Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لماذا عزف المصريون في الخارج عن مبادرة استيراد السيارات؟

مغتربون يعتبرونها لا تراعي مصالحهم والحكومة تبدأ بإجراء تسهيلات ومتخصصون: تحتاج إلى جهد للترويج

مبادرة تيسير استيراد سيارات المصريين بالخارج بدأت من 15 نوفمبر 2022 وتنتهي في 14 مارس 2023  (أ ف ب)

ملخص

استهدفت الحكومة المصرية حصيلة دولارية عند إطلاق مبادرة السماح باستيراد سيارات المصريين بالخارج في أكتوبر 2022 تصل إلى 10 مليارات دولار.

الفتور المصحوب بالكتمان كان رد فعل المصريين العاملين بالخارج، منذ أن بادرتهم حكومة بلادهم في أكتوبر (تشرين الأول) 2022، بطرح مبادرة جديدة تستهدف وتدعم أبناء الوطن من العاملين بالخارج الذين حلموا لسنوات طويلة بإمكانية اصطحاب سياراتهم من بلاد الغربة (العمل) إلى داخل الوطن الأم.

استقبل العاملون بالخارج مبادرة الحكومة المصرية مع اللحظات الأولى بسعادة كبيرة وحماس أكبر، لكنها كانت مجرد لحظات، إذ أفاقوا على شروط المبادرة الوليدة التي اعتبروها من وجهة نظرهم "مجحفة"، بل إن بعضهم اعتقد أن المبادرة تستهدف جمع أموالهم بالعملة الصعبة (الدولار الأميركي) فحسب، من دون بذل عناء يذكر من جانب المسؤولين عن المبادرة عن أفضل ما يناسب العاملين الكادحين لسنوات خارج البلاد بعيداً من ذويهم، بحسب ما ذكره مصريون عاملون بالخارج لـ"اندبندنت عربية".

تمكن المبادرة المصريين العاملين في الخارج من استيراد سيارة للاستخدام الشخصي من دون أي جمارك أو رسوم، لكنها في الوقت نفسه اشترطت إيداع قيمة الجمارك والرسوم في حساب وزارة المالية بالعملة الصعبة على أن يستردوا تلك القيمة بعد خمس سنوات بالجنيه المصري، بسعر صرف الدولار في تاريخ الاسترداد في نهاية السنوات الخمس.

كما اشترطت المبادرة أن يكون المقيم بالخارج مصرياً أو يحتفظ بالجنسية المصرية في تاريخ سداد المبلغ النقدي المستحق، ولا يقل عمره عن 16 سنة، ويتمتع بإقامة قانونية سارية بالخارج حتى لو لم يكن مقيماً بالفعل، ولديه حساب بنكي ببلد الإقامة مضى على فتحه ثلاثة أشهر على الأقل، وبه المبلغ النقدي المستحق قبل تاريخ التحويل بثلاثة أشهر في الأقل، كما أكدت المبادرة أن هذه السيارات المستوردة للاستعمال الشخصي فحسب، ولا يجوز استخدامها في نشاط تجاري، ولكنها غير محظورة البيع، ولا تتضمن أيضاً عربات النقل أو نصف النقل.

الحصيلة المستهدفة

البداية تعود إلى ما قبل أكتوبر الماضي ببضعة أشهر، عندما واجهت القاهرة مأزقاً اقتصادياً صعباً مع بدء الهجوم الروسي على الأراضي الأوكرانية في نهاية فبراير (شباط) 2022، إذ كان هذا التاريخ موعداً لبدء تعثر الاقتصاد المصري بصورة غير مسبوقة، مع خروج أكثر من 20 مليار دولار من خزائن البنك المركزي المصري مع تخارج المستثمرين الأجانب في أدوات الدين السيادية.

كما ارتفعت فاتورة استيراد السلع الأساسية من الخارج بعد اضطراب سلاسل الإمداد والتوريد، خصوصاً أن القاهرة تعتمد على دولتي النزاع في استيراد معظم السلع الأساسية، وهو ما انعكس على قيمة الجنيه المصري مقابل الدولار الأميركي، بعد أن فقدت العملة المصرية أكثر 100 في المئة من قيمتها مقابل العملة الخضراء الأميركية حتى الآن، وهو ما دفع القاهرة للبحث عن مصادر دولارية من خارج القنوات الأساسية التي قل منسوبها نوعاً ما. فأطلقت مبادرات عدة من بينها تلك التي خاطبت العاملين بالخارج.

