Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.
اقرأ الآن

هل "تسرع" ترمب بتقويض القيادة الأميركية في أفريقيا؟

محللون يرون في خطة ضم "أفريكوم" إلى "يوكوم" تغييراً في السياسة الخارجية لواشنطن وتحذيرات من "الخطر الصيني"

تدريبات عسكرية أميركية (موقع أفريكوم)

ملخص

يخشى القادة الأوروبيون من أن تؤدي تصفية القيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا إلى وقوع أوروبا فعلياً تحت تهديدات جماعات إرهابية مختلفة قد تنتقل إليها من الدول الأفريقية، وذهب محللون إلى أن ترمب يخاطر بمبادرته تصفية "أفريكوم"، بالدخول في صراع مباشر مع القيادة العسكرية الأميركية، مما قد يعرض الولايات المتحدة لخطر "مؤامرة عسكرية".

قاتل قائد القيادة العسكرية في أفريقيا "أفريكوم" الجنرال مايكل لانغلي، وخلفه سيناتورات في مجلسي النواب والشيوخ، في شهادة له، للدفاع عن استمرار الوجود العسكري للولايات المتحدة في القارة السمراء، ضد ما سماه "المنافسين الإستراتيجيين"، إذ يرى فريق المعارضين للخطوة أن إدارة الرئيس دونالد ترمب تخاطر بتقويض الردع الأميركي، لكن ينظر إليها خبراء سياسيون كأداة ابتزاز سياسي تجاه أوروبا.

منذ الثالث من أبريل (نيسان) الجاري بدأ الكونغرس الأميركي عقد سلسلة جلسات استماع تتواصل على مدى الأسابيع القليلة المقبلة للنظر في طلب موازنة إدارة الرئيس دونالد ترمب لوزارة الدفاع وبرامج المساعدة الأمنية الدولية التي تُمول للسنة المالية 2026، إذ أدلى لانغلي بشهادته أمام لجنة القوات المسلحة في شأن مستقبل القيادة الأميركية في أفريقيا كقيادة قتالية مستقلة وأخطار التهديدات العابرة للحدود.

وتأتي الجلسة في أعقاب تقارير أميركية، أفادت بأن إدارة ترمب تدرس خطة لدمج القيادة العسكرية "أفريكوم" ضمن القيادة الأوروبية الأميركية "يوكوم" ليكون مقرهما في شتوتغارت بألمانيا، والأخيرة كانت مسؤولة عن العلاقات العسكرية لواشنطن مع معظم الدول الأفريقية حتى تفعيل مهمة أفريكوم رسمياً عام 2008 في عهد الرئيس جورج بوش الابن في ذروة الحرب على الإرهاب كواحدة من 11 قيادة قتالية تابعة لوزارة الدفاع الأميركية.

ووصف عسكريون ونواب أميركيون خطوة التخلص من القيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا بـ"المتسرعة"، بخاصة مع إلغاء 80 في المئة من برامج الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، التي يستفيد منها عديد من الدول الأفريقية، مما قد يكون بمثابة إبلاغ القارة الأسرع نمواً بأن الولايات المتحدة لا تهتم بما يحدث لها، ليفسح المجال للصين وروسيا وقوى أخرى بالتغلغل في القارة.

وهذا ما ذهب إليه الجنرال لانغلي في كلمة مذاعة على موقع "أفريكوم"، في تقييمه التهديد الإرهابي في أفريقيا، قائلاً لأعضاء لجنة مجلس الشيوخ إن "هناك خطراً مستمراً ومتزايداً على الأمن الإقليمي والعالمي من المتطرفين العنيفين بما في ذلك تنظيم ’داعش‘، الذي يوجه العمليات العالمية من الصومال".

اقرأ المزيد

وحول أهداف ونيات "المنافسين الإستراتيجيين" في أفريقيا، قال لانغلي إن الحزب الشيوعي الصيني يبدو عازماً على استخدام أفريقيا ليصبح القوة المهيمنة عالمياً، في حين تستغل روسيا الفرصة الناجمة عن الفوضى وعدم الاستقرار، ولـ"حماية وطننا ومصالح الولايات المتحدة يتعين علينا ردع هذه الدول وأطرافها الخبيثة عن أهدافها في القارة الأفريقية"، وفق تعبيره.

