ملخص
#الجيش_الليبي يعثر على #اليورانيوم المفقود على حدود #تشاد ويتهم الوكالة الذرية بالمسؤولية وأصابع الاتهام تشير لتورطه مع #"فاغنر" الروسية
اختفت في يوم وظهرت في التالي، لسنا بصدد التحدث عن لغز بل عن براميل اليورانيوم الطبيعي التي أعلنت الوكالة الدولية للطاقة الذرية عن فقدان 10 منها الأربعاء الماضي وتحمل كمية تقدر بـ2.5 مليون طن، من أحد مخازن اليورانيوم الطبيعي في ليبيا من دون ذكر للمكان، لتعلن بعد ذلك القوات المسلحة في الشرق الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر العثور عليها الخميس الماضي على بعد خمسة كيلومترات من موقع تخزين يقع على الطريق باتجاه الحدود التشادية.
وتأتي تلك التطورات المقلقة في وقت تشهد ليبيا حراكاً دبلوماسياً على أكثر من مستوى لإنهاء المراحل الانتقالية والذهاب نحو انتخابات وطنية بنهاية العام الحالي بعد فشل إجراء انتخابات في 24 ديسمبر (كانون الأول) 2021. وفيما يشير بعض متابعي الشأن الليبي إلى "تورط عناصر مجموعة فاغنر الروسية في العبث بالكعكة الصفراء لاستغلالها في أعمالها العسكرية"، يذهب آخرون إلى أن "مجموعات مسلحة مدفوعة من فرنسا تقف وراء هذا العمل".
العثور على اليورانيوم المفقود
وأصدرت قوات "الجيش الوطني" في الشرق الليبي بياناً الخميس الماضي في إطار الرد على تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية الذي أكد أنه "بعد حضور أعضاء التفتيش التابعين للوكالة الثلاثاء الماضي إلى ليبيا تبيّن اختفاء 10 براميل من اليورانيوم الطبيعي المركز من موقع التخزين".
وأعلن مدير إدارة التوجيه المعنوي التابعة لقوات حفتر، اللواء خالد المحجوب في بيان مكتوب مرفق بفيديو أنهم "عثروا على 10 براميل من اليورانيوم المفقود بالقرب من الحدود التشادية".
وظهر رجل يرتدي ملابس بيضاء اللون وكمامة في مقطع الفيديو المرافق لبيان قوات حفتر، أحصى الكمية التي عثر عليها ليتبين أنها موزعة على 18 برميلاً، في حين أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية تحدثت عن اختفاء 10 براميل يورانيوم فقط. وأضاف المحجوب في بيانه أن الموقع كان عبارة عن مستودع بالقرب من الحدود مع التشاد سبق وزارته الوكالة الدولية للطاقة الذرية عام 2020 وأغلقته بالشمع الأحمر. وأشار إلى أن الوكالة تعهدت في ذلك الوقت بأن تؤمن "حاجات الحراسة" التي تشمل ملابس خاصة لحماية المكلفين بالحراسة من الأمراض التي تسببها هذه المادة، لكنها لم توفر هذه الحاجات، وفق ما جاء في نص البيان، مما اضطر الحراس إلى البقاء بعيدين من المستودع.
ورجح المحجوب أن تكون مجموعة مسلحة تشادية تقف وراء هذه العملية ظناً منها أنها براميل أسلحة أو ذخيرة.
وأمام استمرار صمت مسؤولي "حكومة الوحدة الوطنية" برئاسة عبدالحميد الدبيبة التي تتخذ من العاصمة الليبية طرابلس مقراً لها وعدم تعليقهم على اختفاء اليورانيوم الطبيعي من موقعه الأصلي، تواصلت "اندبندنت عربية" مع المجلس الرئاسي للتعليق على الواقعة لكنه اختار الصمت أيضاً.
اتهام "فاغنر"
من جهته وصف الباحث في المجال العسكري عادل عبدالكافي بيان قوات الشرق بـ"المسرحية السيئة الإخراج" وأكد أنها "تأتي في إطار تغطية تعاونهم مع مرتزقة فاغنر الذين يتنقلون بسلاسة من سوريا إلى ليبيا عبر مطارات الشرق الليبي الواقع تحت سيطرتهم". وقال إن "هذا البيان لا يعدو أن يكون سوى محاولة من قوات حفتر لتبييض صورتها أمام الرأي العام الليبي والدولي باعتبار أن هذه المواقع الحساسة تتربع في مناطق سيطرتها لإبعاد الشبهة عنها، بخاصة بعد التهديدات الأميركية الأخيرة لها على خلفية علاقتها بمجموعة فاغنر الروسية إبان زيارة مدير وكالة الاستخبارت الأميركية وقائد قوات أفريكوم إلى الإدارة العسكرية السادسة".
