ملخص
تباع #المساعدات_الإغاثية كسلع في الأسواق #السورية
لا تزال تداعيات الزلزال الذي ضرب جنوب تركيا وشمال سوريا والذي وقع فجر السادس من فبراير (شباط) الماضي، تشغل الإعلام العالمي والمحلي، إنسانياً وإغاثياً واقتصادياً وحتى سياساً. وجاء في تقرير نشر عبر صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية في الثامن من مارس (آذار) الحالي، أن اعتراف الأمم المتحدة بفشلها بالاستجابة الإنسانية في شمال غربي سوريا، يظهر بشكل واضح مدى علاقتها بالنظام السوري. وأوضح التقرير أن من بين تلك العلاقات، توظيف ابنة مدير إدارة الاستخبارات العامة في النظام السوري حسام لوقا، المدرج على لوائح العقوبات الأميركية والأوروبية والبريطانية، في مكتب تابع لإحدى منظمات الأمم المتحدة الإغاثية في سوريا. واعتبرت الصحيفة البريطانية أن بطء وصول المساعدات الأممية إلى مناطق الشمال السوري الفقيرة عقب الزلزال، بحسب اعتراف مسؤوليها، أظهر الطريقة التي تستخدم فيها المساعدات الإنسانية كسلاح من قبل رئيس النظام السوري بشار الأسد، بشكل اعتيادي، كما فضحت كل الطرق التي تضطر من خلالها الأمم المتحدة لتقديم تنازلات تعود بالفائدة على الأسد وحاشيته. ونقلت عن مصادر مطلعة قولها، إن ابنة لوقا المعاقب من قبل واشنطن وبروكسل ولندن، بسبب انتهاكات حقوق الإنسان في سوريا، تعمل لدى مكتب الصندوق المركزي للاستجابة للطوارئ التابع للأمم المتحدة في دمشق، المعروف اختصاراً باسم "سيرف"، وتتمثل وظيفته بالاستجابة العاجلة عند وقوع كوارث طبيعية ونزاعات مسلحة. وصرح المتحدث الرسمي باسم الوكالة بأن "الأمم المتحدة لا تكشف معلومات موظفيها الشخصية". وأشار إلى أن "كل الموظفين لدى الوكالة يتم توظيفهم وفقاً لعملية توظيف صارمة". وترتفع الأصوات المنتقدة لعمل الأمم المتحدة، حيث حملت لجنة تحقيق معينة من قبلها، كلاً من المنظمة الدولية والنظام السوري وجهات أخرى، المسؤولية عن التأخير في إيصال المساعدات الطارئة إلى السوريين بعد الزلزال. وقال رئيس اللجنة باولو بينيرو في بيان إنه "على رغم وجود كثير من الأعمال البطولية وسط المعاناة، فقد شهدنا أيضاً إخفاقات بالجملة من جانب الحكومة والمجتمع الدولي بما في ذلك الأمم المتحدة في توجيه المساعدات الضرورية بسرعة إلى السوريين الذين هم في أمس الحاجة إليها". ووفقاً لوكالة "رويترز" التي نشرت التقرير في 13 مارس الحالي، فإن وزارة الإعلام السورية لم ترد على طلب للتعليق، كما لم يعلق المتحدث باسم مكتب الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة، لأن التقرير لم يكن قد نشر عند سؤاله.
سرقة ممنهجة
ويقول المحامي السوري المتخصص بحقوق الأجانب في فرنسا المقيم في باريس زيد العظم، إن "النظام السوري يتبع طرقاً عدة للاستيلاء على المساعدات. الطريقة الأولى هي طريقة السرقة المباشرة، مثلاً عندما تقوم دول عربية وغربية بإرسال مساعدات وتسليمها إلى سلطات النظام، كي يوزعها على المنكوبين، فلا يوزع إلا جزء ضئيل منها، والجزء الآخر يستأثر به لنفسه، ويسيطر عليه، بالتالي ينهبه ويحرم المنكوبين من المساعدات التي تكون أرسلت أساساً على اسمهم، فلا يتسلمون منها إلا النذر القليل". وأضاف "أما الطريقة الثانية فهي بإجبار المنظمات أو الدول أن تقوم بتحويل جزء من هذه المساعدات إلى الهلال الأحمر السوري، فترسل بعض الدول مجبرة جزءاً من المساعدات إلى تلك المنظمة أو أي منظمة أخرى تتبع عملياً للنظام. والطريقة الثالثة هي استغلال سعر صرف الدولار، فأحياناً تلجأ المنظمات إلى شراء عدد كبير من الحاجات من الداخل السوري، بالتالي يقوم النظام بإجبارهم بسعر صرف معين، فيشتري الدولار المتأتي من هذه الجهات بسعر معين، ثم يبيعه في السوق السوداء". وزاد العظم أن "هذا بعض من الصور عن كيفية سرقة النظام واستفادته من المساعدات".
