ملخص
الحيرة تحيط بأسباب "#متلازمة_هافانا" التي أصابت 1500 من الأميركيين في 95 بلداً حول العالم بعد سبع سنوات من تحقيق #الاستخبارات_الأميركية
بعد نحو سبع سنوات من التحقيقات الأكثر كثافة في تاريخ أجهزة الاستخبارات الأميركية سعياً لكشف أسباب "متلازمة هافانا" التي أصابت 1500 من ضباط الاستخبارات والدبلوماسيين والموظفين الأميركيين في 95 بلداً حول العالم، اتضح أن الأعراض المبلغ عنها من غير المحتمل بدرجة عالية أنها ترتبط بعدو خارجي أو أن تكون نتيجة أسلحة نبضات الطاقة الكهرومغناطيسية. كما رجح بعض العلماء في السابق.
لكن هذا التقييم الذي شارك فيه سبعة من أجهزة الاستخبارات الأميركية، لم يقدم تفسيراً واحداً لهذه الحوادث الغامضة، وترك المصابين بالأعراض محبطين ومصدومين، فما السبب وراء هذه الأعراض الصحية الغريبة؟ وكيف ابتلي بها المئات في عشرات الدول من دون أن يكون بينها رابط؟ ولماذا تراجعت فجأة بعد حرب أوكرانيا؟
ما هي "متلازمة هافانا"؟
اكتسبت "متلازمة هافانا" اسمها من المكان الذي ظهرت فيه أولى الحالات وهو العاصمة الكوبية هافانا، حيث أشارت وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية في تقرير لها عام 2016، إلى أعراض صحية غريبة أصابت عدداً من موظفي وزارة الخارجية المتمركزين هناك، ولكن سرعان ما بدأ الدبلوماسيون والموظفون الحكوميون وضباط الاستخبارات في النمسا والصين وعشرات من الدول الأخرى في جميع أنحاء العالم يعانون، من أعراض عصبية مماثلة وغير مبررة.
وتشمل مجموعة الأعراض الصحية التي أبلغ بها ضباط الاستخبارات والدبلوماسيون، الصداع الشديد والدوار والأرق والغثيان وصعوبة التركيز والاضطرابات السمعية وفقدان الذاكرة ومشكلات التوازن، لكنها تختلف من حيث النوع والشدة من شخص لآخر، وفي كثير من هذه الحالات، قال المرضى إن الأعراض بدأت بعد أن سمعوا صوتاً غريباً وشعروا بضغط شديد في رؤوسهم، وحتى الآن تم توثيق أكثر من 1500 حالة في 96 دولة.
وفي السنوات التي تلت التقارير الأولى، تقدم أكثر من 1000 موظف حكومي بشكاوى من هذه الأعراض التي غيرت حياتهم وكلفتهم فواتير طبية ضخمة، واضطر بعضهم إلى ترك وظائفهم بصورة موقتة أو دائمة.
لماذا أحاطت الشكوك بروسيا؟
أدت الحوادث الصحية الأولية إلى زيادة الضغط على العلاقات المشحونة بالفعل بين الولايات المتحدة وكوبا التي تعد حليفاً وثيقاً لروسيا منذ عشرات السنين، وهو ما أثار بعض الشكوك في البداية من أن يكون الكرملين خلف هذه الحوادث، كما أشارت دراسة أولية لمجتمع الاستخبارات الأميركي على الذين قدموا شكاوى إلى أنهم ربما تعرضوا لسلاح طاقة موجهة أو أفران ميكروويف.
وعزز هذه الاستنتاجات الأولية، ما توصل إليه تقرير أصدرته لجنة خبراء من داخل وخارج الحكومة الأميركية بما فيها مراجعة أجرتها الأكاديميات الوطنية للعلوم، وجد أن نبضات الطاقة الكهرومغناطيسية المنبعثة من مصدر خارجي يمكن أن تكون سبباً معقولاً في وقوع هذه الحوادث الغامضة.
