ملخص
أسهمت ثورة 17 فبراير التي أطاحت بنظام #معمر_القذافي عام 2011 في ولادة جيل جديد من فناني #الكاريكاتير الذين وجد براحاً لنشاطهم على المواقع الإلكترونية بسبب توقف أغلب #الصحف_الورقية
وأنت تجول في مختلف أنحاء المدن الليبية ستلاحظ انتشار لوحات فنية عدة من ضمنها الكاريكاتورية، وإن كان مستواها الاحترافي بسيط، إلا أن المعنى الذي تحمله عميق، كأن أصحاب الريشة الحادة قد ضاقت بهم السبل فاحتضنت مواهبهم الجدران الأسمنتية أو الصفحات الإلكترونية.
وعند حديثك عن فن الكاريكاتير في ليبيا لا يمكنك تجاهل اسمين ارتبط بهما فن الريشة الحادة، وهما محمد الزواوي (ولد عام 1936 وتوفي عام 2011)، الذي طوع أعماله لنقد الوضع الاجتماعي، حيث سلط الضوء على القمع الذي تعانيه المرأة مما دفع بالسطات في ذلك الوقت إلى تنقيح قوانين عدة لصالح النساء من بينها الترفيع في نسبة حضورهن بالحياة السياسية وغيرها من التشريعات، أما الثاني فهو حسن دهيميش (ولد عام 1956 وتوفي عام 2016) ولقب بـ"الساطور"، وهي كنية استمدها من رسوماته الناقدة لتسلط معمر القذافي، وكان يعيش خارج ليبيا.
جيل جديد
أسهمت ثورة 17 فبراير (شباط) التي أطاحت بنظام معمر القذافي عام 2011 في ولادة جيل جديد من فناني الكاريكاتير من أبرزهم صهيب تنتوش ومحمد قجوم وفيصل الهلالي، الذي اغتيل بسبب رسمة ساخرة من القذافي عام 2011، كدليل واضح على قوة هذا الفن الذي وجد براحاً للنشاط على المواقع الإلكترونية بسبب توقف أغلب الصحف الورقية عن الصدور لأسباب مالية.
فهل نجح فن الكاريكاتير في نقل معاناة الشعب الليبي أم أن الظروف الأمنية والسياسية حالت دون ذلك؟
قول ما لا يقال
إجابة عن الإشكالية المطروحة، قال فنان الكاريكاتير محمد قجوم إن "فناني الكاريكاتير في ليبيا لم يتمكنوا من نقل الواقع السياسي والأمني بصدقية بسبب الخوف".
وأضاف قجوم لـ"اندبندنت عربية" أن "الانقسام السياسي (حكومتين على الأرض) ألقى بظلاله على فن الريشة الحادة، فإذا تم نقل الواقع المعيشي للغرب سيهاجمك الطرف السياسي أو الأمني المسيطر على هذه الجهة وستحسب على طرف الصراع الثاني (المتحكم بالشرق) والعكس صحيح، فرسام الكاريكاتير إذا نقل الواقع بحياد ستكون حياته في كفة وصدقيته في الكفة الأخرى".
وعلاقة بالصعوبات التي أن تعترض فناني الكاريكاتير، يشبه قجوم اقترابهم من الجانب السياسي في ليبيا بـ"مثابة الدخول إلى حقل للألغام"، مشيراً إلى أن "عددهم يعتبر قليلاً مقارنة بدول أخرى، كما لم تكن لديهم الشجاعة الكافية لنقل الواقع بتجرد، باعتبار أن فن الريشة الحادة إذا لم ينقل الواقع من دون رتوش ستعتبر ريشته مأجورة"، وفق تعبيره.
واستدرك أن "هناك محاولات لنقل الواقع السياسي والأمني الليبي من قبل عدد من رسامي الكاريكاتير وفق ما توفر أمامهم من إمكانات، خصوصاً في ظل الواقع الأمني الهش والخطر، لأن رسمة واحدة من هذا الفن قد تقول ما لا يمكن أن تقوله مقالة متكون من مئات الكلمات، لكن في المقابل يمكن أن يكون ثمنها اتهام لصاحبها بالإلحاد أو الكفر أو خيانة الوطن".
وأشار إلى أن "فنان الكاريكاتير يستطيع التطرق إلى الواقع الاقتصادي والثقافي بجرأة أكثر، وقد وفقت رسومات كاريكاتورية عدة في تعرية جملة من الظواهر مثل غلاء المعيشة وشح السيولة وتهريب المحروقات وغيرها من المواضيع".
وطالب قجوم بـ"الابتعاد عن أدلجة فن الكاريكاتير لما للحياد من أهمية في طرح الحالة السياسية بشفافية، فهو سلاح ذو أكثر من حد يمكن أن يهاجم ويزرع الفتنة وينقل وجهة نظر غير صائبة كما يمكنه نقل الواقع بكل موضوعية، وكل ذلك مرتبط بحامل الريشة ومدى التزامه بأخلاقيات هذا الفن".
ويشدد على "مدى أهمية الذكاء والفطنة لفن الكاريكاتير حتى تصل رسالة الرسمة من دون أن تسقط في فخ الفتنة باعتبار أن عديداً من فنانيه في ليبيا أياديهم محترفة، لكن طرحهم ضعيف"، بحسب قوله.
