في خطوة جديدة تؤكد دخول الملف الليبي حيز الاهتمام والأولوية للإدارة الأميركية في الشرق الأوسط، استضافت واشنطن اجتماعاً دولياً في شأن ليبيا لأول مرة منذ نشوء الأزمة منتصف العقد الماضي، واستعصائها على الحل على رغم المحاولات الكثيرة والمبادرات المتكررة من أكبر العواصم الدولية والعربية.
وشهد الشهران الماضيان تحركاً دبلوماسياً أميركياً ملحوظاً في
ليبيا وزيارات لشخصيات من الوزن السياسي الثقيل على المستوى السياسي والعسكري إلى بنغازي وطرابلس، تبعتها إشاعات عن خطة أميركية تحبك بالاتفاق مع الأطراف الليبية الفاعلة لتنظيم الانتخابات العامة قبل نهاية العام الحالي، زاد الحديث عنها بعد المؤتمر الدولي.
مجموعة العمل الدولية
شهد اللقاء الذي استضافته العاصمة الأميركية (23-2-2023) اجتماع الدول التي تشكل لجنة العمل الدولية المتخصصة بالشأن الليبي، بمشاركة الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة لليبيا عبدالله باثيلي ومسؤولين من مصر وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وقطر وتركيا والإمارات العربية المتحدة وبريطانيا، لمناقشة تطورات الأزمة خاصة المستجدات المتعلقة بإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية.
وأعلنت وزارة الخارجية الأميركية في بيان لها، أن "المبعوث الأممي عبدالله باثيلي، وقبل إحاطته أمام مجلس الأمن الدولي، أطلع المشاركين على آخر المستجدات في شأن مشاوراته مع القادة والمؤسسات في ليبيا بهدف تعزيز الإجماع الذي يفضي إلى إجراء الانتخابات في عام 2023".
وأضافت أن "المشاركين أحيطوا علماً بالتقدم الذي أحرزه
مجلس النواب الليبي والمجلس الأعلى للدولة في المفاوضات التي يسرتها مصر وناقشت الأساس الدستوري للانتخابات ومشاورات في شأن الخطوات التالية التي ينبغي اتخاذها لاستكمال الاستعدادات للانتخابات".
وذكر البيان الأميركي أن "نائبة وزير الخارجية ويندي شيرمان، أشارت في تصريحات للمسؤولين الزائرين إلى اتفاق الولايات المتحدة والممثل الخاص للأمين العام باثيلي على ضرورة تقديم المساعدة لإجراء انتخابات ليبية حرة ونزيهة في عام 2023".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
من جانبه، قال مستشار وزارة الخارجية الأميركية ديريك شوليت، في تغريدة له على "تويتر"، إن "الوقت قد حان للتوحد خلف المبعوث الأممي عبدالله باثيلي لتسهيل مطالبة الشعب الليبي بالانتخابات". ودعا شوليت إلى "ضرورة توحيد جميع الجهود الدولية لإجراء الانتخابات الليبية".
غياب مؤلم
في المقابل، أثار غياب أي طرف ليبي عن المشاركة في المؤتمر تساؤلات وانتقادات واسعة في البلاد، ووصفت عضو ملتقى الحوار السياسي، آمال بوقعيقيص،
الاجتماع الدولي في شأن ليبيا، بـ"الموجع" لخلوه من المشاركة الليبية. ورأت بوقعيقيص، أن هذا الاجتماع " موجع حد القهر، لأن المشاركين يتحدثون عن مصير ليبيا، وليس بينهم ليبي واحد".
ولمح عضو مجلس الدولة أحمد لنقي إلى أن الغياب الليبي عن حضور اجتماع واشنطن يجعله بلا معنى، قائلاً إن "المجتمع الدولي لن يستطيع أن يفرض حلاً سياسياً على الليبيين، وإذا لم تتفق الأطراف السياسية الليبية المعنية بالتوافق لا يمكن للمجموعة الدولية أن تؤثر بشكل جاد في المشهد الليبي".
تسريبات
في سياق متصل، تناقلت مصادر إعلامية ليبية متطابقة، تسريبات في شأن ما قالت إنه مقترح أميركي – بريطاني – فرنسي نوقش في اجتماع واشنطن بخصوص ليبيا، وبحسب هذه المصادر تضمن هذا المقترح جدولاً زمنياً من 3 سنوات للوصول إلى الانتخابات الرئاسية، محور الخلافات بين الأطراف الليبية في العامين الماضيين.
وتقترح هذه الخطة المفترضة إجراء انتخابات برلمانية فقط العام الحالي، على أن يتكفل البرلمان الجديد بإعداد الدستور في مدة عامين، مما يعني بقاء البلاد دون رئيس منتخب لمدة ثلاث سنوات على الأقل.
