي تتسبب فيها الأنشطة الصناعية، ووسائل النقل، والمرافق العامة، بالنظر إلى تأثيرها الكبير والضار على حياة الإنسان النفسية والعصبية.
وما بين ضوضاء المركبات والإنشاءات والمباني والأنشطة التجارية والبشرية كالاحتفالات، تدعو جهات معنية عدة إلى نشر الوعي عن طريق وسائل الإعلام المختلفة، حول تأثير الضوضاء إضافة إلى إدخال البعد البيئي في المناهج المدرسية، وضرورة إبعاد المدارس والمستشفيات والأماكن السكنية عن مصادر الضوضاء، وتطبيق التشريعات اللازمة.
ووفقاً لمراقبين، تطل أغلب المنازل في العاصمة عمان على الشوارع الرئيسة وتقترب منها، ما يجعل قاطنيها يعانون الضوضاء.
وتشير دراسة أجرتها الجامعة الأردنية إلى أن مدينتي الزرقاء وإربد أكثر معاناة مع الضوضاء من العاصمة عمان خصوصاً مع خلو أغلب المنازل من العزل.
مهن حرفية بين المنازل
على جانب آخر، ثمة شكاوى من انتشار الورش والمهن الحرفية في العمارات السكنية وبين الأحياء، وما يشكله ذلك من خطورة على حياة القاطنين فيها بسبب استخدام مواد كيماوية خطرة أو قابلة للاشتعال.
ويعاني مواطنون يسكنون في أحد الأحياء بمدينة الزرقاء من هذه الورش التي تباشر عملها في ساعات مبكرة جداً حتى في أيام العطل الرسمية.
وإلى جانب انتشار الورش الحرفية والمعامل والمطاعم والحانات القريبة من الأماكن السكنية، يرصد أحد المراكز المعنية بحقوق الإنسان 17 مظهراً من مظاهر الضجيج والتلوث البيئي المنتشرة في عمان، كظاهرة "تشفيط" السيارات وأصوات العوادم المرتفعة والباعة المتجولين واستخدامهم لمكبرات الصوت، والتجمعات الشبابية بين الأحياء السكنية، والبسطات، والدراجات النارية، وأعمال وورش البناء.
وتقول أمانة العاصمة عمان المعنية بمنح التراخيص التجارية، إنها أصدرت تعليمات جديدة لترخيص مهن الخدمات اليومية في المناطق السكنية بعمان. وتتضمن أهم شروط ومتطلبات الترخيص أن يكون البناء مقاماً على أرض مملوكة غير معتدى عليها وأن يكون المحل ضمن جسم البناء أو في بناء فرعي على أن يكون له مدخل مستقل على الشارع المباشر وألا تتجاوز مساحة المحل 50 متراً مربعاً.
كما يشترط ألا يكون المتجر في موقع مرخص لموقف سيارة وأن يكون بعيداً من أي مهنة مشابهة 300 متر. ويذكر أن المهن المسموح ممارستها داخل المناطق السكنية هي البقالة، وصالونات الحلاقة، والمصابغ، والتمديدات الصحية والكهربائية، ومحال الأجهزة الخلوية، وتعبئة وبيع المياه، والخضراوات والفواكه، لكن هذا لم يمنع من وجود آلاف المحلات التي تقدم خدمات أخرى خارج هذا التصنيف.
السعودية... المحال التجارية بلا جيران
أما السعودية فقد عملت خلال السنوات الماضية على وضع خطط لتطوير أحيائها، لا سيما تلك التي أنشئت بطرق عشوائية بعيداً من التخطيط السليم من حيث مواقع المباني السكنية وارتفاعاتها ومواقع المحال التجارية والمطاعم في تلك الأحياء، ففي يناير (كانون الثاني) من عام 2019 وضعت الحكومة برنامج "مستقبل المدن السعودية"، وهو عبارة عن برنامج تعاوني بين وزارة الشؤون البلدية والإسكان وبرنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية.
البرنامج يتم تنفيذه بالتعاون مع أمانات 17 مدينة سعودية رئيسة تم اختيارها بناء على تعدادها السكاني المختلف وتوزيعها الجغرافي إلى جانب مجموعة من المعايير المعتمدة على القدرات والإمكانات الاقتصادية لخلق تنمية إقليمية أكثر توازناً بين مدن البلاد.
إزالة الأحياء العشوائية
ومن أبرز الإصلاحات التي أعقبت ذلك إزالة الأحياء العشوائية التي تتوسط المدن وإعادة رسم خريطتها، مما أدى إلى إعادة توزيع المراكز التجارية بعيداً من المناطق السكنية.
ويرى المتخصص في التطوير العمراني للمدن مشاري النعيم أنه "عند تخطيط المدن لا بد من وجود مجموعة من المعايير لتحقيق المدينة الإنسانية، ومن أبرزها أن تكون صحية من خلال تنظيم مواقع المحال التجارية والمطاعم والكافيهات عن البيوت السكنية، وكذلك لا بد من أن يراعى وجود مساحات تسمح بالمشي، وأن يكون تصميمها يساعد في التواصل الاجتماعي بين السكن".
معايير عالية
وعلى رغم أن تصميم المدن السعودية يعتمد على تقسيمات لأحياء سكنية وأخرى تجارية ومناطق صناعية بعيدة من الأحياء السكنية، بهدف منح قاطني تلك المدن معايير عالية في جودة الحياة، فإنها أقرت كذلك قانوناً آخر يمنع الضوضاء الصادرة الذي دخل حيز التنفيذ عام 2021، وفقاً لإعلان وزارة البيئة والمياه والزراعة.
وأسهم هذا التنظيم في إخراج المحال التجارية من بين المنازل وحصرها في مراكز داخل أحياء تعد تجمعاً للمحال والمطاعم، ومهيأة لاستيعاب الاكتظاظ والانبعاثات والروائح ولا تؤثر في الساكنين.
وبحسب البيان الصادر فإن أحكام هذه اللائحة تسري على جميع الأشخاص في المناطق السكنية والتجارية والصناعية والحساسة بيئياً، إضافة إلى مراعاة جوانب الطرق ومواقع البناء، وعرفت اللائحة الضوضاء بـ "الصوت المزعج غير المرغوب فيه أو الذي يؤثر سلباً في صحة الإنسان والكائنات الحية وجودة البيئة، وتنشأ من الأنشطة البشرية المختلفة".