وشدد عبدالكافي على أن "مرتزقة فاغنر الروسية هم من يقفون وراء اختفاء براميل اليورانيوم ثم ظهورها في اليوم التالي لإعلان الوكالة الدولية للطاقة الذرية عن اختفائها، فهم الوحيدون الذين يتحركون بسلاسة في المنطقة الشرقية والجنوبية، بداية من قاعدة الجفرة الاستراتيجية المحاذية لمدينة سرت (وسط) وصولاً إلى قاعدة براكي الشاطئ في الجنوب الليبي نزولاً إلى قاعدة ’الويق‘ الاستراتيجية في عمق الجنوب الليبي".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأبرز أن "فقدان سيطرة حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبدالحميد الدبيبة على قاعدة الويق التي تتمتع بمواقع لتخزين الأسلحة والطائرات والمواد الحساسة هو ما سمح لقوات فاغنر بالتمدد نحوها ومن المرجح أن تكون كمية اليورانيوم المفقودة أخفيت موقتاً في أحد مخازنها المعدة لمواد نووية كهذه".
وأوضح الباحث العسكري أن "هناك صوراً للأقمار الاصطناعية بينت تحركات لطائرات أنتونوف الروسية التي من المفترض أن تكون هي التي حملت براميل اليورانيوم المفقودة تجاه قاعدة الويق ثم نحو إحدى الدول الأفريقية في مرحلة أولى"، لافتاً إلى أن "عدم تعليق الوكالة الدولية للطاقة الذرية على إعلان قوات حفتر العثور على كمية اليورانيوم المفقودة يأتي ليؤكد أنها مجرد ترويجات كاذبة، بخاصة أن الكمية المفقودة هي 10 براميل، بينما الفيديو المرافق للبيان أظهر 18 برميلاً".
وتابع أن "فاغنر الروسية هي من تمتلك الإمكانات اللوجستية لرصد هذه المواقع التي يحتاج بلوغها إلى معلومات استخباراتية قدمها لها الجيش الروسي باعتبار أن المجموعة تمثل امتداده غير المعلن، وتعمل على تحقيق الأهداف التوسعية للدولة الروسية سواء في سوريا أو أوكرانيا أو ليبيا".
واستبعد عبدالكافي فرضية استيلاء مجموعات مسلحة على هذه الكميات من اليورانيوم باعتبار أن ليبيا لا تمتلك إمكانات لتخصيب هذه المادة أو حتى نقلها، فتحريك هذه المادة يحتاج إلى حرص شديد ووسائل خاصة لا تمتلكها سوى روسيا وفرنسا التي هي الأخرى مستبعدة من سيناريو اختفاء اليورانيوم الليبي الذي تبقى لروسيا مصلحة كاملة في استخدامه بالحروب التي تقودها في أوكرانيا أو في مواقع أخرى".
"تشويه للجيش"
ورداً على ما ذهب إليه الخبير العسكري عادل عبدالكافي، صرح مدير مكتب التوجيه المعنوي في قوات الشرق بقيادة المشير حفتر اللواء خالد المحجوب إلى "اندبندنت عربية" بأن "الهدف من هذا الكلام هو تشويه سمعة قوات الجيش بالشرق الليبي"، متسائلاً عن "سبب سماح الجيش للوكالة الدولية للطاقة الذرية بدخول الأراضي الليبية الواقعة تحت سيطرته لتفتيش مخازن اليورانيوم الطبيعي بمدينة سبها (جنوب) إذا لم يكونوا هم مَن سهلوا مهمة فاغنر في الاستيلاء على براميل اليورانيوم".
وتابع "فرضاً لو أن قوات حفتر متورطة في موضوع اليورانيوم المركز لمَ لم ترجع الكمية المفقودة قبل وصول أعضاء الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى الموقع المذكور؟ ولمَ خرجت قوة من الجيش للبحث عن براميل اليورانيوم التي أعلنت الوكالة الدولية للطاقة الذرية عن اختفائها؟".
جبهة تحرير التشاد
وشدد المحجوب على أن "لا علاقة نهائياً لعناصر مجموعة فاغنر بموضوع اختفاء اليورانيوم"، مرجحاً أن تكون "قوة مسلحة من التشاد هي من تقف وراء هذا الأمر".
