ملخص
قال إن جمهور #مهرجان_الإسكندرية يبحث عن فن حقيقي وأن المهرجانات في مصر تعتمد "البهرجة" و#الريد_كاربت
ارتبط اسم المخرج المصري محمد ياسين بكثير من الأعمال البارزة في الدراما والسينما المصرية، ووصفه النقاد بأنه مخرج التفاصيل، فلا يخرج عمل له إلا بشكل ملحمي بتفاصيل مميزة تضفي أجواء خاصة، مثل مسلسلات "الجماعة" و"أفراح القبة" و"موجة حارة"، وكذلك برع على شاشة السينما في الكوميديا بأعمال مثل "عسكر في المعسكر" و"محامي خلع"، وتفوق في أعمال أخرى تراجيدية مثل "دم الغزال" و"الوعد"، وكرمه أخيراً مهرجان الإسكندرية للفيلم القصير في دورته التاسعة.
"اندبندنت عربية" حاورت المخرج محمد ياسين حول كثير من الأمور، مثل وجهة نظره في الإخراج حالياً وكيفية التعامل مع المخرج، وسيطرة المنصات على صناعة السينما، وفرض بعض الممثلين على الأعمال بدافع المصالح، كما تحدث ياسين عن مسلسله الأخير "المشوار" ورأيه في التجربة وأزماتها.
مهرجان الإسكندرية
تحدث ياسين في البداية عن مهرجان الإسكندرية للفيلم ووجوده فيه وأهميته بالنسبة إليه، وقال إنه سعيد بالمهرجان وبجهد الشباب المبذول في صناعة حدث فني سينمائي خاص بعيداً من الربح المادي والمواد الرائجة. وأشار إلى أنه عندما طلبوا منه المشاركة رحب بالعرض لأنه مهرجان بلا "بهرجة" أو "ريد كاربت"، أو صخب "السوشيال ميديا" وهو عن سينما وصناعة، وبه تظاهرة حقيقية "تجعلك تتعرف على صناع سينما ونقاد ومهتمين، وهذه الحالة مفقودة في كل مهرجانات مصر، منها مهرجان القاهرة".
وأضاف أن "جمهور المهرجان يبحث عن فن حقيقي واندهشت من الجموع التي تحضر العروض، وفوجئت أن جمهوراً عادياً يشاهد أفلاماً من جورجيا مثلاً ودول مختلفة، وهذا يعني أن هناك بشراً وأشخاصاً حقيقيين يتابعون السينما المميزة والهادفة".
الورش الفنية والإخراجية
قدم محمد ياسين أخيراً بالمهرجان ندوة تحدث فيها عن مشواره، وعن انتشار ورش التمثيل والإخراج والكتابة ورأيه فيها، وأشار إلى أنه يرفض الموضوع، "حيث تصور الورش أنه يمكن لشخص أن يتعرف على مهنة الإخراج أو التمثيل أو الكتابة في 10 ساعات أو 10 أيام، أو ربما أشهر قليلة، وهي ظاهرة غير مفيدة لمن يريد تعلم الإخراج أو التمثيل".
وأردف "درست الإخراج في أربع سنوات، ومستحيل أن أتعلم هذا الكم في ستة أشهر إلا إذا كانت متابعتي واستيعابي وتحصيلي أكبر بكثير من العادي"، وكشف ياسين عن سبب موافقته على تقديم "ماستر كلاس" أخيراً، وقال "هي ليست ورشة لكنها محاضرة عن مرحلة التحضير وكيفية إدارة المخرج لبدايات وأساسات مشروعه، وكيف يمكن أن تنقل فكرة وورق كعمل حقيقي على أرض الواقع، وطريقة تكوين فريق العمل يتعلق بهذه التجربة، وبعد سنوات من الخبرة من الطبيعي أن نختار من تعاوننا معهم، لكن الأصح أن نختار الأشخاص المناسبين لكل تجربة بشكل خاص، ويجب تحديد قدرات فريق العمل فليس أي مونتير يستطيع تنفيذ فيلم كوميدي مثلاً".
وسألنا ياسين بحكم خبرته الطويلة منذ الثمانينيات في الإخراج والسينما عن الجمهور وهل تغيرت ذائقته ناحية الفن والإبداع، بخاصة تجاه السينما فرد قائلاً "في بداية حقبة الثمانينيات وحتى آخر التسعينيات كان هناك جمهور يهتم بسؤال غريب جداً وهو (هل الفيلم قصة أم مناظر؟)، بمعنى أنه كان يسأل هل هناك مشاهد مثيرة بالعمل ليدخل حتى يشاهدها أم سيستمتع بالقصة فقط، وفي الحالتين كان الجمهور يدخل السينما، وبالتراكم ومرور الوقت بات لديه تذوق لما هو مختلف ويستطيع الحكم".
