ملخص
تمحور الخلاف حول قضية دمج "الدعم السريع" في القوات المسلحة، والتي طرحها قائد #الجيش_السوداني بصيغة أقرب إلى كونها شرطاً للمضي قدماً في تنفيذ #الاتفاق_الإطاري وبالتالي إتمام التسوية السياسية
انشغلت الأوساط السودانية السياسية والرسمية والشعبية طوال الأسبوعين الماضيين بتطورات الخلاف بين قائدي الجيش و"الدعم السريع" حتى ظن الناس أن الخرطوم باتت قاب قوسين أو أدنى من انفجار الوضع الأمني بوقوع صدام مسلح بين الطرفين.
وتمحور الخلاف وليد الأزمة السياسية الراهنة حول قضية دمج "الدعم السريع" في القوات المسلحة، التي طرحها قائد الجيش بصيغة أقرب إلى كونها شرطاً للمضي قدماً في تنفيذ الاتفاق الإطاري بالتالي إتمام التسوية السياسية وقيام جيش وطني قومي موحد.
إجماع رغم الخلافات
على رغم خلافات القوى السياسية السودانية، سواء الموقعة منها على الاتفاق السياسي الإطاري أو المناهضة له، فإنها تتفق جميعاً حول مطلب بناء الجيش القومي الموحد بدمج قوات "الدعم السريع" والحركات المسلحة في الجيش، غير أن الأفق غامض في ما يخص الجدل المحتدم سراً حول أسبقيات الدمج والإصلاح بالنسبة إلى الأجهزة الأمنية والعسكرية أيهما يتم أولاً، فهل ينبئ ذلك ببروز إشكاليات جديدة مستقبلاً أم ستنجح ورشة إصلاح الأجهزة الأمنية والعسكرية التي يجري الترتيب لها في إطار المرحلة النهائية للعملية السياسية بواسطة أطراف الاتفاق الإطاري، خلال الأيام المقبلة؟
ظلت المجالس السياسية تهمس بتسريبات متواترة بأن الحركات الموقعة على اتفاق السلام تتحجج بأنها لن تدمج قواتها في الجيش ما لم يتم دمج قوات "الدعم السريع"، استباقاً للجداول الزمنية التي أشار إليها الاتفاق الإطاري الذي تشكل فيه مسألة إصلاح الأجهزة الأمنية والعسكرية إحدى أبرز قضايا الانتقال.
وبينما يقترب موعد انعقاد ورشة إصلاح قطاع الأمن والدفاع ضمن فعاليات المرحلة النهائية للعملية السياسية برعاية الآلية الثلاثية التي تضم الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة ومنظمة (إيغاد)، بدفع من الوساطة الرباعية التي تضم السعودية، وبريطانيا، والإمارات، والولايات المتحدة، ما زالت الشكوك تحيط بموقف مشاركة العسكريين في تلك الورشة على أساس أن القضية تخص المؤسسات العسكرية وحدها ولا شأن للمدنيين بها.
ترتيبات وتكهنات
في السياق أعلن المتحدث باسم العملية السياسية خالد عمر يوسف، في تصريحات صحافية، عن بدء القوى المدنية الموقعة على الاتفاق الإطاري مباحثات مع الجيش و"الدعم السريع" لوضع إطار سياسي لورشة إصلاح قطاع الأمن والدفاع.
في معرض تنبئه بانهيار قريب للاتفاق الإطاري، قال مبارك الفاضل المهدي رئيس حزب الأمة، إن مؤشرات ذلك الانهيار باتت واضحة بعد مقاطعة المكون العسكري لورش العملية السياسية الخمس.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأضاف المهدي عبر حسابه على "تويتر" أن "إعلان البرهان رفضه خوض السياسيين في أوضاع الجيش يعني مقاطعة ورشة الإصلاح الأمني والعسكري المنتظر عقدها خلال أيام".
لكن شهاب الطيب المتحدث باسم "قوى الحرية والتغيير" أكد أنه ليس هناك ما يمنع مشاركة العسكريين في ورشة الإصلاح الأمني والعسكري، بوصفهم الجهة المعنية بهذه القضية والمنوط بها تنفيذ الإصلاح، لافتاً إلى أن العسكريين لم يظهروا حتى هذه اللحظة تمنعاً أو مقاطعة، ويمضي الجميع قدماً في تنفيذ الاتفاق الإطاري من دون تراجع.
تجارب ومعايير
في ذات المنحى، تحدث هشام نورين محمد نور، رئيس حركة "القوى الشعبية" للحقوق والديمقراطية، ورئيس تحالف أحزاب الوفاق والحركات الموقعة على اتفاق أبوجا للسلام عام 2006، عن تجربتهم في الترتيبات الأمنية وإدماج قواتهم في الأجهزة الأمنية والعسكرية كأول حركة دفعت بقواتها إلى مراكز التجميع تمهيداً لعملية الدمج، تلتها بقية الحركات الأخرى في إطار الالتزام باتفاق أبوجا، مشيراً إلى أنه تم بالفعل دمج القوات داخل الجيش والأجهزة الشرطية عام 2008 وأصبحوا جزءاً من القوات المسلحة والأجهزة الأخرى التي استوعبوا فيها.
وعن معايير واشتراطات الإصلاح والدمج ومراحلها، يرى نور ضرورة توحيد القيادة أولاً تحت مظلة القوات المسلحة لتبدأ القيادة الجديدة القيام بدورها عبر لجان فنية متخصصة في وضع معايير الدمج والإصلاح للمنظومة العسكرية والأمنية، التي من ضمنها المعايير الخاصة بتحديد العدد وتصنيف القوات من حيث الرتب والتراتبية وغيرها، لتصبح عملية الإصلاح من واجبات القيادة الموحدة، ومن ثم الشروع في تنفيذ عمليات الدمج والتسريح وإعادة الدمج لكل القوات المستهدفة، بما في ذلك التزامات تنفيذ اتفاق جوبا للسلام، على أن تكون القيادة المدنية داعمة لتلك الجهود.
أحزاب بلا سلاح
يعتقد القائد السابق لحركة "القوى الشعبية" أن الأجدى والأنفع للبلاد ولمسيرة السلام أن تتم المشاركة السياسية في السلطة بالنسبة إلى أطراف السلام تزامناً مع تنفيذ بند الترتيبات الأمنية، وذلك حتى تتمكن تلك الحركات من التحول مستقبلاً إلى أحزاب سياسية، ومن ثم خوض الانتخابات من دون وجود لأحزاب مسلحة.
ولفت نور إلى ضرورة تفادي أخطاء تجربة اتفاق سلام أبوجا، حيث تم الدمج لكن بعض القوات التابعة للحركات الموقعة على بروتوكولات الالتحاق بذلك الاتفاق لم يتم تسريحهم حتى الآن، وهم الفئة التي لم يتم دمجها داخل أي من القوات النظامية، كما لم يعودوا مقاتلين في الحركات، مقترحاً معالجة أوضاعهم عبر الاستفادة من برامج منظمات الأمم المتحدة التي لها خبرة في مجال الإدماج الاجتماعي، وهو ما عجزت مفوضية التسريح وإعادة الدمج عن القيام به بسبب عدم وفاء المانحين بتعهداتهم تجاه اتفاق سلام أبوجا.
على ذات الصعيد، يشير أستاذ العلوم السياسية علي عبدالرؤوف، إلى أن هناك شبه إجماع بين جميع القوى السياسية على ضرورة بناء جيش قومي موحد مهني بدمج قوات الدعم السريع والحركات المسلحة في المؤسسة العسكرية، لكن هناك من يرى ضرورة أن يكون الإصلاح أولاً، ويقصد به إبعاد الموالين للنظام السابق من القوات المسلحة، ويعتبره من أولويات عملية الإصلاح الأمني العسكري قبل مرحلة الدمج، وهي الرؤية الأقرب إلى ما ظل يلمح إليه قائد قوات الدعم السريع في كثير من تصريحاته وخطاباته.
تكامل الدمج والإصلاح
ولفت عبدالرؤوف إلى أن الإصلاح والدمج عميلتان متكاملتان يمكن أن تمضيا في تواز يحفظ الهيكلية التراتبية للجيش، لأن عملية الإصلاح بالضرورة تتضمن إحلالاً وإبدالاً يمكن من خلاله إحداث التوازن المطلوب، منوهاً بأن هذه العملية لا تقتصر فقط على تنقية المؤسسة العسكرية ممن يوصفون بعناصر النظام السابق، بل تشمل أيضاً إنهاء النشاط التجاري والاستثماري لها في مجالات لا علاقة لها بالمؤسسة العسكرية والأمنية، على أن تؤول أذرعها التي كانت تمارس عبرها تلك الأنشطة إلى ولاية وزارة المالية.
يربط أستاذ العلوم السياسية نجاح عمليتي الإصلاح والدمج بمدى توافر الإرادة لدى القيادة الأمنية والعسكرية، منوهاً إلى التأكيدات المتكررة الصادرة عن قيادة المنظومة الأمنية والعسكرية حول الالتزام بجيش قومي مهني واحد وفقاً لما جاء في اتفاق جوبا لسلام السودان وما نص عليه الاتفاق الإطاري، ومحذراً من أن المرحلة الانتقالية تحتاج إلى التناغم والانسجام بين كل مكونات المرحلة ولا تحتمل الصراعات العسكرية التي تشكل أكبر المهددات لمستقبل البلاد والعملية السياسية.
قلق ومناشدات
على صعيد متصل، أعرب 11 حزباً وكياناً سياسياً ضمت قيادات من "الحرية والتغيير - المجلس المركزي" و"الكتلة الديمقراطية"، وحزب الأمة القومي، والحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل، وحركة العدل والمساواة، والمجلس الأعلى لنظارات البجا والعموديات المستقلة، وقوى الحراك الوطني، والتحالف الديمقراطي، الجبهة الشعبية المتحدة، وحزب الأمة، وآخرين، عن قلقها الشديد إزاء تطورات الأزمة وتداعياتها التي انعكست سلباً على جماهير الشعب السوداني التي ظلت داعمة لقواتها النظامية مشيدة بدورها البطولي في حماية الوطن.
وناشدت القيادات، في بيان مشترك عقب اجتماعها، مساء الإثنين الماضي، بمنزل مني أركو مناوي حاكم دارفور ورئيس حركة جيش تحرير السودان، القوات النظامية التحلي بضبط النفس وتفويت الفرصة على القوى التي تستهدف وحدة وأمن البلاد، مطالبة في الوقت نفسه القوى السياسية والمدنية بالتحلي بروح المسؤولية من أجل تعضيد اللحمة الوطنية والسمو فوق خلافاتها بتغليب مصلحة الوطن على المصالح الحزبية الضيقة.
نصوص قاطعة
على صعيد متصل، كشف ياسر عرمان رئيس "الحركة الشعبية- التيار الثوري الديمقراطي"، في ندوة سياسية بالخرطوم، أن التفاوض بين "الحرية والتغيير" والعسكريين مستمر في شأن إصلاح الأجهزة الأمنية والعسكرية، وأن قوات "الدعم السريع" تطرح إصلاح البنية العسكرية والأمنية، مشيراً إلى أن الأخيرة تكونت عبر سنوات ولديها نحو 100 ألف جندي، ولم تعد مجرد قوات عسكرية، فضلاً عن ارتباطاتها بالأوضاع السياسية والاقتصادية.
ويؤكد البند الـ10 من المبادئ العامة للاتفاق الإطاري على جيش مهني قومي واحد ملتزم بالعقيدة العسكرية الموحدة وقائم بواجباته في حماية حدود الوطن والدفاع عن الحكم المدني الديمقراطي.
كما نص الاتفاق ضمن تفصيله لقضايا ومهام الانتقال، على الإصلاح الأمني والعسكري كأولوية مهمة تقود إلى جيش واحد ينأى عن السياسة وتحظر ممارسته للأعمال التجارية والاستثمارية، مع تنقيته من أي وجود سياسي، وإصلاح جهازي الشرطة والاستخبارات.
جداول زمنية
وحدد الاتفاق الأجهزة النظامية خلال الفترة الانتقالية في (الجيش، الدعم السريع، الشرطة وجهاز الاستخبارات) على أن تتبع قوات "الدعم السريع" القوات المسلحة، ويحدد القانون أهدافها ومهامها، ويكون رأس الدولة قائداً أعلى لها، ليتم دمجها في الجيش ضمن خطة الإصلاح وفق جداول زمنية محددة.
وكان الفريق البرهان أكد، منتصف فبراير (شباط) الماضي، أن الجيش يناصر جماعة سياسة ضد أخرى، مشدداً على أن دمج قوات "الدعم السريع" وقوات الحركات في الجيش هو الفيصل في دعم الاتفاق الإطاري.
عقب بروز الخلاف بينهما إلى السطح، اتفق رئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان، مع نائبه قائد قوات الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو "حميدتي" في اجتماع بينهما، نهاية الأسبوع الماضي، على تكوين لجنة أمنية مشتركة لمتابعة الأوضاع الأمنية بالبلاد.
وفي الإثنين 5 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، وقع المكون العسكري والقادة المدنيون في كيانات سياسية عدة أبرزها تحالف "قوى الحرية والتغيير – المجلس المركزي"، بحضور دولي وإقليمي، اتفاقاً سياسياً إطارياً يمهد الطريق لتشكيل حكومة مدنية وإنهاء الأزمة السياسية.
وتعتبر قضية الإصلاح الأمني والعسكري أحد الملفات المؤجلة ضمن قضايا الاتفاق النهائي لمزيد من النقاش حولها عبر مشاركة جماهيرية واسعة، والقضايا الأخرى هي العدالة والعدالة الانتقالية، واتفاق سلام جوبا، وتفكيك نظام 2 يونيو (حزيران) 1989.
وبدأت القوى الموقعة على الاتفاق الإطاري بالفعل عقد ورش ومؤتمرات لمناقشة هذه القضايا التي تبقى منها قضيتا العدالة الانتقالية والإصلاح الأمني والعسكري.