تونس... صخب الملاهي يؤرق راحة سكان المناطق السياحية
في تونس ينظم القانون تصنيف المطاعم السياحية من شوكة إلى ثلاث شوكات (نجمة إلى ثلاث نجوم)، ويضع شروطاً لاستعمال الموسيقى والأضواء في هذه المطاعم من حيث التوقيت والمستوى.
كما تحرص هياكل المهنة على تأطير العمل المطاعم والعاملين فيها وأعوان الحراسة، من أجل تنويع الخدمات وتجويدها، وتطوير أداء هذه الفضاءات لاستقطاب السياح والحرفاء التونسيين في ظروف مواتية.
وعلى رغم التشريعات الصارمة ومراقبة وزارة السياحة والبلدية وإدارة الأمن السياحي التابعة لوزارة الداخلية، إلا أن عدداً من قاطني منطقة قمرت السياحية الواقعة في الضاحية الشمالية للعاصمة، عبروا في أكثر من مناسبة، عن تذمرهم من الضجيج المنبعث من المطاعم السياحية والملاهي الليلية المنتشرة في المنطقة.
"ندفع ثمن لهو الآخرين"
ويؤكد رياض جغام، أحد سكان منطقة قمرت، أن "الإشكال لا يتمثل في الأصوات الصادرة من الملاهي والمطاعم فحسب، لاسيما خلال أمسيات الصيف إضافة إلى الأضواء الساطعة والمؤثرات الضوئية، بل أيضاً في الهرج الذي يحدثه مرتادو هذه الفضاءات عند المغادرة".
ويشير جغام إلى أن "بعض رواد هذه المطاعم والملاهي الليلية، يكملون السهرة حتى مطلع الفجر في شارع غير بعيد من المطعم"، مضيفاً أن "الساكنين تعودوا للأسف على هذا الوضع، على رغم مطالبتنا البلدية في عديد المناسبات بإيجاد حل جذري لهذه المعضلة"، مؤكداً في الوقت عينه أن "فرق الأمن السياحي تقوم بواجبها في تأمين محيط المطعم إلا أن الصخب والضجيج لا مفر منه".
وذكر محدثنا أنه أنشأ تنسيقية مدنية مع عدد من القاطنين ونظموا تحركات عدة، وراسلوا وزارة الداخلية وبلدية المكان ووزارة السياحة، داعياً إلى "إخراج هذه المطاعم الصاخبة خارج المناطق السكنية". وأضاف بنبرة ساخرة "نحن ندفع ثمن لهوهم وهرجهم بأن تتصدع آذاننا بالضجيج".
العازل الصوتي
من جهته، يؤكد عبدالجليل بن رابح، كهل خمسيني، يدير مقهى في المنطقة السياحية في الحمامات (60 كلم عن العاصمة)، أن "أغلب المطاعم السياحية والملاهي في منطقة الحمامات، بعيدة من المناطق السكنية، وأن السهرات في المطاعم والملاهي في فترة الصيف تحترم الشروط القانونية، من بينها عدم تجاوز حد معين في صوت المكبرات، إضافة إلى أن أغلب المطاعم تستخدم العازل الصوتي في الجدران، وهو شرط من شروط الحصول على ترخيص".
وشدد ابن رابح على أن "السهرة لا تتجاوز منتصف الليل، وحتى إن اضطر المطعم للبقاء مفتوحاً لبعض الوقت بعد هذا التوقيت، فإنه يوقف تشغيل الموسيقى"، مشدداً على أن "بعضهم يتعمد إحداث صخب وضجيج خارج المطعم، إلا أن الوحدات الأمنية تقوم بدورها في تطويق هذه التجاوزات".
أصحاب المطاعم والملاهي يحترمون القانون
في المقابل يؤكد المدير التنفيذي للجامعة التونسية للمطاعم السياحية محمد حواص في تصريح خاص، أن "عدد المطاعم السياحية يناهز 375 مطعماً، في مختلف مناطق الجمهورية، وتشغل هذه المطاعم مئات العمال بشكل مباشر وغير مباشر خصوصاً في موسم الذروة".
وقلل حواص من أهمية ما تخلفه هذه المطاعم من ضجيج باعتبار أن "القانون التونسي لم يغفل هذه المسألة، ونص على ضرورة احترام درجة معينة من مكبرات الصوت داخل هذه المطاعم، علاوة على فرض وضع الحواجز الصوتية لامتصاص الضجيج والحيلولة دون تسربه إلى خارج الفضاء"، لافتاً إلى أن "أصحاب هذه المطاعم يحترمون الإجراءات القانونية، إلا أن ذلك لا يخفي بعض التجاوزات التي تحصل من حين لآخر".
ويؤكد المدير التنفيذي للجامعة التونسية للمطاعم السياحية، أن "صاحب المطعم لا يتحمل مسؤولية تصرفات الزبائن خارج فضاء المطعم"، داعياً إلى "مزيد التنسيق بين وزارتي السياحة والداخلية لإنهاء مشكل الضجيج الذي يقض راحة بعض الساكنين"، وأكد أن "الموسم المقبل سيشهد إجراءات رقابية جديدة للحد من هذه الظاهرة".
ويدعو حواص وزارة السياحة والجهات المعنية، إلى العمل على "تطوير القطاع وتوحيد الإجراءات الإدارية واختصارها"، لافتاً إلى أن "جامعة المطاعم السياحية التي تأسست سنة 2014، تعمل على تطوير التشريعات لتواكب العصر، وعلى تجميع الفاعلين في هذا القطاع من ملاه ونواد ومطاعم في هيكل مهني واحد، وبعث هيكل مهني جامع للمنتوج السياحي تحت اسم (اتحاد التونسي للمهن السياحية)، علاوة على تفعيل المجلس الأعلى للسياحة".
قوانين وإجراءات صارمة
ويذكر أن القانون التونسي فرض إجراءات صارمة على عمل هذه المقاهي والملاهي، بينها "تحديد مستوى الذبذبات الصوتية داخل الفضاء بأقل من 105 ديسيبال على أقصى تقدير، مع ضرورة فرض عازل صوتي بين المؤسسة المعنية والمحال المجاورة".
وبخصوص أضواء الليزر "ينص القانون على ضرورة ألا تتسبب الأجهزة الباثة لأضواء الليزر في انبعاثات ضارة بالأشخاص".
وبالنسبة إلى تأمين محيط المطعم أو الملهى، ينص القانون أيضاً على ضرورة "تأمين مداخل ومخارج الملاهي وجميع المنافذ التابعة لها مع إحكام ضمانة النقاط الحساسة داخلها، والحرص على إحاطتها بالإنارة الكافية وبكاميرات المراقبة".
