هكذا هي الحروب، عداد مفتوح لرصيد خصص للمأساة فقط، فلا حصاد سوى الموت والتشريد والفجيعة لملايين الجياع والمعدمين الذين يقاسون معاناتهم منفردين بصمت في برد الشتاء وحر الهجير، ويجسدون واقع الحال الصعب الذي وصل إليه #اليمن منذ الانقلاب الحوثي المدعوم من إيران، وتسببه في أسوأ أزمة إنسانية في العالم.
لا عيش كريماً
وفي ظل أوضاع إنسانية صعبة، ليس أقلها عدم توفر الغذاء الكافي ومياه الشرب والصرف الصحي، وغيرها، كشفت إحصائية حكومية صادمة عن وجود نحو ثلاثة ملايين نازح، يعيش نحو 400 ألف شخص منهم في مخيمات فقيرة ومهترئة تنعدم فيها أدنى مقومات العيش والخدمات الأساسية.
وترجمة لحال المأساة، يتوزع هؤلاء على 13 محافظة من أصل 22 يعيشون في 548 مخيماً يوجد فيها 78 ألف أسرة تضم 403 آلاف نازح، ويبلغ عدد الأسر النازحة في منازل 366 ألفاً، بواقع نحو مليونين ونصف المليون شخص موزعين على نحو 900 تجمع سكاني.
زحام موبوء
وانعكاساً للحال الصعب الذي تعانيه هذه المخيمات المنسية، كشف التقرير السنوي الذي أطلقته الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين (حكومية)، حول "الحاجات الإنسانية للنازحين 2023" عن افتقار هذه المخيمات للحاجات والخدمات الصحية، حيث تنتشر الحصبة بـ21 في المئة من المخيمات، والكوليرا في 15 في المئة، بينما تعرف 14 في المئة من المخيمات الإسهال الدموي، وسبعة في المئة ينتشر فيها الجرب، و48 في المئة أمراض جلدية مختلفة، و61 في المئة إسهال مائي، كما أن 56 في المئة من المخيمات تنتشر فيها الملاريا.
إضافة إلى ذلك، سجلت الدراسة المسحية احتياج 57 في المئة من الأسر النازحة في المنازل إلى مياه صالحة للشرب، و48 في المئة بحاجة إلى مياه الاستخدام، بينما 57 في المئة من المخيمات لا تتوفر فيها مياه مجانية، و37 في المئة تعاني عدم توفر مياه صالحة للشرب.
كما بينت الدراسة أن 78 في المئة من النازحين في المنازل، و44 في المئة من الأسر النازحة في المخيمات تعاني انعدام الأمن الغذائي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ولطالما كشفت تقارير إنسانية عن عدم توفر الحاجات اللازمة للنازحين في هذه المخيمات التي لا تقي ساكنيها البرد والحر وتغيرات المناخ، إضافة لانعدام الخدمات الأساسية، لا سيما الصحية والغذائية منها، وافتقارها للمياه الصالحة للشرب ودورات المياه، وغيرها من الحاجات.
ونتيجة للواقع الصعب الذي فرضته الحرب اضطرت الأسر النازحة إلى الدفع بأطفالها لسوق العمل، مما تسبب في سلسلة أخرى من الإشكاليات، ولهذا دعت وحدة النازحين إلى إيجاد آلية لمساعدة الأسر النازحة التي يعولها أطفال، حيث بينت النتائج أن عدد الأسر التي يعولها أطفال نحو 10 آلاف أسرة، منها 7474 أسرة يعولها طفل (ذكر)، و1831 أسرة يعولها طفل (أنثى).
ونتيجة للجوئهم إلى إعالة أسرهم تبين للمسح أن 18 في المئة من إجمالي الأطفال النازحين في المنازل بسن الدراسة غير ملتحقين بالتعليم، بينما بلغت نسبتهم بالمخيمات 42 في المئة، كما أن 30 في المئة من المخيمات لا يتوفر فيها تعليم للأطفال، بينما 40 في المئة منها، مستوى التعليم بها ضعيف جداً.
