تتواصل هجرة الممرضين والممرضات في #المغرب إلى الخارج، خصوصاً إلى كندا وفرنسا وعدد من الدول الأوروبية الأخرى، الشيء الذي أفضى إلى نقص واضح في أعداد هذه الفئة المهنية في قطاع الصحة، وذلك وفق تقارير نقابات الممرضين.
وتفيد إحصاءات متطابقة بأن المغرب يحتاج إلى 64.774 ممرضاً وعامل صحة، لتغطية الحد الأدنى من احتياجات القطاع الصحي البلاد، وهو وضع يزداد تأزماً جراء الهجرة المتواصلة لـ"ملائكة الرحمة" إلى الخارج، سيما خلال مرحلة جائحة كورونا وبعدها أيضاً.
"الممرض مجبر لا بطل"
وعلى رغم غياب الأرقام الرسمية في شأن عدد الممرضين والممرضات الذين قرروا الهجرة خارج المغرب، إلا أن هذه الظاهرة باتت مستفحلة وسط مهنيي هذا التخصص، وكثيراً ما تنقل الصحافة المغربية أخبار هجرة الممرضين ذكوراً وإناثاً إلى كندا على وجه الخصوص لما باتت توفره هذه الدولة من تسهيلات وعروض مهنية مغرية.
وراج الحديث قبل فترة عن هجرة جماعية شملت 13 ممرضاً وممرضة يشتغلون في أحد مشافي مدينة الدار البيضاء إلى كندا دفعة واحدة، كما تنامت تحذيرات مهنيين في مدن مثل مكناس ومراكش من النقص في عدد الممرضين جراء هجرة ممرضين يعملون في مستشفيات هذه المدن إلى خارج البلاد للعمل في أوروبا وأميركا.
لؤي الساخي، ممرض في أحد المستشفيات العمومية، يستعد وفق ما حكاه لـ"اندبندنت عربية" للهجرة بعد بضعة أسابيع إلى كندا، من أجل "الاشتغال هناك في نفس تخصصه، وفق عقد عمل واضح وظروف مهنية مريحة".
ويشرح الممرض بأنه لو وجد الظروف المهنية والعناية بالممرض من الناحية المادية والمعنوية أيضاً لما قرر الهجرة والابتعاد عن أسرته لبدء حياة جديدة من الصفر في بلاد الغربة، لكن "مجبر أخوك لا بطل"، وفق تعبير لؤي.
ويشير تقرير سابق للنقابة المستقلة للممرضين إلى أن الوضع المادي للممرض في المغرب يعد أحد أبرز الأسباب التي تدفعه لتجربة الهجرة، باعتبار أن راتب الممرض هو أحد أدنى رواتب الممرضين عبر العالم.
وتبعاً للمصدر عينه، فإن الراتب الشهري للممرض الحاصل على شهادة الإجازة المهنية في المملكة يصل إلى 6200 درهم فقط (620 دولار)، أي نحو 7440 دولاراً خلال السنة، بينما راتب الممرض في كندا أو أوروبا مثلاً يصل إلى أكثر من تسعة أضعاف هذا الراتب، إذ يبلغ 70 ألف دولار في السنة.
"القط لا يهرب من دار العرس"
من جهتها تؤكد عفاف العم، ممرضة متعددة التخصصات بالدار البيضاء، في حديثها لنا، استمرار نزف هجرة الكوادر التمريضية من المغرب إلى خارج البلاد، وأرجعت ذلك إلى عديد من العوامل والأسباب المهنية والمادية والاجتماعية.
