ملخص
واصلت #معدلات_ التضخم الارتفاع #مصر إلى مستوى #قياسي في يناير الماضي عندما سجل نحو 26.5 في المئة
بقشيش أو إكرامية أو منحة أو حتى هبة، كلها أوصاف تعني إيراداً إضافياً من المال يدخل جيوب العاملين، ففي حين يعتبر بعض الناس أن البقشيش مبلغ زائد عن الحاجة يمكن دفعه بكل سهولة فوق السعر الأساسي للخدمة أو المنتج، يترقب البائع أو مقدم الخدمة هذا المبلغ الضئيل معتبراً إياه مصدراً إضافياً أو ربما أساسياً للدخل.
على رغم الخلاف الديني حول مشروعية البقشيش، إذ تشترط الفتاوي أن تدفع الهبة أو الإكرامية عن طيب خاطر ورضا من المانح وإلا يتحول البقشيش إلى رشوة، وهي أمر مجرم دينياً وقانونياً، فإن بعض المهن والوظائف لا يمكن أن تستقيم حياة أصحابها من دون بقشيش، بعد أن فرضت مهنتهم هذا المبلغ كمورد أساسي.
إيراد إضافي
تعني كلمة بقشيش ذات الأصل العثماني أن هناك مبلغاً مالياً إضافياً يدفعه المستهلك أو العميل أو الزبون مقابل تحسين خدمة مدفوعة الأجر، أو يمنحه الشخص لمن أحسن معاملته أثناء استقباله لإنجاز طلب معين.
صار البقشيش عرفاً في بعض الدول، بل ربما يتعرض من يتجاهل دفعه للسخرية من مقدم الخدمة، وهناك دول قننت هذا الأمر، أما لو كنت في اليابان أو فرنسا، فمن الممكن أن تتعرض للمساءلة القانونية إذا دفعت البقشيش.
في مصر تختلف أشكاله، فهناك من جعله إلزامياً كجزء من تقديم الخدمة مثل محطات الوقود التي يعتمد معظم العاملين فيها على "التيبس" أو البقشيش المقدم من صاحب السيارة، وكذلك اعتبره أصحاب السيارات أمراً واقعاً، وهناك من أدرجه تحت بند الخدمة ونص عليه في فاتورة الحساب مثل المطاعم أو المقاهي الكبرى التي تحتسب البقشيش كنسبة من الفاتورة مقابل الخدمة.
اللباقة لا تكفي
في المطاعم والمقاهي الشعبية قبل موجة الغلاء العاتية، كان حسن الاستقبال وجودة الخدمة المقدمة واللباقة في الحديث عوامل مؤثرة في جمع البقشيش، وفقاً لما قاله وليد، عامل في مقهى، لـ"اندبندنت عربية"، مضيفاً "قبل عامين كان البقشيش مصدراً أساسياً للدخل والإنفاق على أسرتي المكونة من ستة أفراد، وكانت علاقتي بالزبائن تترجمها قيمة البقشيش، الآن لم يعد الأمر يتعلق باللباقة أو حتى المظهر والابتسامة والمعاملة الجيدة وجودة الخدمة، بل بالغلاء والارتفاع الجنوني في الأسعار، سواء أسعار المشروبات بالمقهى أو الأسعار بشكل عام"، معلقاً "الزبون بقى يحسبها بالمليم".
تعاني مصر موجة تضخم عاتية طاولت جميع أسعار السلع الأساسية منذ اندلاع الحرب الروسية - الأوكرانية قبل عام التي ألقت بتداعياتها السلبية على كل مناحي الحياة في مصر.
فمع الشرارة الأولى للحرب تأثرت أسعار السلع الأساسية في العالم وارتفعت معدلات التضخم وهب البنك المركزي الأميركي في محاولات متكررة للسيطرة على الوضع، مستخدماً سلاح أسعار الفائدة الذي أصابت طلقاته الطائشة الجنيه المصري، إذ فقد أكثر من نصف قيمته مقابل الدولار منذ مارس (آذار) 2022.