وتابع "لكن الكارثة الآن أنه لا يوجد ما هو مختلف بل يعرض ما هو رائج، ولا تجد إلا ما هو معروض عليك ويطاردك عبر الوسائط المختلفة. ومن الصحي جداً تذوق أنواع مختلفة من السينما".
قنبلة التواصل الاجتماعي
وعن تأثير مواقع التواصل الاجتماعي في العمل الفني وتقييمه شرح ياسين أن "الأمر يشبه القنبلة، فتلك المواقع سمحت أن يكتب كثيرون آراءهم عبر صفحاتهم وهذا جيد إلى نقطة معينة، لكن الخطورة بدأت عندما أصبحت الآراء الشخصية عبر تلك المواقع تشكل رأياً عاماً، فمثلاً ممثل ضعيف جداً ولا يملك أية قدرات، بسبب كتابات بعضهم عبر صفحات التواصل الاجتماعي يصبح ظاهرة خلال ستة أشهر أو أقل".
وأضاف "أحياناً ننام ونصحو في يوم وليلة لنجد فناناً عادياً أصبح نجماً بل ظاهرة، أو نجد عملاً لا قيمة له يوصف بأنه سيكسر الدنيا، وبكل أسف أصبحنا عبيداً لسيطرة الرأي العام علينا، لدرجة أن بعض الناس التي تفهم جيداً وتقيم السينما والفن عندما يجدون ممثلين وأعمالاً باتوا ظواهر و(ترند) ولا ترقى للجودة، يشعر هؤلاء بالحرج من التصريح بالحقيقة وأن العمل سيئ، وزاد الطين بلة أن هناك حالاً من الاختفاء لنقاد متخصصين ومهمين في السينما، ومن المهم جداً وجود أشخاص قادرين على الفهم والتمييز والتقدير".
وكشف ياسين عن طريقة تعامله مع ما وصفه بـ"العبث والفوضى" بأنه "لا يقبل بأن يزيف وجهة نظره وفقاً لقوة الرأي العام الذي تتحكم فيه عوامل كثيرة مثل عدم الدراية والمصالح والتسويق، ولا يخالف قناعاته طالما يثق أنه على حق، لكنه يستفيد من التجربة في أشياء عدة، مثل سماع الآخرين ومعرفة كيف يفكرون ويرون الأمور، وهذا يجعله يحلل الوضع لمعرفة ما هو نفيس وما هو غير حقيقي".
فرض الممثل
انتشرت ظاهرة فرض ممثلين بأعينهم تحت بند التسويق أو الوساطة على أعمال كبرى ومخرجيها، فكيف يتعامل محمد ياسين في حالة تعرضه لموقف كهذا، أجاب "طوال حياتي لم يفرض علي أي ممثل في أي عمل حتى لو كان مجرد دور صغير لشخص سيفتح الباب وليس ممثلاً مهماً أو بطلاً".
وتابع "هناك نقطة مهمة يجب التطرق إليها وهي فهم دور المخرج وصلاحياته، وللأسف هناك خلط وعدم فهم، فنجد مذيعة مشهورة ومهمة مثلاً تسأل البطل أو أي ممثل في حضور المخرج سؤالاً ساذجاً جداً ومعيب وهو: من الذي رشحك للعمل؟ على رغم أنه لا أحد يمكن أن يرشح ممثلاً سوى المخرج فقط لا غير، وهذه القاعدة الأولى في احترام الصناعة ومكوناتها".
وأردف "بالتأكيد لم أتعامل مع أي شخص يسأل سؤالاً ينم عن عدم فهم قيمة المخرج ودوره، وهذه النوعية من الأسئلة ترخص دور المخرج أمام الإعلام والمشاهدين". وقال إنه على المخرج أن يسمع الجميع حتى لو عامل البوفيه ويسأل من يمكن أن يجسد شخصية ما بالعمل، لأن الترشيح الأمثل هو هدف للمخرج، وقد يفاجئك شخص بترشيح ممثل جيد أنت لا تعرفه من قبل، لكن في النهاية المخرج صاحب القرار، بالتالي هو صاحب الاختيار من دون شريك.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
واستكمل "أما في حالة فرض ممثل ما بسبب المنتج أو المؤلف أو لأي سبب فهذا يستوجب أن أستوعب تبعاته سواء جيد أم لا".
وواصل ياسين حديثه عن مشكلات الوسط الفني بقوله "بعضهم يروج بأن النجم هو من يكتب العمل، أو هو من يكتب له العمل، وأن المنتج يعطي المخرج ورقة ترشيحات للأبطال وعليه أن يقبل بها، وهنا تاه دور المخرج، وعجز الناس عن معرفة مفهومه، ولا أنكر أن هذا يحدث أحياناً لكنه ليس مع كل المخرجين ولا في كل الحالات".