تنازع صلاحيات
وعلى رغم هذه التشريعات يشير محمد الضيفي المختص في الحوكمة المحلية وأستاذ التنظيم الإداري، إلى "ازدواجية القرارات، حيث إن البلدية عند ملاحظتها لتجاوز معين لا يمكنها في أغلب الحالات تطبيق القانون، لأن أعوان التراتيب البلدية يتبعون وزارة الداخلية، بالتالي لا سلطة للبلدية عليهم".
ويضيف الضيفي "أن عديد الأطراف المتدخلة في هذا القطاع، وتداخل السلطات بين جهات عدة يجعل المواطن متضرراً، ويضيع جهده في الطواف بين مختلف تلك الإدارات، بينما يستغل المخالفون هذا الوضع للإفلات من العقاب".
كما يقر الضيفي بأن المطاعم والملاهي والحانات في تونس، "خاضعة لكراسات شروط ولضوابط قانونية تتدخل فيها البلدية ووزارة الداخلية والحماية المدنية ووزارة الصحة، إلا أن عدداً كبيراً منها لا يحترم القانون، ويتستر وراء شخصيات أمنية نافذة".
وفيما لم نتمكن من تحصيل رد من وزارة السياحة حول هذا الموضوع، تشير بيانات رسمية إلى أن مصالح التفقدية العامة للوزارة، قامت بأكثر من 10 آلاف عملية رقابية وتفقدية خلال صيف 2022، أفضت إلى إصدار 400 قرار ردعي، منها 70 قرار غلق لمؤسسات سياحية بين نزل ومطاعم ووكالات سفر.
مصر... صداع ضوضاء المطاعم والمقاهي
وعلى رغم كونها أصبحت مشهداً أساساً من مشاهد الحياة اليومية للمواطنين في مصر، إلا أن زحام وضوضاء المحال التجارية والمطاعم والمقاهي الموجودة أسفل العمارات السكنية لا تزال تلقي بظلال ثقيلة على سكان تلك العقارات، فلا يكاد يمر يوم أو أكثر من دون مشاجرات بعضها على أماكن الانتظار وحقهم كسكان في استخدام الرصيف، وبعضها الآخر يشكو الأبخرة المتصاعدة من مداخن المطاعم أو ما تجلبه تلك المحال من تجمعات للشباب وما ينتج منها من تجاوزات تضيق بها الأسر المصرية، غير أن أصحاب المحال يصبون كل تلك الشكاوى في خانة المحاولات لغلق "عتبة الرزق".
وبين هذا وذاك لا يجد الطرف المتضرر من السكان ضالته في القوانين، فهي تقنن تلك الأوضاع وتسمح بها إلا في حالات نادرة يراعي فيها ملاك المحال التجارية راحة السكان بتشغيل أنشطة لا تسبب الضوضاء أو كما يسميها القانون "أنشطة غير مقلقة للراحة".
تقول أماني سعيد وهي ربة منزل تقيم في حي إمبابة، إن المحال التجارية أسفل العمارات السكنية "كابوس" لا حل له في ظل ضعف رقابة أجهزة الحي، وأكدت أنه يوجد أسفل المنزل الذي تقيم فيه محل أسماك يتسبب في أذى كبير لها ولجيرانها، مما أدى إلى مشاحنات بين السكان ومالك المحل من دون جدوى، وأن أبسط ما يصيبهم من أضرار هي الروائح الكريهة المنبعثة من المتجر، فضلاً عن الأدخنة المتصاعدة بسبب عمليات شواء الأسماك وعدم اتباع طرق آمنة لنقل أسطوانات الغاز أو استخدامها بشكل صحيح مما يحول دون انفجارها، ملخصة الوضع بعبارة واحدة "ننتظر كارثة في أي وقت".
وفي السياق ذاته يؤكد هاني علي وهو مهندس وأحد سكان حي مدينة نصر وقضى سنوات يعمل في الخارج، أن الحل الأمثل للإقامة في مكان هادئ هو في المجتمعات السكنية المغلقة (كمباوند) والتي لا تتاح إلا لمتوسطي الدخل لغلاء أسعارها.
وتابع، "الأضرار السلبية التي يعانيها كل سكان منطقته من انتشار هذه المحال التجارية تبدأ من الإزعاج المستمر والضوضاء الصادرة عن تلك المحال والممتد عملها حتى ساعات الصباح الأولى يومياً، بجانب استحواذ المحال على المساحات العامة أمامها ليصبح الحال أمراً واقعاً لا مفر منه إلا برحيل الساكن المتضرر".
نحو 4 ملايين محل غير مرخص
المتحدث الرسمي للجنة العليا لإصدار تراخيص المحال العامة النائب محمد الفيومي أكد في تصريحات تلفزيونية أدلى بها في ديسمبر (كانون الأول) أن الحصر التقريبي لعدد المتاجر في مصر يتراوح من 5 إلى 8 ملايين محل، تتوزع بين 316 نشاطاً ما بين تجاري وخدماتي وترفيهي وحرفي، ومن بين هذا العدد قرابة 4 ملايين محل غير مرخص حتى الآن.
وحدد قانون المحال العامة رقم (154) لسنة 2019 الشروط الخاصة بتراخيص المحال التجارية، إذ نص على أنه لا يجوز فتح محل تجاري من دون ترخيص من المركز المتخصص وفقاً للضوابط والاشتراطات التي تحددها اللجنة العليا لتراخيص المحال التجارية وتتبع رئيس مجلس الوزراء، بشرط أن لا يكون النشاط مقلقاً للراحة أو مضراً بالصحة العامة أو ذا خطورة على المناطق السكنية.
ويعاقب القانون الجديد كل من شغل المحال تجارياً من دون الحصول على ترخيص بغرامة مالية لا تقل عن 20 ألف جنيه ولا تتجاوز 50 ألف جنيه، وفي حال تكرار المخالفة فالعقوبة تصل إلى الحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تتجاوز سنة، أو بإحدى هاتين العقوبتين فضلاً عن غلق المحل على نفقة المخالف.
