Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

إدغار موران جمع بين سيرته وتفاصيل مشروعه الأساسي

كتاب "مغامرة المنهج" يقدم مساره المعرفي وبحثه في جوانب البيولوجيا النفسية للإنسان

الفيلسوف الفرنسي إدغار موران (صفحة الكاتب - فيسبوك)

ملخص

كتاب "#مغامرة_المنهج" يقدم مساره #المعرفي وبحثه في جوانب #البيولوجيا النفسية للإنسان

بعد صدور كتاب "مقدمة لسياسة الإنسان" عام 1965، انضم الفيلسوف الفرنسي إدغار موران إلى مجموعة نقاشية من تخصصات متنوعة، ثم تولى إدارة اجتماعاتها، وهناك أعادته أفكار هنري لابوري (كما يقول) إلى الجوانب المميزة للبيولوجيا النفسية للإنسان، وكشفت له أفكار داك سوفان، مستوى من التعقيد كان يجهله لدى نوربرت فاينر. ويضيف موران في الفصل الأول من كتابه "مغامرة المنهج" الذي صدر بلغته الأصلية عام 2015، وأصدر المركز القومي المصري للترجمة أخيراً ترجمة عربية له أنجزها أيمن عبد الهادي، أن دعوته إلى معهد جوناس سالك في كاليفورنيا خلال عام 1969 – 1970 تحديداً، هي التي جعلته يكتشف المكونات التي شكلت فكره كلياً وقادته إلى "المنهج"... "استوعبتُ الثورة البيولوجية التي حدثت آنذاك، فقد جعلني جاك مونو أقرأ مخطوطة كتاب "الصدفة والضرورة"، واكتشفت مفارقة الجينات التي تعيد إنتاج الكائن الحي بشكل متماثل، ولكنها تستطيع من دون تخطيط أن تنتج كائناً حياً جديداً بسبب التغير الذي يحدث في المعلومات الوراثية الحيوية".

ويستطرد الفيلسوف وعالم الاجتماع الفرنسي: "ارتبْتُ كثيراً في أن تكون الصدفة هي السبب الوحيد في ما يحدث من تحولات مستجدة، وفي أنه لا توجد في الحياة إمكانات تنظيمية مخططة وخلاقة". ولاحقاً، ازداد موران قناعة في ضرورة التوقف عن الفصل بين الجانب البيولوجي للإنسان وجانبه الثقافي، وبين المخ والتفكير، ولهذا كان لابد (كما يقول) من التوصل إلى مفهوم "التنظيم الذاتي" الذي يربط بين "التوجه البيولوجي"، و"التوجه السيبرنطيقي"، وهو المفهوم نفسه الذي كان لابد أن يتم التخلي وبقوة عنه لصالح مفهوم آخر هو "التنظيم الذاتي في علاقته بمحيطه"، ومن ثم بدأ المشروع البيولوجي – الأنثروبولوجي في التبلور بعد عودة موران من كاليفورنيا إلى باريس عام 1972.  

مغامرة معرفية

 

يقص إدغار موران (1921) في كتاب "مغامرة المنهج"L,Aventure de la Methode   تفاصيل مسيرة معرفية أنتجت مشروعه الفكري الأساسي، أي كتاب "المنهج"  La Methode الذي صدر في ستة أجزاء، أمضى 35 عاماً في كتابتها. وهي مسيرة طويلة واجه فيها هذا المفكر فترات من الإحباطات، كما عرف خلالها نوبات من الحماسة كانت، كما كتب، "مثل المخاض بكل ما يشهده من عذاب شديد وأفراح كبيرة". وتؤكد سيرة كتاب "المنهج" كما عرضها موران في هذا العمل، توجهه المستند إلى فكرة "تعقيد الواقع"، وتعكس "تفكيره المعقد"، كما تعرض بشكل مركز ومكثف أهم الأفكار والمقولات التي أنتجها. وتبرز دعوته إلى الدمج بين المعارف وتحذيره من أخطار الأخطاء والوهم والمعرفة المهتزلة أو المشوهة، ورغبته في اكتشاف أوجه النقص التي تشوب أنماط معرفتنا. وتضمن الكتاب ملحقاً بعنوان "من أجل عقلانية منفتحة"، وهو فصل يضم خلاصة رؤية إدغار موران التي استقرت في عدد من مؤلفاته طالب فيها بما أسماه "إعادة تنظيم للعقلانية" بما يعنيه ذلك من "وجوب نبذ العقلانية المنغلقة"، أي التماس عقلانية التعقيد ورفض شيء ما من العقل مع الاحتفاظ بشيء آخر منه في الوقت ذاته.