وعلى رغم أن الحصيلة المستهدفة من طرح المبادرة لم تحدد قيمة بعينها، فإن وزير المالية المصري محمد معيط أعلن عند إطلاق المبادرة رسمياً قبل أربعة أشهر، أن "حكومة بلاده تستهدف حصيلة قد تصل إلى 10 مليارات دولار بحلول موعد انتهائها المحدد في 14 مارس (آذار) المقبل".

لكن، في المقابل توقع المتخصص في شؤون الاقتصاد هاني توفيق عبر صفحته الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، تزامناً مع إطلاق المبادرة آنذاك، إجمالي القيمة التي تستهدفها القاهرة من تلك المبادرة بنحو 12.5 مليار دولار، قائلاً إنه "بحسبة بسيطة، وبافتراض أن عدد المصريين في الخارج الذين سيستفيدون من هذا القانون مليون شخص فحسب، وأن متوسط جمرك السيارة 250 ألف جنيه (8150 دولاراً)، فإن الحصيلة التي ستدخل الخزانة المصرية تقدر بـ12.5 مليار دولار".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي نوفمبر (تشرين الثاني) أعلنت مصلحة الجمارك المصرية أن "مبادرة تيسير استيراد سيارات الاستعمال الشخصي للمصريين المقيمين بالخارج بدأت من 15 نوفمبر 2022، وتستمر لمدة أربعة أشهر تنتهي في 14 مارس 2023".

في تلك الأثناء، كشف وكيل لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب المصري مصطفى سالم في تصريحات إعلامية عن أن "عدد المسجلين على المنصة الخاصة بمبادرة استيراد المصريين بالخارج، بلغ حتى الآن 39 ألفاً و633 طلباً"، مشيراً إلى أن "هناك أوامر دفع صدرت بنحو 11 ألفاً و304 أوامر دفع تتخطى قيمتها الـ186.13 مليون دولار"، لافتاً إلى أن "هناك طلبات سارية بنحو تسعة آلاف طلب قيمتها 147.74 مليون دولار"، مؤكداً أن "تحويلات تمت بالفعل للبنوك المصرية بلغت نحو 3591 طلباً، بقيمة 39 مليون دولار، لعدد 3063 طلباً".

تعديلات جديدة

في غضون ذلك، وافقت لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب المصري على مشروع قانون بتعديل بعض أحكام القانون رقم 161 لسنة 2022 في شأن منح بعض التيسيرات للمصريين المقيمين في الخارج، إذ نصت التعديلات الجديد في المادة الأولى من مشروع القانون المقدم، على استبدال نص المادة (4) فقرة أولى، على نحو يربط بين فترة السنوات الخمس المنصوص عليها بالمادة (1) وصلاحية الموافقة الاستيرادية، ونظراً إلى أن فترة العمل بأحكام القانون وتحويل المبلغ النقدي أوشكت على الانتهاء، وفقاً لما تضمنته المادة (9)، ولكي يتسنى للمصريين المقيمين في الخارج الاستفادة من التعديل فقد رؤي مد الفترة المنصوص عليها بالمادة (9) شهرين إضافيين لتصبح ستة أشهر.
وبعيداً من التصريحات الرسمية في القاهرة، تواصلت "اندبندنت عربية" مع عدد من المصريين بالخارج من روؤساء الجاليات أو من العاملين بالخارج، إذ أجمعوا على أن المبادرة الجديدة هدفها نبيل، ولكنها طبقت بالطريقة الخاطئة والتوقيت غير المناسب.

مخيبة للآمال

وقال عضو اتحاد المصريين في أوروبا عن دولة إيطاليا، علي ربيع، إن "المصريين بالخارج، وخصوصاً في أوروبا، بحت أصواتهم مناشدة للحكومة المصرية في النظر بعين الاعتبار إلى المصريين بالخارج، على أساس أنهم قوة اقتصادية ناعمة قوامها يزيد على الـ12 مليون مصري، يمكنها بكل بساطة دعم الاقتصاد المصري بكل قوة، كما نادوا بإعلان تيسيرات عديدة منها تسهيل استيراد السيارات معهم عن العودة إلى القاهرة، سواء للإجازات أو العودة النهائية"، مستدركاً أن "المبادرة أو القانون الذي صدر جاء مخيباً لآمال السواد الأعظم من العاملين بالخارج".