من جانبه يقول رئيس حي الدقي بوسط محافظة الجيزة اللواء أحمد عبدالفتاح إن الحملات لا تتوقف لمواجهة محاولات البعض تحويل وحدات سكنية إلى مقار تجارية، مشيراً إلى أن المحال القديمة يتم تصحيح أوضاعها، أما المخالفات الجديدة فيتم تحرير محضر بالواقعة وإلزام المخالف بإعادة الشيء لأصله، وفي حال قام المخالف بإزالة الشمع الأحمر يتم تحرير محضر وتغريمه 10 آلاف جنيه مع الحبس ستة أشهر، وفي حال تكرار المخالفة تغلظ العقوبة.
وعلى الجانب الآخر يرى أصحاب المحال ومنهم أشرف ثابت، وهو صاحب سوبر ماركت، أن عدم وجود مولات أو محال تخدم المناطق السكنية هو سبب أساس في تحويل الوحدات السكنية إلى محال أو عيادات ومكاتب، وأن السكان المتضررين هم أول المستفيدين من وجود هذه الخدمة.
ومن المحليات إلى المدن الجديدة، إذ تسربت المتاجر والمطاعم أسفل عقارات عدد من الأحياء على رغم صرامة قوانين هيئة المجتمعات العمرانية المطبقة هناك، والتي تحظر بشكل قاطع تغيير نشاط أي وحدات أو أراض من سكني إلى تجاري أو إداري، إلا أن العشوائية وجدت طريقها إلى معظم المدن الجديدة بسبب غياب الخدمات بشكل كبير أو بعدها من التجمعات السكنية، وفقاً لما أكدته وردة محمد وهي طالبة تقيم في أحد أحياء مدينة "6 أكتوبر".
مسؤول في هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة طلب عدم نشر اسمه وعلى صلة بهذا الملف، أكد أن ثغرات القوانين المطبقة في هذا الشأن سبب رئيس في استمرار وجود مقاه ومطاعم ومحال تجارية وورشات أسفل العمارات السكنية، مشيراً إلى أن الحل في تعديل القوانين بما يتناسب مع مستجدات الوضع على أرض الواقع، فلا يمكن مواجهة مخالفات في 2023 بقوانين تعود لفترة التسعينيات.
هذا المطلب الذي تحدث عنه المسؤول سعت وزارة الإسكان المصرية مطلع شهر يوليو (تموز) 2018 إلى العمل عليه، ولكن من خلال قرار يقضي بتقنين أوضاع الأسواق الموجودة أسفل العمارات السكنية في المدن الجديدة والتي حولت إلى أنشطة تجارية وإدارية، وهو القرار الذي لاقى هجوماً عنيفاً على وزارة الإسكان من المواطنين آنذاك، مؤكدين أن القرار يكرر أخطاء أحياء مدينة نصر ومصر الجديدة وغيرها بنشر العشوائيات، ليصدر مجلس الوزراء المصري بعدها بياناً يفيد بإرجاء القرار لمزيد من الدراسة.
أضرار وخطر مرتقب
غياب عوامل الحماية المدنية يعد إحدى النقاط المقلقة للسكان من وجود محال تجارية، لا سيما المطاعم والمقاهي والمصانع الصغيرة أسفل مساكنهم، ففي يناير (كانون الثاني) 2021 أغلقت السلطات الأمنية الطريق الدائري، وهو أطول محور مروري يحيط بالقاهرة الكبرى، بعد نشوب حريق في مصنع للأحذية أسفل عمارة مؤلفة من 14 طابقاً، إذ أخلي البرج السكني والأبراج المجاورة له وظلت الأزمة مستمرة لأسبوع لحين تفجير البرج المخالف وإزالته تماماً.
كما سيطرت قوات الحماية المدنية على حريق شب في ورشة لتصنيع الإسفنج أسفل إحدى العمارات السكنية بمنطقة شبرا الخيمة في محافظة القليوبية شمال القاهرة، وتم الدفع بعناصر الحماية المدنية لإنقاذ السكان وإخماد الحريق في سبتمبر (أيلول) 2020 .
وفي مدينة العبور الجديدة شب حريق داخل مخزن أسفل عمارة سكنية وتم إنقاذ السكان وإخلاء المبنى وإخماد الحريق.
الجزائر... صخب الحانات يعلو مع حلول موسم الاصطياف
على رغم انتشارها في مختلف مدن الجزائر الكبرى إلا أن المتابعة الأمنية جعلت نشاط الحانات والمراقص والملاهي الليلية صامتاً من دون تصادم مع المواطنين القاطنين قربها، لتبقى حالات شاذة تصنع الحدث بعد أن تتسبب بعض الممارسات بإزعاج السكان وبلغت في كثير من الأحايين حد الاحتجاجات.
وعرفت مناطق عدة من الجزائر أوضاعاً متوترة بين مواطنين وأصحاب الحانات تارة وملاك الملاهي الليلية تارة أخرى، وكان صخب الموسيقى وضجيج السهر والأصوات التي تكسر هدوء الليل يثر غضب سكان المناطق المحيطة بهذه المرافق، ولا تزال الأحداث التي عرفتها محافظة بجاية شرق الجزائر راسخة في الأذهان بعد إقدام مواطنين على غلق الطريق احتجاجاً على انتشار الملاهي الليلة والحانات وغياب الأمن والضوابط.
وأبرز الغاضبون في بيان أن "حياة سكان المنطقة أصبحت في خطر بشكل لافت للانتباه"، وانتقدوا "نشاط ملاه عدة بشكل غير قانوني، والسماح لأشخاص غير مرغوب فيهم ومجرمين بتناول المشروبات بشكل فوضوي، مما خلق حالاً من فقدان الأمن"، وناشدوا السلطات التدخل لوضع حد لتلك الظواهر وإعادة الاعتبار إلى المنطقة.
لكن الوضع في بلدية تيشي بالمحافظة نفسها كان مختلفاً، إذ خرج السكان في مسيرة سلمية بشعار "الشعب يريد رحيل بائعات الهوى"، وسرعان ما تطور إلى إضرام النيران في عدد من الملاهي الليلية.
وفي مدينة أرزيو بمحافظة وهران غرب البلاد احتج السكان ضد الانتشار الواسع للحانات من دون مراعاة حقوق الجيران من أمن وسكينة، كما سجلت مسيرات في مدينة أم البواقي تدعو إلى إغلاق الحانات، وأدى انزلاق التوتر إلى سقوط قتيل وعدد من الجرحى.
وفي العاصمة احتج سكان حي العناصر ضد محال بيع المشروبات الكحولية، إذ هاجم عشرات السكان محلاً يقع تحت إحدى العمارات وتم إتلاف وحرق جزء منه، مما استدعى تدخل مصالح الأمن التي اشتبكت مع المحتجين لساعات وأسفر عن توقيف بعض المحتجين.