ونقلت مصادر أخرى بينها الصحافي محمود المصراتي، عن مصادر مطلعة أن هذا المقترح، لم يقنع بعض الدول المشاركة في الاجتماع، مما جعله ينتهي دون التوصل لأي نتائج ملموسة.
وأشار المصراتي إلى أن "الاجتماع انتهى دون التوصل لأي نتائج بعد اعتراض بعض الدول على
الخطة الأميركية بإجراء انتخابات برلمانية فقط، على أن يترك اختيار رئيس البلاد للبرلمان الجديد".
نفي البعثة الدولية
في المقابل، نفت البعثة الأممية، صحة الوثائق المتداولة على وسائل التواصل الاجتماعي والمواقع الإخبارية الليبية التي قيل إنها تمثل خطة الممثل الخاص للأمين العام، عبدالله باثيلي، المقترحة لمعالجة الأزمة السياسية في ليبيا.
وأكدت البعثة في بيان أنها "لم تنشر أي خطة، وأنها تواصل العمل مع جميع الأطراف لإيجاد سبيل للمضي قدماً بقيادة ليبية". وقالت إن "كل ما يصدر عن البعثة ينشر حصراً على موقعها الرسمي وعلى منصاتها على شبكات التواصل الاجتماعي.
تحرك لأسباب كثيرة
يعلق المحلل السياسي الأميركي من أصول ليبية محمد بويصير على التحركات الأميركية الواسعة أخيراً في ليبيا التي توجت باجتماع مجموعة العمل في واشنطن، أن "اهتمام الولايات المتحدة الآني بالقضية الليبية سببه استمرار الحرب الروسية - الأوكرانية، وليس لرحيل إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب من البيت الأبيض وعودة الديمقراطيين إليه بقيادة جو بايدن، واختلاف السياسية الخارجية للإدارتين" .
ويوضح أن "الروس الطرف المهدد لأمن أوروبا موجودون في الأراضي الأوكرانية والليبية، مما يعني إمكانية فتح روسيا جبهة جديدة في جنوب القارة الأوروبية في البطن الرخوة لحلف شمال الأطلسي الـ(ناتو) بقيادة الولايات المتحدة، مما حفز الأخيرة على التحرك لإعادة الأمور إلى نصابها في ليبيا".
ويضيف بويصير أن "هذا التحرك الأميركي يركز على ضرورة انتخاب سلطة معبرة عن خيارات الشعب الليبي واختياراته، تضمن في المقابل إخراج مجموعة (الفاغنر) العسكرية الروسية الخاصة والروس بشكل عام من ليبيا، وإدخال البلاد مرة أخرى في المعسكر الحليف للغرب، كما كان عليه الحال بعد الحرب العالمية الثانية".
ويتابع، "استراتيجياً الولايات المتحدة لا تريد وجود روسي في ليبيا، وتستجلب الدول الفاعلة في المنطقة لتحقيق هذه الغاية، بعد أن فشلت النخبة الليبية بأن تصل لأي حلول، رغم مرور سنوات طويلة على انطلاق مفاوضاتها، والخلاصة أنه الآن أكثر من أي وقت مضى الولايات المتحدة عندها برنامج واضح للأزمة الليبية تريد تنفيذه".
البحث عن تسوية
في سياق متصل، يرى القيادي الليبي في تنظيم الإخوان المسلمين، عصام عميش، أن "اجتماع واشنطن الذي يضم مجموعة الاتصال في شأن ليبيا، المشكلة من 4 دول أوروبية إلى جانب أميركا وتركيا ومصر وقطر والإمارات، وحضور المبعوث الأممي عبدالله باثيلي هدفه معالجة الخلافات بين الأطراف الدولية الفاعلة والوصول إلى اتفاق من أجل الضغط على الأطراف الليبية للوصول إلى تسوية شاملة والإسراع بتنفيذ العملية الانتخابية".
وأشار إلى أن "هناك تحولاً في بعض المواقف الإقليمية ووحدة في الموقف الأوروبي، ومحاولات لاستقطاب أطراف أخرى تلتقي لأول مرة، لتحقيق هذه الأهداف".
ونوه عميش إلى "وجود إرادة أميركية غير معهودة في السابق بالضغط نحو إيجاد التوافق بين الأطراف الدولية والمحلية، واهتمام بموضوع الانتخابات كمخرج من الأزمة الليبية"، معتبراً أن "دعوة المبعوث الأممي في ليبيا عبدالله باثيلي لحضور الاجتماع قبل تقديم إحاطته بمجلس الأمن مؤشر كبير على ضرورة تحديد المسار المقبل وتهيئة الظروف للذهاب إلى الانتخابات، قبل نهاية العام".