ملخص
حذر عدد من المشرعين #الجمهوريين مثل السيناتور جوش هاولي ورئيس مجلس النواب كيفين مكارثي من تقديم كثير من المساعدة لـ #أوكرانيا
على رغم أن غالبية المرشحين الجمهوريين الحاليين والمرتقبين للرئاسة الأميركية في عام 2024 يدعمون أوكرانيا في حربها ضد روسيا، إلا أن أهم متنافسين على ترشيح الحزب الجمهوري وهما الرئيس السابق دونالد ترمب ومنافسه الأبرز حاكم فلوريدا رون ديسانتس، يرفضان التقليد الجمهوري باحتضان الحلفاء المنغمسين في حروب مع "أعداء الولايات المتحدة"، فما السبب وراء ذلك؟ وهل يكسبهما هذا الموقف دعماً أفضل في الانتخابات؟
أوجه الاختلاف
لا تعد مواقف الرئيس السابق دونالد ترمب بشأن حرب أوكرانيا مفاجئة لأي طرف، فقد أعلنها مراراً وكررها هذا الشهر في مقابلة مع مذيع قناة "فوكس نيوز" شون هانيتي، حين قال إنه كان سيتفاوض للتوصل إلى صفقة مع روسيا تسمح لها بالسيطرة على مناطق معينة من أوكرانيا، ثم أكدها في الاستبيان الذي أرسله مذيع "فوكس نيوز" تاكر كارلسون للمرشحين الجمهوريين المحتملين للانتخابات الرئاسية المقبلة، قائلاً إن التصدي لروسيا في أوكرانيا هو في مصلحة أوروبا الاستراتيجية، وليس الولايات المتحدة، وأنه سيمنح كييف قليلاً من الأموال، ما لم تستمر روسيا في مواصلة الحرب.
لكن المفاجأة تمثلت في ما أعلنه حاكم ولاية فلوريدا رون ديسانتيس، المرشح الأبرز الذي من المتوقع أن يسعى إلى الحصول على ترشيح الحزب الجمهوري للرئاسة في عام 2024، بأن "استمرار دعم الولايات المتحدة لأوكرانيا ضد روسيا ليس مصلحة وطنية حيوية"، موضحاً أن "المصالح الحيوية لأميركا تتمثل في تأمين الحدود، ومعالجة أزمة الاستعداد داخل الجيش، وتحقيق أمن الطاقة واستقلاله، والتحقق من القوة الاقتصادية والثقافية والعسكرية للصين"، بينما لا يعد الخلاف الإقليمي بين أوكرانيا وروسيا من بين المصالح الأميركية.
تحول مثير
وفي رده على كارلسون، انتقد ديسانتس التزام بايدن بمساعدة أوكرانيا على اعتبار أن ذلك يصرف الانتباه عن التحديات الأكثر إلحاحاً لأميركا وأن السلام يجب أن يكون الهدف، لأن تسليح أوكرانيا بأسلحة متقدمة من شأنه أن يجر الولايات المتحدة إلى الصراع ويقربنا من حرب ساخنة بين أكبر قوتين نوويتين في العالم.
وما يثير الدهشة، هو هذا التحول في مواقف ديسانتس الذي وصف نفسه عام 2017 بأنه "طالب في مدرسة ريغان" التي تعتبر قاسية على روسيا. وانتقد في عام 2014 الرئيس باراك أوباما لعدم تقديمه "مساعدة قاتلة" إلى أوكرانيا بعد ضم روسيا شبه جزيرة القرم، وهو ما وصفه ديسانتس بأنه "خطأ فادح". وبصفته عضواً في الكونغرس آنذاك، صوت لفرض عقوبات على المسؤولين الروس وتقديم المساعدة الاقتصادية لأوكرانيا، بل إنه أيد تعديل قانون الدفاع الذي كان من شأنه أن يعيق تنفيذ معاهدة الحد من الأسلحة النووية حتى تغادر جميع القوات الروسية الأراضي الأوكرانية.