"الإنسان والموت"

وموران الذي يبلغ عامه الثاني بعد المئة في الثامن منذ يوليو (تموز) المقبل، كان المدير الفخري للأبحاث في المركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي CNRS في فرنسا، حاز الدكتوراه الشرفيه في 27 جامعة من مختلف أنحاء العالم، صنع كانط أسئلته الطفولية والناضجة على حد تعبيره في مستهل الفصل الأول من كتابه "مغامرة المنهح" الذي حمل عنوان "حقائقي الأولى"، بحسب ترجمة أيمن عبد الهادي: "ما الذي بوسعي أن أعرفه؟ وما الذي يتوجب علي فعله؟ وأي شيء مسموح لي أن أتمناه؟". ويضيف أنه لكي يقف على المعنى من حياة عمل ما، والمعنى وراء حياة ما، "ولكي أفهم ذاتاتي ومغامرة 35 عاماً قدمتُ فيها ستة أجزاء من كتاب "المنهج" يلزمني الرجوع إلى فترة زمنية بعيدة جداً، حين طوقتني هذه الأسئلة في نهاية مرحلة طفولتي بالغة القسوة، التي لم تكف من حينها عن ملاحقتي".

 

من كتبه "الإنسان والموت" ونشره عام 1951 وفيه طبق فكره المركَّب الذي يربط كل المعارف المتفرقة من التخصصات المتعددة وينظمها ويواجه ما يوجد فيها من تناقضات. ويقول موران في هذا الصدد: "مشروعي ضخم يسعى إلى فهم المواقف والسلوكيات والمعتقدات البشرية إزاء الموت من عصور ما قبل التاريخ حتى الأزمنة المعاصرة. واستطعت مستفيداً من محنتي بوصفي عاطلاً فكرياً، أن أمضي عامين في التردد على المكتبة الوطنية لأجمع المعارف الضرورية لمعالجة موضوعي. طورتُ ثقافتي في مجالات كنت أجهلها، خصوصاً البيولوجيا والتحليل النفسي، والحضارات الغربية والأديان، واقتضت الحال أن أواجه تناقضين أساسيين، الأول: كيف ولماذا بمقدور الإنسان منذ عصور ما قبل التاريخ، أن يتصور ويعتقد في وجود حياة أخرى بعد الموت، على رغم علمه بتحلل جثة من يموت؟ والتناقض الثاني: كيف ولماذا بوسع الإنسان الذي يصيبه الرعب من الموت أن يخاطر بحياته، كما فعل كثيراً جداً، لأجل شرفه ووطنه وإيمانه؟".  

"نقد ذاتي"

وفي كتابه "نقد ذاتي"، الصادر في 1958، استطاع موران أن يقوم من جديد بعملية تهدف إلى "التخلص من السم"، عبر تفعيل تحفظاته العقلانية وتشككه في ما كان يتبناه من أفكار. يقول: "كتابتي لهذا الكتاب كانت حدثاً جوهرياً، وقد رأيتُ في ما بعد أنه هو الذي مهد لكتاب "المنهج"، لأنه طرح السؤال الأساسي الخاص بالحقيقة والخطأ والوهم. وفهمتُ أن هذا السؤال لا يُطرح فقط ولا بشكل أساسي على مستوى المعلومات التي جمعت في شأنه، ولكنه سؤال يطول أيضاً المستوى الخاص بتنظيم المعرفة والفكر. فهمتُ أن مصدر الأخطاء والأوهام يكمن في إخفاء الحقائق التي تزعجنا وفي التخفيف منها وفي إبعادها من تفكيرنا".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وخلال تعافيه عام 1961 من غيبوبة أُدخل على أثرها إلى مستشفى في نيويورك، دون موران على ورقة حاجته لتفحص حياته ولإعادة مساءلة نفسه في شأنها، إلى أن جاءت "التطلعات الحماسية المرتبطة بعام 1968" على حد تعبيره، ليقرر نشر مخطوط طويل عن المسائل الأساسية التي تستحوذ على تفكيره، ووضع له عنوان "التأمل"، لكن الناشر اقترح عنواناً آخر هو "صلب الموضوع". وقد مهدت "رحلة الأفكار" هذه، سعياً وراء "التفكير السليم"، فطور موران ملاحظاته الأنثروبولوجية، من خلال موضوعات سيعود إلى معالجتها، لكن على مستوى لا تنفصل فيه المعرفة عن إرادة معرفة المعرفة، بحسب تعبيره.

