Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

التفاف إسرائيل على العقوبات بـ"القانون" يهددها بعزلة مالية

مراقبون: البنوك ستتعرض لغرامات بالملايين وتقيد إمكانية الحصول على عملات أجنبية ويتوقف الاستيراد والتصدير

اتسع نطاق وبشاعة الجرائم الفردية والجماعية التي يرتكبها المستوطنون ضد الفلسطينيين منذ بدء الحرب (اندبندنت عربية)

ملخص

ثمة محاولات تشريعية نظمتها وقادتها أحزاب المستوطنين في الكنيست الإسرائيلي سعياً إلى سن قوانين سريعة من شأنها إفراغ تلك العقوبات من مضمونها وجدواها وقتل أية فرصة لتطبيقها.

منذ أن بدأ العمل كراع قبل عقدين لم يكن سائد كعابنة (35 سنة) يحمل هم أغنامه أين ومتى ترعى، حيث كان يعيش بالقرب من قرية بردلة في الأغوار الشمالية للضفة الغربية، و"بلاد الله واسعة" بحسب تعبيره، إلا أن السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 قلب حياته رأساً على عقب، فالحرب شحذت عنف المستوطنين إلى مستويات غير مسبوقة، وبعد أن قتلوا أغنامه ومزقوا خيمته استولوا على المنطقة، وطردوا كل سكانها البدو الذين عاشوا فيها أعواماً طويلة.

وفيما كان كعابنة يلملم أمتعته إلى مكان مجهول بعيداً من أعين المستوطنين، صعد آخرون منهم هجماتهم واعتداءاتهم على الفلسطينيين في مناطق عدة، وأحرقوا ثلاث مركبات فلسطينية في قرية المزرعة الغربية القريبة من رام لله، وهاجموا كذلك منازل عدة بالحجارة في بلدة بيت فوريك شرق نابلس شمالي الضفة.

ووفقاً لمنظمة "البيدر للدفاع عن حقوق البدو"، فإن 167 تجمعاً بدوياً تتوزع على السفوح الشرقية لمرتفعات الضفة والمطلة على الأردن "تعيش أبشع فصول حرب التطهير العرقي ضدها منذ النكبة." وطاول الترحيل القسري منذ بدء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة 40 تجمعاً بدوياً فلسطينياً.

نطاق وبشاعة الجرائم الفردية والجماعية التي يرتكبها المستوطنون ضد الفلسطينيين في القرى والبلدات الفلسطينية منذ بدء الحرب، دفع الإدارة الأميركية لفرض عقوبات جديدة، طاولت هذه المرة منظمتين استيطانيتين بارزتين، وثلاثة من كبار قادة المستوطنيين في الضفة الغربية، بزعم دورهم الكبير في "زعزعة الاستقرار في المنطقة".

 

منذ أن وقع الرئيس الأميركي جو بايدن في فبراير (شباط) الماضي، مرسوماً يسمح بفرض عقوبات ضد المستوطنين الإسرائيليين المتورطين في أعمال عنف بالضفة الغربية، فرضت الولايات المتحدة إلى جانب دول أوروبية عديدة عقوبات على 17 مستوطناً و16 كياناً استيطانياً فشلت إسرائيل في اتخاذ إجراءات حازمة ضدهم. وأظهرت البيانات التي قدمتها منظمة الأمم المتحدة لتنسيق الشئون الإنسانية (أوتشا) لمجموعة الأزمات الدولية، أن 1264 حادثة عنف ارتكبها مستوطنون وقعت في الفترة من السابع من أكتوبر 2023 إلى 12 أغسطس (آب) الماضي، وتتراوح ما بين المضايقات اللفظية والترهيب وحتى الأعمال العنيفة مثل الاعتداءات الجسدية وتدمير الممتلكات وإشعال الحرائق التي تستهدف منازل الفلسطينيين وحقولهم ومركباتهم، والتي أسفرت عن مقتل 21 فلسطينياً وإصابة 643 آخرين، وتدمير نحو 23 ألف شجرة يملكها فلسطينيون. واستناداً إلى معطيات حركة "السلام الآن" الإسرائيلية، فإن نحو نصف مليون إسرائيلي يقيمون في 146 مستوطنة كبيرة و144 بؤرة استيطانية مقامة على أراضي الضفة الغربية، بما لا يشمل القدس الشرقية. وتعتبر الأمم المتحدة ومعظم المجتمع الدولي الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية عام 1967 غير قانوني، وتدعو إسرائيل إلى وقفه.

