Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف صارت "الدراسات العلمية" مدعاة إلى الشك؟

باحثون يكشفون عن سوق رائجة للإنتاج العلمي المزيف تهدد صدقية الرصين منه

أدى الانفجار العلمي في المنشورات العلمية وسهولة النشر عبر المنصات الرقمية إلى الإضرار بالمجال العلمي (أ ف ب)

يعكف الباحثون والعلماء في المعامل ومكاتب الجامعات والمراكز البحثية من أجل التعمق في فهمنا للعالم الذي نعيش فيه، والبحث عن إجابات وافية للأسئلة المحيرة، فتمر الأيام والأسابيع وربما السنوات على أمل أن يحصل أحدهم على شيء جديد أو فكرة مختلفة تحقق له إنجازاً علمياً عظيماً، مثل نسبية آينشتاين أو قانون جاذبية نيوتن ليبدأ في صياغة نظريته الخاصة.

لكن أنواعاً من هذا الاعتكاف أنتجت لنا أطناناً من الدراسات الخالية من الجوهر، بل والغريبة في أحايين كثيرة، ولا تكاد تشكل أية إسهام نوعي في المجال العلمي، بل تكفي لإثارة السخرية.

غزارة الصين العلمية

بالنظر إلى عدد المنشورات العلمية عام 2020 بحسب "موقع شبكة العلوم" (Scopus)، لا تزال الصين المنتج الأكثر غزارة للبحوث، فقد وصل عدد المنشورات العلمية فيها إلى 744 ألف مقالة، في مقابل الولايات المتحدة التي سجلت 624 ألف منشور.

وعلى الصعيد العالمي يتم نشر أكثر من مليوني مقالة صحفية سنوياً، ومن المتوقع أن تزداد بنسبة تراوح بين 2 اثنين وأربعة في المئة سنوياً، ومع كثرة المواقع على الإنترنت فلا أحد يستطيع أن يؤكد عدد المجلات العلمية الموجودة، لكن التقديرات تشير إلى أن هناك أكثر من 30 ألف مجلة أكاديمية.

وأدى الانفجار العلمي في المنشورات العلمية وسهولة النشر في المنصات الرقمية والوصول للأوراق البحثية إلى الإضرار بالمجال العلمي أكثر من نفعه، مما جعل عبارة "دراسة علمية تثبت..." أقل وقعاً وسطوة على عقول عامة الناس، فقد تحولت شيئاً فشيئاً لأكبر مصدر للمعلومات المضللة بعد أن كانت قاطرة البشرية للخروج من الظلمات إلى النور.

دراسة فيزياء الـ "أوريو"

هناك كثير من الأوراق البحثية التي تنطوي تحت راية العلم ولا يعرف ما الذي كان الباحث يبحثه عنه، فهذه دراسة تبحث في فيزياء توزيع الكريمة في بسكويت "أوريو"، وهي علامة تجارية لبسكويت تنتجه شركة "نابسكو" الأميركية، ويتكون من كريمة بيضاء تقع بين قطعتي بسكويت شوكولاتة، إذ احتل البسكويت عناوين الصحافة العلمية في يوم ما بعد نشر بحث عنه في دورية علمية للإجابة عن سؤال حير العلماء، وهو هل يمكن تقسيم حشوة بسكويت "أوريو" بالتساوي بين الرقائق؟

 كما تطرقت دراسة علمية أخرى إلى بحث أفضل الطرق لتناول البسكويت المغطى بالشوكولاتة لتحقيق مزيد من المتعة، وبحسب ما نشرته "ديلي ميل" البريطانية من أن عالماً متخصصاً في الأغذية سعى بكل جدية إلى تحديد كيفية الإمساك بقطعة من البسكويت المغطى بالشوكولاتة، والطريقة الأفضل لتناولها وحجم "القضمة" وسرعة المضغ للاستمتاع بالطعم المثالي، فما أثر هذا النوع من الدراسات وكثرتها في العلم والعلماء والباحثين والمجال نفسه؟

بحثت دراسة علمية نشرت في موقع "فوكس نيوز" عن أن العدد المتضخم للدراسات أسهم في إرباك العلماء، فمن منظور بعضهم تعد كثرة الإنتاج العلمي تطوراً إيجابياً، ولكن وفقاً لعدد من الباحثين فإن كثرتها تمنعهم من مواكبة آخر التطورات في مجالهم، وهذا ما أكد عليه الخبير الاقتصادي من "جامعة روسكيلد" البروفيسور جيسبر جيسبرسن، والذي ذكر أيضاً أنه من الصعب معرفة أي الأوراق جيدة وأي ورقة هي مجرد تكرار، وهذا يعني أنه من بين الأعداد الهائلة من الدراسات التي تنشر كل عام فإن عدداً منها سيتلاشى سريعاً لأن الباحثين لا يستطيعون تكريس اهتمام كاف لكل ورقة.

