اللعبة مكشوفة هذه المرة وأكثر تعقيداً مما كانت عليه في قمة #"بوتسدام" بين جوزف #ستالين وونستون #تشرشل وهاري ترومان (بعد وفاة فرانكلين روزفلت) الحلفاء في #الحرب_العالمية_الثانية.
لكن أميركا والصين تحرصان في خطاب الرئيس جو بايدن والرئيس شي جينبينغ على نفي الرغبة في حرب باردة جديدة "لا حاجة إليها"، ولا أحد يصدق، فوقائع الصراع بينهما والقراءات الاستراتيجية في أبعاده وأهدافه تعيد تسليط الأضواء على التحول الاستراتيجي العميق الذي أسهم في إحداثه الدبلوماسي الشاب جورج كينان عبر ما سمي "أطول تليغرام" بعث به إلى الخارجية الأميركية عام 1946، ومقال نشره في "فورين أفيرز" عام 1947 بتوقيع "X" تحت عنوان "جذور السلوك السوفياتي".
وكانت خلاصتهما دعوة إلى استراتيجية "الاحتواء" التي رتبت أسس الحرب الباردة مع موسكو وأصبحت سياسة أميركا التي انتهت بسقوط الاتحاد السوفياتي من حيث كان يحلم بسقوط الرأسمالية وتغيير الغرب.
والمفارقة أن وزير الخارجية دين آتشيسون لم يستوعب الفكرة في البداية، فأعفى كينان من مهمته وقال "لديه حساب ديني خفي للمصالح الأميركية وإنجيل كويكرز وموقف سحري طقوسي تجاه واقعية القوة، وهذا ما لم أفهمه". غير أنه تراجع بعد ذلك، بحيث أعيد كينان الى موسكو كسفير، وأصبح من أهم "مهندسي الدبلوماسية الأميركية إن لم يكن المهندس "حسب فريديريك لوجويل الذي راجع كتاب المؤرخ فرانك كوستيغليولا تحت عنوان "كينان: حياة بين العوالم"، بعد كتابه "يوميات كينان" وكتاب المؤرخ جون لويس غاديس عن السيرة الذاتية لكينان الذي عاش من 1904 إلى 2005. حتى المعلق الأميركي الكبير والتر ليبمان، انتقد كينان في البداية وقال "تاريخ الدبلوماسية هو تاريخ العلاقات بين الخصوم".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
جورج كينان أحب روسيا والأدب والفنون الروسية أيام القيصرية، وعارض الماركسية- اللينينية، لا بل سخر من تصور الرئيس روزفلت أن أميركا تستطيع ضمان "تعاون طويل الأمد مع ستالين". لكن كينان لم تعجبه ممارسة الإدارات الأميركية لاستراتيجية الاحتواء، فهو انتقد "عسكرة الاحتواء"، ورأى أن الحرب الباردة طالت أكثر من اللزوم، ثم حذر من توسع "الناتو" بعد انهيار الاتحاد السوفياتي لأنه "خطأ رهيب سيقود إلى حرب باردة جديدة". وهذا ما حدث أكثر منه: حرب باردة مع روسيا والصين، وحرب حارة بالهجوم الروسي على أوكرانيا. فالاحتواء، في رأي كينان بعدما راجع نظرته، هو "أرض مشتركة بين الدبلوماسية والحرب، وإذا فشلت الدبلوماسية، فإن الحرب ليست شيئاً لا مفر منه".
وعندما اجتاحت أميركا العراق بقرار من الرئيس جورج بوش الابن، قال كينان "تاريخ العلاقات الخارجية أظهر أنك تبدأ حرباً وفي ذهنك أشياء محددة، ثم تجد نفسك في النهاية تقاتل من أجل أشياء مختلفة لم تفكر فيها من قبل، وحتى لو كان لدى صدام حسين أسلحة دمار شامل، فإن المسألة إقليمية وليست محل اهتمام أميركا". وما حدث أن حرب بوش لإسقاط صدام ونظامه انتهت لمصلحة الدور الإقليمي الإيراني المعاكس لأميركا في العراق ثم سوريا ولبنان واليمن.
وهذا واحد من محاور النقاش في أميركا اليوم سواء حول المواجهة مع روسيا أو حول الصراع مع الصين، فالصقور يدعون إلى تكرار استراتيجية الاحتواء كما صاغها كينان في البداية، والحمائم يريدون العودة إلى مراجعة كينان لمواقفه خشية التورط في صدام عسكري مباشر مع روسيا في أوكرانيا، وحرب مع الصين حول تايوان وحرب باردة ومواجهة مصاعب وتعقيدات في احتواء الصين التي ليست الاتحاد السوفياتي. وهناك في واشنطن من فقد الثقة بسياسات الحزبين الديمقراطي والجمهوري والاتجاه نحو التهور، ويطالب بتحقيق ما طلبه كينان قبل رحيله، وهو إنشاء "مجلس دولة" من حكماء غير منتخبين يختارهم الرئيس ويقدمون النصيحة له ولكل فروع الإدارة، وليس من السهل على أميركا أن تمارس "الصبر الاستراتيجي" الذي دعا إليه بايدن، فهذا سلاح الصين أصلاً، وبكين مشهورة تاريخياً بالنفس الطويل على عكس واشنطن ذات النفس القصير.