وسألت السيناتور مازي هيرونو الجنرال لانغلي "ما أفضل نصيحة عسكرية في شأن التداعيات الإستراتيجية والعملياتية لعملية دمج القيادتين؟" فأجاب بأنه عام 2007 عندما تشكلت أفريكوم نُظر إلى التحديات العالمية، وبخاصة تحدي الإرهاب آنذاك، مضيفاً "كانت نسبة انتشار الإرهاب العالمي في القارة الأفريقية اثنين في المئة وحسب، أما اليوم فتبلغ النسبة 43 في المئة"، لافتاً أيضاً إلى منافسة القوى العظمى، وتزايد أنشطة كل من موسكو وبكين في القارة الأفريقية معترفاً بأن "مهمة الدمج شاقة".

تغيير في توجه السياسة الخارجية لواشنطن

بحسب رئيس المركز الدولي للتحليل والتنبؤ السياسي الروسي في موسكو دينيس كوركودينوف في تصريح خاص إلى "اندبندنت عربية"، تعكس خطة ضم "أفريكوم" إلى القيادة الأميركية الأوروبية (يوكوم)، التي أطلقها دونالد ترمب، تغييراً في توجه السياسة الخارجية للولايات المتحدة وإستراتيجيتها العسكرية، إضافة إلى ذلك وفي إطار عملية إعادة هيكلة واسعة النطاق للقيادات القتالية ومقار القوات المسلحة الأميركية، يعتزم الرئيس تشجيع القادة الأوروبيين على تحمل مزيد من المسؤولية لضمان الدفاع الإقليمي، مما يؤدي إلى تخفيف العبء العسكري على القيادة الأميركية بصورة كبيرة، وفق دينيس كوركودينوف.

ومع ذلك يعتقد المحلل الروسي بالوقت نفسه، في ظهور مشكلة أخرى، وهي منح القيادة الأوروبية وظائف جديدة كانت تنفذها سابقاً القيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا وهو ما يرهقها.

 

ويدرك ترمب أن إعادة الهيكلة هذه قد تضعف دفاع أوروبا بصورة كبيرة، نظراً إلى أن "مظلة الناتو" التي تحميها قد تلاشت، وهذا يعني أنه في ظل هذه الظروف سيجبر القادة الأوروبيون على إنفاق مزيد من الأموال لضمان دفاعهم.

وأضاف "بما أن أوروبا تمر بأزمة اقتصادية خانقة، تفاقمت بسبب الرسوم الجمركية الأميركية الجديدة، فمن المرجح أن يجد قادتها أنفسهم مجبرين على الموافقة على جميع الشروط الجذرية التي فرضتها عليهم واشنطن"، لكن يخشى القادة الأوروبيون من أن تؤدي تصفية القيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا إلى وقوع أوروبا فعلياً تحت تهديدات جماعات إرهابية مختلفة قد تنتقل إليها من الدول الأفريقية. وفي السياق يقول دينيس كوركودينوف إن دونالد ترمب يخاطر بمبادرته بتصفية "أفريكوم"، بالدخول في صراع مباشر مع القيادة العسكرية الأميركية، مما قد يعرض الولايات المتحدة لخطر "مؤامرة عسكرية" حسب قوله.

وشكك المتخصص الروسي في عدم إدراك رئيس البيت الأبيض هذا الأمر، لذلك يرى مبادرة ترمب مجرد أداة ابتزاز سياسي في الوقت الراهن، وفي المقابل من غير المرجح أن يسمح لروسيا أو الصين أو إيران باحتلال الأمكنة الشاغرة في أفريقيا.

وعلى خلاف ما روج له لانغلي من "تهديدات روسية" مفترضة للحضور الأميركي في القارة، يرى الأكاديمي والباحث السياسي التركي مهند حافظ أوغلو أن "الصين ستكون حاضرة بقوة ربما خلال عقدين إلى ثلاثة عقود، وهذا لن تسمح به الولايات المتحدة الأميركية"، وتوقع في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، عقد صفقات ما بين روسيا والولايات المتحدة ضمن تفاهمات خاصة غير معلنة في أفريقيا وشمالها على غرار صفقات مشابهة ما بين واشنطن وأنقرة في ليبيا تحديداً.

