ملخص
دراسة حديثة كشفت أن #تونس لم تعد موقعاً جاذباً للاستثمار لكبرى الشركات العالمية الناشطة في قطاع النفط والمحروقات
كشفت دراسة حديثة عن أن تونس لم تعد موقعاً جاذباً للاستثمار لكبرى الشركات العالمية الناشطة في قطاع النفط والمحروقات، بل إن شركات كبرى عدة غادرت البلاد على غرار شركة شل العالمية و"إيني" الإيطالية.
وبينت الدراسة التي أنجزتها الجمعية التونسية للمراقبين العموميين (جمعية غير حكومية)، تراجع الاستثمار في القطاع الحيوي ما أثر سلباً في الاستقلالية والسيادة الطاقية لتونس التي تراجعت إلى مستوى 49 في المئة عام 2022، علاوة على العجز الطاقي الهائل الذي بلغته البلاد جراء ارتفاع مستوى التوريد.
وبررت الدراسة المعنونة بـ"خفايا عقود المحروقات في تونس" أن أهم أسباب تراجع جاذبية البلاد في المجال يعود بالأساس إلى الإطار القانوني الذي "أضحى مكبلاً ومنفراً للمستثمرين"، إذ تهدف الدراسة إلى التأكد من مدى احترام العقود المنشورة لمختلف القوانين والتراتيب المنظمة لقطاع المحروقات وتحديد المخاطر والثغرات المترتبة على عدم احترام العقود.
ومن ضمن العوامل الأخرى للوضع الذي آلت إليه تونس في هذا القطاع الاستراتيجي، ارتفاع نسق الاعتصامات والتحركات الاحتجاجية في مواقع الإنتاج مما تسبب في خسائر للشركات المنتجة.
الإطار القانوني أصل الداء
وقال معدا الدراسة المتخصصان في الطاقة وفي حوكمة الثروات الطبيعية غازي بن جميع وشرف الدين اليعقوبي، إن "تونس لم تعد موقعاً جاذباً للاستثمار في قطاع النفط والمحروقات بفضل إطار قانوني تمثل في مجلة المحروقات، لم يقع تحديثه بشكل جذري، إلى جانب أن الوضعية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية للبلاد نفرت عديداً من المستثمرين".
وأشار المتخصصان إلى أن وزارة الصناعة والمناجم والطاقة لم تحل الإشكالات المحيطة بالقطاع من خلال تذليل الصعوبات التي تتخبط فيها الشركات، إذ وجدت الأخيرة نفسها بمفردها في حلحلة المشكلات في مواقع الإنتاج.
وأبرزا أن كبرى الشركات العالمية على غرار "إيني" و"شل" غادرت تونس نهائياً، وشركات أخرى صغيرة وبحجم استثمارات متواضع تفكر في الرحيل بسبب تواتر المشكلات وغياب الإحاطة والمساندة.
تنقيح جذري لمجلة المحروقات
وأوصت الدراسة بضرورة تنقيح جذري لـ"مجلة المحروقات" في اتجاه مزيد من تعزيز مبادئ الحوكمة والشفافية وفقاً للمعايير الدولية، ودعت إلى وجوب نشر مداخيل الثروات الطبيعية بصورة مدققة لتقديم صورة حقيقية للموارد الضريبية المتأتية من قطاع المحروقات.
وخلصت إلى تأكيد ضرورة نشر الاتفاقات وكل الوثائق التي تعزز الرقابة على قطاع المحروقات، علاوة على وجوب تطوير دور المؤسسة التونسية للأنشطة البترولية (حكومية) والسعي إلى بناء مناخ من الثقة بين المؤسسات الناشطة والمواطن في الجهات المنتجة وتفعيل آليات التشاور والشفافية وتعزيز برامج المسؤولية المجتمعية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقال شرف الدين اليعقوبي إنه على رغم الجهود المحمودة منذ عام 2016 في نشر عقود المحروقات التي أهلت تونس إلى احتلال المرتبة 26 عالمياً في عملية النشر، إلا أن هناك عديداً من المعطيات والبيانات المتعلقة بملف المحروقات بحاجة إلى مزيد من التعمق بشأنها على غرار غياب المعلومات المفصلة حول المداخيل المتأتية من كل حقل نفطي (الإتاوات والضرائب) وغياب دراسات التأثيرات البيئية وتقارير الجدوى الاقتصادية لمشاركة المؤسسة التونسية للأنشطة البترولية في الامتيازات علاوة على غياب المالكين والمساهمين الحقيقيين في الشركات المستثمرة.
وفي محور المناطق الحرة غير المستغلة، قال اليعقوبي إن المعطيات في شأن تلك المناطق ليست على موقع الوزارة المشرفة على القطاع بل على الموقع الإلكتروني للمؤسسة التونسية للأنشطة البترولية، معتبراً ذلك مخالفاً للشفافية ولمعايير المساواة مع بقية المؤسسات.