وتلخص العم هذه الأسباب في "الظروف الكارثية للعمل، وغياب قوانين منظمة للمهنة، وانعدام الآفاق أمام الممرضين، فضلاً عن غياب تام للتحفيزات المادية وعدم الاعتراف بجهود هذه الفئة المحورية في القطاع الصحي".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
"حتى مش ما يهرب من دار العرس"، مثل شعبي مغربي معناه "لا يوجد قط يهرب من منزل يقام فيه حفل عرس"، وتستشهد به الممرضة العم للتعبير عن واقع الكوادر التمريضية التي قررت الهجرة إلى الخارج، مضيفة أنه عند اتصالها بزملائها الذين هاجروا تسألهم إذا شعروا بالندم بعد الهجرة، فيكون جوابهم بأنهم نادمون لأنهم لم يهاجروا من قبل إلى بلدان توفر ظروف عيش مريحة ومهنية، وتعترف بقيمة الممرض وتحميه من الأخطار و"المشكلات القانونية" عند ممارسة المهنة.
ويشتكي الممرضون في المغرب من "غياب التأطير القانوني لمهنة الممرض"، باعتبار أن قانون المزاولة لم يدخل حيز التنفيذ منذ صدوره عام 2016، فضلاً عن الشكوى من غياب "مصنف الأعمال والمهن" الذي يميز بين مهام الكادر التمريضي ومهام الكادر الطبي.
وتتابع الممرضة عفاف العم بأن "الحكومة ممثلة في وزارة الصحة تعد بالرفع من عدد مناصب الممرضين، مما يحتم طرح السؤال في شأن مدى نجاعة تحسين جودة الخدمات الصحية في خضم النقص المهول لعدد الممرضين والممرضات الذي يعيشه القطاع، وأيضاً عن كيفية إقناع ممرض بالبقاء داخل البلاد في ظل وضعه المهني المتردي، والعروض المغرية التي تأتيه من الخارج".
عوامل الجذب
وفصل تقرير سابق للنقابة المستقلة للممرضين واقع الكوادر التمريضية في المغرب الذي يدفع هذه الفئة المهنية إلى حزم حقائبها صوب "أرض الله الواسعة"، حيث أفاد بأن "التحفيزات المالية والرواتب المغرية والتأطير القانوني للمهن وظروف العمل المناسبة والاستقرار الوظيفي، عوامل تجذب الممرضين للعمل في بلدان المهجر".
التقرير ذاته أشار إلى "بزوغ ظاهرة هجرة الكفاءات التمريضية خارج المنظومة الصحية، حيث ارتفع عدد طلبات الاستقالة والترك القسري للوظيفة وضعف الإقبال على المناصب المالية المفتوحة"، منتقداً "غياب نظام جذاب وتحفيزي للرأسمال البشري العامل بالقطاع الصحي العمومي بالبلاد".
ولحل هذه الإشكالية طالب التقرير عينه بضرورة "تعجيل تنفيذ المطالب المادية المشروعة لفئة الممرضين وبقية عمال الصحة، وأبرزها الزيادة الفورية في أجور الممرضين، والقطع العاجل مع كل أشكال التمييز الوظيفي، بخاصة التعويض عن الأخطار المهنية، من خلال الإنصاف في التعويض، وتحقيق التكافؤ بين مقدمي العلاجات، واعتماد نظام ترق عادل وموحد بين مهنيي الصحة".
ويشكو الممرضون المغاربة من التمييز في التعويضات المالية عن المخاطر المهنية مقارنة مع الطبيب، بالنظر إلى أن الممرض هو الأكثر التصاقاً واحتكاكاً بالمريض، لكنه لا يحصل سوى على 1400 درهم (140 دولاراً) كتعويض على المخاطر، بينما الطبيب يحصل على تعويض شهري يصل إلى زهاء 6000 درهم (600 دولار).
بالمقابل تؤكد الحكومة أنها تعمل على "تسريع وتيرة ترقي الممرضين والرفع من التعويض عن الأخطار المهنية لفائدة الأطر الإدارية العاملة في قطاع الصحة، وتحصين الممارسة الطبية من خلال إحداث قانون الوظيفة الصحية الذي يتيح مجموعة من المكتسبات الإيجابية، على رأسها نظام الأجر المتغير بحسب المردودية، في مختلف المؤسسات الصحية".