هذه الفرضية دعمها بقوة عضو لجنة الأمن القومي في البرلمان علي التكبالي الذي استبعد أن تكون "جهة استخباراتية دولية وراء تحرك براميل اليورانيوم من مكانها والواضح أن مجموعة مسلحة من جبهة تحرير التشاد هي من أحدثت ثقباً في مخزن اليورانيوم واستولت على عدد من البراميل ليتم بيعها بهدف تمويل عملياتها العسكرية ضد النظام التشادي غير أن العملية فشلت فتركت براميل اليورانيوم تحرس نفسها بنفسها في عمق الصحراء الليبية".
وأشار إلى أن "الحديث عن هذه البراميل بدأ بعد الثورة مباشرة، تحديداً بعد عام 2011 وقيل إن عددها 40 برميلاً في منطقة ما بمدينة سبها". وسأل التكبالي الوكالة الدولية للطاقة الذرية إذا ما كانت على علم بمدى الخطر الإشعاعي الذي تمثله هذه البراميل من اليورانيوم؟ ولم حافظت عليها في هذا المخزن الخالي من التأمينات ثم اختارت هذا التوقيت للتكلم عن هذا الموضوع؟
ونوه بأن "رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية على علم بأمر اختفاء كمية اليورانيوم منذ مدة طويلة ولم يحرك ساكناً لإرجاعها إلى موقعها الأصلي"، مشدداً على أن "هناك يداً تريد أن تجعل من هذه البراميل المسروقة قصة حتى يتسنى لها الآن الاستحواذ على اليورانيوم الليبي وبيعه، لا سيما أن فرنسا كانت أبدت استعدادها سابقاً للحصول عليه باعتبارها تمتلك إمكانات تخصيب هذه المادة".
"آريفا" الفرنسية
من جهة أخرى، اعتبر الباحث في شؤون النفط والطاقة رمزي الجدي أن "إعلان الوكالة الدولية للطاقة الذرية عن اختفاء هذه الكمية ثم خروج قوات حفتر لتأكيد وجودها بالقرب من الحدود التشادية تحديداً يجعل الشكوك تتجه مباشرة نحو فرنسا، خصوصاً شركة ’آريفا‘ المعروفة بنشاطها في التنقيب عن اليورانيوم وتخصيبه في عدد من الدول الأفريقية، بخاصة النيجر والتشاد".
وأوضح أن "آريفا الفرنسية قدمت إلى ليبيا عام 2007 في عهد الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي وحاولت توقيع اتفاق لشراء 1600 طن من اليورانيوم الذي كان مخصصاً للبرنامج النووي الذي عمل عليه القذافي". وأضاف أن "آريفا هي الشركة الوحيدة الناشطة في دول أفريقية على مقربة من الحدود الجنوبية الليبية على غرار النيجر، مما يفسر عمل فرنسا على محاولة بسط نفوذها الاستعماري منذ عام 2011، تحديداً على منطقة الجنوب الغربي لليبيا عن طريق كل من مكون الطوارق ومكون التبو الذي تمتد قبائله نحو التشاد والنيجر وذلك لتحقيق مصالحها في المجال النووي، بخاصة أن جبل العوينات الغربية بالقرب من الحدود التشادية غني بهذه المادة الصفراء التي أهملت ليبيا الاستثمار فيها وبقيت حبيسة عائدات الذهب الأسود منذ الستينيات حتى الآن".
حساسية التوقيت
من جهته استغرب عضو مجلس الدولة الاستشاري سعد بن شرادة "إثارة موضوع اليورانيوم الآن بينما تنكب ليبيا بمعية المجتمع الدولي على تسخير كل قواتها البشرية والأمنية والمالية للخروج من مستنقع المراحل الانتقالية والذهاب نحو انتخابات وطنية، بخاصة بعد دعم مجلس الأمن الدولي لمبادرة المبعوث الأممي إلى ليبيا عبدالله باثيلي التي تهدف إلى تشكيل لجنة تعمل على تسهيل اعتماد إطار قانوني وخريطة طريق محددة زمنياً لإجراء انتخابات خلال العام الحالي".
وصرح بن شرادة إلى "اندبندت عربية" بأن "التوقيت الذي عاد فيه ملف اليورانيوم غريب جداً، خصوصاً أن ليبيا كانت استغنت عن طموحها النووي منذ عام 2003، ثم شهدت البلاد انفلاتاً أمنياً وسياسياً بعد ثورة فبراير (شباط) عام 2011، مما ولّد حالاً من الفوضى وعدم الرقابة لأي مخزون من مخزونات الثروات الليبية على غرار الكعكة الصفراء".
وقال إن "اختفاء اليورانيوم ثم العثور عليه بعد يوم بكمية تقترب من ضعف البراميل المفقودة مجرد إشاعة تحركها أطراف دولية لتبديد الجهود المحلية والأممية وإفشال مشروع الانتخابات".