شروط مجحفة 

وأوضح عضو اتحاد المصريين في أوروبا عن دولة إيطاليا، أن "المبادرة بها كثير من الثغرات وشروط مجحفة منها مدة المبادرة والمطالبة بحساب بنكي يتضمن المبلغ المطلوب كقيمة الضرائب والرسوم الجمركية بالدولار قبل إطلاق المبادرة بثلاثة أشهر".

بعيدة من مصالحنا

في الجانب نفسه، قال المتحدث باسم المصريين في أووربا، ولاء مرسي، إن "المبادرة لم تلق القبول المرتقب من جانب المصريين بالخارج، لشعورهم أن الدولة تبحث عن جمع الدولارات فحسب، بعيداً من مصلحتهم الشخصية"، مضيفاً أن "شرط فتح حساب بنكي بالدولار الأميركي قبل انطلاق المبادرة بثلاثة أشهر أمر يدعو إلى الغرابة".

وكشف عن أن "هناك نسبة لا تقل عن الخمسة في المئة من المصريين في أوروبا هجرة غير شرعية ولا يمكن التعامل مع البنوك الرسمية، فهؤلاء مبدئياً خرجوا عن المبادرة تماماً، إلى جانب التغاضي عن ضرورة فتح الحساب بالدولار الأميركي"، متسائلاً، "لماذا لا يحول المصريون بالدول العربية بعملات الدولة المقيمين بها، وكذلك تمكين العاملين في بريطانيا بتحويل المبالغ المطلوبة بالجنيه الاسترليني للتخفيف عنهم".

 

 

أسباب العزوف

وعن أحد أسباب عزوف المصريين بالخارج عن المبادرة قال رئيس الجالية المصرية بمنطقة الأحساء بالسعودية جمال الشوربجي إن "المبادرة لم تلب طموحات المصريين بالخارج، وتم إطلاقها دون تخطيط مسبق أو إجراء حوارات مجتمعية مع المصريين بالخارج لمعرفة مطالبتهم وآرائهم حتى تخرج المبادرة بقبول الجميع".

وأشار إلى أن "وزارة الهجرة وشؤون المصريين بالخارج عندما أجرت استطلاعات رأي للمصريين بالخارج، اقتصرت على آراء ما لا يزيد على 100 مواطن، من التي تواصلت معهم، بينما عدد المصريين العاملين بالسعودية يزيد على الـ2.5 مليون مصري".

تاريخ الصنع

وأضاف أن "المبادرة اشترطت أن تكون السيارة محل المبادرة أن تكون موديل (تاريخ التصنيع) سنة 2022 أو2021، وبذلك أضاعت الحكومة فرصة أصحاب السيارات موديلات سنوات سابقة، ولو عدلت هذا الشرط سنرى إقبالاً غير مسبوق من المصريين بالخارج".

كما طالب رئيس الجالية المصرية بمنطقة الأحساء بالسعودية بوضع شرائح للرسوم الجمركية طبقاً لنوع السيارات تتناسب مع كل الفئات وتقليل مصاريف ورسوم تحويل المصريين بالخارج لمدخراتهم"، لافتاً إلى أن "نسبة تحويلات المصريين بالخارج لا تزيد على 25 في المئة من إجمالي المدخرات".

لم تقدم جديداً 

من جانبه، قال أيمن وحيد، أحد المصريين العاملين في الكويت، إن "لا حديث بين المصريين في الكويت يعلو على حديث المبادرة المذكورة"، مضيفاً أن "شعور المصريين هنا أن المبادرة لم تقدم جديداً لهم، إذ إنها ستحصل قيمة الرسوم الجمركية فوراً على أن تردها بعد خمس سنوات، في حين أن دول أخرى لا تحصل على رسوم من الأساس من مواطنيها عند جلب سياراتهم من الخارج، كما يعتقد المصريون هنا أن الهدف الأساسي للمبادرة هو جمع الدولارات من العاملين بشكل سريع للغاية، والدليل على ذلك هي مدة سريان المبادرة"، متسائلاً، ما الفائدة التي ستعود عليَّ غير استرداد قيمة الرسوم بعد خمس سنوات بالعملة المحلية بعد أن تتآكل قوتها الشرائية؟ أليس من الأفضل لي أن أضع المبلغ في شهادة تدر على مبالغ طوال تلك الفترة؟

تخاطب كبار المغتربين

باللهجة الغاضبة نفسها قال أحمد صبرة، أحد العاملين في الإمارات، إننا "لا يمكن الإقرار بفشل مبادرة السماح باستيراد سيارات المصريين في الخارج"، مضيفاً أن "الإقبال ضعيف بالفعل"، مشيراً إلى أن "المبادرة استهدفت فئة محددة من المغتربين، وهم كبار المغتربين بالخارج، سواء في الإمارات، أو غيرها من الدول".