وابتداء من هذا التاريخ تبدلت الأحوال، فالأجور لم تعد تكفي شراء الكميات السابقة نفسها من السلع والخدمات، بل إن عدداً لا يستهان به من موظفي القطاع الخاص فقدوا وظائفهم وبعضهم اضطر إلى الحصول على مرتبه مخفضاً مقابل الإبقاء عليه ضمن قوة العمل، بينما حاولت الحكومة المصرية على الجانب الآخر تعويض موظفيها وعمالها بزيادات متتالية في الأجور وعلاوات غلاء وغيرها من المسكنات حتى يتحملوا ألم التضخم وارتفاع الأسعار.
إلى هنا لم تقِ مظلة الحماية الاجتماعية الجميع من لهيب الأسعار، ففي جانب آخر مظلم من الصورة تقف شريحة أخرى من العمال المصريين لا حول لهم ولا قوة ممن لم تسلط عليهم الأضواء وبقوا خارج حسابات الجميع.
عاملون بـ"البقشيش"
يقول أحمد حسن، عامل في أحد محال الكشري، إنه يحصل على راتب شهري بسيط للغاية لا يتخطى حاجز الـ1000 جنيه (نحو 33 دولاراً) والبقشيش الذي يأتيه من الزبائن يعادل ثلاثة أضعاف هذا الراتب، لذلك قبل بهذا الراتب البسيط في البداية، مستدركاً "لكن منذ ارتفاع الأسعار وموجات الغلاء غير المسبوقة تراجعت قيمة البقشيش بصورة كبيرة".
يضيف "الزبون بقى يطالب بما تبقى من حساب طبق الكشري، حتى لو كان جنيهاً واحداً"، متابعاً "الموضوع بقى صعب جداً، وصاحب العمل يقول إن الذنب ليس ذنبه، ونصيبي من البقشيش تراجع بمقدار النصف تقريباً منذ أزمة الغلاء".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الأمر نفسه بالنسبة إلى عماد عبد السلام، أحد العاملين في محطة للوقود، إذ يوضح "قبلت العمل بمرتب أقل من الحد الأدنى للأجور بنحو 50 في المئة، وكان البقشيش يدعمني كثيراً، إذ يمنحني إيراداً إضافياً يعادل الحد الأدنى للأجور إلى جانب المرتب الشهري، لكن الوضع منذ العام الماضي تحول إلى النقيض تماماً، إذ بات الزبائن والعملاء من أصحاب السيارات يدفعون المبلغ المعادل لقيمة الوقود فحسب من دون زيادة، في ظل الحال الاقتصادية الصعبة التي يعيشها الجميع".
ويتابع "أنا لا ألومهم، فبالفعل أصبح الوضع صعباً على الجميع، لكنني في الوقت نفسه لا أستطيع تأمين نفقات عائلتي التي تضم، إلى جانب زوجتي، ثلاثة أبناء جميعهم في مراحل التعليم المختلفة".
أقل من 326 دولاراً
الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي تعهد بمزيد من إجراءات الحماية الاجتماعية، مشيراً إلى أن "أي راتب أقل من 10 آلاف جنيه (326 دولاراً) شهرياً لا يكفي للعيش"، وعبر في تصريحات إعلامية على هامش المؤتمر الاقتصادي الذي عقد في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي عن عدم رضاه حيال مستوى الرواتب التي يتلقاها الموظفون. وقال الرئيس "المرتبات تعبانة. وأقل من 10 آلاف جنيه لأي حد مش هيقدر يعيش".
بعد دقائق من تعهد السيسي، أقرت الحكومة المصرية حزمة جديدة للحماية الاجتماعية في البلاد بقيمة 67 مليار جنيه (2.1 مليار دولار) تتضمن رفع الحد الأدنى للأجور إلى 3 آلاف جنيه (98 دولاراً) شهرياً من نحو 2700 جنيه (88 دولاراً)، كما جرى أيضاً إقرار علاوة استثنائية لجميع العاملين في الدولة وأصحاب المعاشات والتوافق على توفير دعم مالي للأسر على بطاقات التموين حتى 30 يونيو (حزيران( المقبل مع عدم زيادة أسعار الكهرباء حتى ذلك الموعد.