المقدمة النواة

قسم موران كتاب "مغامرة المنهح" إلى ثلاثة فصول"، الأول عنوانه "البحث عن حقائقي" وتناول العنوانين الآتيين: "حقائقي الأولى"، و"حقائق المجتمع"، و"حقائق العالم". وجاء الفصل الثاني تحت عنوان "موت الحقيقة وبعثها"، وتناول "حقيقة الحرب"، و"المرارة". وتناول الفصل الثالث الطريق نحو "المنهج"، وتناول المعرفة التي تحدث ثورة، والمحاور، وبلورة "المنهج"، وفيه يذكر موران أنه في سبتمبر (أيلول) 1973 منحته ثلاثة أشهر من التدريس في جامعة نيويورك، الشروط الضرورية للشروع في كتابة المقدمة العامة لـ "المنهج". وكانت هذه المقدمة العامة مثل نواة احتوت العمل كله بشكل افتراضي. وتوقع موران آنذاك أن يخرج الكتاب في جزء واحد يتضمن أربعة أقسام: طبيعة الطبيعة، حياة الحياة، مستقبل المستقبل، ومعرفة المعرفة. واعتقد موران كذلك أنه يلزمه عامان إلى ثلاثة أعوام، لينتهي من كتابته، لكن بمجرد عودته إلى باريس بعد انتهاء إقامته في نيويورك، شعر – كما يقول – وكأن الشلل أصابه، إذ صار عالقاً في حياة يومية سلبته فيها اللقاءات والالتزامات التي لا تنتهي والتي لم يستطع الفكاك منها، الطاقة اللازمة للانطلاق، على حد تعبيره.

وجاء الفصل الرابع تحت عنوان "شجرة الأثاب"، وبدأ بالتعريف بتلك الشجرة التي تتحول أفرعها وأغصانها حين تقع على الأرض إلى جذور جديدة تحول الأفرع إلى جذوع جديدة. وبحسب موران، فإن تلك الشجرة تشبه كتاب "المنهج" الذي صار له جذور أنتجت أشجاراً جديدة مميزة لكنها غير منفصلة عن الجذع الأساسي الذي كان سبباً في وجوده. ومثلت الكتب التي ألفها موران بشكل متواز مع "المنهج" تدريباً على الفكر المعقد الذي تأثر بـ "المنهج" وارتبط به ثم قام بالمثل بالتأثير فيه والارتباط به.

النزعة الإنسانية

وجاء الفصل الخامس من كتاب "مغامرة المنهج" تحت عنوان "أن تحيا". وذهب فيه إلى أنه شعر بأنه يحيا أثناء معاناته في تجربة حب أول غير سعيد، في باريس الواقعة آنذاك تحت الاحتلال الألماني. ويضيف:" غمرتني السعادة أخيراً بسبب صداقات دافئة وعميقة، ومع ذلك لم تتحقق رغبتي في الحياة فعلياً بالكامل. منحني أول انتصار سوفياتي على جبهة موسكو الأمل، ليس في تحرير فرنسا فقط، ولكن في تحرير الإنسانية كلها أيضاً".  وفي موضع آخر من الفصل ما قبل الأخير في "مغامرة المنهج"، يقول موران: "لم تمح الشيخوخة عندي، فضول الأطفال الذي لا ينضب، وطموح المراهقة الذي لا يغيب، لكن من دون الأوهام المرتبطة به، وحرارة الحب والقدرة على تحمل المسؤولية المرتبطة بالإنسان الراشد. ومن جهة أخرى كنت قد صرت عجوزاً شاباً حين ماتت أمي وعمري عشرة أعوام، لم أبرح مرحلة الطفولة بعد، وهو الأمر الذي يستمر حتى الآن".

وجاء الفصل الأخير تحت عنوان "النزعة الإنسانية المجدَّدة"، واستهله موران بالقول: "أصل إلى نقطة الالتقاء الأخيرة. لا يمثل كتابي "المنهج"، ولا اقتراحاتي في شأن إصلاح التعليم، ولا مبادرتي للتوصل إلى طريق تسلكه البشرية ثلاثة جوانب من مغامرة واحدة فقط، لكن يتصل ذلك كله ويسير صوب رسالة واحدة: النزعة الإنسانية وقد أعيد تشكيلها وإحياؤها".        

اقرأ المزيد

المزيد من كتب