واعتبر بعض مؤيدي الفرضية القائلة بأن المسؤولية تقع على دولة أجنبية، أنهم شعروا بالإحباط ولم يكونوا مستعدين للتخلي عن احتمال أن تكون حكومة أجنبية مثل روسيا، وراء هذا العمل، وأشاروا إلى أن الانخفاض في الأعراض التي تم الإبلاغ عنها أخيراً تزامن مع الهجوم الروسي على أوكرانيا، مما يشير إلى أن موارد الكرملين كانت ضعيفة للغاية بحيث لا يمكنها مواصلة حملة محتملة ضد الأميركيين.
وبينما يشير تقرير الاستخبارات إلى أنه لا توجد دلائل على تورط روسي أو من أي جهة أجنبية أخرى، إلا أن المسؤولين الأميركيين قالوا إنه لا يوجد ما يشير إلى أن هذه الحوادث كانت أيضاً نتيجة لهجوم من الداخل، ولم يناقشوا ما إذا كان لدى الولايات المتحدة سلاح يمكن أن يتسبب في هذه الحوادث.
تقييم الاستخبارات
لكن بعد سنوات من التقصي والتحليل والتحقيقات الأكثر كثافة في تاريخ الاستخبارات الأميركية بحسب وصف مدير الاستخبارات المركزية وليام بيرنز، خلص التقييم الذي شاركت به 7 أجهزة استخبارات مختلفة إلى أنه لا يوجد دليل موثوق يمكن من خلاله ربط أي حالة من حالات المرض الغامض بخصم أجنبي، مما يستبعد أن تكون هذه الأعراض غير المبررة نتيجة حملة مستهدفة من قبل عدو للولايات المتحدة.
ووجد التقييم أنه على رغم وجود مستويات متفاوتة من الثقة بين أجهزة الاستخبارات السبعة، فإن معظمها خلص إلى أنه من غير المحتمل أن أي عدو قد طور سلاحاً قادراً على التسبب في الإصابات التي أبلغ عنها المسؤولون الأميركيون، وأن مراجعة المعلومات الاستخباراتية، أظهرت أن الخصوم كانوا في حيرة من أمرهم واعتقدوا أن الأعراض المبلغ عنها كانت جزءاً من مؤامرة أميركية ضدهم.
ويؤكد التقييم الجديد تقرير موقت أصدرته وكالة الاستخبارات المركزية في العام الماضي وجد أنه من غير المحتمل أن تكون الحوادث الصحية الغريبة، ناجمة عن حملة عالمية متواصلة من قبل روسيا أو أي جهة أجنبية أخرى.
هل من إجابة نهائية؟
لم يقدم تقييم مجتمع الاستخبارات إجابات محددة حول سبب المرض الذي أصاب المئات من موظفي الحكومة الأميركية وأفراد أسرهم في جميع أنحاء العالم، حيث لا يوجد تفسير واحد لهذه الحوادث، نظراً لأن هناك العديد من الأسباب المحتملة المختلفة بما في ذلك العوامل البيئية والاجتماعية والحالات الطبية القائمة مسبقاً وفق ما يشير بيان من مكتب مديرة الاستخبارات الوطنية الأميركية أفريل هاينز.
ولهذا اعتبر ضابط سابق في وكالة الاستخبارات المركزية كان يعاني الأعراض، أن هناك أمراً غريباً في كل هذا، لأنه إذا كان الأطباء شخصوا إصابة بعضهم بإصابات في الدماغ خلال تأدية عملهم، ولا تقول أجهزة الاستخبارات أنه صدر من خصم أجنبي، فما سبب ذلك؟
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لا يزال هناك العديد من الأسئلة التي لم تتم الإجابة عنها، ولا يسعد المرضى وكثيراً من الأميركيين ما وصفه التقرير بالمعلومات المحدودة التي رفعت عنها السرية لدعم الاستنتاج الذي خلصوا إليه.
