Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"عيد فأر الحقل": فيلم التناقضات الذي أحبه الجميع

يحتفل مهرجان برلين السينمائي هذا الأسبوع بالفيلم الصادر عام 1993، ويتناول موضوع الحلقة الزمنية المفرغة. نلقي نظرة على العمل الذي أحبه الصغار وفلاسفة مدرسة نيتشه وكارهو البشر وعشاق الكوميديا الرومانسية التقليدية على حد سواء

يقال إن موراي تعرض للعض من قبل فأر الأرض في أحد المشاهد، وكان عليه تلقي جرعة مضادة لداء الكلب (كولمبيا بيكتشرز)

ملخص

"#عيد_فأر_الحقل": الفيلم الذي أحبه الجميع في ذكراه الثلاثين

ينطلق منبه الراديو عند السادسة صباحاً، ومرة أخرى يستيقظ المتنبئ الجوي الكهل المحاصر والعالق في حلقة زمنية مفرغة، على ألحان أغنية "فهمتك يا حبيبي" للثنائي سوني أند شير. بدأت نغماتها المتكررة تقوده إلى الجنون، تماماً كما حصل في اليوم السابق، واليوم الذي قبله. يظن أنه قابع في الجحيم، ولا يمكن لومه على ذلك. لا تزال برودة المياه في الحمام بدرجة التجمد، وفي اللحظة التي يتجرأ فيها على الخروج إلى الرصيف، يواجه بائع التأمين المخيف نفسه، والذي تبدو ابتسامته الجنونية أكثر بشاعة مما كانت عليه في اليوم السابق، وتغوص قدمه في سبخة الوحل ذاتها أيضاً.

هذا هو العالم الكابوسي الذي استحضره المخرج الأميركي هارولد راميس في فيلمه "عيد فأر الأرض" Groudhog Day الصادر عام 1993. يجسد بيل موراي في أشهر أدواره على الإطلاق، شخصية متنبئ جوي يعاني لفترة طويلة بمزيج محير من الحدة والمشاكسة والحيرة المثيرة للسخرية. يسعد الجمهور بمحنته. إنه مثل شخصية من فيلم تهريجي صامت قديم التي تنزلق فوق قشرة الموز ذاتها باستمرار.

لا يوجد عديد من الأفلام الهوليوودية الرائجة التي تروق بالقدر ذاته للأطفال، والبوذيين، وفلاسفة مدرسة نيتشه المهتمين بفكرة التكرار الأبدي، وكارهي البشر، وعشاق أفلام الرعب، ومحبي الكوميديا الرومانسية التقليدية.

يعود فيلم راميس المحبب كثيراً، بعد ثلاثين عاماً على إطلاقه، إلى شاشة السينما هذا الأسبوع ضمن مهرجان برلين السينمائي. اختارته المخرجة الألمانية نورا فينغشيدت (المشهورة بفيلمها "ذنب لا يغتفر" The Unforgivable من بطولة ساندرا بولوك) كجزء من تظاهرة "المراهقة في الأفلام". شاهدته فينغشيدت للمرة الأولى لما كانت في سن الثامنة، وتقول مستذكرة لماذا ترك الفيلم هذا التأثير فيها: "كنت مستلقية على السرير بعد مشاهدة الفيلم ورحت أفكر، ماذا لو تكرر اليوم مرة أخرى غداً، وماذا لو كان بإمكاني القيام بما أشاء، لأن أحداً لن يعلم بالأمر أبداً؟ لقد كان فيلماً بدأ فعلياً في إثارة أسئلة فلسفية على رغم كونه مضحكاً وممتعاً للغاية".

للمفارقة، فإن إحدى مشكلات فيلم "عيد فأر الأرض" هو أنه أصبح مألوفاً للغاية، فقد تسلل عنوانه خلال العقود الماضية إلى لغة الحياة اليومية، وغالباً ما سيستشهد به أي موظف أو طالب مدرسة غارق في روتين قاتل.

كتب الأكاديمي المقيم في أستراليا آدم دانييل أخيراً مقالاً لموقع ذا كونفرزيشن للتحليل والتعليق الإخباري رفيع المستوى حول تجربته في مشاهدة الفيلم يومياً لسنة كاملة خلال الإغلاق بسبب وباء كورونا. في الفيلم، يحاول المتنبئ الجوي النكد فيل كونورز الذي يجسده موراي بائساً الهرب من الحلقة الزمنية المتكررة إلى الأبد التي أصبح عالقاً فيها. كان دانييل يقوم بالعكس، في فعل مازوخي سينمائي متطرف، من خلال إلزام نفسه عمداً تكرار تجربة المشاهدة إلى ما لا نهاية.

من المفترض أن تكون زيارة السينما مهرباً من روتين الحياة اليومية الرتيب، لكن فيلم "عيد فأر الأرض" يغرقنا في الروتين. يعلم الجميع الفرضية التي يطرحها الفيلم، حيث يرسل فيل في يوم بارد من فبراير (شباط) إلى بانكسوتاوني ببنسلفانيا، لتقديم تقرير عن مهرجان عيد فأر الأرض الذي يقام هناك سنوياً. إذا رأى فأر الأرض (وهو حيوان ثديي ذو وبر يبدو كسنجاب كبير) ظله، سيستمر الشتاء لستة أسابيع أخرى، وإذا لم يحدث ذلك، سيحل الربيع المبكر قريباً.