تجاوزات تستوجب فتح تحقيق
ولدى تطرقه إلى محور النقائص والمخاطر في رخص الاستكشاف والبحث عن النفط في تونس، قال المتخصص في المجال الطاقي محمد غازي بن جميع، إن هناك رخصاً انتهت صلاحيتها ولم تجدد، من دون مراقبة من الجهات المعنية.
وأبرز أن الدراسة أفضت إلى الكشف عن حالات لرخص بها تجاوزات كبرى تتطلب فتح تحقيق بشأنها مستدلاً في ذلك على الاستغناء عن رخصة بئر "مكثر" من طرف المؤسسة التونسية للأنشطة البترولية بعد أن اشترت كل ممتلكات شركة "بي أر ريسورز" في إشارة إلى إهدار للمال العام وتساؤل عن وجود شبهات فساد.
وكشف المتخصص عن أنه من النقائص التي توصلت إليها الدراسة، عدم التأكد من الغلق النهائي لآبار النفط وإعادة المواقع إلى صبغتها الأصلية كأرض فلاحية، وهو ما حصل في آبار "زعفران" و"مكثر" و"المهدية" و"برج الخضراء" و"جناين الوسطى".
وبخصوص محور المخاطر والنقائص المحيطة بالامتيازات، أوضح غازي بن جميع أن الدراسة أظهرت أن هناك امتيازات لم يستكمل فيها تطوير الحقل على رغم مرور مدة زمنية طويلة على إسناده بلغت في بعض الحالات أكثر من 40 عاماً على غرار امتياز "بيرصة" (عام 1980) و"زلفة" (2004) و"كوسموس" (1985).
وكشف رشيد بن دالي المدير العام للمحروقات بوزارة الصناعة في حوار سابق مع "اندبندنت عربية" أن مشروع تنقيح مجلة المحروقات جزئياً يرتكز على جملة من المبادئ الأساسية وأهمها إشراك الشركات الناشئة للاستثمار في قطاع الطاقة إلى جانب إمكانية القيام بطلبات العروض عند إسناد رخص الاستغلال للحقول أو الآبار النفطية.
ولاحظ أن الشركات العالمية وحتى التونسية تدرك جيداً مدى أهمية الاستثمار في المجال بخاصة عند الاستكشاف، وذلك بضخ أموال كبيرة في الدراسات الجيولوجية والتنقيب وتصل إلى حدود 10 أعوام، وقد لا تتحصل على النتائج المرجوة، بالتالي يعد من المخاطر في المجال.
ويصل معدل الاستثمار في بئر نفطية على الأرض إلى نحو 20 مليون دولار وفي حال التوجه إلى الاستكشاف في عرض البحر فإن الاستثمار يتجاوز 50 مليون دولار.
وأقر رشيد بن دالي بأن اعتصام الكامور عام 2019 (محافظة تطاوين جنوب غربي) شكل منعرجاً خطراً ومثل خسارة كبيرة لقطاع المحروقات، إذ إن شركات قائمة غادرت البلاد على رغم وجود أنشطة لها، وشركات كبيرة أخرى أبدت رغبتها في مغادرة تونس بصفة ضمنية وغير مباشرة بسبب تردي المناخ الاجتماعي والتخوف من إغلاق الآبار.
رفع الدعم
بحسب البيانات الإحصائية التي استندت إليها الدراسة أكد غازي بن جميع أن تونس شرعت في رفع الدعم فعلياً عن المحرقات في عام 2022 بدليل إقدامها على تحريك أسعار المنتجات البترولية في خمس مناسبات العام الماضي لثلاثة منتجات بترولية، البنزين الخالي من الرصاص والغازوال العادي، والغازوال من دون كبريت.
وفند الروايات الرسمية التي تقول إن تحريك الأسعار جاء نتيجة ارتفاع الأسعار العالمية، موضحاً أن الزيادة خلال عام 2022 بلغت 20.5 في المئة للبنزين الخالي من الرصاص و23.7 في المئة للغازوال العادي و22.2 في المئة للغازوال من دون كبريت و32.1 في المئة لزيت الوقود الثقيل و14.4 في المئة للغاز المسال المنزلي.
وأشار إلى أن "تسارع رفع الدعم عن المواد البترولية لم يكن متزامناً مع وضع إجراءات تحول دون تراجع القدرة الشرائية للمواطن مع ارتفاع الأسعار والتضخم الكبير وهو ما سيزيد من تفقير الطبقة المتوسطة وإثقال كاهل المؤسسات الاقتصادية".
وصرح غازي بن جميع لـ"اندبندنت عربية" بأنه قد يحدث تكرار لنقص المواد البترولية من السوق في الفترة المقبلة بسبب عدم توفر السيولة المالية من العملة الأجنبية، مشيراً إلى أنه في حال عدم توصل تونس إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي للحصول على القرض المالي والتمويلات الأخرى من بقية المؤسسات المانحة، فإن الوضع سيزداد سوءاً بمزيد من ارتفاع العجز الطاقي.