ولفت إلى أن "الاستفادة كانت لكبار المغتربين أو تجار السيارات، إذ إن المبادرة تشترط أن السيارة موديل السنة، وهم لديهم القدرة على شراء سيارات موديل السنة، بينما السواد الأعظم من المغتربين لا يملكون تلك الرفاهية، إذ إن سياراتهم تعود إلى موديلات لسنوات مختلفة منها ما قد يعود تاريخ إنتاجها إلى عام 2010".

"الهجرة": تواصلنا معهم قبل طرحها

على الجانب الآخر، أكدت وزيرة الهجرة وشؤون المصريين بالخارج سها الجندي أن "الأزمة الاقتصادية العالمية أثرت في تحويلات المصريين بالخارج، ليس ذلك فحسب، بل إن الأزمة الاقتصادية أثرت في التحويلات الخاصة بدول أخرى، مثل مصر، ومن ثم نرحب بمشروع القانون المعروض لتعديل بنوط مبادرة السماح لاستيراد سيارات المصريين بالخارج"، مشيرة إلى أن "الوزارة تعقد اجتماعات متتالية مع الجاليات المصرية".

المساواة بين الجميع 

من جانبه قال أمين عام رابطة مصنعي السيارات خالد سعد إن "هناك عوامل عدة تسهم في نجاح المبادرة"، موضحاً أن "مد فترة الاستيراد داخل المبادرة إلى 5 أعوام بدلاً من عام حالياً كعامل أول إلى جانب المساواة في المعاملة الجمركية لسيارات العاملين بالخليج كأوروبا، خصوصاً أن العاملين بالخليج يمثلون ما بين 40 و50 في المئة من المصريين العاملين بالخارج".

وأضاف أن "زيادة أعداد المتقدمين للمبادرة سيزيد في حال تطبيق التيسيرات التي تمت المطالبة بها جميعاً"، مؤكداً، "أبرزهم خفض الوديعة بنسبة 50 في المئة على الأقل بالنسبة إلى العاملين في الخليج"، مشيراً إلى أن "هذا الخفض سيؤثر بشكل إيجابي".

ووفقاً للبيانات الرسمية تتراوح أعداد المصريين العاملين بالخارج بين 10 و14 مليون مصري، تستحوذ دول الخليج على النسبة الأكبر، إذ تأتي السعودية في المركز الأول، ويعمل لديها نحو ثلاثة ملايين مصري، ثم الأردن بقرابة 1.5 مليون مصري، وفي المركز الثالث الإمارات، إذ يعمل بها 765 ألف مصري، بينما يعمل نحو نصف مليون مصري بالكويت، والسودان نحو نصف مليون مصري وافد، بينما يعمل في أوروبا أعداد تتراوح بين ملياري و4 مليارات مصري.

تحتاج إلى جهد مضاعف للترويج

من جانبه، اعتبر نائب رئيس شعبة إلحاق العمالة المصرية بالخارج في الغرف التجارية عبدالرحيم المرسي أن "مبادرة السماح باستيراد سيارات المصريين بالخارج ذات هدف نبيل"، مستدركاً، "لكن عند طرحها شوهت"، موضحاً أن "المبادرة لم تراع ظروف العاملين بالخارج بشكل كامل بداية من اشتراط فتح حساب دولاري قبل التقدم للمبادرة بثلاثة أشهر كاملة، إضافة إلى عدم مراعاة الكلفة التي يتحملها المغترب لشحن سياراته من الخارج حتى الجمارك المصرية"، لافتاً إلى أنها "كلفة زائدة"، مضيفاً أن "التعديلات التي تتم الآن جاءت بعد فوات الأوان". وتابع أن "تأتي متأخراً خير من التجاهل"، معتقداً أن "المبادرة بعد التعديلات تحتاج إلى جهد مضاعف للترويج والتسويق تبدأ من المطارات".

اقرأ المزيد