في غضون ذلك، واصلت معدلات التضخم الارتفاع إلى مستوى قياسي وصف بأنه الأعلى في خمسة أعوام، إذ سجل في يناير (كانون الثاني) الماضي نحو 26.5 في المئة مقابل نحو ثمانية في المئة للشهر نفسه من العام السابق، متأثراً بتراجع قيمة الجنيه مقابل الدولار الأميركي بنحو 60 في المئة منذ مارس 2022، لتصل قيمة العملة المحلية في الوقت الحالي إلى نحو 30.67 جنيه مقابل الدولار الواحد.
متى ستعود الأمور؟
أمام مقهى شعبي، وقف ناصر، وهو قهوجي، يحسب ما جمعه من الزبائن في نهاية وردية العمل التي تبدأ من السادسة صباحاً وحتى الخامسة مساء، يقول "أحصل على يومية 150 جنيهاً (4.89 دولار)، أي ما يعادل 3200 جنيه (104.32 دولار) شهرياً، وأمنح أبنائي في مراحل التعليم المختلفة ما يعادل 600 جنيه (19.56 دولار) أسبوعياً للمصاريف والمواصلات".
ويتابع "أنفق اليومية على مصاريف التعليم وأعتمد على البقشيش من الزبائن في تدبير بقية النفقات من مأكل ومشرب وملبس ومسكن وأدوية"، مستدركاً "قبل موجة الغلاء منذ مارس الماضي كان البقشيش الذي أحصل عليه من الزبائن يكفيني وأدفع منه أقساط بعض الأجهزة الكهربائية، ومنذ ارتفاع الأسعار بشكل جنوني أصبح الزبون يفكر ألف مرة قبل أن يمنح البقشيش، بل إن بعض الزبائن صار يطلب بقية الحساب لو كان نصف جنيه، مما قلل من دخلي اليومي والشهري ودفعني إلى الاقتراض من الزملاء والأهل والأقارب على أمل أن تتحسن الأحوال"، متسائلاً "متى ستعود الحياة إلى طبيعتها؟ كل ما أتمناه أن نعود إلى ما قبل حرب أوكرانيا".
أما أحمد عبده، أحد مرتادي المقهى، فيقول "قبل عام كنت أترك بقشيشاً للعامل والقهوجي، فإذا كان إجمالي الحساب 53 جنيهاً (1.72 دولاراً) على سبيل المثال كنت أدفع 60 جنيهاً (1.95 دولاراً) ولا أحصل على المبلغ المتبقي"، مضيفاً "الآن تغير الموقف وأصبحت أوفر كل جنيه لمصلحة البيت والأولاد، بل إنني قللت من تدخين الشيشة وتناول الشاي والقهوة توفيراً للنفقات".
مندوبو المبيعات
بين جدران المقهى الشعبي تتنقل دعاء سيد بين مناضد الزبائن لتسويق منتجاتها، إذ تعمل مندوبة مبيعات لإحدى شركات بيع العطور والجوارب الرجالية لتقتنص هامش ربح بسيطاً هو الفارق بين أسعار المنتجات التي تحصل عليها من الشركة وسعر البيع للزبائن.
تؤكد دعاء "أعمل في تلك المهنة لأدفع مصاريف الدراسة، فأنا في السنة الرابعة بكلية التجارة جامعة القاهرة، وقبل مرحلة الغلاء التي نعيشها الآن كان بعض الزبائن يتعاطف معي باعتباري بنتاً ويمنحني مبلغاً أكبر من ثمن المنتج. كان هذا الأمر يحدث في السابق بشكل يومي، أما الآن، فنادراً ما يحصل ذلك، بل إن معظم الزبائن يتفاوضون للحصول على المنتج بأقل سعر ممكن، مما قلص من إيرادات جانبية كانت تعينني على تحمل نفقات الدراسة وأعباء الحياة".