نشاط الملاهي
المحافظات الساحلية كانت الغالب في تسجيل المناوشات والاحتجاجات، على عكس المناطق الداخلية والصحراوية التي تعرف بعض الهدوء، وقال أستاذ علم الاجتماع أحمد ضياف إن "التوتر سببه الانتشار الواسع للملاهي التي تكاثرت بشكل لافت في الأحياء القديمة، وما رافقه من إزعاج للقاطنين قربها والذين أجمعوا على أن الوضع يزداد سوءاً مع حلول موسم الاصطياف من كل سنة".
وأوضح ضياف أن نشاط الملاهي الليلية في الجزائر لا يسير وفق ضوابط ولا وفق قوانين ولا شروط، بل يخضع لنظام الإمبراطوريات التي تعتمد على شروطها وقوانينها وحدودها الخاصة بها.
الحس المدني
إلى ذلك أكد الباحث في علم الاجتماع سعدي الهادي أن "ما شهدته الجزائر من احتجاجات للمطالبة بمختلف أنواع الحقوق له علاقة بارتفاع الحس المدني لدى المواطن، إذ بات أكثر وعياً لحقوقه المدنية والاجتماعية مما دفعه إلى شن حملة من المسيرات والاحتجاجات المطالبة بغلق الحانات والملاهي"، مضيفاً أن "المواطن الجزائري بات مطلعاً أكثر على حقوق المواطنة بمفهومها الواسع، فمفهوم المواطنة تغير كثيراً لدى الجزائري"، موضحاً أن "المواطنة أصبحت في الجزائر لا تتعلق بالمفهوم العاطفي المتعلق بالولاء بل بالحقوق والواجبات".
وبينما يبقى نشاط الملاهي في غموض بين انتمائه لوزارة السياحة أو التجارة أو الداخلية، مما جعله ينحصر في مساحة ضيقة متشابكة غير معلومة، فإن المقاهي من بين الأنشطة التجارية التي تخضع لضرورة الحصول على رخصة إدارية مسبقة بعد توافر شروط معينة، وعلى الشخص القائم بهذا النشاط أن يتقيد بالنصوص القانونية والتنظيمية المنظمة له وألا يمس من خلال ممارساته بالنظام العام ومقتضياته من الأمن والصحة والسكينة العامة، وإلا كان معرضاً لعقوبة الغلق الموقت أو النهائي بحسب الضوابط القانونية.
وبحسب المسؤول الأمني المتقاعد عبدالكريم رايس، فإن القانون الجزائري يشدد على ضرورة توفير الراحة والأمن للمواطنين، بالتالي فإن نشاط الحانات والملاهي يخضع للمراقبة المستمرة سواء على مستوى محيط المحال والقاعات أو في داخلها، موضحاً أن فرقاً أمنية بالزي المدني تقود حملات فجائية لمراقبة المرتادين وتحركاتهم، وهناك تشديد على مدى تطبيق القوانين من قبل الملّاك، فيما تتحرك العناصر الأمنية بالزي الرسمي بالخارج وتراقب هدوء المنطقة. وأبرز أن المحلات القانونية نادراً ما تُحدث فوضى، لتبقى الصالات غير الشرعية المسبب شبه الوحيد في تأجيج غضب المواطنين واستفزازهم جراء ضجيج الرواد، ومعظمهم من المراهقين، مشيراً إلى أن من شروط الدخول إلى الملاهي إظهار الهوية سواء الذكور أو الإناث للتأكد من العمر، وأيضاً الخضوع للتفتيش للتأكد من عدم حمل الزبون لأي نوع من السلاح أو المخدرات.
لبنان... المطاعم والملاهي تؤرق سكان بيروت
ليست قضية الخلافات بين سكان منطقة الجميزة ومار مخايل في العاصمة اللبنانية بيروت مستجدة بل عمرها سنوات. وقد بذل كل من الطرفين طوال هذه الفترة جهوداً كبيرة سعياً إلى إيجاد حلول لها بطرق متعددة، عبر التفاوض حيناً والتظاهر والضغط أحياناً. حالياً تعود هذه القضية إلى الواجهة بما أنه لم يتأمن الحل الذي يرضي الطرفين حتى اللحظة، في ظل الفوضى الحاصلة وعدم تطبيق القانون. فلكل من الطرفين وجهة نظره، وكل يحاول التوصل إلى حل يناسبه ويحفظ مصلحته. في كل مرة تعتمد خطوات "ترقيعية" غير جدية ولا تتخذ التدابير الصارمة المطلوبة. فمن فترة إلى أخرى تصدر قرارات رسمية وتفرض قيود على أصحاب الحانات بهدف الحد من انزعاج سكان هذه المناطق، لكن يبقى تطبيقها بمثابة حلم لم يتحقق يوماً.
منطقة سكنية لا تهدأ
يشكو سكان المناطق المعنية الذين كثرت همومهم ومعاناتهم، خصوصاً بعد انفجار مرفأ بيروت، من الضجة والفوضى والازدحام وارتفاع أصوات الموسيقى التي لا تهدأ حتى ساعات الفجر. فبعد أن بلغ عدد المطاعم والحانات والملاهي الليلية الآلاف، ومع تزايد أعداد الحانات بشكل خاص وتحديداً غير المرخص لها، والاكتظاظ الفوضوي، لم تعد هذه المناطق السكنية تهدأ لا ليلاً ولا نهاراً، ولا يعرف سكانها الراحة ولا السكينة، خصوصاً في عطلة نهاية الأسبوع وفي مواسم العطلات والأعياد، وفي موسم الصيف مع ازدياد أعداد السياح والمغتربين الذين يقبلون إليها أيضاً. من هؤلاء السكان من اضطر إلى ترك منزله والانتقال إلى مكان آخر أكثر هدوءاً بحثاً عن الراحة. في المقابل، اضطر آخرون إلى تكثيف الجهود علهم يتوصلون إلى حل يرضي الجميع. بحسب مارلين نصر العضو في لجنة "سكان الجميزة ومار مخايل" الهادفة إلى الحفاظ على هذه الأحياء السكنية التي تتركز فيها الحانات والملاهي "وضع القانون المعتمد حالياً في أيام الاستقلال وهو يؤكد أن الحياة الليلية لا تكون في الأحياء السكنية لكن هذا لا يطبق. وقد أصدرت الوزارات بعد الحرب الأهلية مراسيم مخالفة له تقضي بالسماح بالحياة الليلية وفق شروط معينة. سمحوا بوجود عدد محدود من الحانات بمساحة 50 إلى 100 متر تفصل بينها، وبالامتناع عن إصدار أصوات إلى خارج الحانة أو الملهى تجنباً لإزعاج السكان، كما أن هذه المراسيم حددت التوقيت الذي يسمح فيه بأن تعمل تلك الحانات".
وتتابع "بطبيعة الحالة بقيت هذه الشروط حبراً على ورق بغياب أي تنظيم للقطاع. فلا تطبق إلا من وقت إلى آخر وبشكل محدود، فيما تزايدت أعداد الحانات بشكل فوضوي من دون احترام شرط المسافة بينها. وقد أضيفت خدمة الـValet parking إلى مصادر الإزعاج للسكان. وبعد عام 2012 أصبح كل من يدفع أكثر يحصل على حانة بالإيجار، بما أن كلفة الإيجارات منخفضة في المنطقة، وهذا ما زاد من الفوضى والزحمة. وأتى بعدها فتح الـrooftops ليفاقم الأزمة في هذه الأحياء السكنية، لذلك أصبح الوضع منذ عام 2015 لا يطاق"، بحسب نصر. وأضافت "بعد انفجار المرفأ كان الوضع أسوأ، لأن التركيز كان على إعادة إحياء المنطقة بأي طريقة كانت وأياً كانت التداعيات. لذلك كانت هناك تسهيلات كثيرة للراغبين بالاستئجار، وتضاعف عدد الحانات وبعضها من دون ترخيص، وباتت ملتصقة ببعضها بعضاً مع تعديات على الأرصفة التي لم تعد مفتوحة للمارة".
مشكلات متنقلة والحل مفقود
استعان السكان أخيراً بنواب المنطقة والفاعليات الدينية والسياسية وتدخل المطارنة بهدف التوصل إلى نتيجة فعلية. وأخيراً تم تأييد مطالبهم واتخذ قرار بإقفال الـRooftops خلال أسبوعين وبمنع احتلال الأرصفة ووقف خدمة الـValet parking، "لكن تبقى المشكلة في التطبيق والتنفيذ حتى لا تبقى هذه القرارات حبراً على ورق"، بحسب السكان، "فالإنذارات الموجهة إلى البعض غير مجدية بغياب الرقابة على التنفيذ". لذلك اتخذت "لجنة أحياء مار مخايل والجميزة" قراراً بالتقدم بالشكوى في المخفر لدى سماع أي صوت موسيقى يصدر عن الـrooftops، هذا مع مطالبتها وزير الداخلية بإقفال كل حانة تخالف أكثر من مرتين وسحب رخصتها. ومن مطالبها أيضاً وقف إعطاء التراخيص وعدم تجديد الرخص للحانات الملاصقة لبعضها بعضاً، بهدف تنظيم القطاع باعتباره الحل الأنسب للحفاظ عليه، وفي الوقت نفسه تأمين راحة السكان والحفاظ على هذه الأحياء السكنية.
قطاع يعتاش منه الآلاف
في المقابل، يعتبر أصحاب تلك المقاهي والملاهي أن "ثمة مصالح تضم آلاف العاملين في قطاع يستحق التنظيم وليس الانتقام، خصوصاً أنه أسهم في إعادة إحياء المنطقة بعد الدمار الشامل الذي حل بها بسبب انفجار مرفأ بيروت". ويؤكد صاحب أحد المطاعم في منطقة مار مخايل وعضو لجنة المطاعم في المنطقة، أن الإزعاج مرفوض ومن حق السكان البحث عن الراحة ومن الطبيعي أن ينزعجوا من الأصوات. ويؤكد أن بعض المطاعم والحانات حظيت بتراخيص ومن حقها مزاولة العمل، والبعض الآخر يضر بالقطاع، لذلك هو يشدد على ضرورة السعي إلى تنظيم هذا القطاع وليس الإضرار به، فيما يدرك جيداً أن الدولة لا تملك الإمكانات لتطبيق القانون والشروط في ظل الأزمة، مما يزيد من صعوبة تنظيم القطاع ومعالجة المشكلة. وتعتاش خمسة آلاف عائلة من هذا القطاع الذي يؤمن مدخولاً للدولة والمواطنين، وقد لعب دوراً حتى في زيادة قيمة الشقق في المنطقة، كما أنه أسهم في إحياء المنطقة وجذب السياح والمغتربين على رغم الأزمات. من جهة أخرى، يعتبر حقوقيون أن القوانين وضعت منذ عقود مضت وهي لا تواكب التطورات التي حصلت في القطاع السياحي وعلى صعيد أعداد السكان والوضع الحالي، مما يؤكد ضرورة وضع قوانين حديثة تواكب التطور. في الوقت الراهن قد يكون من الممكن فقط تطبيق القوانين الأساسية المتعلقة بإزعاج السكان والإقفال في ساعة متأخرة وغيرها من المخالفات، وإقفال الحانات المخالفة، بحسب معنيين.
شروط "تعجيزية"
ويحرص بعض مالكي المطاعم والحانات الحائزين على تراخيص والقدامى في المنطقة على التقيد بالقوانين، فيما يستمر البعض الآخر بالمخالفة، لكن يعتبر أصحاب المطاعم أن الشروط التي وضعها السكان "تعجيزية وغير قابلة للتطبيق كإبقاء مسافة معينة بين حانة وأخرى، وهذا ما يتطلب حتماً إقفال حانات ومطاعم. فالمطلوب التوصل إلى حل وسطي ومقبول لدى الطرفين، وألا تشمل القرارات الكل بطريقة عشوائية لأن ذلك ليس منصفاً ويقضي على القطاع. حتى إن إلغاء خدمة الـvalet parking بشكل تام من دون إيجاد حل مواز، يعد من الأمور التعجيزية".
هذا أيضاً ما يؤكده نائب نقيب المطاعم إتيان صباغ، داعياً إلى التفاوض والحد من التدخلات والضغوط على أصحاب المطاعم. فيجب عدم بلوغ مرحلة تقفل فيها المطاعم كما حصل في شوارع أخرى كانت تشهد ازدهاراً. "لا يمكن أن تعتمد الشروط التي يعطيها السكان بطريقة عشوائية، كما لا بد من إنصاف السكان. ومن الخطوات العشوائية التوجه إلى الـrooftops بإنذارات. تأثرت مطاعم كثيرة واضطرت إلى الإقفال في ساعات مبكرة بسبب الضغوط، لا بد من الأخذ في الاعتبار أن أكثر من 20 عائلة تعتاش من كل مطعم. علماً بأن قطاع المطاعم هو أكثر القطاعات التزاماً بتسديد الرسوم والضرائب للدولة، ويسهم في الإنعاش الاقتصادي من خلال دورة اقتصادية كبرى ترتبط به"، لذلك يعتبر التنظيم بأي طريقة من الطرق ضرورياً مع إعادة النظر بالقرارات المتخذة التي يجب ألا تكون عشوائية، كما حصل في أحياء أخرى.