عقوبات جديدة

قائمة العقوبات الأميركية الجديدة شملت قبل أيام عقوبات على منظمة "أمانا" الإسرائيلية وشركة فرعية تابعة لها بالولايات المتحدة، التي تعمل في مجال بناء وتطوير مستوطنات وبؤر استيطانية بالضفة، على خلفية تمويل ودعم أنشطة استيطانية وأفراد متورطين بالعنف ضد الفلسطينيين. وبحسب حركة "السلام الآن"، التي تنظم حملات ضد الاستيطان، فقد ساعدت "أمانا" واستثمرت مبالغ كبيرة من المال في إنشاء ودعم كثير من البؤر الاستيطانية الزراعية غير القانونية. وكشفت الحركة أن "أمانا" تملك أصولاً بقيمة نحو 600 مليون شيكل (160.4 مليون دولار) وتبلغ ميزانيتها عشرات الملايين من الشواكل سنوياً.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

كما طاولت العقوبات شبتاي كوشلوفسكي وزوهر صباح وإيتمار ليفي، إضافة إلى منظمة "إيال هاري يهودا" التي يمكلها الأخير. وبحسب وزارة الخزانة الأميركية، فإن كوشلوفسكي مرتبط بمنظمة "هشومير يوش" التي أدرجت سابقاً في قائمة العقوبات. أما صباح الذي وجهت إليه النيابة العامة الإسرائيلية في سبتمبر (أيلول) الماضي اتهامات بالمشاركة في هجوم عنيف ضد فلسطينيين ونشطاء في منطقة المعرجات القريبة من مدينة أريحا الفلسطينية، فاتهمته الخزانة الأميركية بالتورط في أعمال عنف ومضايقات أخرى ضد الرعاة الفلسطينيين لتشييده بؤرة زراعية غير قانونية في منطقة غور الأردن.

ومن بين التنظيمات الاستيطانية الأخرى التي شملتها قرارات العقوبات "صندوق تلال الخليل" و"جمعية شالوم - أسيرايخ". وبحسب ما جاء في بيان نائب وزير المالية الأميركي فولي آديامو، في أبريل (نيسان) الماضي، فإن التنظيمين خصصا عبر شبكة الإنترنت عشرات آلاف الدولارات من التبرعات لمتطرفين يهود ثبت تورطهم بتدمير ممتلكات، والاعتداء على مواطنين وممارسة العنف ضد الفلسطينيين". ووفقاً لمركز الإعلام والديمقراطية الإسرائيلي "شومريم" شملت العقوبات الأميركية تحديداً بعض "البؤر الاستيطانية" في الضفة الغربية، وأبرزها "حفات مان" في تلال جنوب الخليل، التي أقامها المستوطن يسسخار مان الذي وصفته الولايات المتحدة وفرنسا بأنه "يؤجج التوتر في الضفة الغربية ويسعى إلى الاستيلاء على أراض فلسطينية".

 

ويشمل فرض العقوبات الاقتصادية، التي يجري الحديث عنها، تجميد أية ممتلكات أو أرصدة مالية تعود لأفراد أو شركات أو جمعيات تشملها العقوبات، ومنع إبرام أية صفقات تجارية معهم، إضافة إلى منعهم دخول الولايات المتحدة أو الدول الأخرى التي أعلنت فرض العقوبات. مما يعني منع أية مؤسسة تربطها علاقة، من أي نوع كان، بالمنظومة الاقتصادية- التجارية- المالية في الدولة المعنية من تقديم أية خدمة تجارية أو مالية للأفراد والجمعيات المشمولين في العقوبات، ابتداء من فتح وإدارة حسابات مصرفية جارية وانتهاء بتنظيم حملات لجمع التبرعات.

وتشمل هذه المؤسسات جميع البنوك والمؤسسات التجارية المختلفة في إسرائيل، التي تربطها علاقات تجارية ومالية متشعبة مع المؤسسات التجارية والمالية في الولايات المتحدة، أو الدول الأخرى التي أعلنت فرض العقوبات، وبذلك فإن أي بنك تجاري إسرائيلي يفتح أو يدير حساباً مصرفياً لشخص أو تنظيم شملته قائمة الأشخاص والتنظيمات المفروضة عليها العقوبات، فإنه يخاطر بأن يتم قطع علاقاته التجارية والمالية معه، وهو ما يعني سد كثير من قنوات ووسائل التعامل المصرفي المتاحة أمام البنك إياه، وتكبده أضراراً وخسائر مالية فادحة.

أخطار محدقة

خطورة العقوبات الأميركية هذه المرة، أنها تجمد كل أصول "أمانا" في الولايات المتحدة، وتمنع المواطنين الأميركيين والمنظمات الأميركية من التبرع لها مما يؤثر على حوالى 60 ألف مستوطن يحملون الجنسية الأميركية، وذلك لأن العقوبات تحظر عليهم أن ينفذوا أعمالاً تجارية مع الجهات التي تخضع للعقوبات وهو ما قد يقضي بتجميد كافة أملاكهم في الولايات المتحدة.

ووفقاً لتقرير نشرته صحيفة "ذي ماركر" الاقتصادية الإسرائيلية أول من أمس الثلاثاء، فإن حركة "أمانا" شيدت قسماً كبيراً من بيوت المستوطنات في الضفة الغربية وأجرت بيوتاً متنقلة، كما أن شركة البناء "مباني بار أمانا" التي أسسها التنظيم في الولايات المتحدة وتقدم خدمات لآلاف المستوطنين، ومن بينهم مواطنون أميركيون ستؤثر على 83 مستوطنة. خصوصاً أنه بموجب العقوبات الأميركية على "أمانا"، فإن العلاقات الاقتصادية مع شركتها ستكون ممنوعة، وستتعرض الجهات التي تخرق هذه العقوبات لعقوبات هي الأخرى، التي لا تشمل مواطنين أميركيين وحسب وإنما تضم مواطنين غير أميركيين أيضاً.