تضليل الرأي العام
في فبراير الماضي وبعد وقوع كارثة الزلزال اتهمت وزارة الخارجية والمغتربين التابعة للنظام السوري المسؤولين الأميركيين بـ"تضليل الرأي العام" العالمي وبعض المنظمات والشعب الأميركي، بقولهم: "إنه ليس هناك في قانون قيصر والعقوبات الأميركية ما يمنع المساعدات الإنسانية الطارئة والأدوية عن الشعب السوري"، كما شدد السفير السوري لدى الأمم المتحدة بسام الصباغ، على أن النظام يجب أن يكون مسؤولاً عن جميع المساعدات التي تصل إلى سوريا، بما في ذلك المناطق التي لا تخضع لسيطرته. وحجة النظام أن العقوبات الأميركية تقف عائقاً أمام تقديم المساعدات للشعب السوري، فيما تشير تقارير عدة إلى أن حكومة الأسد تستغل المأساة لأغراض سياسية. وردت وزارة الخارجية الأميركية حينها على اتهامات النظام وقالت، إن العقوبات تتضمن استثناءات لا تمنع وصول المساعدات الإنسانية والطبية والغذائية وغيرها للشعب السوري. وأكدت أن واشنطن لن تمنع أي دولة من تقديم ذلك الدعم. ويقول زيد العظم حول هذا الموضوع، إنهم كجالية سورية وحقوقيين سوريين موجودين في فرنسا، نقلوا الصورة الحقيقية داخل الأراضي السورية، حيث قاموا بتوثيق شهادات وترجمتها لأناس أكدوا أن النظام يقوم بسرقة المساعدات، كما أن هناك شهادات لأشخاص تثبت أنه لم تصل إليهم أي مساعدات، بل إن تلك المساعدات يتم بيعها في الأسواق. وتابع العظم، أنهم وضعوا تلك الاعترافات الموثقة في مكتب مسؤولة الملف السوري في الخارجية الفرنسية بريجيت كورمي، حيث نقلوا الصورة الحقيقية للحاجات والنداءات العاجلة في شمال غربي سوريا، والوضع المأساوي الكارثي هناك.
أكبر مصدر للعملة الصعبة
ويشير تقرير لـ"مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية" التابع لجامعة بغداد، نشر منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2021، إلى أن النظام السوري لطالما وجه المساعدات إلى المناطق التي يعتبرها موالية له، وأعاق وصولها إلى المناطق التي كانت تسيطر عليها المعارضة، كما يحول النظام السوري سلال الطعام إلى الوحدات العسكرية. وعندما تشحن وكالات الإغاثة البسكويت الغني بالبروتين لإنقاذ حياة الأطفال، يأكله الجنود، في وقت يعاني خمس الأطفال دون سن الخامسة من سوء التغذية. ويوضح التقرير أن النظام يجبر وكالات الإغاثة الدولية على استخدام سعر صرف غير حقيقي، ما سمح له بالحصول على ما يقرب من 51 سنتاً من كل دولار أنفق في سوريا خلال عام 2020 من المساعدات الدولية. واستخدم النظام هذه الأموال أيضاً لدعم البنك المركزي السوري بالعملة الصعبة، وهو مؤسسة فرضت عليها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة عقوبات. ويؤكد التقرير أنه رغم العقوبات التي فرضت على النظام السوري، باتت الحكومات الغربية أكبر مصدر للعملة الصعبة لنظام بشار الأسد. وتقدم الدول المانحة نحو 2.5 مليار دولار كمساعدات كل عام منذ عام 2014 لمساعدة المحتاجين في سوريا، لكنهم يساعدون في الوقت نفسه النظام. وكان تقرير "فايننشال تايمز" قد أشار إلى أن الوكالات الأممية قدمت تنازلات للنظام