وعن كثرة انتشار الدراسات التي خرجت عن سيطرة العلماء والتي لا يقرأها سوى مؤلفوها ومحررو المجلات، أشار الدكتور في علم الوراثة الشرعي رياض حسين إلى أن "وجود المجلات المفترسة التي تنشر الدراسات العلمية بأخطائها وتتصف بعدم الالتزام بعملية مراجعة الأقران (Peer review) أو انعدامها، وضعف إجراءاتها الأكاديمية أثناء المراجعة والتحرير هو السبب الأول".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأضاف، "عدم تسجيل البحث العلمي في قاعدة بيانات قوية في مجلات دولية محكمة موثوقة وذات جودة عالية للنشر مثل ’سكوبس‘ أو ’إيسي‘ أو ’إيبسكو‘ يؤدي الى التأثير في الدراسة العلمية"، مؤكداً أهمية فهرسة نتائج البحث العلمي في أكبر قواعد البيانات الدولية وامتلاكها لرقم نشر دولي ISSN)) ومعامل تأثير (Impact Factor IF)، مما يعكس مدى إشارة الأبحاث الجديدة للأبحاث التي نشرت سابقاً في تلك المجلة والاستشهاد بها.

المجلات المفترسة

أصابع الاتهام تشير إلى المجلات العلمية ووسائل الإعلام التي أسهمت في نشر مثل هذه الدراسات الغريبة التي لا تفيد المجال العلمي،  فالمجلات "المفترسة" هدفها جمع الأموال من الباحثين من دون النظر إلى المحتوى العلمي الذي تتضمنه هذه الدراسات، كما يقول عضو هيئة التدريس في "جامعة طيبة" بدر سالم البدراني الذي اعتبر أن هذا النوع من المجلات "ظهر في أوائل الألفية حينما كان الباحثون يعانون رسوم نشر الأبحاث في المجلات الرصينة المعتمدة، وكانت هذه المجلات تغري الباحث برسومها الرمزية وتعِده بسرعة النشر وقبول الأبحاث، لذا لجأ الباحثون المبتدئون بخاصة إلى النشر في الدول منخفضة ومتوسطة الدخل، فخرجت لنا آلاف الأبحاث المضحكة والهزلية".

وحكى البدراني التجربة التي قام بها عالم الأحياء والكاتب في مجال العلوم بجامعة "هارفارد" جون بوهانون، إذ كتب ورقة بحثية عن علاج وهمي لمرض السرطان، وبعد أن أرسل البحث إلى 304 مجلات علمية لنشر البحث على مدى 10 أشهر، وافقت 157 مجلة علمية على ذلك البحث الوهمي، بينما رفضته 98 مجلة علمية فقط، وكانت الصفة الغالبة للمجلات التي قبلت البحث أنها كانت تتمتع بالوصول المفتوح وتتصف بأنها مجلات مزيفة.

بدورها تشير الباحثة في مجال العلوم الإنسانية خديجة هوساوي إلى أنه "نادراً ما تكون دراسة علمية واحدة هي الإجابة النهائية للبحث العلمي، لكن المراسلين في الوسائل الإعلامية لا يقاومون الاكتشاف الجديد والجريء الذي يصنع عنواناً رئيساً يثير القارئ"، وهو ما تعتقد الباحثة أنه أدخل الدراسات في مواقف مربكة، مضيفة أن الإعلام عادة ما يقوم بتغطية الأوراق الأولية فقط ولا يهتم بالكتابة حول المراجعات الوصفية التوضيحية التي تأتي لاحقاً.

"جائزة نوبل" للجهلاء

لم تترك الدراسات المضحكة والغريبة من دون تقدير في المجتمع، بل رسمت جائزة خاصة بها وهي "إيغ نوبل" أو جائزة نوبل للجهلاء أو للحماقة العلمية، وتمنح كل عام في أجواء مضحكة وكوميدية للأبحاث العلمية، ويتم تصنيف الأبحاث الفائزة بأنها عديمة الجدوى وسخيفة وغير محتملة، إلا أنه في بعض الأحيان ينتج من الأبحاث الفائزة علم نافع.

 لكن الباحثة هوساوي تشير إلى ما تعتبره بحثاً عديم الفائدة قد يعتبر مثيراً للاهتمام وذا قيمة لشخص آخر، وتذكر أنه عندما نشر أينشتاين أوراقه الأساس في عشرينيات القرن الماضي تم رفضها عموماً من قبل المجتمع الأكاديمي على أنها هراء، ولم يتم فهم الأهمية الحقيقية لعمله إلا في وقت لاحق.

وتعتقد الباحثة السعودية أن أصحاب مصالح مثل شركات التبغ والقهوة وعدد من العلامات التجارية المؤثرة تقف خلف بعض البحوث مجهولة المصدر أو المشكوك فيها من أجل إحاطة سلعتها بالأضواء بغرض الإقبال عليها، أو محاولة القدح في استقرار ضررها لدى شرائح واسعة من الرأي العام، فيما عرف بأنه مجال خصب لـ "صناعة الجهل" بدوافع غير أخلاقية.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير