ملخص
أجبر الجفاف والهجمات المسلحة الملايين من الفولانيين، الذين يوصفون بـ"أكراد أفريقيا" نظراً لتشتتهم، على الترحال بشكل دائم من منطقة إلى أخرى بحثاً عن الأمن والمرعى لمواشيهم.
في الوقت الذي يزداد فيه الوضع الأمني في أفريقيا هشاشةً مع تصاعد الهجمات الدموية، أطلق تقرير لمجلة "منبر الدفاع الأفريقي" التي تصدر عن وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) صيحة فزع في شأن لجوء الجماعات الإرهابية إلى تجنيد أفراد من قبائل الفولان ذائعة الصيت.
والفولانيون هم أقلية عرقية تعد 30 مليون نسمة ويتركزون بشكل رئيس في دول مثل مالي والنيجر والسنغال والسودان وغيرها، ومعروف عن هؤلاء عملهم في الزراعات ورعي المواشي وهو أمر يسهل في كثير من الأحيان استهدافهم من قبل الجماعات الإرهابية التي تنشط في المنطقة.
وفي منتصف أغسطس (آب) الماضي شنت جماعة مسلحة هجوماً على قرية وسط مالي يقطنها الفولانيون مما أسفر عن مقتل نحو 23 منهم وفقدان المئات الذين لا يزال مصيرهم غامضاً حتى كتابة هذه السطور.
استغلال التهميش
ويتراكم غضب الفولانيين في أفريقيا من الحكومات المركزية خصوصاً مع تعرضهم لهجمات سواء من قبل الجيوش المحلية أو الجماعات المسلحة، ناهيك بتهميشهم المتزايد وتأثرهم بالتغيرات المناخية.
وأجبر الجفاف والهجمات المسلحة الملايين من الفولانيين، الذين يوصفون بـ"أكراد أفريقيا" نظراً لتشتتهم، على الترحال بشكل دائم من منطقة إلى أخرى بحثاً عن الأمن والمرعى لمواشيهم.
وقال رئيس المركز الدولي للدراسات حول منطقة الساحل الأفريقي، صديق أبا، إن "الجماعات الإرهابية تقوم بالفعل بتجنيد عديد من الشباب الفولاني المحبط في دول مالي والنيجر وبوركينا فاسو"، مرجعاً دوافع الشباب للارتماء في أحضان الجماعات الإرهابية إلى البطالة والتهميش الاجتماعي بالتالي هي ليست نزعة للتطرف أو غير ذلك.
وتابع أبا في حديث خاص مع "اندبندنت عربية"، "سنوياً هناك نحو 250 ألف شاب في الدول الثلاث المذكورة يدخلون سوق العمل ولا يحصلون على وظائف، بالتالي يصبح استقطابهم من قبل الجماعات الإرهابية التي تدفع أموالاً طائلة سهلاً للغاية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وشدد على أن "في مالي على سبيل المثال تخصص السلطات 50 في المئة من الموازنة سنوياً لرواتب الموظفين الحكوميين والـ50 في المئة الأخرى لمجال الأمن، بالتالي لا يتم تخصيص التمويلات اللازمة لتوظيف الشباب الفولاني، والقطاع الخاص غير قادر على استيعاب هؤلاء وهو يئن تحت وطأة أزمات المحسوبية وغيرها".
وأبرز أبا أنه "بسبب التغيرات المناخية أيضاً يجد الفولانيون وهم من البدو أساساً أنفسهم أمام معادلة صعبة تدفعهم بسرعة نحو الجماعات الإرهابية".
واللافت أن فولاني كان وراء تأسيس جبهة ماسينا في مالي وهو رجل الدين، أمادو كوفا، وهي حركة تبنت في البداية مطالب أقلية الفولاني لكنها تحولت في ما بعد إلى شريك لتنظيم "القاعدة" الإرهابي حيث نفذ مقاتلوهما عمليات مشتركة ضد الجيش المالي.
مقاربات فاشلة
ويمثل الفولانيون في مالي نحو ثلاثة ملايين أي تسعة في المئة من السكان، و1.2 مليون في بوركينا فاسو، و600 ألف في تشاد، و16 مليوناً في نيجيريا، وخمسة ملايين في غينيا كوناكري، وأربعة ملايين في السنغال، وثلاثة ملايين في الكاميرون.
وبحسب عديد من التقارير الغربية فإن التقسيم الطبقي لا يزال يحكم ولاء الفولانيين، فالطبقة العليا التي تتألف من الأثرياء لا تزال تدين بالولاء للحكومات، أما الطبقات السفلى التي تتكون من الرعاة والبدو الرحل فقد أصبح كثيرون منها يجند من قبل الجماعات الإرهابية.
وقال أبا إن "ما لا جدال فيه أن التنظيمات الإرهابية تنجح بالفعل في تجنيد عدد لا يستهان به من الفولانيين سواء في النيجر أو مالي أو غيرهما، وتستغل في ذلك عديداً من العوامل أهمها الإقصاء الاقتصادي والاجتماعي الذي يعانيه الفولانيون".
وشدد على أن "المعضلة تكمن في أن مقاربات الحكومات أيضاً فاشلة، إذ يتم الرهان فقط على البعد الأمني (...) تقوم دول مثل مالي وبوركينا فاسو والنيجر وغيرها بشراء الطائرات المسيرة وأسلحة متطورة لكن من دون تحقيق مكاسب على الأرض لأنها لم تعالج جوهر المشكلة".
وأردف أبا أن "الحكومات تتجاهل معالجة مشكلة التكامل الاقتصادي والاجتماعي، لذلك اليوم في إمكان الجماعات الإرهابية تجنيد الشباب الفولاني مقابل 150 دولاراً فقط (...) يقول البعض لقد نجحنا في القضاء على نحو 3000 مقاتل من الجماعات المسلحة لكن الأخيرة تقوم بتجنيد الآلاف بشكل سنوي".
قنابل موقوتة
وكان كوفا الذي أسس جبهة ماسينا قد قال أخيراً إن "الانتهاكات التي يرتكبها المجلس العسكري وحلفاؤه الروس في مالي تدفع الفولانيين إلى الانضمام للجماعات الإرهابية".
واعتبرت الباحثة في الشؤون الأفريقية، ميساء نواف عبدالخالق، أن "المخاوف من انضمام الفولانيين إلى المتشددين مشروعة خصوصاً أن للفولانيين يداً في الجماعات الإرهابية، إذ إن أحد رجال الدين منهم أسس جبهة تحرير ماسينا الإرهابية في مالي وجماعة أنصار الإسلام في بوركينا فاسو، وهم يتمتعون بالفعل بتمثيل جيد في صفوف تنظيم داعش في الصحراء الكبرى وجماعة أنصار الدين وجماعة نصرة الإسلام والمسلمين".
وفي تصريح خاص أوضحت عبدالخالق أن "ما يشجع هؤلاء على الانضمام إلى صفوف الجماعات المتشددة إحساسهم بالظلم بخاصة في ظل ما حصل أخيراً من ملاحقات بحقهم من الجيش المالي مدعوماً من قوات فاغنر الروسية".
وأكدت أنه "في حال عدم انتباه الحكومات والتواصل مع الفولانيين فإن ذلك سيدفعهم للارتماء في أحضان الجماعات الإرهابية بما يشكل قنابل موقوتة على المجتمعات الأفريقية".
ورأت المتحدثة أن "تجنيد الفولانيين سيزيد من متاعب دول المنطقة الأمنية لأن أصلاً الوضع هش في ظل وجود جماعات إرهابية متنافسة مثل داعش والقاعدة وعدد من الجماعات المسلحة الأخرى".
واستنتجت أنه "في حال عدم إعطاء هذا البعد أهمية من قبل الحكومات، أي نجاح الجماعات الإرهابية في تجنيد الآلاف من الشباب المحبط والذي يعاني التهميش المتزايد، فإن ذلك ستكون له تأثيرات سلبية للغاية على الوضع الأمني في أفريقيا".