ووفق الباحث الدولي فإن الوجود العسكري الأميركي لـ"أفريكوم" في القارة السمراء لن يستمر أمداً طويلاً، كذلك لا يرى بأن الخطر آت من روسيا أو إيران بل مصدره الصين، لأن موسكو يمكن التفاهم معها، أما إيران فيمكن تسليط عقوبات عليها للجم محاولة توسيع نفوذها، لكن الصين هي الهاجس الأكبر والعدو الأقوى بالنسبة إلى واشنطن.

تقليص حجم موازنة "البنتاغون"

بدوره يلفت الباحث السياسي في الشؤون الدولية نجم الدين دريسة إلى "زيارة لوزير الدفاع الأميركي إلى ألمانيا تمت أخيراً للمضي في خطة الدمج، إذ تخطط الآن إدارة ترمب لتقليص حجم موازنة ’البنتاغون‘ ومواردها والعمل على تقليل البيروقراطية العسكرية"، مصرة على تعطيل هذه المهمة، على رغم التمدد الروسي والصيني بعدما أشرفت على مكافحة التطرف ومحاولة حل النزاعات الإقليمية. وأكد الباحث في تصريح خاص أن هناك انقساماً بين مسؤولين أميركيين، منهم من يدعمون هذا التحرك باعتباره جزءاً لإعادة التنظيم والهيكلة وتوفير الأموال، وهي السياسة المعروفة عن ترمب، أما قلة من الأميركيين فيرفضون هذه الفكرة لأن غيابهم يسمح لدول أخرى بالتمدد.

 

وسأل مجلس الشيوخ قائد القوات الأميركية في أوروبا الجنرال كريستوفر كافولي "إذا حلت القيادة الأفريقية ودمجت مع القيادة الأوروبية (يوكوم)، فستكون مسؤولاً عن أكثر من 50 دولة... هل لديكم القدرة والخبرة والبنية التحتية اللازمة لتكونوا مسؤولين عن 50 دولة أخرى؟" فأجاب كافولي "يجب دراسة الأمر بدقة بالغة".

أما السيناتور روجر ويكر والنائب مايك روجرز فقد أكدا في بيان مشترك في الـ19 من مارس (آذار) الماضي أن مثل هذه التغييرات قد تؤدي إلى تقويض الردع الأميركي وإضعاف موقف الولايات المتحدة في مفاوضاتها مع القوى العالمية الأخرى، مصرين على ضرورة إجراء عملية دقيقة قبل تعديل أي هيكل قيادي.

ومن الجانب الديمقراطي تعالت بعض الأصوات أيضاً ضد تقليص الالتزامات العسكرية الأميركية في أفريقيا، وحذرت عضو لجنة الشؤون الخارجية ولجنة القوات المسلحة، السيناتورة جين شياهين، من أن مثل هذه الخطوة ستفتح المجال للصين، التي توسع بصورة متزايدة نفوذها في أفريقيا، لا سيما في جيبوتي وغينيا الاستوائية.

وتعليقاً على فرص نجاح خطة ترمب، كتب مدير مشروع أبحاث الأمن الأفريقي في واشنطن دانييل فولمان في معهد "أوريسيا ريفيو" الأميركي، في السابع من أبريل الجاري، موضحاً أنه على رغم استعداد الرئيس الواضح لإحداث تغيير جذري في التوجه والسلوك الطبيعي للسياسة الخارجية الأميركية بطرق عدة، فإن هناك أسباباً وجيهة للتشكيك في مستقبل خطة إخضاع القيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا لقيادة "يوكوم".

وقال دانييل فولمان إن جميع العوامل التي أدت إلى إنشاء "أفريكوم" أصبحت الآن أقوى وأكثر إلحاحاً مما كانت عليه عندما أنشأها الرئيس جورج بوش الابن، وسيتعين على ترمب إبرام صفقة مع السيناتور ويكر والنائب روجرز تبدد مخاوفهما، لأن لجان القوات المسلحة تتمتع بسلطة حقيقية وستتحكم في مصير طلب الرئيس لتمويل الموازنة الفيدرالية للسنة المالية 2026 لوزارة الدفاع، إضافة إلى برامج المساعدة الأمنية الدولية الممولة من خلال وزارة الخارجية.

المزيد من تقارير