اجتماع وتشدد في تنفيذ القرارات
من أسابيع، كان هناك اجتماع ضم المحافظ والوزراء المعنيين والنواب وممثلين عن الطرفين وفاعليات بهدف البحث في سبل معالجة هذا الخلاف. ووفق ما أوضحه محافظ بيروت القاضي مروان عبود في حديثه لـ"اندبندنت عربية"، فقد اتخذ قرار بالتشدد في تنفيذ القرارات والشروط أكثر من أي وقت سابق. هذا في كل ما يتعلق بالأرصفة حفاظاً على حرية التنقل للمشاة، والأصوات الصادرة من الحانات، والتشدد في توجيه الإنذارات واتخاذ قرارات جدية بالإقفال في حال المخالفة. لذلك أعطيت الأوامر لقوى الأمن بالتشدد وبتطبيق القرارات بطريقة صارمة في حال حصول مخالفة. أما بالنسبة إلى خدمة الـvalet parking، فقد اتخذ قرار بعدم إعطاء تراخيص، لكن لا ينكر عبود أنه ثمة تحد جديد في هذه الحالة، ويقضي بتأمين أماكن لركن السيارات. وإذ اعتبر أن راحة السكان تشكل أولوية، فلا بد أيضاً من الحرص على تجنب إقفال هذه المصالح التي يعتاش منها الآلاف.
المغرب... الحانات والملاهي الليلية جار سيء
وإلى المغرب حيث تمتلئ رفوف المحاكم وملفات السلطات المحلية بشكاوى السكان من الضجيج والمشكلات التي تحدثها مقاه ومطاعم وحانات وملاه ليلية تتوزع بمحاذاة منازلهم ومقار سكنهم، مما يدفعهم إلى الاصطدام المباشر مع أصحاب هذه المحال أو الاحتجاج في الشارع أحياناً أو رفع دعاوى إلى القضاء.
وتثير المقاهي والملاهي الليلية تحديداً كثيراً من الضجيج والصخب الذي يتسبب فيه رواد هذه المحال بحكم طبيعة نشاطها خصوصاً في الليل، مما يحتم برأي القاطنين قربها تشديد الزجر عوض العقوبات اليسيرة المقررة في القوانين الجاري العمل بها.
عقوبات يسيرة
وتناول القانون المغربي مشكلة الضوضاء والأذى التي تتسبب فيها هذه المتاجر للجيران والسكان من خلال القانون الجنائي وقضاء القرب، ففي الفصل (609) من القانون الجنائي (الفقرة 23) ينص على عقوبة من الدرجة الثالثة تتضمن غرامة من 10 إلى 120 درهماً (دولار إلى 12 دولاراً) بحق محدثي الضجيج الذي يقض مضجع السكان.
وأما قضاء القرب فيتناول موضوع الضوضاء الليلية في المادة (18)، وذكر أنه يعاقب بغرامة مالية تتراوح بين 800 و 1200 درهم (80 و 120 دولاراً)، "مرتكبي الضجيج أو الضوضاء أو التجمع المهين أو الليلي الذي يقلق راحة السكان".
ويزيد الفصل (77) من القانون ذاته لينص على أن "كل فعل ارتكبه الإنسان عن بينة واختيار ومن غير أن يسمح له به القانون، فأحدث ضرراً مادياً أو معنوياً للغير، ألزم مرتكبه بتعويض هذا الضرر إذا ثبت أن ذلك الفعل هو السبب المباشر في حصول الضرر".
شكاوى
وتضج الصحف المغربية بشكاوى مواطنين وأسر اعترضوا على الضجيج والصخب الصادرين من مطاعم وحانات وملاه ليلية يقطنون إلى جوارها، منها شكاوى سكان أحد أحياء مدينة مراكش احتجوا أخيراً على ما يصدر عن ملهى ليلي في الأزقة المحيطة.
وتوجه السكان بشكواهم، وفق مصادر إعلامية متطابقة، إلى السلطات المحلية ومصالح الأمن من أجل وضع حد لما يسببه رواد المحال من فوضى وأذى جراء المشاجرات التي قد تحدث بين حين وآخر، مما دفع السلطات إلى تنبيه مالك الملهى أكثر من مرة.
وفي مدينة الناظور احتج السكان على ما سموه "الانحلال الأخلاقي" الصادر من محيط حانة كانت في السابق عبارة عن مطعم، وتشهد الساحة الأمامية عراكاً أحياناً بين الراغبين في ولوج الحانة والحراس الخاصين.
وفي مدينة السعيدية قاد سكان أحد الأحياء وقفة احتجاجية أمام مقر السلطة المحلية بسبب الضوضاء التي يحدثها مقهى ليلي في الهواء الطلق، رافعين شعارات من قبيل "احترموا الجيران" و"من يحمي راحة المواطن؟".
اضطرابات نفسية
وفي السياق تقول بشرى نعيم، وهي ربة بيت تقطن في أحد المناطق السياحية بمدينة طنجة، إنها باتت تفكر جدياً في الانتقال إلى حي آخر أو مدينة أخرى بسبب ما سببته مقاهي الشيشة من ضجيج وتوتر.
وتشرح المتحدثة بأن منزلها يقع في أحد طوابق عمارة تضم في أسفلها محالاً تجارية مختلفة، منها مقهى مخصص للشيشة ينشط كثيراً خلال الصيف، الفصل الذي "يحرمنا النوم".
وزادت بأن "تدخين الشيشة من قبل شبان وفتيات عادة ما يرافقه صخب الأصوات والقهقهات العالية والموسيقى الشعبية والشرقية بمكبرات صوت، مما يحول الليل إلى نهار بالنسبة إلى السكان المجاورين"، مضيفة أنه "على رغم شكاوى عدة للسلطات المعنية إلا أن الوضع ظل على ما هو عليه".