في بداية الفيلم. يقول فيل للسيدة اللطيفة صاحبة النزل الذي أمضى فيه الليلة وهو يهم بالمغادرة: "احتمال المغادرة اليوم هو مئة في المئة". إنه متلهف لترك البلدة. تلخص مهمته في بانكسوتاوني كل الأمور التي سارت بالاتجاه الخاطئ في حياته. يفترض أن يكون الوجه البارز لشبكة إخبارية رئيسة، لكنه بدلاً من ذلك، يغرق في حلقة مفرغة، ويعمل لصالح القناة التاسعة وهي مجموعة تلفزيونية صغيرة في بيتسبيرغ، يعيد التجارب نفسها مرة تلو أخرى، وكان ذلك حتى قبل أن يعلق في الحلقة الزمنية المفرغة.

ثم تهب عاصفة ثلجية شديدة، وينتهي به الأمر عالقاً في بانكسوتاوني، محبوساً في اليوم ذاته إلى الأبد على ما يبدو.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

بعد مرور ثلاثة عقود على إصدار الفيلم، أحد عناصره التي برزت الآن هي سلوك فيل المتحيز جنسياً تجاه منتجته الجديدة ريتا (تؤديها آندي ماكدويل)، التي سيغرم بها سريعاً. لن يتمكن في يومنا هذا من طلب مساعدتها من خلال تحريك حوضه أو القول لها إنه لن يحضر إلى العشاء لأنه ينوي قضاء أمسيته في تصفح مجلة "هاسلر" للبالغين.

ينطوي فيلم "عيد فأر الأرض" على كثير من الخسة والسخرية، وقد وثقت المشكلات التي حصلت في كواليس صناعته بشكل كامل. كان راميس وموراي صديقين وزميلي مهنة قديمين، وعملا بجد في عديد من الأفلام السابقة، لكن تجربتهما في بانكسوتاوني خلقت هوة بينهما، لم تجسر إلا قبل وفاة راميس عام 2014. كان المخرج يخطط لعمل كوميدي متفائل ومبهج، لكن نجمه المتقلب وسيئ المزاج كان يتطلع إلى صناعة عمل أكثر ظلامية بكثير.

يقال إن موراي تعرض للعض من قبل فأر الأرض في أحد المشاهد، وكان عليه تلقي جرعة مضادة لداء الكلب، مما أدى بطريقة ما إلى استمرار المزاج السيئ خلال تنفيذ العمل. تتحدث فينغشيدت بابتهاج عن شخصية بطل الفيلم البغيضة والمنفرة والتي لا تتمتع بصفات الأبطال التقليديين: "أنت تتعلق به على رغم أنه يتصرف بشكل مروع"، فيما يستذكر كاتب الفيلم داني روبن لاحقاً: "أراد بيل أن يكون العمل فلسفياً أكثر، واستمر هارولد في تذكيره أنه فيلم كوميدي".

كان التوتر بين الاثنين، على رغم ذلك، السبب الذي منح الفيلم مكانته، فسرد القصة كان مرحاً وكئيباً، ناجعاً وهداماً. كان العمل مفعماً بروح كوميدية عالية، لكنه مليء بنكات عن الانتحار واليأس الوجودي. احتوى على كل مميزات أفلام الرعب أو أفلام الإثارة النفسية الحابسة للأنفاس التي تخصص بها ألفريد هيتشكوك في أواخر مسيرته المهنية.

حتى إن راميس قام ببعض المحاولات في سياق التعليقات الاجتماعية، ففي أحد المشاهد يظهر فيل في بار داخل صالة البولينغ وهو يشرب مع بعض اللاعبين، ويسألهم: "ماذا ستفعلون لو كنتم عالقين في مكان واحد، وكل الأيام متشابهة تماماً، ولا قيمة لكل ما تقومون به؟"، فيجيبه أحد الندماء بنبرة كئيبة: "هذا تلخيص لحياتي تقريباً". في مثل هذه الحوارات، يخوض الفيلم في نقد الانسياق المعطل للتفكير في أسلوب الحياة الأميركي.  

سرعان ما يتمرد فيل، فإذا كان محكوماً بعيش اليوم نفسه مرة تلو أخرى، فيستنتج بسرعة أن بإمكانه فعل ما يشاء وأن ذلك لن يحدث فرقاً. بإمكانه أن يكون متهوراً جنسياً، ويأكل قدر ما يشاء من الوجبات السريعة، وبإمكانه كذلك ابتكار أساليب أكثر دقة في قتل نفسه، ومع ذلك تبقى النتيجة ذاتها دائماً. تعرضت شخصية موراي، على مدى الفيلم، للطعن وإطلاق النار والتجميد والشنق والصعق بالكهرباء والحرق، ودائماً ما كان يستيقظ جفلاً في السادسة صباحاً مرة أخرى على صوتي سوني أند شير.