واستطرد "تعاملت مع كاتب عظيم هو وحيد حامد في أول تجربة لي، حيث كان هو الكاتب والمنتج في فيلم (محامي خلع)، وانتقل الفيلم في مرحلة ما من التحضير لإسعاد يونس بعد ذلك، وكنت جديداً بالمهنة وطبيعي أن يكون وحيد حامد له رأي كبير وقاطع، ومع ذلك لم يتدخل أو يفرض علي شيئاً ولم أتعرض أبداً لأي موقف يهين مفهوم المخرج".
المنصات والسينما
منذ سنوات بعد ظهور المنصات وإنتاج أفلام خصيصاً لها بعيداً من السينما، أو بعرض سينمائي محدود تخوف كثير من السينمائيين من خطر تلك المنصات على الصناعة، لأنها تنتج أفلاماً محدودة المستوى والكلفة، وعلق محمد ياسين على هذه النقطة ومدى تأثيرها قائلاً "هناك أفلام عظيمة في تاريخ السينما أنتجت تحت مسمى أفلام تلفزيونية، مثل (إني لا أكذب ولكني أتجمل) و(فوزية البرجوازية)، و(أنا وأنت وساعات السفر)، وغيرها من الأعمال العظيمة التي ما زالت موجودة وتعتبر أيقونات فنية، وبالنسبة إلى أزمة صناعة السينما فيواجهها صناع العالم كله من مارتن سكورسيزي لمحمد ياسين وكاملة أبو ذكري، ونحن أمام متغير كبير جداً منذ نشأة منصات مثل ’أبل‘ و’نتفليكس‘ وغيرهما، فهل من المنطقي توقع أن تتوقف كل هذه المنصات"، مستدركاً بأن "صناعة المحتوى وإنتاج تجارب وتقديم الإبداع والأفكار، هو ما يعنيني بشكل أكبر بغض النظر عن الوسيلة أو مسمى العرض".
وتابع "الناس متلهفة لمشاهدة أي محتوى مميز لصانع سينما جيد حتى لو كان العمل فيلماً وثائقياً أو كتاباً، فمثلاً المخرج خيري بشارة قرر أن يقدم كتاباً، وطرحه بمعرض الكتاب، وهو في هذه اللحظة قرر أن يبوح ويبدع فنياً لكن من خلال كتاب، والمهم هنا ليست الوسيلة لكن أن يبقى خيري يعبر ويبدع ويتواصل وينتج، ومع ذلك يجب أن نعترف أن المنطق القياسي والقاعدة الأساسية هي أن تصنع فيلماً ويطرح في كل دور العرض، ويحقق نجاحاً عظيماً، لكن إن لم يكن ذلك متاحاً فلما لا تكون هناك وسيلة أخرى تحقق نتائج وصناعة وإبداعاً مثل المنصات".
وبالنسبة إلى محدودية موازنة بعض أفلام المنصات، قال إن "الموازنة ليست مقياس الجودة، وليس معنى أن الفيلم تكلف 120 مليون أنه عظيم، أو لأنه تكلف ثمانية ملايين فهو سيئ، المهم ماذا أحببت وليس كم تكلف وأين يعرض؟".
مسلسل المشوار
قدم المخرج محمد ياسين في رمضان الماضي مسلسلاً بعنوان "المشوار" بطولة محمد رمضان ودينا الشربيني، وكتب اسمه على تتر العمل كإشراف على الإخراج، عن تلك التجربة قال "لا يوجد معنى لكلمة مشرف على الإخراج في العملية الفنية، لكن هذه التجربة لها ظروف خاصة، فهي لم تكتمل، وأنا لم أنه إخراجها بسبب ظروف قاهرة وحقيقية، وهذه أول تجربة لم تكتمل في حياتي منذ بدأت، وطبعاً بسبب ارتباط العمل بالعرض بوقت معين هو رمضان، كان لا بد أن يظهر بأي ثمن، واستعان المنتج بعدد من الزملاء المخلصين جداً لشخصي، وهم زملاء أعزاء ومميزين، وأدين لهم بكل الفضل والعرفان لإكمال التجربة، وكان يمكن أن أجلس بالبيت وأترك الدفة، لكن هذا لم يحدث، لأن هناك مسؤولية أدبية وفنية، واستمر وجودي لمتابعة العمل بعد أن أخرجت 10 حلقات منه، وأمام هذا التطور كان هناك حل من اثنين، إما أن يزيلوا اسمي تماماً أو يضعوني مشرفاً على الإخراج".