انطفاء الشعلة
بخصوص علاقة إغلاق الصحف بتقلص عدد فناني الكاريكاتير في ليبيا، خصوصاً أن بعضهم يذهب إلى أن نكهة الرسومات لا تكتمل إلا على الجرائد الورقية التي اندثرت بسبب الغزو الإلكتروني، قال قجوم إن "تقلص الصحف الورقية وعدم وجود جهة معينة تتبنى أعمال فناني الكاريكاتير مالياً قد تكون عوامل مباشرة لتقلص عدد أصحاب الريشة الحادة وانطفاء شعلة موهبتهم في ليبيا".
وأضاف "لكن هذا ليس عذراً لتوفق فناني الكاريكاتير عن الإنتاج، لأن الرسمة الواحدة في المواقع الإلكترونية قد تصل إلى ملايين الأشخاص، فالغزو الإلكتروني واقع عالمي يجب مسايرته، لأنه وفر براحاً وتقنيات ملائمة لزيادة نشاط فناني الكاريكاتير، زد على ذلك أن الجميع اتجه الآن إلى متابعة المواقع الإلكترونية عوض قراءة الصحف الورقية التي تصل إلى فئة النخبة فقط (الفئة التي تقرأ الصحف)".
فن للإضحاك
من جانبها تؤكد رئيسة تحرير صحيفة "الليبي اليوم" الإلكترونية وأستاذة مادة الكاريكاتير بالجامعة الليبية ابتسام إغفير أن "نجم هذا الفن لمع عام 2011، لأنه فن يعتمد على الرسم والشعوب في الثورات تحتاج إلى الصور لا إلى الكلمات، بخاصة أن الشعب الليبي يميل نحو الثقافة البصرية أكثر من القراءة أو السمع".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأضافت إغفير في تصريح خاص أن "أكبر دليل على قوة الكاريكاتير في فترة 2011 هو اغتيال فيصل الهلالي بسبب رسمة كاريكاتير ساخرة وناقدة لمعمر القذافي، وبعد ذلك لم نر اهتماماً كبيراً من قبل الصحف الورقية الموجودة في تلك الفترة بهذا الفن، لأنه لا توجد مادة كاريكاتورية مؤثرة لتتم محاربتها".
وأشارت إلى أن "هذا الفن في ليبيا محصور فقط في الإضحاك، فمن وجهة نظر عدد من الليبيين رسمة الكاريكاتير التي لا ترسم على وجوههم الابتسامة هي غير جيدة، على رغم التأثير الكبير لهذا الفن في العالم، ولعل الرسوم الساخرة من النبي محمد بإحدى الصحف الفرنسية وما أحدثته من ضجة في العالم ما زال تأثيرها مستمراً وسيستمر عبر التاريخ أبرز دليل على قوة تأثير هذا الفن، عكس ليبيا فإن هذا الفن لم يحدث ضجة لأنه لم ينجح في نقل معاناة المواطن".
وأوضحت رئيسة تحرير صحيفة "الليبي اليوم" الإلكترونية أنه "على رغم أن عام 2013 شهدت طفرة في الصحف الإلكترونية إلا أن فناني الكاريكاتير لم يستغلوا هذا التطور التكنولوجي ليحدثوا تأثيراً بالبلد، خصوصاً أن الفضاء الإلكتروني يقدم لهم مساحة جيدة للإبداع".
وأكدت أن "توقف الصحف الورقية كان في صالح رسامي الكاريكاتير، لا سيما في ظل سيطرة الجماعة المقاتلة الإخوانية على مؤسسة الصحافة (مؤسسة حكومية تصدر عنها أغلب الصحف الورقية) بالعاصمة الليبية طرابلس منذ الثورة حتى وصول حكومة عبدالحميد الدبيبة إلى سدة الحكم والدليل عودة صحيفة الصباح الورقية للصدور".
الإهمال
ونوهت إغفير إلى أن "الصحف الليبية لا تخصص مساحة كافية لرسومات الكاريكاتير التي لا توضع أساساً ضمن سياسة التحرير أو المواد المهمة التي من المفروض أن تطعم بها الصحف لتبقي قوية وهو ما يعكس حجم التهميش المعنوي والمالي الذي يعانيه أصحاب الريشة الحادة مما دفع بهم إلى هجر الكاريكاتير والبحث عن وظائف أخرى تؤمن احتياجاتهم".
وأشارت إلى أن "الصحف الورقية التابعة لنظام القذافي اهتمت بفن الكاريكاتير أكثر من الصحف الورقية الصادرة بعد ثورة 17 فبراير، حيث خصصت صحيفتا الجماهيرية والزحف الأخضر منذ صدورهما في فترة الثمانينيات مساحة مهمة للكاريكاتير، فالأولى على سبيل المثال خصصت ربع الصفحة الأولى لرسومات الكاريكاتير وهي مساحة مهمة باعتبار أن الصحيفة من الحجم الصغير، بينما منحت الثانية ربع الصفحة الأخيرة وكانت من الحجم الكبير".
وتؤكد أن "الصحف الورقية التي سلف ذكرها كانت تنشر بصفة يومية الرسومات الكاريكاتيرية منذ الثمانينيات إلى عام 2011 لكنها لم تكن رسومات مؤثرة، لأنها لا تتناول الوضع السياسي الليبي، بل كانت مخصصة فقط لنقد الأوضاع السياسية العربية والدولة وللشأن الاجتماعي المحلي، كعادات الزواج وأجواء شهر رمضان وغيره من المواضيع الاجتماعية".