مأرب في المقدمة
جاءت محافظة مأرب في المرتبة الأولى من حيث استقبال النازحين، حيث يوجد فيها مليونان و300 ألف نازح بنسبة 73.67 في المئة من إجمالي النازحين في المحافظات المحررة.
غير أن مئات الآلاف الذين لجأوا إلى العيش في المحافظات البعيدة عن القبضة الحوثية باتوا مهددين بالطرد في 79 مخيماً، في حين أن 80 ألف أسرة نازحة تسكن في المنازل مهددة بالطرد، منها 51 ألفاً بسبب عدم القدرة على دفع الإيجارات.
وشهدت إيجارات المنازل في المحافظات المحررة ارتفاعاً غير مسبوق نتيجة التدفق المستمر للنازحين الذين فضلوا السكن بمقابل مرتفع على البقاء في المناطق الخاضعة لسيطرة الميليشيات الحوثية التي تمارس القمع والتنكيل بكل من يخالف نهجها الطائفي أو تشك في ولائه، وفقاً لشهادات وثقتها تقارير حقوقية عن النازحين.
ضعف عام
يدعو التقرير الحكومي إلى إيجاد آلية لمساعدة حالات الضعف، خصوصاً المنتشرة لدى النساء النازحات في المخيمات والمنازل، حيث أظهرت النتائج أن هناك 295.837، وبنسبة 9.8 في المئة منهن يعانين ضعفاً عاماً سبب لهن كثيراً من الأمراض.
وتشتد معاناة النازحين مع التغيرات المناخية، لا سيما في فصل الشتاء القارس، وعند سقوط الأمطار، وارتفاع درجة الحرارة خلال فصل الصيف، إذ تتوفر خيمة واحدة فقط لكل أسرة تتحول إلى مطبخ وغرفة نوم، أما دورات المياه في المخيم فهي عامة، وهو ما فاقم معاناة السكان، وخصوصاً النساء.
يقول مساعد رئيس الوحدة التنفيذية لمخيمات النازحين، خالد الشجني، إن المخيمات تعاني أوضاعاً صعبة في الغذاء والصحة والمأوى والتعليم.
يضيف الشجني لـ"اندبندنت عربية" أن "معظم المخيمات تفتقر بشدة لمقومات الحياة في حدها الأدنى، حيث لا مياه، ولا تطبيب، ولا غذاء، والخيام التي تؤوي مئات الآلاف باتت مهترئة بعد أن مر عليها سنوات دون تغيير، وانتهى عمرها الافتراضي".
ويتابع، "الإشكال العام الذي يعانيه النازحون والجهات الراعية لهم، يتمثل في غياب الدعم اللازم وعدم توقف حركة النزوح وتزايد الحاجات التي تتسع يوماً إثر آخر، بخاصة في ظل انحسار الدعم الإنساني والتدخلات المتأخرة للمنظمات الدولية نتيجة سيطرة الميليشيات الحوثية على القرار الإنساني في صنعاء، فلا تسمح للمنظمات التي ما زالت تمارس عملها من صنعاء بالنزول إلى مأرب ورصد الإحصائيات على رغم استضافتها أعلى رقم للنازحين الذين يتوزعون على 197 مخيماً بمعدل 50 ألف أسرة".
وفي شأن تسرب هذا العدد الهائل من الأطفال عن التعليم يشير الشجني إلى إشكالية بعد المدارس عن مخيماتهم، ولهذا يلجأ كثير منهم للالتحاق بسوق العمل بدلاً عن التعليم، وبخاصة الفتيات، لعدم مقدرتهن على الذهاب إلى المدارس البعيدة.
كما أكد الشجني أهمية إيجاد آلية خاصة تهدف إلى تقديم مساعدات مالية للأسر النازحة التي تسكن في منازل مستأجرة، وتوفير "مأوى انتقالي لنحو 27 ألف أسرة تسكن في مأوى موقت وطارئ، خصوصاً أن بعض الأسر نزحت للمرة الرابعة والخامسة بسبب اتساع رقعة القتال، وتزداد معاناتهم في ظل انعدام المساعدات المنقذة للأرواح، فهؤلاء أكثر من يتضرر من تداعيات الحرب والفئة المنسية من تبعاتها القاسية والمروعة".