في ما يتعلق بالأمور التشغيلية، إذ أظهرت بيانات الأمم المتحدة أنها قدمت في عام 2022، 11.5 مليون دولار، و81.6 مليون منذ 2014، لفندق "فور سيزونز" بدمشق، المملوك من قبل رجل الأعمال سامر الفوز الخاضع هو والفندق للعقوبات الأميركية منذ عام 2019، بسبب علاقاته المالية مع الأسد، كما حصل الأسد على ملايين الدولارات القادمة على شكل مساعدات إنسانية، وذلك عبر إجبار وكالات الإغاثة الدولية على اعتماد سعر الصرف الرسمي لليرة، حيث استخدمها في دعم احتياطي المصرف المركزي السوري بالقطع الأجنبي. ويعود تاريخ التعاون بين الوكالات الإغاثية والنظام إلى بداية الحرب السورية عام 2011، حيث زادت تلك الوكالات من وجودها بشكل سريع حتى تتمكن من القيام بإصلاحات سريعة بعد توقعاتها بسقوط الأسد، إلا أن الأمر كلف الغرب مليارات الدولارات واستدعى تقديم تنازلات للنظام تخالف مبادئ الإنسانية. وتقول الوكالة الأميركية للتنمية الدولية "USAID" إن مجلس الأمن الدولي اعتمد قراراً في يناير (كانون الثاني) الماضي، يجدد لتفويض الأمم المتحدة بتقديم المساعدات الإنسانية عبر الحدود إلى شمال غربي سوريا لمدة ستة أشهر. وارتفع عدد السوريين المحتاجين للمساعدة الإنسانية إلى 15.3 مليون في عام 2023، بزيادة خمسة في المئة عن عام 2022، وفقاً للأمم المتحدة. وتعد الولايات المتحدة المانح الرئيس للمساعدات الإنسانية لسوريا، حيث قدمت ما يقرب من 16 مليار دولار في جميع أنحاء سوريا والمنطقة منذ بداية الأزمة. وتصل مساعدات الوكالة الأميركية للتنمية الدولية وحدها إلى أكثر من 6.6 مليون شخص شهرياً داخل سوريا.
ليست المرة الأولى
ويشير تقرير "فايننشال تايمز" إلى أن وثائق تم تسريبها عام 2016، تؤكد أن الأمم المتحدة سبق أن وظفت أقارب لمسؤولين رفيعي المستوى لدى النظام. وقال أحد العاملين في مجال الإغاثة بالشرق الأوسط، "لا يمكنني أن أخبركم عن عدد المرات التي دخل فيها أحد المسؤولين لدى الحكومة السورية إلى مكاتبنا وضغط علينا لنوظف ابنه". وتشير ممارسات التوظيف، إلى أن وكالات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية العاملة ضمن مناطق سيطرة النظام، يمكن أن توظف أقارب موالين له، ما يخلف أثراً مرعباً على بعض الكوادر المحلية. وقالت الصحيفة، إن الأمم المتحدة والمنظمات الإغاثية تعمل بالشراكة مع هيئات مرتبطة بالنظام السوري أبرزها "الهلال الأحمر السوري" ومديره خالد حبوباتي المرتبط بالأسد، والأمانة السورية للتنمية الممولة من قبل زوجة الأسد أسماء الأخرس التي لا تزال تهيمن بشكل كبير على عملياتها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأضافت الصحيفة أن "الهلال الأحمر العربي السوري يعتبر أهم منظمة شريكة للأمم المتحدة في سوريا، وتمارس نفوذاً كبيراً على المنظمات غير الحكومية الدولية، ولا بد للجنة من حكومة النظام الموافقة على جهودها الإغاثية مثلها مثل كل برامج الإغاثة في سوريا، بعد قيام عديد من الوزارات وفروع الاستخبارات بتقديم معلومات عن تلك البرامج". ويعلق المحامي والحقوقي العظم على هذا بالقول، "من