ملخص
تسعى #إيران إلى خلق أزمات لحكومة #تل_أبيب تصرفها أو تجبرها على الحد من سياسة التصعيد والتهديد ضدها
لم يكن الموقف الذي أعلنته القيادة السعودية بعدم السماح باستخدام أجوائها في أي عملية عسكرية تستهدف إيران أقل وقعاً على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من سماع خبر التوقيع على الاتفاق السعودي - الإيراني برعاية صينية في العاصمة بكين.
فصدمة رئيس الوزراء الإسرائيلي من الاتفاق والموقف السعودي أطاحت كل الرهانات التي عقدها مع عودته إلى السلطة وموقع القرار، بقدرته على الدفع باتجاه فتح علاقات سياسية ودبلوماسية وحتى توسيع دائرة اتفاق "أبراهام" مع العاصمة السعودية، بالتالي استكمال عقد الحصار السياسي والجيوسياسي والاستراتيجي وجيو اقتصادي على النظام الإيراني، بالتالي فرض الشروط الإسرائيلية على أي اتفاق محتمل مع طهران حول برنامجها النووي أو الملفات الأخرى المرتبطة بنفوذها الإقليمي والأذرع العسكرية التي تمتلكها في المحيط الإسرائيلي، وتلك المرتبطة بالبرنامج الصاروخي وسلاح الطائرات المسيرة التي تعتبرهما تل أبيب مصدر تهديد جدي لأمنها ومصالحها واستقرارها، بالتالي، قطع كل ممرات ومنافذ التدخل على الساحة الداخلية الفلسطينية بحيث تكون حكومة تل أبيب قادرة على تنفيذ مخططاتها المتعلقة بمستقبل العلاقة مع السلطة الفلسطينية وقضية توسيع الاستيطان.
هذه الصدمة كانت واضحة في مواقف قيادات إسرائيلية من المستويين السياسي والعسكري، وأيضاً لدى كلا الفريقين في المعارضة والحكومة، ويكاد الجميع يتفق بأن ما حصل في بكين بين الرياض وطهران، وجه ضربة قاسية للطموحات الإقليمية لتل أبيب وأدخلها في دوامة البحث عن الآليات الممكنة لمواجهة استمرار إيران في بناء قدراتها النووية وتوسع نفوذها في الإقليم وتفكيك مصادر التوتر مع دول المنطقة، بخاصة الدول الخليجية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقد تأخر الوسط السياسي والإعلامي الإسرائيلي كثيراً في الربط بين ما تشهده الضفة الغربية من تصعيد أمنى والدور الإيراني فيه. فالتركيز الإسرائيلي كان منصباً على كيفية حشد المواقف الإقليمية والدولية لقطع الطريق على أي حلول تحمل في داخلها إمكانية الاعتراف الدولي بما وصلت إليه إيران على صعيد الأنشطة النووية، والتي باتت على أعتاب أو أقرب إلى دائرة التصنيع العسكري، وما يعنيه ذلك من تغيير محتمل أو متوقع في موازين القوى ومعادلات الأمن والاستراتيجية، ولعل ما قاله المحلل العسكري الإسرائيلي تال ليف رام في صحيفة "معاريف" من أن "المؤسسة العسكرية مقتنعة بأن الوضع هش، وأن التهديد الأمني ملموس أكثر بكثير، وعدد الإنذارات الأمنية مرتفع بشكل خاص، وهناك تورط متزايد من إيران و(حزب الله) في توجيه الإرهاب".
ويأتي هذا الكلام بعد مسار تصعيدي أمني شهدته مدن الضفة الغربية تزامناً مع مواقف تصعيدية مقابلة صدرت عن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ضد إيران وبرنامجها النووي والحديث عن استعدادات متسارعة لأي عملية عسكرية محتملة ضد المنشآت الإيرانية بشكل منفرد، حتى من دون مشاركة أميركية.