وفي حين قد يمثل تقييم مجتمع الاستخبارات الجديد الكلمة الرسمية حول الأعراض الصحية الغريبة، لكنه لن يكون آخر كلمة في هذا الشأن، حيث تواصل وزارة الدفاع الأميركية دراسة وتقييم هذه القضية، كما أشار المتحدث باسم وزارة الخارجية نيد برايس إلى أن الباب لا يزال مفتوحاً أمام مزيد من البحث والدراسة.
على ماذا استند تقرير الاستخبارات؟
وفقاً لمسؤول استخباراتي مطلع على التقييم، فإن أجهزة الاستخبارات لم تترك أي شيء من دون أن تفحصه، وشمل ذلك حتى الظواهر الجوية المجهولة التي تم فحصها كأسباب محتملة، ونقلت "سي أن أن" عن المسؤول قوله إن المحققين طوروا ونشروا أجهزة استشعار وكشف متعددة من أجل تحليل الإشارات المحتملة ذات الأهمية، كما راجعوا محتوى شبكة الويب المظلمة بحثاً عن العملاء المحتملين، وأجروا مئات المقابلات مع ضباط ومسؤولي الحكومة الأميركية، بل أطلقوا تحقيقاً كاملاً في دول ثالثة أخرى لتحديد صحة معرفة أطراف خارجية بالتورط الروسي في الأعراض الصحية الغريبة.
وأوضح أحد المسؤولين أن جهود التحقيق كانت شديدة الصرامة وتنطوي على درجة عالية من المخاطرة وأوضح أن ضباط الاستخبارات درسوا بدقة ما حدث في الساعات والأيام والأسابيع التي أحاطت بكل حادثة، وأشارت بعض الحالات إلى وجود نشاط إجرامي مثل وجود تجار أسلحة، ولكن عندما طارد مسؤولو الاستخبارات تلك الخيوط من خلال النظر في ماضي المجرمين وعائلاتهم وأسفارهم، لم يجدوا أي صلة بالحوادث الصحية الغامضة.
وعلى رغم أن التحقيق لم يجد أي تفسير فردي للأعراض التي تم الإبلاغ عنها، وعدم العثور على دليل يدعم وجود خصم أجنبي وراء أي قضية واحدة، إلا أن الاستخبارات أقرت بإمكانية وجود حفنة من الحالات يمكن أن تكون سبب محاولة جهة شريرة إلحاق الأذى بالأميركيين ولهذا هناك حاجة إلى مزيد من البحث لاستبعاد هذا الاحتمال.
لماذا تتواصل الشكوك؟
فيما انتقد ممثلو ومحامو الأشخاص الذين يعانون الأعراض، التقرير الجديد ووصفوه بأنه غير مكتمل وغير شفاف، ودعوا وكالات الاستخبارات إلى الكشف عن مزيد من المعلومات حول كيفية توصلهم إلى استنتاجاتهم والتحقيق في خيوط أخرى قالوا إنها لا تزال سيئة الفحص، نقلت صحيفة "واشنطن بوست" عن ديفيد ريلمان، الذي ترأس تحقيق الأكاديميات الوطنية الأميركية قوله، إن فرضية سلاح الطاقة لا تزال قابلة للتطبيق، بخاصة أن هناك العديد من التفسيرات المحتملة للتناقض الواضح بين الفشل في تحديد سبب المرض ومعقولية الطاقة الموجهة كآلية محتملة، ولهذا لا ينبغي استبعادها.
وعلاوة على ذلك، استهدفت نتائج تقرير الاستخبارات مجموعة مناصرة مؤلفة من مسؤولين حاليين وسابقين، قائلة إن النتائج لا تفحص تجاربهم الحية بدقة، ولم تأخذ في الحسبان ما وجده العديد من المهنيين الطبيين عبر مؤسسات متعددة، كما قالت جماعة مناصرة ضحايا "متلازمة هافانا"، في بيان، إن الأطباء قرروا أن المشكلات البيئية أو المشكلات الطبية الموجودة من قبل لم تسبب الأعراض والإصابات المؤلمة لأنظمة المرضى العصبية التي تم تشخيصها، وإنهم سيسعون إلى ضمان إجراء مراجعة بأعلى درجة من الدقة التحليلية وتوثيق جميع الاختلافات الجوهرية في التحليل.