المؤكد أنها ليست المرة الأولى، بصورة خاصة في عام 2020، كانت موظفة في منظمة الصحة الدولية تعد تقارير مفبركة حول أنه لا بد من رفع عقوبات قانون قيصر عن النظام من أجل إدخال المساعدات الطبية، علماً أنه يستثني المساعدات الطبية والدوائية والإغاثية، ولكن بغرض دس السم في العسل والاصطياد في الماء العكر، واستغلال كل كارثة وانتشار الأوبئة لتبرئة النظام من العقوبات، عمد بعض من موظفي وموظفات منظمة الصحة العالمية، إلى إعداد تقارير مضللة تطالب فيها الإدارة الأميركية ودول الاتحاد الأوروبي برفع العقوبات، وهي أقل ما يقال فيها إنها تقارير مضللة خبيثة تسعى إلى خلط الحقائق حيث إن العقوبات لا تمت بتاتاً بصلة إلى المساعدات الإنسانية. وهذا ما دفع بالولايات المتحدة إلى تجميد العقوبات فترة ستة أشهر، لسحب كل الذرائع من أمام مناورات النظام الخبيثة". ويتابع العظم أن "للنظام موظفين متعددين داخل أروقة الأمم المتحدة منهم سوريون وآخرون دوليون متواطئون مع النظام، من خلال مصالح متبادلة أي رشى يدفعها". ويعلق على كشف "فايننشال تايمز" أن ابنة حسام لوقا مدير إدارة الأمن السياسي موظفة داخل الأمم المتحدة، بالقول إن "ابنة لوقا لا تعمل في الأمم المتحدة وحسب، بل في مكان مهم وحساس جداً يتعلق بنكبة الزلزال الأخيرة". ويضيف أن "النظام اتبع كثيراً من الحيل كي يستفيد من المساعدات، والهلال الأحمر يوزعها على "شبيحة" النظام وعلى الميليشيات التي تقاتل إلى جانبه. ومن خلال عمله كحقوقي يقول إنه اطلع على بعض التقارير التي تؤكد أن بعض المساعدات التي أرسلت تم تجييرها لصالح الميليشيات الإيرانية، بصورة خاصة المساعدات الأردنية، حيث تمت سرقتها وتحويلها لصالح ميليشيات إيرانية موجودة على الأراضي السورية".
الأسد استغل النكبة
وفي تقرير نشرته صحيفة "الغارديان" البريطانية لمراسلها في الشرق الأوسط مارتن شولوف، في 12 مارس الجاري، جاء أن الأسد انتهز فرصة الزلزال الشهر الماضي للعودة إلى المسرح الإقليمي والخروج من العزلة. وذكر التقرير أن "الأسد الذي تجول في حلب بعد الزلزال لم يظهر بمظهر الرجل الذي يحمل مصير الأمة على ظهره. وعندما وقف لأخذ الصور مع السكان الذين اصطفوا للقائه وهو يفحص الضرر الذي تركه الزلزال، بدا مرتاحاً أكثر من اهتمامه وقلقه على الناجين من الكارثة. وكان الرئيس المبتسم يفكر باللحظة التي جاءت إليه أخيراً. فبعد أيام من الكارثة كان مسؤولو الإغاثة الدولية يتدفقون من أجل مقابلته وطلب إذنه للوصول إلى المجتمعات المتضررة والواقعة خارج سيطرته. ومرة أخرى بدأت المؤسسات الدولية بالتعامل مع الأسد على أنه رئيس دولة ذات سيادة وموحدة". وأضاف التقرير "وسافر وزراء خارجية الأردن والإمارات ومصر إلى دمشق لمقابلة الأسد وتقديم التعازي له". وكانت رمزية هذه اللقاءات صورة عن حدث زلزالي ولكن من نوع آخر. وقال مسؤول أمني إقليمي "هذه لحظة كانت قادمة ولم يعد هناك إمكانية لطرح فكرة أن المنطقة آمنة ببقاء سوريا منبوذة، لكن لا أحد يعرف عما سيتخلى الأسد وماذا سيحمل أصدقاؤه العائدون إليه من نفوذ"، بحسب "الغارديان".