ومع وصول نتنياهو ومعه اليمين المتطرف إلى السلطة، نشطت الدبلوماسية السياسية والأمنية والعسكرية الأميركية باتجاه تل أبيب، انطلاقاً من موقف واضح لدى إدارة البيت الأبيض بضرورة عدم إدخال منطقة الشرق الأوسط بأي تصعيد أمني أو حرب، قد تسقط حالة التوازن القائمة وتعيد توريط واشنطن بأزمة لا تريدها في هذه المرحلة، وفي ظل انشغالها بالحرب الروسية على أوكرانيا وتنامي الطموحات الصينية المتشعبة، من هنا، يمكن فهم القمة الخماسية التي عقدت في العقبة بتاريخ 26 فبراير (شباط) 2023 في الأردن بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية وبمشاركة مصرية وأردنية ورعاية أميركية ممثلة بوزير الخارجية أنتوني بلينكن، والتي هدفت إلى التوصل لنوع من التفاهم يقود إلى نوع من التهدئة بحيث يسمح للسلطة الفلسطينية بالتقاط أنفاسها واستعادة دورها في ظل العمليات الأمنية التي تقوم بها الفصائل المسلحة التابعة لحركتي "حماس" و"الجهاد"، والتي لا تخرج في مآلاتها عن نتيجة واحدة هو إنهاء دور السلطة وإحداث فراغ في المعادلة الفلسطينية – الإسرائيلية، وقد تقود إلى مستويات متقدمة من التفجير الأمني والحرب.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وعلى رغم محاولة رئيس الوزراء الإسرائيلي التنصل من تفاهمات هذه القمة، والقمة التي تلتها في شرم الشيخ في 19 مارس (آذار) 2023 برعاية مستشار الرئيس الأميركي بريت ماكغورك ووزيري خارجية مصر والأردن، فإنه عاد وأعلن تأجيل توسيع البؤر الاستيطانية الذي جرى التوافق عليه في قمة العقبة، وهي عودة لم تكن نتيجة قناعة لدى نتنياهو بضرورة الالتزام بذلك، بل نتيجة لشعوره بأنه دخل في مسار قد ينتهي لخسارته كل ما عمل على تحقيقه على المستوى الإقليمي، وأيضاً نتيجة لترددات الاتفاق السعودي - الإيراني، فضلاً عما يواجهه من تحديات داخلية على خلفية التعديلات القضائية وحالة العصيان التي تعيشها إسرائيل في المؤسسات المدنية والعسكرية، وهي تحديات اعترفت بها الدوائر الإسرائيلية السياسية والعسكرية بالقول إن "قمة شرم الشيخ والقرارات التي اتخذت فيها لن تكون قادرة على احتواء التدهور الأمني القائم بالفعل في المنطقة".
هذه التطورات تفسح المجال أمام النظام الإيراني للاستمرار في لعبته بالضغط على الداخل الإسرائيلي وخلق تحديات أمنية وعسكرية له وللسلطة الفلسطينية، تسمح من جهة بتعزيز موقع ودور القوى الفلسطينية المتحالفة معها، "حماس" و"الجهاد"، ولعل تصريحات القيادي في حركة "حماس" خليل الحية تشكل مؤشراً إلى أن طهران لم تعد مترددة في الكشف عن دعمها لهذه الفصائل ووقوفها وراء ما يجري في الضفة الغربية، عندما قال إن إيران تقدم الدعم لهم مالياً وعسكرياً وتدريبياً ولوجيستياً، وإن "حماس" موحدة، الداخل والخارج، حول أهمية التحالف مع طهران، وهي مواقف تلتقي مع كلام المرشد الأعلى للنظام الذي عاد وشدد على موقف بلاده في الاستمرار بدعم قوى محور الإيراني في المنطقة.
ومن جهة أخرى، تسعى إيران إلى خلق أزمات لحكومة تل أبيب تصرفها أو تجبرها على الحد من سياسة التصعيد والتهديد ضدها، وتساعدها بالسير في سياسة تفكيك الأزمات وخفض التوتر مع محيطها العربي، وتحويل ذلك إلى ورقة تستخدمها على طاولة التفاوض النووي مع واشنطن ودول الترويكا الأوروبية، والتي تراهن من ورائها على كسر دائرة الحصار والعقوبات التي تعانيها.