لم يكن مفاجئاً أن الأفلام العديدة التي تتناول موضوع الحلقة الزمنية المفرغة والتي صنعت منذ صدور "عيد فأر الحقل" كانت مقيتة للغاية. استخدم المنتج جيسون بلوم هذا المفهوم في فيلمه الصادر عام 2017 "عيد موت سعيد" Happy Death Day، الذي تطعن فيه طالبة جامعية حتى الموت بشكل يومي مراراً وتكراراً، وينتهي بها الأمر وهي تفتش عن قاتلها. اتهم هذا الفيلم بالسرقة من راميس، لكنه في الواقع كان مجرد غوص أعمق في الظلامية المختبئة في الفيلم الأصلي.

تمحورت الخلافات الأخرى في شأن العمل حول اتجاهه الفلسفي – الفكرة التي تقول إنك لو تابعت عيش اليوم نفسه مرة تلو أخرى، فبإمكانك تدريب نفسك على عيشه بشكل أفضل، بالتالي يمكن أن يتحول أسوأ أيام حياتك إلى أفضلها.

يتقلب فيل بين اليأس والإحساس بأنه لا يقهر، وفي إحدى لحظاته الأكثر عدائية، يعتقد أنه إله. يمكننا تقفي آثار شخصية المتنبئ الجوي التهكمي في أفلام الأبطال الخارقين الحالية، فهم أيضاً يمتلكون هبة أو لعنة الخلود، ومهما كانت المقاومة التي يواجهونها في عمل ما، فإنهم دائماً ما يعودون قريباً في فيلم تتمة تتكرر فيه الديناميكيات عينها مرة أخرى. أقر الكاتب روبن لاحقاً بأن أحد مصادر إلهام عمله كان رواية آن رايس "مقابلة مع مصاص دماء" Interview with a Vampire، التي دفعته إلى التساؤل عما سيكون عليه الحال بالنسبة إلى شخصية تعيش للأبد.

كانت كلمات "عش، مت، كرر" الشعار الترويجي لفيلم مغامرة الخيال العلمي "حافة الغد" Edge of Tomorrow الصادر عام 2014 للمخرج دوغ ليمان ويجسد فيه توم كروز شخصية بطل جبان يعيش اليوم نفسه بشكل متكرر، ويموت مرة تلو أخرى، لكن بطولته تزداد خلال هذه العملية، ويطور في النهاية القوة التي يحتاج إليها لإنقاذ العالم.

تمت دراسة الفيلم بأدق التفاصيل على مر العقود الثلاثة الماضية، وتمكن الممحصون من اكتشاف أخطاء عديدة في عملية التكرار، لكنها كانت بسيطة للغاية، وصمد بناء الفيلم بطريقة إعجازية. يكمن اللغز الحقيقي، على كل حال، في مصدر سحر الفيلم. لم يكن أي من أعمال روبن بجودة هذا النص، ومع أن في رصيد راميس الإخراجي عديداً من الأعمال الكوميدية إضافة إلى كتابة فيلمي "منزل الحيوان" Animal House، و"مطاردو الأشباح" Ghostbusters، لكنها بالكاد لامست العمق العاطفي أو الرقة الموجودين في "عيد فأر الحقل".

كذلك، لم يكن أي فيلم آخر فعالاً في التقاط الجوانب المتناقضة في شخصية موراي: السخرية والعذوبة.

بدا أن جميع من شاهدوا الفيلم اعتقدوا أنه صنع خصيصاً لهم، فقد أشار روبن لاحقاً إلى أنه تلقى بعد عرض الفيلم رسالة من راهب في ألمانيا اعتبره "تجسيداً مثالياً لمعتقداته المسيحية"، كما تواصل معه حاخامات وبوذيون كانوا أيضاً معجبين بالعمل بالقدر ذاته. ومن المفارقات أنه أنجز السيناريو الأولي في حالة نزوة تقريباً، وقد لعب الحظ دوراً أيضاً في وصول هذا السيناريو إلى راميس. كان أقصى طموحه أن يكون "عيد فأر الحقل" "فيلماً ممتعاً حقاً".

هذا المشروع الذي تشكل في ظروف غير مبشرة تحول بفضل بعض التفاعلات الغريبة في هوليوود إلى أحد أكثر الأعمال استفزازاً وتحريضاً للعقل وإرضاءً للجماهير في عصره. تصفه المعجبة الألمانية المتعصبة فينغشيدت بأنه قصة "تظهر لك كيف يمكن أن يكون الغرق في دائرة الزمن النعيم والجحيم في آن معاً. هو فيلم يحملنا إلى أماكن مظلمة حقاً حيث يمكننا فعلياً الضحك على إنسان يقتل نفسه... مما يجعل هذا الفيلم مميزاً بالفعل هو ذلك المزيج من الظلامية وحس الفكاهة".

ستقدم نورا فينغشيدت عروض فيلم "عيد فأر الحقل" هذا الأسبوع ضمن مهرجان برلين السينمائي.

© The Independent

المزيد من سينما