ماذا تعني معارضة ترمب وديسانتيس؟
لكن بينما كشفت نتيجة الاستبيان عن حال الانقسام داخل الحزب الجمهوري بشأن مساندة أوكرانيا، بالنظر إلى تأكيد بقية المرشحين الرئاسيين المحتملين مواقفهم الداعمة لكييف، فإن معارضة ترمب وديسانتس تكتسب أهمية خاصة كونها تثير تساؤلات مستقبلية حول استمرار دعم أوكرانيا إذا فاز أي منهما في النهاية وأصبح رئيساً للولايات المتحدة، وما يجعل هذا الأمر محتملاً أن داعميهما يشكلون أكثر من 75 في المئة من الناخبين الجمهوريين في الانتخابات الرئاسية لعام 2024، مما يشير إلى انفصال حاد عن نهج التدخل الذي دفع به الرئيس السابق جورج دبليو بوش في حربي العراق وأفغانستان حينما كانت مواقف المحافظين الجدد مختلفة تماماً.
ولأن الولايات المتحدة كانت ولا تزال هي المزود الرائد للمساعدات العسكرية والاقتصادية والإنسانية لأوكرانيا، مع موافقة الكونغرس على أكثر من 112 مليار دولار من المساعدات العسكرية وغير العسكرية لأوكرانيا في عام 2022، أي أكثر من نصف الناتج المحلي الإجمالي لأوكرانيا قبل الحرب، وشمل هذا المبلغ 67 مليار دولار للبنود المتعلقة بالدفاع و46 مليار دولار للمساعدات الإنسانية والاقتصادية، وفقاً لتقرير صادر عن لجنة الموازنة الفيدرالية المسؤولة، إلا أنه في ظل الكونغرس المنقسم وبروز مواقف ترمب وديسانتيس الرافضة منح كييف "شيكاً على بياض"، من غير الواضح ما إذا كانت حزمة مساعدات أخرى يمكن أن تمر في مجلس النواب الذي يقوده الحزب الجمهوري، بخاصة وأن رئيس مجلس النواب كيفين مكارثي كان قد صرح في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي بأن الجمهوريين لن يقدموا شيكاً على بياض لأوكرانيا إذا فاز الحزب بالسيطرة على مجلس النواب.
مواقف الآخرين
ومع ذلك قد يكون للمرشحين الآخرين الحاليين أو المحتملين دور في تهيئة مناخ داعم لأوكرانيا داخل الكونغرس مع استمرار دخول مزيد من المرشحين واحتدام المعركة الانتخابية خلال الأشهر المقبلة، بخاصة وأن عدداً من أصحاب الأوزان الثقيلة لم يدخلوا بعد المعترك الانتخابي، وجميعهم أظهروا تبايناً صحياً مع ترمب وليس صدى له مثلما فعل ديسانتس، حيث رد نائب الرئيس السابق مايك بنس على كارلسون بشكل لا لبس فيه قائلاً إنه يدعم "أولئك الذين يقاتلون أعداءنا على شواطئهم، ولذلك لن نضطر إلى محاربتهم بأنفسنا، كما أنه ليس هناك مكان في الحزب الجمهوري لمن يقدمون أعذاراً للرئيس الروسي فلاديمير بوتين"، في حين كتبت السفيرة السابقة للأمم المتحدة نيكي هايلي أن "مساعدة أوكرانيا في المصلحة الوطنية للولايات المتحدة، لأنه إذا فازت روسيا، فليس هناك سبب للاعتقاد بأنها ستتوقف عند أوكرانيا"، بينما أشار المرشح المحتمل السيناتور الجمهوري تيم سكوت إلى أن "إهانة الجيش الروسي هو في مصلحة أميركا الوطنية الحيوية"، ووصف المرشح المحتمل، حاكم ولاية نيوجيرسي السابق كريس كريستي هذه الحرب بأنها "حرب بالوكالة تشنها الصين حليفة روسيا ضد الولايات المتحدة".