 

وبحسب الصحيفة، فإن المؤسسات المالية الإسرائيلية لا تملك سوى الانصياع للعقوبات الأميركية وتطبيقها، كي لا يتضرر الاقتصاد الإسرائيلي بصورة كبيرة. إذ إن البنوك الاسرائيلية توقفت بالفعل عن قبول أنشطة "أمانا" التجارية، ومن بينها رهن أراض وعقارات سيوقف مشاريع بناء تقوم بتنفيذها. ووفقاً لما رصدته الباحثة في "معهد سياسة الشعب اليهودي" سارة هيرشهورن، فإن 60 ألف مستوطن يحملون الجنسية الأميركية في الأقل ويسكنون في الضفة اشتروا بيوتاً عن طريق أمانا". وبحسب اعتقادها فإن العقوبات الدولية "لا تساعد ولا تردع إرهاب المستوطنين الذين يعدونها كارهة لإسرائيل".

وبحسب صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" فإنه على رغم تراجع حدة تأثير هذه الخطوة بعد انتخاب دونالد ترمب هذا الشهر، الذي قد يلغي مثل هذه العقوبات فإنها لا تزال ترسل إشارة إلى الدول الغربية الأخرى التي سبق أن حذت حذو الولايات المتحدة في فرض عقوبات مماثلة ضد المتطرفين الإسرائيليين في الضفة الغربية خلال العام الماضي.

وكانت المملكة المتحدة وكندا فرضتا على منظمة "أمانا" عقوبات في وقت سابق من هذا العام، كما حث الأسبوع الماضي نحو 90 مشرعاً أميركياً على فرض عقوبات على "أمانا" وعلى وزيرين في حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بسبب العنف ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية.

قانون خطر

خطورة تلك العقوبات وما خلقته من مخاوف كبيرة جداً لدى المستوطنين وتنظيماتهم المختلفة دفعتهم إلى عقد لقاءات مع رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، ووزير ماليته بتسلئيل سموتريتش، لمطالبتهما بالتحرك الرسمي على المستويين الحكومي والشخصي من أجل إلغاء قرارات فرض العقوبات، لا سيما في الولايات المتحدة الأميركية بصورة خاصة. وترافقت تلك اللقاءات مع محاولات تشريعية نظمتها وقادتها أحزاب المستوطنين في الكنيست الإسرائيلي سعياً إلى سن قوانين إسرائيلية سريعة من شأنها إفراغ تلك العقوبات من مضمونها وجدواها وقتل أية فرصة لتطبيقها. وسارع عضو الكنيست ليمور سون هار ميلخ من حزب عوتسما يهوديت، برئاسة وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير بطرح مشروع قانون يهدف إلى الالتفاف على العقوبات عبر تعديل قانون البنوك، وتوسيع تعريف رفض غير معقول لمنح خدمات مصرفية في حالات يتم إيقافها بموجب أمر صادر عن هيئة أجنبية لأسباب سياسية وليس بسبب شبهات جنائية. وجرى إجراء تعديل على مشروع القانون الذي قدم في يوليو (تموز) الماضي قبل أسبوعين، ويقضي بأن رفض تقديم خدمات مصرفية بسبب عقوبات تفرضها دولة أجنبية يعد رفضاً غير معقول إلا في حال ذكر أمر العقوبات بصورة واضحة بـ"أن منح الخدمة المصرفية يشكل خرقاً لأمر العقوبات".

 

بحسب مندوبي "بنك إسرائيل" و10 وزارات ومؤسسات حكومية اقتصادية وأمنية وقضائية فإن عواقب سن مشروع القانون ومدى خطورة الالتفاف على العقوبات، خصوصاً في الوقت الذي خفض فيه التدريج الائتماني لإسرائيل سيعرض البنوك لغرامات بمئات ملايين الدولارات، ويقيد إمكانية حصول المواطنين على عملة أجنبية وأوراق مالية أجنبية، وسيؤدي في حال متطرفة إلى قطع المعاملات مع جمعية الاتصالات المالية العالمية بين البنوك  "SWIFT" وتوقف الاستيراد والتصدير، وستواجه إسرائيل عزلة مالية.

وقد اضطرت البنوك الإسرائيلية على إثر هذه الأخطار إلى تنفيذ العقوبات الدولية على نحو 20 حساباً مصرفياً، بينها حساب رئيس حركة "ليهافا" الاستيطانية بنتسيون غوبشتاين المقرب من بن غفير. ودان رئيس منظمة "يشع" الاستيطانية يسرائيل غانتس العقوبات الأخيرة، واتهم الإدارة الأميركية بـ"تعزيز محور الشر" والعمل "ضد الكتاب المقدس".

يذكر أن العقوبات الأميركية الأخيرة جاءت بعد أيام من إعلان شرعنة بؤر استيطانية في الضفة الغربية، الأمر الذي أثار انتقادات دولية على نطاق واسع، ومطالبات بالتراجع عن القرار.

المزيد من متابعات