ويشير بعض المسؤولين الحاليين والسابقين الذين ظلت ظروفهم غير مفسرة إلى أن وكالات الاستخبارات لم تحقق بشكل كافٍ في احتمال استخدام سلاح طاقة ضدهم، ويجادلون بأن المحللين كان بإمكانهم فعل المزيد للعثور على علاقات متبادلة بين تواريخ سفر عملاء الاستخبارات الروسية المشتبه فيهم والأوقات والأماكن التي تم الإبلاغ فيها عن الأعراض.
ما موقف ضحايا "متلازمة هافانا"؟
من المرجح أن يؤدي التقييم إلى مزيد من الإحباط بين الذين تأثروا بتقرير حكومة الولايات المتحدة لعدم أخذ حالتهم على محمل الجد بما فيه الكفاية أو بسبب إجراء التحقيق ببطء، واعتبر مارك زيد، المحامي الذي تمثل شركته العشرات من ضحايا "متلازمة هافانا" أن التقييم يفتقر إلى الشفافية، وأنه حتى يتم رفع السرية ويتوافر التحليل الذي أدى إلى تأكيدات التقييم ويخضع للطعن المناسب، فإن الاستنتاجات المزعومة لا قيمة لها من الناحية الجوهرية، كما أن الضرر الذي سببته لمعنويات الضحايا، عبر صرف النظر عن فشل الحكومة في تقييم كل الأدلة، هو ضرر حقيقي يجب إدانته.
غير أن مدير الاستخبارات المركزية وليام بيرنز سارع إلى توضيح أن هذه النتائج لا تشكك في التجارب والقضايا الصحية الحقيقية التي أبلغ عنها موظفو الحكومة الأميركية وأفراد أسرهم أثناء خدمتهم للولايات المتحدة.
في المقابل أكدت المتحدثة باسم البيت الأبيض جان بيير أن إدارة بايدن تأخذ هذا الأمر على محمل الجد، كما فعل مجتمع الاستخبارات، مؤكدة التزام الإدارة بحصول العاملين في الحكومة وعائلاتهم على المساعدة التي يحتاجونها من خلال الرعاية الطبية.
وفي سبتمبر (أيلول) عام 2022، أعلنت وزارة الخارجية أنها بدأت في الموافقة على مدفوعات لضحايا الحوادث الصحية الغريبة وفقاً لقانون هافانا الذي أقره الكونغرس بالإجماع ويسمح للوكالات الفيدرالية بتعويض الأفراد الذين يتعرضون لإصابات دماغية نتيجة أعمال عدائية أثناء مهمتهم، كما أوضحت وزارة الخارجية في يونيو (حزيران) 2022 أنها ستوفر للضحايا مبلغاً مقطوعاً لمرة واحدة وغير خاضع للضريبة يتراوح بين 140475 دولاراً و187300 دولار.
ومنذ فترة طويلة شكك وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في أن الأفراد المصابين بأعراض متلازمة هافانا يعانون هستيريا جماعية أو من تأثيرات نفسية وليست جسدية، وفق ما أشار تقرير سابق من مكتب التحقيقات الفيدرالي، مما أثار غضب العديد من المصابين الذين شعروا أن آلامهم قد تم تهميشها ولم يتم أخذ ادعاءاتهم على محمل الجد من قبل العاملين في المجال الطبي، بخاصة أن الخبراء أوضحوا أنه حتى لو كانت الأمراض نفسية المنشأ، فإن هذا لا يعني أن المصابين يتخيلون أعراضهم.