أما وزير الخارجية السابق مايك بومبيو الذي يحمل رأيه أهمية خاصة بحكم منصبه السابق، فقد عبر في تغريدة هذا الأسبوع عن اعتقاده بأن "مساعدة أوكرانيا في إنهاء غزو بوتين هي بالتأكيد في مصلحة أميركا الحيوية واقتصادها وأمنها القومي، لأن انتصار بوتين لن يؤدي إلا إلى تقوية الحزب الشيوعي الصيني" على حد قوله. كما انتقد حاكم ولاية نيو هامبشاير كريس سونونو آراء ترمب وديسانتس الانعزالية، وكتب في مقالة رأي أن "معارضة المساعدات الأميركية ليست سياسة خارجية قابلة للتطبيق، لأن التخلي عن أوكرانيا سيؤدي إلى سلسلة من الأحداث السلبية لمصالح الولايات المتحدة في الداخل والخارج"، وهو ما وافق عليه حاكم أركنسو السابق آسا هاتشينسون الذي اعتبر أنه "إذا تركت أميركا أوكرانيا تتعثر، فإن ذلك يترك روسيا معادية على أعتاب حلفاء أميركا في الناتو".
وإضافة إلى المرشحين المحتملين فإن معظم المؤسسة الجمهورية في الكابيتول هيل، بما في ذلك السيناتور ميتش ماكونيل، زعيم الأقلية الجمهورية في مجلس الشيوخ والسيناتور ماركو روبيو والسيناتور ليندسي غراهام، وغيرهم من كبار الجمهوريين في الكونغرس، صاغوا حرب أوكرانيا على أنها معركة للدفاع عن إطار الأمن الدولي بعد الحرب العالمية الثانية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
سبب معارضة ترمب وديسانتس
لكن على رغم تأييد دعم أوكرانيا من قبل هذه الأغلبية المؤثرة في الكونغرس وبين المرشحين المحتملين، فإن معارضة ترمب وديسانتس مساندة أوكرانيا تعود لأسباب مباشرة تتعلق بالتحول في الرأي العام بين القاعدة الشعبية للكتلة الأوسع من الحزب الجمهوري، حيث أظهر استطلاع للرأي أجراه مركز بيو للأبحاث في يناير (كانون الثاني) الماضي، أن 40 في المئة من الناخبين المستقلين من الجمهوريين والمستقلين ذوي الميول الجمهورية يعتقدون أن الولايات المتحدة تقدم كثيراً من الدعم لأوكرانيا، في حين اعتقد 17 في المئة فقط أن الولايات المتحدة لا تفعل ما يكفي.
والتقطت استطلاعات أخرى اتجاهات مماثلة تعكس تراجع تأييد الجمهوريين لدعم أوكرانيا، ففي مايو (أيار) 2022، أيد 53 في المئة من الجمهوريين توفير الأسلحة لأوكرانيا، لكن هذا الرقم انخفض إلى 39 في المئة في يناير 2023، وفقاً لاستطلاع أجرته "أسوشييتد برس"، كما أيد 28 في المئة من الجمهوريين المساعدات المالية المباشرة لأوكرانيا في مايو 2022 ، بينما فعل ذلك 21 في المئة فقط في يناير 2023.
استرضاء قاعدة الحزب
ووفقاً لصحيفة "ذي أتلانتيك" فإن عديداً من ناخبي "ماغا" (اجعل أميركا عظيمة مرة أخرى Make America Great Again)، الذين يشكلون جوهر قاعدة الحزب الجمهوري، هم مشاهدون منتظمون لبرنامج كارلسون على قناة "فوكس نيوز"، حيث كان استبيانه نوعاً من مسابقة مبكرة وفرصة للمرشحين، ولهذا أراد ديسانتس أن يبدو وكأنه انعزالي، سعياً إلى جذب ناخبي "ماغا" الذين يدعمون ترمب الآن، بخاصة وأن المواجهة النهائية ربما تنحصر بينهما في نهاية السباق، ولهذا السبب ربما يكون من الأفضل أن تكون هناك بعض المواقف المشابهة مع ما تريده القاعدة الجمهورية.