بدوره، أفاد محمد بوحوص، وهو رب أسرة، بأن معاناته وجيرانه مع ملهى ليلي جعلته يصاب باضطرابات نفسية تلازمه حتى اليوم، مضيفاً أنه دوماً ما يستيقظ على أصوات أبواق السيارات أو صراخ الزبائن والحراس.
وأكمل المتحدث بأن "الشكاوى تصل إلى الجهات المسؤولة، لكن عندما يكون صاحب الملهى أو مالك المقهى يتمتع بعلاقات وله نفوذ معين فإن تلك الشكاوى تذهب أدراج الرياح"، مردفاً أن أقصى ما يحدث هو وعود وتراجع لتلك الممارسات قبل أن تعود لسابق عهدها مع مرور الأيام.
قوانين "بلا جدوى"
ويعلق الناشط الحقوقي عبدالإله الخضري على الموضوع بالقول إن "ظاهرة المطاعم والملاهي المحاذية للسكان تفاقمت بشكل كبير خلال السنوات القليلة الماضية"، متابعاً أنه على رغم وجود قوانين تمنع إثارة الضجيج أو السهر إلى أوقات متأخرة تحت طائلة سحب التراخيص، إلا أن قليلاً من الحالات يتم تطبيق القانون عليها.
واستطرد الخضري، "معظم المطاعم والملاهي الليلية المعروفة بمقاهي الشيشة تخلق ضجيجاً داخل المجمعات السكنية، كما أن كثيراً من الحوادث تقع داخل تلك الحانات والملاهي الليلية، وغالباً ما يتم التساهل مع هذه الحانات من قبل جهات الاختصاص".
وأردف المتحدث بأن الحانات والملاهي الليلية تجمع المراهقين والمراهقات، داعياً إلى مراقبة ما يحصل داخل تلك الفضاءات واتخاذ الإجراءات الكفيلة من أجل التصدي لأي أفعال خارجة عن القانون".
وختم الخضري قائلاً "في المدن الكبيرة هناك مراقبة نسبية للضجيج الذي تحدثه هذه الفضاءات، لكن في المدن الصغيرة والقرى فالفوضى سيدة الموقف".
سوريا... بيوت سكنية تحولت إلى مطاعم
وفي سوريا امتزجت رائحة الياسمين التي تشتهر بها الأماكن والبيوت القديمة بروائح الطعام، بعدما تحول كثير منها إلى مطاعم وحانات واستراحات يحطّ فيها أبناء المدينة رحالهم، إما للتمتع بتناول طعام الغداء أو السهر مع حفلات فنية وطربية تتناغم مع روح هذا الموقع التراثي، إذ ظلت هذه الأمكنة مقصداً للسياح العرب والأجانب قبل الحرب عام 2011، ولا تزال هذه المطاعم في البيوت التراثية تتلقف إلى اليوم وفوداً أجنبية لكن بشكل أقل، بعد انعدام الاستقرار بفعل سنوات الحرب مع آمال لا تنقطع من قبل أصحاب المطاعم بعودة نشاطها، مراهنين على حال التعافي.
مشهد متناقض
ومع توجه أصحاب المطاعم نحو تحويل أماكن السكن إلى نواد ومقاه بات المشهد بالنسبة إلى القطانين يحمل تناقضات، فالحياة بالنسبة إليهم في هذه الأحياء أصبحت مختلفة.
وتعتقد ريما الشواف، وهي طالبة جامعية، أن هذه الخطوة فيها كثير من الإيجابيات باعتبار أن هذه المحال سلطت الضوء على دمشق وأفسحت المجال للتعريف أكثر بالمدينة، علاوة على كونها باتت مصدر دخل للسكان المحليين، في وقت لا تخفي ريما بعض الجوانب السلبية، ومنها "تحويل هذه الأحياء بشكل واسع إلى محطات سهر وترفيه من دون النظر إلى الجانب الثقافي والتراثي لهذه المدينة، إذ اقتصر التركيز على المكسب المادي وحسب".
ومن جهة ثانية فما يحدث في مدينة دمشق القديمة من زحف المنشآت السياحية ينطبق أيضاً على مدينة حلب القديمة قبل الحرب، حين تحولت البيوت الواسعة إلى مطاعم وحانات وفنادق، إلا أن الدمار في فترة ما بعد عام 2013 ألحق خسائر بتلك البيوت بعضها لا يعوض، وسوتها المعارك بالأرض، وما بقي منها وأعيد تأهيله من جديد خلال فترة الاستقرار الأمني بعد عام 2017 عاد بشكل تدريجي للعمل، لكن زلزال السادس من فبراير (شباط) الجاري أتى ليهدم ما تبقى من منازل ومساكن ومطاعم.
عيد حب حزين
أما عيد الحب فحل حزيناً هذا العام بسبب ما خلفه الزلزال من قتلى وجرحى ودمار، فانخفض نشاط المطاعم والفنادق والحانات في معظم الأراضي السورية ولا سيما الحفلات، وألغيت حجوزات الـ 14 من فبراير حداداً وحزناً على أرواح ضحايا الزلزال.
وفي المقابل لم يتوقف تغلغل المطاعم بين الأحياء السكنية الحديثة، وبالتالي يرى القاطنون في محيطها أنها مصدر إزعاج لهم، إذ يروي المعلم حازم السيد أبرز المضايقات التي تحدث من قبل هذه المنشآت، "فعدا عن الازدحام والأدخنة المتصاعدة هناك الحفلات التي تستمر حتى ساعات الفجر، وهي مقلقة للراحة خصوصاً في ليالي الصيف، إذ تقام في الساحات المكشوفة".
لكن المحافظة تراعي شروط منح رخص لهذه المنشآت وتحرص على أن يكون في صالاتها عازل للصوت منعاً للإزعاج، وفق مسؤول في الشؤون الفنية في البلديات، وهو يعتقد أن التجاوزات التي تحدث من قبل أصحاب بعض المطاعم تلاحق وتتابع من قبل الجهات الرقابية في حال الشكوى، ويتم إقفال المؤسسات التي لم تحصل على ترخيص قانوني.
ويؤكد المسؤول أن المحافظة تعطي التراخيص فقط بعد التأكد أنها لا تشكل إزعاجاً للقاطنين قربها وأنها بعيدة من التجمعات السكنية، بينما يروي المواطنون أن التجاوزات كثيرة في هذه الأمكنة مما يسبب قلقاً وصخباً متواصلين، مع دعوات القاطنين المستمرة إلى أن تحيي هذه المطاعم حفلاتها خارج الأماكن السكنية.