ولهذا السبب انتقد ترمب تعليقات ديسانتس وقال للصحافيين الذين يسافرون معه بعد جولة انتخابية في ولاية أيوا أن حاكم فلوريدا يقلده ويسير على نهجه وهذا تغير كامل في مواقفه، بينما عبر عضو الكونغرس الجمهوري جون كورنين في تصريح لصحيفة "بوليتيكو" عن اعتقاده بأن مواقف ديسانتس ربما دفعته أن يضع مخاوفه الانتخابية على حساب العوامل الأمنية.
ومع ذلك لا يبدو أن ديسانتس يمضي وحده في هذا الطريق، فقد حذر عدد من المشرعين الجمهوريين مثل السيناتور جوش هاولي ورئيس مجلس النواب كيفين مكارثي من تقديم كثير من المساعدة لأوكرانيا، قائلين إن ذلك سيؤدي إلى تفاقم التضخم أو تقليص قدرة الولايات المتحدة على صد حرب بكين المحتملة ضد تايوان، كما أن المحافظين الذين يريدون من الولايات المتحدة أن تحول اهتمامها بعيداً من أوروبا للتركيز على محاربة الصين، كانوا سعداء ببيان ديسانتيس، حيث قال إلبريدج كولبي، المسؤول البارز سابقاً في وزارة الدفاع الأميركية، إن ديسانتس كان محقاً في إعطاء الأولوية للتهديدات الكبرى التي تواجه أميركا، مثل الصين والمخدرات التي تتدفق عبر الحدود. ورأى أن أوكرانيا تشتت الانتباه عن هذه التحديات الكبرى، بينما رفض أيضاً الراديكالية التقدمية التي اتبعها الرئيس وودرو ويلسون الذي قاد أميركا إلى الحرب العالمية الأولى بعد فترة من الحياد، وهو ما يعتبره "سياسة كارثية من قبل وستكون كارثية إذا تم اتباعها اليوم".
ماذا يعني الانقسام الجمهوري مستقبلاً؟
في مجلس النواب، جادل كبار الجمهوريين مثل رئيس الشؤون الخارجية في مجلس النواب مايكل ماكول بأن إدارة بايدن يجب أن تقدم مزيداً من المساعدات العسكرية لأوكرانيا، بينما يقول أعضاء متحالفون مع ترمب مثل النائب مات غايتز، إنه يجب توجيه مزيد من الموارد إلى داخل أميركا.
وهناك سؤال مستمر حول ما إذا كانت مخاوف بعض الجمهوريين ستترجم إلى دعم أقل من الكونغرس خلال المستقبل، ففي ديسمبر (كانون الأول) الماضي وافق الكونغرس على 45 مليار دولار من المساعدات لأوكرانيا كجزء من مشاريع قوانين الاعتمادات السنوية، في خطوة رفضها بعض الجمهوريين، وفي مايو من العام الماضي صوت 57 من أعضاء مجلس النواب الجمهوريين ضد مشروع قانون مستقل لمساعدة أوكرانيا، لكن إذا استمر جزء من الحزب الجمهوري في مجلس النواب في مقاومة التمويل الأوكراني، فقد يعرض ذلك المساعدات الأميركية للخطر، وسيتوقف ذلك على مدى استعداد رئيس مجلس النواب كيفين مكارثي لمقاومة أعضائه الأكثر تحفظاً.
وإذا كان دعم الرئيس جو بايدن لأوكرانيا خلال العام الماضي وحتى الآن، ظل ثابتاً ومكوناً رئيساً للدعم الذي تلقته أوكرانيا ضد روسيا مع استمرار الحرب، فمن المرجح بقوة إذا فاز جمهوري أكثر انعزالية بالرئاسة في عام 2024، أن تجد أوكرانيا نفسها من دون حليف رئيس.